تقلص التفاوت الثقافي بين النخبة والعوام
*
دفاع عن البسطاء
البسطاء يعيشون باكتفاء وقناعة، ورضا كبير، رضا داخلي وصفاء، هؤلاء الذي يحاولون أن يكونوا أفضل ويسعون لذلك، لكن مع هذا تجدهم فرحين بما لديهم مكتفين جداً، وسعداء بالقناعة التي تحيط بهم. حياتهم لا تتجاوز متطلبات يومية لا يفكرون بغد وما بعد غد، همومهم وأفراحهم هي اللحظة الحالية لا سواها.
يعملون اليوم، يكسبون رزقهم اليوم، وينفقون ما كسبوا اليوم، ويفرحون بمشترياتهم اليوم، ويأكلون ويشربون ما صنعت يداهم. هؤلاء الذين يعطون دون مقابل ويمنحون دون أن ينتظروا ثمن لما فعلوه.
نكف عن استغلالهم ونرفع القبعات احتراما لهم
البسطاء لا يشترون الكتب ولا يقرأون فليس لديهم الوقت الكافي للقراءة فهم يعملون فقط في جري مستمر خلف لقمة العيش أليس هذا ما نقوله ويردده الكثير. البسطاء لا يلبسون ما نلبس ولا يأكلون ما نأكل ولا يدخلون الأماكن التي ندخلها ولا يقتنون المقتنيات الخاصة بنا نحن.
نحتكر كل الحياة لنا لأننا أشخاص نفكر بمادية، على الرغم من كل ما نملكهُ نشعر بالحاجة للمزيد ولا نستمتع بما لدينا ولا نشعر بقيمتهُ.
هؤلاء البسطاء الذي ننعتهم بالجهل والتخلف أو قلة المعرفة وعدم الفهم أو أي من الصفات التي تقلل من قيمة الشخص. الثراء ثراء الخُلق والرضا هو شعور بقيمة أبسط التفاصيل والاستمتاع بها. والفقر هو فقر الاحترام للآخرين فقر التفكير بحيز واسع فقر الشعور بالسعادة وقيمة الحياة وجماليتها. إن قيمة الإنسان لا يحكمها المظهر العام لهُ ولا يجب أن نتعدى على الحياة الإنسانية للبشر وأساليب عيشهم ونحدد صفاتهم ومواصفاتهم كأنهم ليسوا بشر من لحم ودم وشعور وقلوبٌ تنبض وأفكارٌ تثور، فنتعامل معهم بسوء أفعالنا وأقوالنا وننتهك حقوقهم فقط لأن نهجهم في الحياة يختلف عنا!
البساطة لا تعرف غني أو فقير إنها أسلوب حياة لا يخضع للكثير من الماديات والألقاب والمظاهر المتكلفة والمزيفة أحياناً التي تُرهق اصحابها وتقيد أفكارهم بمقاييس يجب أن يعيشوا وفقها وإلا باءت صورهم وأحكام الناس عليهم بالفشل، يجب ان يحافظوا على الصورة النمطية من كل شيء لإرضاء الناس من حولهم، الاهتمام بصورتنا في عيون الغرباء والأقرباء باتت تجعلنا نعيش في حالة قلق دائم.
المجتمعات العربية تهتم كثيراً بهذهِ التفاصيل الظاهرية المرئية والمسموعة باتت الأعراف الصورية المتعارف عليها يجب أن تنطبق على الجميع وتكون وفق مقاييس مواقع التواصل الاجتماعي الموثقة بصور، تتظاهر بأن هنالك حياة مفعمة بالسعادة تم توثيقها. يجب أن نكون كذلك لابد أن تكون في هذا القالب والإطار المستهلك المستورد لتواكب روح العصر! ومع هذا نجلس في أحاديثنا خلف الطاولات المستديرة وننادي بالبساطة والعفوية أو نحدث الحالة الإلكترونية على أحد مواقع التواصل نكتب عن الحقوق والحريات والمساواة نعقد ندوات بذات الشأن، وننظم حملات تدعم مساعدة المحتاجين في المقابل نحن نواجه صعوبة في تقبلهم اجتماعياً، ان تكتب عن الإنسانية وجمالها وتأثيرها والحياة المفعمة بها وكم تكون مليئة بالراحة النفسية والسكينة والاستقرار والتعايش بين البشر، غير عما تتقبلها وتعيش وفقها على أرض الواقع هنا يكمن تناقض أفعالنا وأقوالنا تماماً.
البسطاء الذين تم ذكرهم في المقدمة هم يعيشون بسلام وأمان وأفكار مطمئنة بعيداً عن عدد الإعجابات والإطراءات والإشعارات، لا داعي أن نقصيهم ونقتل طموحاتهم وأحلامهم فقط لأنهم لا يمارسون ذات أسلوبنا في العيش، وتبقى البساطة أن تكون نسخة أولى وحقيقية من نفسك بما ترتاح لهُ الروح ويطمئن لهُ القلب، ويقتنع فيه العقل.
*Dec 20, 2021
هل الأزمة في الحكومات أم في المجتمع؟
الفارق الرهيب بين مكانة الحكام أو الخلفاء وبين مكانة الناس العاديين. التاريخ الذي يقدم لنا والمعتمد في المناهج الدراسية أيضا كله مركز في جهة واحدة وهي جهة الحاكم، حروبه ومعاركه وتحالفاته ومتعه ولهوه وعلاقته بالنساء والقصور.. الخ، بينما يندر الحديث عن الأفراد العاديين. وحتى عندما يجري الحديث عن هؤلاء فهو يجري بسبب علاقتهم بالحاكم من قريب أو بعيد وليس لشأنهم الخاص.
عبودية الإنسان للحاكم وإن بطريقة مواربة أو غير مباشرة، فبما أن المسلم هو عبد لله وبما أن الحاكم هو ولي أمر المسلمين والساهر عمليا على تطبيق شرع الله والحامل للوائه، فإن طاعة الحاكم تدخل في إطار طاعة الله أو على الأقل في إطار شيء مشابه لذلك، مما نظّر له الفقهاء عبر التاريخ من عدم جواز الخروج على الحاكم، إلا بشروط، وهذه الشروط في الغالب يتم تصميمها لمصلحة حاكم آخر، ينتظر دوره للقفز على الكرسي ويجلب معه حاشيته الجديدة.
الدور الرهيب لفكرة التقديس في الثقافة العربية والإسلامية. التقديس ليس بمعنى تعظيم شيء أو شخص ما، ولكن بمعنى الانسحاق التام أمام المقدس، وإلى درجة التضحية بالأرواح وما دونها في سبيله.
المقدس قد يكون شخصا وقد يكون فكرة وقد يكون جمادا، المسألة الأهم هنا هي العلاقة بين الإنسان وهذا المقدس. هذه العلاقة هي عادة في اتجاه واحد وهي غير خاضعة للمساءلة أو النقد.
ثقافة التقديس استفاد منها الحكام والزعماء السياسيون ورجال الدين وحتى بعض الأشخاص ممن يلعبون أدوارا اجتماعية أو ثقافية معينة.
ملاحظة أثر التقديس في ردة الفعل الغاضبة، بل والعنيفة أحيانا، لدى الكثير من المسلمين عندما يتم توجيه الانتقاد إلى بعض زعمائهم السياسيين أو الدينيين، ولا فرق إن كان هؤلاء أحياء أو أموات.
ليس مهما ما إذا كان الانتقاد صحيحا أم خاطئا، إن مجرد فكرة الانتقاد نفسها تصبح غير مقبولة لأنها تمس شيئا أو شخصا أصبح مقدسا وبالتالي غير قابل للمساءلة.
الطاعة والتقديس لا يكونان ممكنين الا عندما يتم ربطهما بأمر آخر قوي وهو الأفضلية. أي خلق وترسيخ القناعة لدى الأفراد بأنهم ينتمون إلى كل ما هو أفضل (الإسلام أفضل ديانة والعربية أفضل لغة.. الخ). وهكذا لا يمانع الفرد في تقديم الطاعة والتقديس ما دام أن الثمن المقابل هو التشريف العظيم من قبل الله بأن يكون في الموقع الذي هو فيه!
ثقافة الطاعة وثقافة التقديس وثقافة الأفضلية تخدم الاستبداد بصورة نموذجية، لأنها ترتبط مباشرة بالحقيقة المطلقة – الشكل الأكثر تجليا للاستبداد – وهي الحقيقة التي يعتقد المؤمن بها بأنها الوحيدة الموجودة أو التي تستحق أن توجد أو الذي وجودها هو فعل ضرورة وليس ممكنا!
كلما زادت الحقائق المطلقة في حياة الإنسان كلما كان ميله للاستبداد أكبر، فهو حينها لا يرى ضرورة لمشاركة الآخرين أفكارهم أو آرائهم لأنها مهما بلغت قيمتها تظل في مستوى أدنى وأقل أهمية.
الباحثين عن حلول للأزمات في مجتمعاتنا ربما يتعين عليهم أن لا يكتفوا فقط بالانشغال بالسياسة أو الاقتصاد، ولكن النظر أعمق من ذلك في البناء الثقافي والديني ومنظومة القيم السائدة في هذه المجتمعات.
فهذا البناء وهذه المنظومة هي التي جعلت وتجعل من الاستبداد منتجا أصيلا في البيئة العربية والإسلامية، بل ومقبولا في أحيان كثيرة وإن جرى تغليفه بالشعارات والمبادئ والثوابت والخبرة وما شابه.
*
إيمان العوام العجائز وفكرني بكتاب المؤمن الصادق للرد
فَلْتُحْرق الكتبُ
لأجلهم ولأجل أمثالهم من البسطاء الطيبين يمسك الله السماوات والأرض أن تزولا أو يخر بعضها على بعض هدا؛ بسبب ما يقترفه العباد في حق ربهم وفي حق بعضهم على بعض، وأنّ بلادنا بها ألف عبد العظيم، قد أنبأ عنهم واحد منهم، هذا هو منشأ الغبطة والتفاؤل، وإلا لكان المشهد مورثا للكآبة والقنوط لندرته وغربة فاعله.
بعد أن طال به الخوض في المنطق والفلسفة وعلم الكلام، لقد ثبت عمليا ما قرره الألوسي في تفسيره نظريا عندما قال: “فالإيمان المستعار من الدلائل الكلامية ضعيف جدا، مشرف على التزلزل بكل شبهة، بل الإيمان الراسخ إيمان العوام، الحاصل في قلوبهم بتواتر السماع وبقرائن لا يمكن العبارة عنها” (روح المعاني 13/ 219 بتصرف بسيط).
من أين استقوهما وهم الذين لم يَرِدُوا مجالس العلم ولا حِلَق الذكر ولا أروقة الأكاديميا؟ الإجابة بكل بساطة وبلا أدنى تعقيد: مِن الحياة العامّة، مِن الجو العام والمناخ العام والأثير العام، من الأسرة والمجتمع، ومن منابر الأمة العامّة، من أبٍ ينقل خبرات آبائه المؤمنين، وأمٍ ترضع أولادها مع اللبن اليقين، ومن عائلة تحفظ الحرمات وترعى العهود وتخشى الملام، من شيخ على منبره يقول ما يعرفه من الحق والخير والجمال بلا لفّ ولا دوران، من جيل ورث من الأجيال السابقة ما انتقل عبر الأزمان بقوة الدفع الأولى لهذا الدين العظيم.
*May 21, 2020
فرق كبير بين جهل العوام وجهل العلماء والمفكرين
النخبة تعشق المسلسلات التلفزيونية بعد أن كانت تحتقر التلفزيون، مثلما صارت حفلات موسيقى الراب تجمع حولها الطبقتين الشعبية والبورجوازية، أما مواقع ألعاب الفيديو فهي تستقطب المراهقين من شتى الفئات المجتمعية.
الرغبة في امتلاك كل شيء
فخ التنميط الاجتماعي هو فوبيا الوحدة فلاسفة مدرسة فرانكفورت
بساطة يمارس الفرد كثيراً من الممارسات التي يساير فيها الموضة، وتقليد أوضاع الناس في معيشتهم ومناسباتهم، لكي يتماشى مع ما هو موجود من نماذج اجتماعية، حتى وإن لم تتوافق مع ظروفه المالية أو الاجتماعية، لكي يخرج من دائرة اللوم الاجتماعي، أو التنمر في كثير من الأحيان إذا انفرد بقناعاته، وترك المسايرة، وطبق بشكل صحيح ما يمليه عقله، الذي يقوده إلى تصرفات قد تكون شاذة في نظر كثير من المحيطين به.
بمعنى آخر الخوف من النبذ الاجتماعي بسبب عدم مسايرة الناس فيما يعملونه بمناسباتهم، أو عدم مشاركتهم فيها، وبالتالي يصبح الفرد أسيراً للنمط الاجتماعي العام، ولا يستطيع الخلاص منه، وإذا امتنع عن المشاركة، فسيقع لا محالة في النبذ الاجتماعي، والشعور بالغربة عن المجتمع المحيط به.
على سبيل المثال ما يحدث في مناسبات الزواج من ممارسات للتبذير وصرف الأموال الطائلة للظهور أمام المدعوين بالتميز، والخروج في كثير من الأحيان عن المألوف، وتصوير هذه الممارسات ونشرها في وسائل التواصل بهدف الشهرة، وإرضاء رغبات الذات في التفوق، ومن ثم يقلدهم الآخرون، وهكذا حتى تصبح تلك التصرفات نمطاً اجتماعياً يصعب الخروج منه، وإلا نُعت المخالف بالرجعية أو البخل، أو غيرها من الأوصاف التي لا يريد أي أحد أن يوصف بها، ويتجرع ألم التنمر بسبب عدم قيامه بما تمليه عليه الأعراف الاجتماعية السلبية التي إذا بحثنا في منشأها وجدنا أن مُنشئها شخص كان هدفه الشهرة والخروج عن المألوف.
نخفف من وطأة التنميط الاجتماعي السلبي ينبغي لمن يملكون نماذج إيجابية أن ينشروا تلك النماذج في مناسباتهم أو أنماط معيشتهم المتوازنة على وسائل التواصل الاجتماعي، وألا يترك المجال بها فقط للممارسات السلبية، وأن يسهم الجميع في إعادة نشر تلك الممارسات الإيجابية والثناء عليها، وهذه مهمة المؤثرين في تلك المواقع، وخصوصاً من يملكون حسابات تبث مواد إعلامية هادفة، وهو أيضاً مهمة وسائل الإعلام الجماهيري، وكتاب الرأي، وغيرهم من المؤثرين إعلامياً، لكي نصل في النهاية إلى توازن يقنع الجمهور أن الممارسات السلبية تقابلها أيضاً ممارسات إيجابية تقف في وجه الجهلاء، وطلاب الشهرة.
لا بد أن تمارس المؤسسات التربوية التعليمية دوراً في إكساب الطلاب مهارات القناعة الذاتية، والقدرة على اتخاذ القرارات الصائبة، ومهارات الاتصال، من خلال الدورات التدريبية، أو الأنشطة اللاصفية الموجهة للمهارات الحياتية، لكي يتمكنوا من مجابهة التنميط الاجتماعي السلبي في المستقبل، وليشكلوا حاجزاً أمام فوبيا الوحدة، لينعم المجتمع بالممارسات التي تتوافق مع قيمه الدينية الرفيعة، وأعرافه الاجتماعية المتوازنة.
*
بعض العلماء يتملق العوام
ويسعى لأن ينال الحظ والشهرة بينهم بدلا من أن يعلمهم ويفهمهم ويصحح أخطاءهم
يصبح العوام هم الذين يقودون العلماء والفقهاء وليس العكس ولقد تحولت الرغبة في زيادة عدد المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي إلى هدف في حد ذاته
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق