الثلاثاء، 25 ديسمبر 2018

Death Note

ربما أفضل ما في الأعمال الفنية والأدبية هي قدرتها على طرح أسئلة "ماذا لو؟" ومحاولة بناء إجابة منطقية لها في فضاء الخيال،
فكرة الهة الموت والتحكم والقوانين وبعض المواقف العميقة فلسفيي وجودة التمثيل وقةته 
. فهل العدالة هي الانصياع التام للقانون حتى وإن أدت ثغراته إلى إفلات المُذنب كما حدث مع قاتل أبوي "ميسا"- الفتاة التي وقعت في حب كيرا كونه قد أنزل عقابه على الشخص الذي قتل أبويها وبرأَّهُ القانون؟ أم هل العدالة هي تخطي ذلك القانون بإنزال العقاب النهائي بالموت على أي مُذنب بغض النظر عن جريمته كما يفعل لايت\كيرا؟ هل العالم المثالي هو ذاك الذي يُترَك فيه الأفراد أحرارًا يفعلون ما تُمليه عليه ضمائرهم، وإن انحرفوا عن جادة الصواب يقعون تحت طائلة القانون، عبر عمليات بيروقراطية عقيمة قد تؤدي أو لا تؤدي لعقابهم؟ أم هل العالم المثالي هو ذاك الذي يحكم أفراده خوف من عقاب يُكبِّلُ إرادتهم ويجعل من القانون شيئًا ثانويًّا عديم الفائدة؟

لا يتردد لايت عن إجابة تلك الأسئلة، فعالمه المثالي هو عالم خالي من الجريمة بغض النظر عن أي سبيل سيشقه إليه. فبعد أن وهبه إله الموت أداة القتل الأكثر فتكًا، وجد لايت نفسه أسيرًا لغواية السُلطة المُطلقة على حيوات الناس، وتمامًا كإله، أخذ يحدد من يحق له البقاء ومن سيُنزل عليه عقاب الموت. الأهم من إحساسه النرجسي بالسُلطة كان اتساقه مع ذاته وقيمها، فبما أنه كان يرى أن العالم الحالي هو عالم عفن يفيض بالجرائم التي يُفلت مذنبوها من العقاب، وبما أنه صار الآن يملك أداة ستمكنه من تصويب هذا، لا يتردد لايت كثيرًا قبل أن يقرر استخدام "مفكرة الموت" لتحقيق عالمه المنشود.

لكن المُفارقة التي فاتت لايت وتمكن "إل" من التقاطها هي أن وسيلة لايت إلى عالم خالٍ من الجريمة-القتل عن طريق "مُفكرة الموت"-هي في حد ذاتها جريمة، وأن في عالمه المثالي الذي طهره من المُجرمين سيكون هو فيه المُجرم الوحيد.

شق لايت إذن طريقه لعالمه لا عبر فلسفة كانط في الأخلاق التي تقول "عِش حياتك كما لو أن كل تصرف من تصرفاتك سيصبح قانونًا عالميًا"(2)، بل عبر فلسفة جيرمي بينثم النفعية التي ترى أن الخير هو ببساطة "أكبر قدر من المنفعة لأكبر عدد من الناس"(3). ولهذا، لا يبالي لايت لوقوعه في فخ التناقض، فتناقضه حينها الناتج عن استخدامه الجريمة التي ستجعل منه المُذنب الوحيد المُتبقي، تبرره غايته في الوصول لعالم يعيش كل سُكانه بسلام وأمان، وبهذا يحقق أكبر قدر من المنفعة (عالم بلا جريمة)، لأكبر عدد من الناس (كل من هو ليس مجرم).(4)(5)









فلا إل يمثل الخير المُطلق حتى يحملنا على التعاطف معه، ولا لايت يُمثل الشر المطلق حتى يجبرنا على أن ننفر منه. هذا لأنه بالنظر لدوافع "إل" و"لايت" الشخصية، لن نصادف سوى اللون الرمادي الباعث على الحيرة.

فـ "إل"، المُحقق العبقري الذي لم تستعصِ عليه قضية من قبل، يحاول الإمساك بـ "كيرا" لا بسبب وازع أخلاقي ما أو رغبة في انقاذ الناس من قدرات كيرا المُدمَرة، بل فقط ليُثبت ذاته بعد أن صار كيرا يمثل تَحديًا لها. ولايت لا ينبري في قتل الناس رغبة في الوصول لأي منافع شخصية قد تتيحها له المفكرة بكل سهولة -كما فعل عضو مجلس إدارة شركة "يوتسبا" مثلًا الذي ما أن حصل على المفكرة حتى أخذ يقتل منافسيه لتزداد أرباح ونفوذ شركته، وكذلك ميسا التي استغلت المُفكرة لتتقرب من كيرا- بل يفعل هذا كانعكاس لقناعاته الشخصية بكون هذا هو الصواب وإن كان يعرف في قرارة نفسه أن ما يفعله يعد جريمة. ولهذا، فما يُحرِّك الحبكة ويدفع الأحداث للأمام ليس صراع الخير والشر المُعتاد، بل صراع اثنين من العباقرة كل منهم يريد تدمير الآخر فقط إثباتًا لذاته.


عندما قال: "حل القضايا الصعبة هوايتي، ولو قمتم بقياس أفعالي على مقياس الصواب والخطأ كما ينص عليه القانون، ستجدونني مسؤولًا عن جرائم كثيرة. فكما تجدون أنتم مُتعتكم في حلّ الأحاجي أو إنهاء لعب الفيديو أسرع، أجد أنا متعتي المُطوّلة في حلّ القضايا. ولهذا، فأنا لا أقبل سوى القضية التي تُحرِّك اهتمامي، بغض النظر تمامًا عن العدالة. ولهذا أيضًا، لن ألعب بنزاهة في سبيل إغلاق قضية ما، فأنا شخصٌ غَشَّاش ومخادع يكره الخسارة."


بل وتكاد العدمية أن تكون المُحرك الرئيسي للأحداث. فقد بدأ الصراع من الأساس عندما أحس ريوك إله الموت الذي مُنَح الخلود بالسأم من عالم آلهة الموت الرمادي، ولم يوقع بمفكرة الموت خاصته لعالم البشر سوى كي يحصل على بعض المتعة. تُصبح حيوات كل من ستقتلهم المُفكرة إذن ثمن يدفعه البشر لتتسلى الآلهة على غرار ميثولوجيا اليونان القديمة.








ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق