Oct 29, 2021 . Dec 4, 2021 Feb 10, 2022
البسطاء يسقطون بين براثن مافيا النصب باسم الاستثمار الحلال.
خذ جنيهاتي وأعطني ثروة
وهو الرجل الذي يدّعي أنه يساعد الناس في استثمار أموالهم لتعود عليهم بأرباح طائلة، لكنه يختفي فجأة ليزداد الفقراء فقرا والطامعون ندما.
يجيدون فن إقناع الناس بتحقيق أرباح كبيرة في فترة قصيرة من جمع المليارات من الجنيهات المصرية، في ظاهرة أخفقت معها جهود الحكومة في القضاء عليها، ففي كل مرة يتم القبض على “مستريح” يظهر “مستريح” آخر.
الفيلم السينمائي المصري “كراكون في الشارع”، بطولة عادل إمام والممثلة يسرا، منذ أكثر من ثلاثة عقود، قضية النصب على المواطنين بجمع مدخراتهم من جانب أحد الأشخاص الذين يلبسون جبة الثقة، مقابل حصولهم على عوائد في صورة وحدات سكنية أو أموال نقدية، وتنتهي القصة باكتشاف أنهم ضحايا سلموا أنفسهم إلى محتال باع إليهم الوهم وخسروا كل شيء بسبب حلم الثراء.
بعد عرض الفيلم بعامين فقط، تحوّل العمل الفني إلى حقيقة من خلال شخص يُدعى أحمد الريان قام بجمع المليارات من الجنيهات من المواطنين بحجة توظيفها في مشروعات مقابل حصولهم على عوائد شهرية بنسبة تتجاوز فوائد البنوك، وبعد فترة قصيرة اكتشف الناس أنه محتال، وألقي عليه القبض، وجرى حبسه دون تسليم الضحايا عوائدهم واختفى اسم الريان، لكن ظاهرته لا تزال باقية.
يذهب إليه الناس طواعية، ولا يحتاج الأمر سوى قدر من الإقناع والسمعة الجيدة بين أهالي المنطقة، وإشادة من بعض الموثوق بهم بحسن السلوك والأمانة حتى ينصب شباكه للإيقاع بضحاياه.
تتجلى خطورة المستريح في الواقعة الأخيرة التي شهدتها محافظة المنيا جنوب مصر، حيث جمع المحتال أكثر من ملياري جنيه خلال فترة وجيزة، حتى سقط في قبضة الأمن وأحيل إلى النيابة العامة بتهمة النصب على المواطنين، ما يثير علامات استفهام كثيرة حول استمرار الظاهرة رغم وقوع الكثير من الناس في نفس الخديعة بمحافظات مصرية عديدة خلال السنوات الماضية.
تبدو كل واقعة نسخة مكررة من الأخرى، وغالبا ما يكون الاختلاف الوحيد في طريقة توظيف الأموال أو المشروع الذي يروج له المستريح بين الناس للاستثمار فيه، لكن البدايات واحدة، من خلال الاستعانة بمجموعة من الأصدقاء والمعارف للحصول على مدخراتهم ومنحهم عوائد كبيرة شهريا، وبعد انتشار اسمه، يتهافت عليه باقي سكان المنطقة بحثا وراء الثروة.
لا تقتصر أسباب ظاهرة المستريحين على الجهل وارتفاع منسوب الأمية في المناطق الريفية والشعبية، فكثير من الوقائع كشفت وجود شريحة من الذين يصنفون كنخبة وقعوا ضحية للمحتالين، فهناك أطباء وصيادلة ومهندسون وإعلاميون وموظفون في أماكن مرموقة لم يسلموا من هذا الفخ، وجرى خداعهم بالعوائد الكبيرة في بادئ الأمر.
من هؤلاء (م. ع)، وهو مراسل تلفزيوني بقناة حكومية وقع فريسة شاب مستريح جمع قرابة 40 مليون جنيه من سكان بعض القرى بمحافظة تقع في دلتا مصر بدعوى توظيفها في تجارة السيارات، وقام الإعلامي ببيع جزء من نصيبه في الميراث وتسليم قيمته للمحتال، مع إقناع أخواته بتكرار نفس الفعل.
معضلة ضحايا المستريحين الجدد أنهم ينبهرون في بادئ الأمر بقيمة ما يتحصلون عليه من أموال، وهي سياسة يستثمرها المحتالون لإغرائهم بإظهار حسن النوايا، حتى يقوموا بمهمة الدعاية لجلب المزيد من الباحثين عن توظيف مدخراتهم، وفجأة يبدأ التهرب من دفع المستحقات في مواعيدها ويترك المنطقة برمتها، ويختفي عن الأنظار.
يتميز المستريح بقدرة فائقة على استثمار فطنته ولباقته في إقناع ضحاياه بأن أموالهم في أمان، وبحكم أن المناطق الريفية والشعبية تقوم فيها العلاقات على الوعود الشفهية دون أوراق رسمية، مثل التوقيع على ما يثبت حصوله على أموال، يقطع على نفسه عهدا بطريقة “كلمة الشرف” التي تكون في بعض المجتمعات أقوى من قوة القانون.
يلجأ المستريح إلى كسب ثقة المتخوفين على أموالهم بالتوقيع على شيكات تضمن حقوقهم، ما يزيد طمأنة الناس، ويتعمد عدم مفارقة الصلاة في المسجد أو الكنيسة كي يظهر لضحاياه ورعه.
لأن المحتال ينتمي إلى عائلة معروفة ومشهود لها بالنزاهة والمصداقية وحسن السمعة غالبا، فهو يجيد التسويق لنفسه مستثمرا هذه الأساسيات التي تمثل بالنسبة إليه نقطة الانطلاق نحو إيهام المحيطين بكونه شخصية تحمل قدرا كبيرا من الأمانة، وإن لم يلتزم بكلمته، فهناك عائلة سوف تحاسبه ولن تقبل بتشويه صورتها، وقد تدفع عنه مديونياته للناس.
تدني الوعي يعمي بصر البسطاء أمام العائد السريع في بداية الأمر، ولا يكلفون أنفسهم عناء السؤال عن الشخص الذي يتاجر بأموالهم، وفي كل مرة يتحرك الضحايا متأخرين ويأخذون وقتا طويلا للاستفاقة من التأثير النفسي عليهم جراء الوعود البراقة.
ضحايا مستريح المنيا الجديد قالوا في اعترافاتهم أمام رجال الأمن إنه استعان بمجموعة من رجال الدين لإقناع البسطاء بأن الأرباح الشرعية تأتي من التجارة، ونصحوا الأهالي بالابتعاد عن البنوك وإيداع مدخراتهم مع هذا الشخص، وتبين لاحقا أن بعض هؤلاء المتدينين كانوا يعملون معه كمندوبين ينصبون باسم الدين.
أخطر ما في ظاهرة المستريحين أن الناس ما زالوا مقتنعين بـ’حرمانية’ التعامل مع البنوك، وهو ما يوظفه دعاة الدين لإقناع الناس بالاستثمار من خلال إيداع أموالهم مع أشخاص مشهود لهم بالمصداقية، مع منح هؤلاء المحتالين قدرا من النزاهة بشكل يعمي المتعاملين معهم من اكتشاف نصبهم”.
شغف الفقراء ومحدودي الدخل بالمكسب السريع يجعلهم مستعدين لأي شيء لمجرد تحسن ظروفهم المادية، والانتقال إلى مرحلة يستطيعون فيها توفير احتياجاتهم بعيدا عن الاستمرار في الحرمان، وهؤلاء يكونون هدفا سهلا للمستريحين، وغالبا ما يتم استهدافهم من خلال الفوائد المبالغ فيها لإغرائهم بتسليم كل ممتلكاتهم للمحتال أمام مطاردة الفقر”.
المستريح بطبعه يعتمد على ثقة الناس فيه، ويستثمر سيرته الحسنة لإبعاد كل الشكوك عن شخصه، ومهما جرى الحديث عن خطورة الظاهرة، يستطيع بسهولة إقناع ضحايا بأنه ليس محتالا”.
وصار الخطاب الديني العشوائي الذي يشرعن توظيف الأموال أقوى من الخطاب الذي يحصن الناس من النصب.
البنوك نفسها لم تصل بعد إلى الناس من الفئات الفقيرة والمهمشة لإغرائهم باستثمار أموالهم بشكل آمن، بعيدا عن محترفي توظيف المدخرات في مشروعات وتجارات وهمية، ويتم استهداف الشرائح الغنية فقط، وأمام هوس البسطاء بالثراء الذي يلبي الحد الأدنى من احتياجاتهم دون جهد، فالقضاء على ظاهرة “المستريح” سيكون صعبا.
وروجت منابر إعلامية إلى أن “المصريين في حقيقتهم أغنياء والفقر مجرد شعار وهمي”، ما قد يمهد الطريق أمام الحكومة للتمادي في إصدار قرارات اقتصادية تقشفية مستغلة السيولة المادية التي يتم الكشف عنها خلال وقائع النصب، لأن أغلب هذه المدخرات مصدرها أسر بسيطة أقدمت على بيع ممتلكاتها نظير الهروب من الفقر.
بغض النظر عن إمكانية استفادة الحكومة بشكل غير مباشر من “المستريح” للترويج لفكرة تراجع منسوب الفقر من عدمه، فهي مطالبة بمواجهة الظاهرة من المنبع، برفع فوائد البنوك لإغراء كل الفئات على الاستثمار الآمن، مع تغليظ عقوبة الاحتيال بدلا من اعتبار بعض القضايا جنحا عادية بدعوى أن القانون لا يحمي المغفلين مع تكميم أفواه المحرضين على النصب بفتاوى دينية تستغل حاجة البسطاء للمال في الدعاية لمن يستغلون جهلهم وأحوالهم المعيشية للانقضاض على كل ممتلكاتهم.
* Feb 6, 2021
May 18, 2021
إمبراطور توظيف الأموال في مصر
ثري ساخر يزيح القداسة المزيّفة عن الجماعات الدينية، والجدل الجماهيري والنخبوي حوله لا يزال متواصلا.
شركات توظيف الأموال في مصر ذات سمعة سيئة لما تمثله ضمن مشروع جماعة الإخوان الهادف للهيمنة على الدولة المصرية، والذي جرى اكتشاف تفاصيله في العام 1992 تحت عنوان مشروع التمكين
أشرف السعد
يثير السعد الاهتمام أيضا على المستوى النخبوي، حيث تُغري شخصيته المختصين والنخبة المثقفة لاستكشاف السر وراء قدرات شخصيات عادية لم تنل القدر الكافي من الدراسة ولم تتعمق في المناهج الفكرية والفقهية ولم تدرس تاريخية الإسلام السياسي وما يؤهلها من تفسيرات وتأويلات دينية وفكرية للرد على رموزه ومنظريه، ورغم ذلك تخوض معارك على مستويات مختلفة وتربح جولاتها بالعالم الافتراضي.
لعب السعد قديما في سياق مشروع أسلمة الاقتصاد والمجال العام من خلال شخصية التاجر الذي يوهم الناس بالربح السريع المضاعف ويخدعهم باللحية الطويلة والجلباب القصير، وها هو يخوض الآن معاركه ضد تيار الإسلام السياسي بشخصية وعقلية ابن البلد “الفهلوي” الذي لم يكتسب خبراته من الدراسة والبحث بل من واقع الحياة ومن تجاربه الشخصية التي اطلع خلالها على كواليس ما يجري التخطيط له داخل التنظيمات المغلقة.
قد أثبتت هذه الأساليب التي تجمع بين العمق والبساطة وخفة الظل أنها أكثر إزعاجا لجماعة الإخوان ولتيار الإسلام السياسي، حيث تنتشر بشكل أسرع وأكثر اتساعا مقارنة بالطروحات الرصينة، فضلا عن أنها تستهدف نفس الفئات الاجتماعية التي يبذل إعلاميو الإخوان وناشطوها على السوشيال ميديا جهودهم لجذب وارتهان قطاعات منها.
*
لماذا يُصدِّق الناس المحتالين؟
وصلت الأرباح من التعامل مع مستر حسين إلى 15% و30% شهريا، وهو رقم هائل، يعني أن تعطيه 200 ألف جنيه على سبيل المثال فتحصل على 30 ألف جنيه شهريا، لكن على الرغم من ضخامة المبلغ، فإن هذا النوع تحديدا من حوادث الاحتيال يتكرر من حين لآخر في مصر. أحد أشهر الأمثلة هنا هو "مهند" في الإسماعيلية(2) الذي وعد الناس بأرباح تصل إلى 65% سنويا، ثم جمع 50 مليون جنيه وهرب خارج مصر، وحالة أخرى في القاهرة(3) خلال العام الفائت جمعت من الناس مليونَين و800 ألف دولار!
حصول على ملايين من الدولارات من الناس مقابل وعود بالنسبة نفسها التي وعد بها مستر حسين ضحاياه تقريبا، نعرفها الآن باسم(4) "سلسلة بونزي" (Ponzi Scheme).
تعطيه 1000 جنيه ثم يعطيك ربحا قدره 150 جنيها كل شهر، إن ألف جنيه مبلغ هيّن، خاصة أن الذي يتحدث معك يُقدِّم عرضا مقبولا ومعقولا بلغة التجارة، حيث يقول إنه يتاجر في شيء ما أنت تعرف أن له بالفعل أرباحا واسعة، ليكن مثلا استيراد الرخام أو توريده كما يحدث في حالة صديقنا. بعد شهر سيطلبك هذا الشخص للحضور والحصول على أموالك، خلال 6 أو 7 أشهر تكون قد عوّضت المبلغ بالكامل، هنا لن تستمر في الاستثمار فقط، بل ستدعو أصدقاءك وأقرباءك وزملاء العمل للنهل من هذا الكنز.
التسويق الشبكي أو الهرمي
فيتوجّهون إلى تجار أقل ارتباطا بالمنظومة، يعملون بشكل منفرد، ويتخلّون عن القواعد الأساسية لمنظومات البيع التقليدية، لكن تظل النفس البشرية هي منبع هذا النوع من الأخطاء الممتدة على مدى عقود.
هذه الآلية التي احتال بها مادوف في أثناء الأزمة الاقتصادية في عام 2008.
لوهلة تظن أن مادوف كان ليفشل، لم يستخدم الرجل سلسلة بونزي بين مجموعة من السذج والجهلة بآليات عمل الأسواق الاستثمارية، وهذا بالفعل يُفلح مع المحتالين، بل طبّقها بين أباطرة المال والأعمال، يشبه الأمر أن تدخل قفص الأسد في حديقة الحيوان ثم تحاول أن تحصل على حصته من اللحوم في وجبة الغداء! لكن النفس البشرية يمكن خداعها مهما كانت ذكية.
كانت نِسَب الأرباح التي قدّمها مادوف معقولة بشكل كبير مقارنة بمستر حسين الذي يُثير الشبهات بمجرد نطق النِّسَب، عرض مادوف 12% سنويا فقط (في الولايات المتحدة الأميركية فإن نِسَب فوائد البنوك تقع تحت النصف في المئة).
إشعار الناس بالتميز هو ضرب على وتر غاية في الحساسية لديهم، لأننا -نحن البشر- متحيزون إدراكيا لتصوُّر أننا نمتلك قدرات خاصة، وكأننا أذكى من المتوسط الطبيعي للآخرين، لذلك عادة ما نتعامل مع ضحايا الاحتيال بوصفهم أغبياء ولا نتصور أنه يمكن أن يحدث لنا، في الواقع يسمى هذا النوع من التحيزات الإدراكية بوهم التفوُّق.
المحتال لا يُقدِّم عرضه بالطريقة التي تظنها، بل سيقول مثلا إن الصدأ قد بدأ يأكل برج إيفل، وقررت السلطات بيعه بوصفه خردة، ثم يُقدِّم لك مجموعة من الأوراق الحقيقية التي تُشير إلى مشكلة الصدأ، مع مقال أو برنامج تلفزيوني ما يتحدث عن الأمر، مع مجموعة من الأوراق المزورة التي تُشير إلى ضرورة هدم البرج.
تعمَّد مادوف استهداف فئة بعينها من الناس، وهي أثرياء المجتمع اليهودي في ولايتَيْ فلوريدا ونيويورك الأميركيتين، أضاف ذلك إلى محاولاته إشعار عملائه بالتميز، لكن الخاصية الأهم لتلك الحركة الذكية كانت أنه يمكن للثقة أن تنتشر داخل هذا النوع من المجتمعات المغلقة بسرعة شديدة، خاصة أن هناك فارقا بين أن تتلقى معلومة استثمارية من أشياء كالتلفاز مثلا أو كتاب ما أو حتّى خبير قد قمت بتأجير خدماته، وبين أن تتلقاها من صديق.
بناء الثقة هو أمر لا يمكن أن تتخيل قدر أهميته في حياتنا، في كتابها "لعبة الثقة" (The Confidence Game) تقول ماريا كونيكوفا، متخصصة علم النفس من هارفارد ولاعبة البوكر والكاتبة في الوقت نفسه، إن الثقة قد تكون أهم شيء في حياتنا نحن البشر، نحن كائنات اجتماعية تتوق لبناء علاقات جيدة بالأهمية نفسها لغرائز مثل الجوع أو العطش أو الحاجة إلى الجنس، وفي بناء العلاقات فإن الثقة عامل أساسي.
ارتفاع نِسَب الثقة في مجتمع ما يرتبط بارتفاع في قوة مؤسسات الدولة واقتصادها،
حادثة بيرنارد مادوف كانت قد تركت أثرا سيئا في أسواق المال الأميركية تسبَّب في تراجعها، على أثر فقدان الثقة بشكل عام، من جانب آخر نعرف أن ارتفاع نِسَب الثقة في الآخرين مرتبط بأداء أعلى في العمل، وبالتالي إنجاز أكبر.
هذا مفهوم بالطبع، لو قرّرنا على سبيل المثال أن نختبر مجموعتين من الناس، ثم قلنا للأولى أن تعمل على حل مشكلة ما، وقلنا للثانية الشيء نفسه لكن أضفنا أن يأخذوا حذرهم تجاه المجموعة الأخرى لأنها ربما تفعل أي شيء غير أخلاقي لتكسب السباق، فستعمل الأولى بتركيز كامل بناء على ثقتها في الثانية، لكن الثانية ستضع جزءا من تركيزها على المجموعة الأخرى، وبالتالي يكون أداؤها منخفضا.
لكن على الرغم من كل المزايا التي تحملها الثقة، فإن لها أضرارها التي قد تكون قاتلة، بالضبط كما أن حبنا للطعام قد يتسبَّب في إصابتنا بالسمنة رغم أنه بالأساس غريزة للبقاء، فإننا أيضا قد نصاب بدرجة من الثقة الزائدة في الآخرين، في الظروف العادية قد لا يُسبِّب الأمر مشكلة، لكن لحظة وقوعك في شرك نصبه لك محتال ما، فإن الثقة ستعمل ضدك على طول الخط.
مجموعة من 100 شخص، 20 منهم محامون و80 مهندسون، ثم أضفت أن أحمد تحديدا هو أحدهم، وهو مهتم بالسياسة وبارع في النقاشات الجدلية، كما أن أصدقاءه يحبونه، ثم طلبت منك تحديد وظيفته، فعادة ما ستميل للقول إنه محامٍ.
على الرغم من أن تلك الصفات يمكن أن توجد في أي شخص، فإنك استخدمتها لصناعة قصة تتوافق مع طبيعة مهنة المحاماة، متجاهلا بذلك الإحصاءات التي تقول إن هناك احتمالا قيمته 60% أن أحمد مهندس وليس محاميا، هذا النوع من الأخطاء الإدراكية يساعد المحتال بشكل كبير، لأنه يضع نفسه في قالب يجعل الناس يظنون أن لديه معرفة خاصة بأشياء دفينة.
كلمة "مستر" المضافة إلى اسمه هنا تعطيه إيحاء بالأفضلية على الآخرين، فكلهم أناس عاديون لكن صديقنا هنا هو "مستر" يعرف الكثير عن العالم خارج مصر،
الصورة الكلاسيكية من الاحتيال المالي يستمر المحتال في إعطائك أجزاء صغيرة من الربح على مدى زمني طويل نسبيا، كان قد وعدك بالفعل بهذه الأرباح، ثم فجأة يُطلعك على أخبار سرية تقول إن هناك صفقة هائلة قد تساعدك على تحقيق أرباح استثنائية، سيعطيك القليل من الوقت وقدرا كبيرا من البيانات التي لا يمكن أن تعالجها، سواء لصعوبتها أو لضيق الوقت، هنا يقودك الجشع للخطوة التالية، وهي أن تعطيه ما يريد، ثم يختفي.
لو تأملت قليلا لوجدت أن مشكلة سلسلة بونزي بالأساس هي أنها صعبة الكشف، في الواقع قد يكون السيد بونزي، أيًّا كان، إنسانا طبيعيا قرّر بالفعل أن يعمل بالاستثمار، لكن في مرحلة ما فإنه يجد أن الأموال تتدفق بشكل لا يمكن إيقافه. مثل عملائه، يدفعه الجشع أيضا لتحويل الاستثمار الحقيقي إلى أداة في سلسلة بونزي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق