الأحد، 22 يوليو 2018

الفناء في التصوف مؤسسة مؤمنون بلا حدود

الفناءالتنوع والثراء
فـــي دلالاتـــه ومكوناته لكونهـ انطلق من
تجربـــة ّ ذوقية معيشـــة، انصـــرف المجهود
فـــي القرنين الرابـــع والخامـــس أكثر نحو
التخفيـــف من ّ حـــدة الاختلاف بـــل نفيه من
أجـــل توحيد دلالته وأبعـــاده ونحت صورة
متناغمـــة لاصطلاحات ّ الصوفيـــة ترقى بها
إلـــى مصـــاف ّ العلميـــة والثبـــات ّ وتتصدى
للخصـــوم والمعترضين، باســـتدعاء القرآن
والحديث النبوي وإيجاد تأويلات تتناسب
مع فكرة
الفناءوتشرعها وتسندها  

فضلا عـــن ّ أنه انفصال عـــن الخلق
بما فيها الذات البشـــرية نفسها حيث يفقد
الفانيشعوره بنفسه وبمن حوله
اســـتبدال صفات العبد بالصفات الإلهية
مـــن إدراك
مرحلة السكون المطلق
فـــلا يعي نفســـه،
ويرى
ما حوله واحـــدا فترتد
الكثـــرة وحـــدة
ويغلب
عليـــه الوجـــود الإلهي
ّ فيغيب وجوده الذاتي
أو الفردي بوصله بعد
أن كان مســـتقلا أو
منفصلا، ويعيده إلى
معيـــن الوجود الأزلي
الإلهـــي، وفيـــه أقصى مـــا يمكن
للعابد أن يبلغه، ّ لأن وصوله إلى هذه الدرجة
عنوان اكتمال فعـــل التوحيد المقدور للعبد
إنجازه وإدراكه

ســـياق التوحيد، وقـــد لاحظنا ّ أنه
خلافا لســـائر المســـلمين الذين يبنونه، أي
التوحيـــد، على الاعتقـــاد والاعتراف القلبي

واللســـاني فإن أتباع الصوفيـــة ّ أكدوا على
عنصـــر ّ المحبة، وعملوا علـــى تقوية معناه
وتعزيزه، فهو عندهم سبيل التوحيد الأمثل
والأصدق؛ لذلك نجد الديلمي مثلا ّ يقدمه في
شـــكل أنوار: نور من الله ونور للعبد يبلغان
في
الفناءدرجة الاتحاد حيث يذوب النور
الثانـــي في ّ الأول ويتحد بـــه، فيكون بمثابة
عـــودة الفرع إلى الأصل.
وهذا الذوبان ّ يعده
الصوفية كمال التوحيد ّ لأنه ّ يحقق تلاشـــي
العبـــد فـــي الوجـــود الإلهي وامحـــاء ّ إنيته
وذاتيته، فلا يشهد إلا للواحد الأحد، إضافة
إلى ّ أن هذا العنصر المحبة ينســـجم تمام
الانسجام مع طبيعة التجربة الصوفية، فهي
وجدانيـــة روحية فـــي المقـــام ّ الأول قبل أن
تكون معرفية

ســـياقات مغايرة تجعل من
التصـــوف مجرد تقليد ومحـــاكاة ويقتدي بـــه اقتداء أجوف
شكليا، فينأى بذلك عن معانيه التي وضعت
له في عرف الصوفية الأوائل، وينخرط أكثر
في باب اختراع الكرامات وصناعة أخبارها.
وقـــد رأينا لذلـــك ّ ممهدات من قبيل تشـــييء
عمليـــة الفنـــاء وانبثـــاق اصطـــلاح
الفناءفـــي الرســـول والفنـــاءفي الشـــيخ.. وهي
اصطلاحات ســـتجد لها ّ مبرراتها وغاياتها
بعد القرن الخامس للهجرة


******************************
الرحلة والتمرد 

النصوص التي تكشف عن
الجانب الروحـــي الباطنـــي العميق في
الإســـلام؛ وهـــو ما يمثل الوجه الســـمح
الـــذي غفلنا عنه كثيرا، وآن أن يكون لكل
منا إسهام فيه ولو بالتلقي ّ المحب


علاقة وثيقة بين
التصوف والإبداع والاتصال
بمنابع الجمال والجلال
والترقي في المعارج الروحية
والجمالية والتخييلية

الرحلة في
النـــص القرآني داخل نصـــوص الرحلة
العربيـــة التي تهدف إلـــى الوصول إلى
العالم اللامرئي، ســـواء أكان ذلك العالم
أخرويا أم روحيا كامنا داخل الإنسان

التمرد قـــد يحمل في داخله بذور
الإخـــلاص والإيثار، كما ظهر عند إبليس
والحـــلاج. وقـــال
إننا فـــي حقيقة الأمر
لســـنا بحاجة إلى تبرئة الشيطان، وإنما
نحن بحاجة إلى تبرئة التمرد الذي يحمل
قيمـــا إيجابية.

: هل
التمـــرد على النظام العالمـــي الجديد، في
محاولة للخروج عن الهيمنة العاتية، يعد
خرقا للنظام وخروجا على الشـــرعية، أم
إخلاصا لمفهوم الإنســـانية وخلاصا لها،
بعيدا عن صخـــب القمع الإعلامي؟ وهل
خروج مظاهرات مؤيدة للشـــعب المصري
أو لأي شعب محاصر مظلوم ُي ّ عد خروجا
على النظام أم إخلاصـــا للوطن، وإيمانا
بحق الإنســـان في أن يحيا كريما ويموت
كريمـــا غير مكره؟ هل التمرد يكون دائما
خروجـــا وخرقا، أم أنه قـــد يكون صرخة
صادقة ضد موت الإنسان؟

التجربـــة الصوفية تجربة
غنية المبنى عميقة المعنى كثيفة الترميز
جريئـــة الطرح، لا تنتهـــي عجائبها، ولا
تنقضي غرائبها. ولقد كانت العلاقة بين
الجمال والتصـــوف والإبـــداع والفنون
بصفة عامـــة علاقة أصيلة؛ لأن التصوف
ُّ
يرتبـــط بأصـــل الجمال كله وهـــو الحق
مبدع الوجـــود والموجودات؛ فثمة علاقة
وثيقة بـــين التصوف والإبداع والاتصال
بمنابـــع الجمـــال والجـــلال والترقي في
المعارج الروحية والجمالية والتخييلية،
حيث هـــذا التجـــاذب الفنـــي والتداخل
الصوفـــي بين الإبـــداع ومنبـــع الجمال
وأصل الجلال ومصـــدر الكمال.

كانـــت التجربة الصوفيـــة رحلة روحية
معراجية تغوص في عالم الأحوال عابرة
لعالم الأقوال،
لا تنـــي ولا تقر باحثة عن
الحق والحقيقة

مخاطبات النفري، وفتوحات ابن عربي،
وحكم ابن عطاء الله الســـكندري، والمنقذ
مـــن الضلال للغزالـــي، وكتابات الحارث
المحاســـبي، وأبـــي يزيـــد البســـطامي،
والجنيد، والحكيم الترمذي، والشـــبلي،
والســـراج الطوســـي، وأبـــي طالـــب
المكـــي، وشـــعر ابن الفـــارض، والحلاج،
والســـهروردي،
وغيرهم الكثير ممن يند
عنهـــم الحصـــر، حيث الـــروح الصوفية
إدراك ذوقـــي أصيـــل ينبـــع مـــن معاناة
الروح، وجهاد القلب، وكدح اللغة للترقي
في معـــارج التخييل والتشـــكيل إلى ما
وراء الحروف والكلمات والدلالات

النـــص
الصوفي لـــم يكن نصا عاديا تقليديا، بل
كان نصا إبداعيا جســـورا خلاقا عماده
التأويـــل لا التفســـير والتعليـــل، ظاهره
الجمال وباطنه الجلال. إنه نص مشغول
بتحطيم التابوهات، ويتميز بالجســـارة
علـــى الخـــوض فـــي تأمـــل المقدســـات،
والتحـــرر مـــن القمعيـــات، والبحث في
مســـائل الألوهيـــة والكـــون والوجـــود
والاتحـــاد والحلول والفيض والعشـــق
والمـــرأة والخصوبة وترميـــزات الغزل؛
حيـــث التنقـــل الروحي والوجـــودي من
الحســـي الدنيوي إلى الرباني الروحي،
وما يستتبع ذلك من إبداع النص رموزه
الخاصة ومصطلحاته الســـرية الهائمة
فـــي عوالـــم الظاهر والباطـــن والأحوال
والمقامـــات والمشـــاهدات والمكاشـــفات
والشـــريعة والطريقة والحقيقة والذوق
والوجد
.  



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق