البلاغة و النقد الادبي و التفكير العلمي
عصر الصورة تنبع قوتها من مصدقياتها فهي اليقين الذي لا يقبل الشك وهي خزانة الذكريات المحرضة لدهشة واقوي اسلحة الحرب النفسية بدل الرموز والشعارات هزت عرش الكلمة واجبرتها علي الاختصار والتبسيط
قال ارسطو التفكير مستحيل بدون صور وبدون خيال
ولكن الان العالم اصبح يعيش متاهة من الصور الثابته والفيديو
واليوتيوب 30 مليون زائر يوميا
عالم الصور المتحركة يشهد سرعة غير مسبوقة تؤدى إلى عدم التركيز فى التفاصيل .. وتشتت المشاهد لكى ينتقل بين البدائل والقنوات. أصبح أى شيء لا يعتد به ما لم يسجل فى صورة..
غزارة الصور المعروضة والمتداولة هزت ملكوت الخيال
فهذا الاغراق ليس بريئا فهو يتلاعب بالعقول يسجل وقائع ويخفي اخري فالصورة تملك الاغواء والمحاكاة
فكلما نظرنا اشتعل الخيال وذهب لافاق بعيدة
فالمجد لكل الأشياء اللامرئية.. حين يستقر وميض الصورة فى الوجدان تكاد تكون الشكوى عالمية من
فقر الخيال، مقارنة بوهجه فى الأجيال السابقة إضافة إلى أن جوهر الصورة.
هى انبعاث لواقع مضى على حد تعبير مارتين جولى، من هنا تتجلى سلطة الصورة ،فهى الغائب الحاضر.. «لكى نطرد بعض الأشياء من أذهاننا فمن الأفضل تصويرها».
هكذا كان يرى كافكا كيف تحتفظ المخيلة بالصورة وتستدعيها دون أن تراها مرة ثانية.. الغياب يشحذ
الرؤى.
فالصورة لم تكن يوماً حية ،ولكنها تحيى الكثير من المعانى والمشاعر.. فهى توخزنا وتترك أثراً لا ينمحى من النفس وهنا تتجلى القيمة الكبرى للصور الأيقونية للمشاهير والنجوم.
فالصورة تمنح ذاتها مرة واحدة وتفصح عن مكنونها وهى يقين فى زمن اللايقين.
منذ الحرب العالمية الثانية وما تلاها من أحداث وصور الحروب تتلاعب بالعقول والشعوب.. فتارة تنجح الصورة فى إنهاء حالة الحرب كما حدث فى الصورة الشهيرة للطفلة كيم فوك التى احترقت بالنابالم فى حرب فيتنام وأشعلت الرأى العام العالمى وكانت سبباً قوياً لحسم الموقف الأمريكى من الحرب وإنهائها..
. الصورة تم توظيفها من قبل الجماعات الإرهابية لنشر ثقافة الاستشهاد والموت والتخفى لاستقطاب ضحايا جدد إلى صفوفهم.. حروب الصور تم استغلالها من قبل كل أجهزة الاستخبارات لإلحاق الضرر بمنطقتنا العربية على وجه الخصوص.. وللترويج لثقافة الاستهلاك ونشر تطبيقات الذكاء الاصطناعى متمثلاً فى الروبوتات حتى ألفتها العين.. أسهمت وسائل التواصل الاجتماعى فى انتشار سيل من الصور التى يعاد استهلاكها وتدويرها إذ أن 80% من معارفنا يأتى عن طريق حاسة البصر ..
هذا الفيض الهادر قد يشوش على الأفكار.. يشتت الانتباه.. لكن بعد كل ما شاهدناه من صور وفيديوهات للأسف الشديد .. لم تعد هناك صورة معينة يمكنها إشعال أى حرب أو إنهاؤها.. نحن فى (متاهة) الكل يتطلع للخروج منها سالماً.. غير معنى بالآخرين.. فالتائه منشغل بذاته يلتفت وراءه من آن لآخر صوب مآسى الآخرين.. لكنها لا تستوقفه إلا دقائق.. يتعاطف ثم يمضى فى طريقه.. وهذا أسوأ ما جنيناه من اعتياد الصورة واستهلاكها إلى حد الابتذال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق