مقال فاروق جويدة قضايا غائبة عن الحكومة
طلب الرئيس عبد الفتاح السيسي من المسئولين في الدولة أن يكونوا علي تواصل دائم مع المواطنين وأن
تكون لديهم القدرة والبيانات والحقائق والمعلومات للرد علي تساؤلات كل مواطن.. واعتبر الرئيس أن ذلك من صميم المسئوليات في إدارة شئون الدولة وأن من حق المواطن أن يعلم كل ما يدور حوله،
أقول ذلك وأنا اشعر بأن هناك قضايا كثيرة غائبة ينتابها الغموض ولا أدري السبب في ذلك هل هو تقصير من مؤسسات الدولة المسئولة أم إنه الإعلام الذي لم يعد يبحث عن الحقائق بقدر ما يهتم بالصخب والضجيج .. إن أكبر القضايا تأخذ كلمات قليلة علي لسان مسئول أو سطور في صحيفة أو صورة علي الشاشات ويبقي خلف ذلك كله كثير من الحقائق التي لا أحد يعرف عنها شيئا .. إن الأخطر من ذلك أن هناك قضايا جماهيرية تخص الملايين من المواطنين ولا احد يهتم بها وبعد ذلك كله تبقي سلسلة من التساؤلات أمام الرأي العام لا أحد يجيب عنها..
منذ شهور قليلة بدأ الحديث عن الصندوق السيادي الذي قررت له الدولة 200 مليار جنيه ليكون حارسا أمينا علي الأجيال المقبلة من خلال موارد ثابتة ومصادر مالية تغطي نشاطه ودوره في الاقتصاد المصري، وفي أكثر من مناسبة طالب الرئيس عبد الفتاح السيسي بسرعة اتخاذ الإجراءات من جانب الحكومة لحماية أصول الدولة والبحث عن افضل الوسائل لتدويرها واستثمارها.. وهذا الصندوق بهذه الميزانية الضخمة سيكون مسئولا عن تدوير الاستثمار وتشغيل أصول الدولة المصرية بما في ذلك مشروعات سوف يتم عرضها في البورصة وفيها شركات البترول والبنوك وأصول أخري سوف تدخل في اختصاص الصندوق الجديد ..
لا شك أن فكرة تأمين الأجيال المقبلة وحماية أصول الدولة أمور تفعلها الدول لحماية مصادر الثروة ولكن هذا الصندوق يحتاج إلي توضيح أهدافه وأصوله وتبعيته ودوره وإدارته، وهذه مسئولية مجلس الشعب أولاً والإعلام ثانياً لأنه لا داعي للغموض في مثل هذه القضايا، إن الحديث عن أصول الدولة يتطلب توضيحا عن نوعية هذه الأصول ومصيرها وهل هي عقارات أم منشآت أم شركات أم وسائل إنتاجية أم أراض، وما هي علاقة ذلك بدور القطاع الخاص الذي سيدخل شريكا مع الدولة وهل الشراكة بالبيع أو الاستثمار أو المساهمة.. لقد عانينا فى تجاربنا السابقة مع برنامج الخصخصة وكان وبالا علي الاقتصاد المصري وبيعت فيه أصول بتراب الفلوس ولا ينبغي أن تتكرر الأخطاء وهذا يتطلب قدرا كبيرا من الشفافية والوضوح أمام الرأي العام.. ينبغي أن يخرج علينا كبار المسئولين ويناقشون أهمية ودور الصندوق السيادي حتي تطمئن الضمائر وتهدأ النفوس..
علي الجانب الآخر فإن أملاك هيئة الأوقاف تتحدث الآن عن أصول تبلغ ترليون جنيه والرقم ضخم جدا ويتطلب دراسة عن جوانب استثماره وهل هناك علاقة بين أموال وممتلكات الأوقاف والصندوق السيادي الجديد أم انها جهات منفصلة عن بعضها..ولماذا لا يتم التنسيق بين هذه الأوعية الاستثمارية بصورة أو أخري.
انتفضت الحكومة أخيرا لاتخاذ خطوات جادة في قضية تنظيم الأسرة وكلنا يعلم انها تعثرت كثيرا حتي وصل بنا الحال إلي رقم المائة مليون مواطن، والواضح أن الإجراءات بدأت تتسم بالجدية، ولكن في تقديري أن هناك قضيتين لا يمكن الفصل بينهما وهما تنظيم الأسرة ومشكلة الأمية لأن مجتمعا فيه 40 مليون مواطن لا يقرأون ولا يكتبون لا يمكن إقناعه بقضية مثل تنظيم الأسرة.. ابحث عن الأمية فهي وراء كل الكوارث..
الخلاصة عندي .. أن هناك قضايا ينقصها الوضوح والشفافية أمام الرأي العام هناك جهد كبير تبذله الحكومة في كل القطاعات وهناك أداء متميز في أكثر من وزارة ولكن هناك مسافة كبيرة بين ما يحدث من انجازات وما يصل للناس من الحقائق .. إن الاكتفاء بأخبار سريعة علي مواقع التواصل الاجتماعي شىء لا يكفي، هناك ما يشبه التعتيم علي انجازات لا يعرف الناس عنها شيئا .. إن تركيز الإعلام علي المهاترات والشتائم والبذاءات، وهي أشياء لا تليق بنا كشعب ولا يليق بإعلام مصر العظيمة من شتائم للدول والحكام والأشخاص، يثير الكثير من الألم لأن قضايا الناس أهم وهم الذين يدفعون الضرائب لهذه الشاشات وقد أقيمت من أموالهم ويجب أن تكون صوتا لهم..
لا خلاف بيننا أن هناك أداء جيدا وهناك مواجهة حقيقية للكثير من المشكلات والأزمات ولكن الصخب الإعلامي يغطي علي كل شىء وعلي الدولة أن تعيد النظر في إعلامها الذي يتهاوي دوره وتأثيره يوما بعد يوم..
إن أفضل أساليب المواجهة أن نكشف الحقائق وأن تكون المصداقية هي هدف كل مسئول يسعي لخدمة هذا الوطن لأن نصف الحقيقة لا يفيد ولأن غياب المصداقية يفقد الكلمة تأثيرها ودورها في الحياة..
> إن أمام الحكومة مسئولية كبيرة في توصيل الحقائق للناس وهذا دور المسئولين لأنه من الظلم لهم ولنا أن تغيب انجازات تستحق التقدير وتغيب قضايا تهم الملايين من المصريين ولا أحد يهتم بها، وهذا هو دور الإعلام الحقيقي أن يكون صوتا للحقيقة وضميرا للمواطن وأن يواجه قضايا المجتمع بالعقل والحكمة وليس بالصخب والضجيج..
+++++++++++++++++++++++++++
الصندوق السيادي المصري.. تساؤلات تبحث عن إجابة
تشير التعريفات المتباينة إلى أن الصندوق السيادي أو صندوق الثروة السيادية عبارة عن كيان قانوني يتم إنشاؤه لإدارة أصول الدولة الكبيرة بغرض استثمارها للمستقبل، وعليه فإن الدافع الرئيسي لإقامته يتمثل في وجود فوائض مالية للدولة تسعى للحفاظ عليها ومضاعفتها للأجيال القادمة.
ومن ثم يُلاحظ أن أغلب الصناديق السيادية في العالم توجد في دول غنية، إذ تشكل إيرادات النفط والغاز نحو 65% من إجمالي أموال الصناديق السيادية في العالم، وغالبًا ما تكون استثماراتها في أمور منخفضة المخاطرة على شاكلة الاستثمار في أدوات الدين والسندات الحكومية أو أسهم شركات ناجحة في البورصة أو عقارات وغيرها.
كما تشير الإحصاءات إلى أن حجم الصناديق السيادية في العالم يتجاوز 7 تريليونات دولار في بعض التقديرات، فيما يعد صندوق معاشات التقاعد النرويجي أكبرها على الإطلاق، إذ يبلغ حجمة نحو تريليون دولار، أما عربيًا فيعد صندوق أبو ظبي الأكبر والثالث عالميًا بإجمالي أصول 683 مليار دولار، يليه صندوق النقد السعودي في المركز الخامس عالميًا بأصول 494 مليار دولار.
السؤال هنا: هل لدى الاقتصاد المصري فائض يسمح له بتدشين صندوق سيادي لإدارة الثروات؟، بالطبع لا تحتاج الإجابة إلى عناء شديد، إذا علمنا أن الحكومة المصرية مدينة بعشرات المليارات من الدولارات للخارج والداخل على حد سواء، وتعاني من نسب عجز مرتفعة حتى إن انخفضت نسبيًا في السنوات الأخيرة، وفق الإحصاءات الرسمية.
تؤكد الهرولة نحو القروض الخارجية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه داخليًا على مشروعات التعليم والصحة والبنية الأساسية أن الدولة لم تكن في وضعية اقتصادية تسمح لها بتدشين مثل هذا الصندوق، ويبدو أن القائمين عليه تناسوا أن تلك الصناديق تُخلق عندما يتاح للحكومات ثروات تتجاوز قدرة الاقتصاد المحلي على استيعابها، فيتم توجيهها للخارج بغرض تعظيم العائد عليها.
الموارد.. ما مصادرها؟
رغم الإعلان ابتداءً أن الصندوق سيتم تدشينه برأسمال قدره 200 مليار جنيه (11.2 مليار دولار تقريبًا)، فإن الحديث عن مصادر التمويل والموارد الخاصة بهذا الكيان كان تساؤلًا حاضرًا على ألسنة الكثيرين، تعزز القلق بشأن هذا السؤال مع إشارة وزارة التخطيط إلى أن موارد الصندوق تشمل، بخلاف رأس المال المصدر، الأصول التي تنتقل ملكيتها للصندوق (دون تحديد ماهيتها)، كما تشمل عائدات وإيرادات استثمار أموال الصندوق واستغلال أصوله (دون تحديد كذلك)، إضافة إلى العائدات المرتقبة من إسهامه في أي من الصناديق الاستثمارية أو الشركات الأخرى.
الغريب أن الحكومة حددت رأس المال المصرح به بالجنيه المصري، فيما أعلن مدير الصندوق نيته رفع رأسماله إلى أضعاف القيم الحاليّة، وحدد هدفه بالجنيه المصري، ما يعني أن استثمار ما يتاح للصندوق سيكون داخل البلاد لا خارجها، وهو ما يتعارض مع تصريحات المسؤولين ومع طبيعة الصناديق السيادية في مختلف دول العالم التي تتعامل بالعملات الدولية في محاولة لفتح آفاق الاستثمارات الخارجية.
المدير التنفيذي لصندوق مصر السيادي أيمن سليمان قال في تعليقه على سؤال الموارد أنه يتوقع زيادة رأسمال الصندوق المرخص به إلى تريليون جنيه (62.15 مليار دولار)، من 200 مليار جنيه حاليًّا خلال ثلاث سنوات أو أقل حسب الشهية الاستثمارية واستجابة المستثمرين، مضيفًا "القطاعات التي سنعمل بها هي الصناعة والطاقة التقليدية والمتجددة والسياحة والمناطق الأثرية".
وأضاف في رده على سؤال لـ"رويترز" "رأسمالنا المدفوع خمسة مليارات جنيه منها مليار جنيه دفعته الحكومة والأربعة مليارات الأخرى سيتم سحبها وفقًا لاحتياجاتنا والمشروعات المتاحة. نتوقع رفع رأسمالنا المرخص به إلى تريليون جنيه خلال ثلاث سنوات أو أقل.. كل ذلك يتوقف على استجابة المستثمرين والشهية الاستثمارية".
ما معايير نقل أصول الدولة للصندوق؟
في المادة الخامسة من قانون تدشين الصندوق، فإن من حق رئيس الجمهورية نقل ملكية أي من أصول الدولة غير المستغلة للصندوق، وهو ما دفع البعض للتساؤل بشأن مستقبل المباني والأراضي الحكومة التي تمتكلها الحكومة في القاهرة بعد نقل مقار الوزارات والهيئات الحكومة للعاصمة الإدارية الجديدة.
تخيم على الشارع المصري حالة من القلق بشأن مستقبل أصول وممتلكات بلاده التي تقدر بنحو ما يقرب من 90% من أراضي الدولة، وسط حالة من الغموض المخيم على الأجواء المحيطة بإنشاء هذا الصندوق الذي لم تتضح بعد طبيعة تلك الأصول ولا قيم أو حتى توقيت نقلها، كما أنه لم يحدد دور السلطة التشريعية في عملية النقل تلك، وهو ما يجعل السيناريوهات كافة مباحة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق