الجمعة، 27 ديسمبر 2024

زمن الاستبداد الوطني ليغرق في الزّمن الميليشياوي حُكّامنا.. وصناعة الفوضى!

 لا أحد مسؤول عن وجود "الإخوان المسلمين" كبديل وحيد جاهز ومنظّم لوراثة حكْم حسني مبارك بعد 2011 إلّا حسني مبارك نفسه، الذي حاصر السّياسة والسّياسيّين وأدار الأحزاب من المقرّات الأمنيّة وأحبط كلّ تحرّك جادّ لبناء بديلٍ آمن، ليترك فزّاعة "الإخوان" وحدها ظنًّا منه أنّ النّاس ستستمر في تجرّع كؤوسِه حتى لا تذهب للمجهول، لم يظنّ لحظةً أنّ المصريّين سيختارون المجهول يومًا في مقابل الخلاص منه، وحتى لو دفعوا الثّمن لاحقًا.

ما زالت صناعة البدائل الآمنة راكدة تمامًا، وما زال التّخويف من المجهول قائمًا.

في العراق، جلب صدّام الغُزاة، وترك للاحتلال مهمّة صوْغ مستقبل البلاد وهندسته طائفيًّا، قَتَل البدائل ليبقى الاحتلال بديلًا واحدًا ومحتّمًا. وفي ليبيا، كانت الفوضى هي البديل الوحيد للزّعيم الأوحد وملك ملوك أفريقيا غير المتوّج، 4 عقود من السّلطة لم يَبْنِ فيها "العقيد" نظامًا قادرًا على الانتقال والتّداول الآمن. وما جرى في السّودان بعض من حصاد عمر البشير ونظامه، انقسام للجنوب ومزيد من الانقسام في الشّمال.

لا يمكن الحديث عن عالمٍ عربي مستقرّ وناهض وقادر على مجابهة التّحدّيات من دون أن يُجيبَ حكّامه عن سؤال الخروج

لم يكن بشّار الأسد بدعًا من المُستبدّين العرب، اختار رهانهم وسار على دربهم... "أنا أو الفوضى"، لكنّ تميّزه أنّه بقي لعقدٍ كامل هو والفوضى معًا (بواو وليس أو)، وفي هذا العقد الفائت في حكمه لم يجتهد ليؤمّن للسّوريّين انتقالًا آمنًا وملائمًا. اختار أن يكون السّلاح هو الاختيار، والرّابح في لعبة السّلاح هو البديل الحتمي.

الميليشيا اختيار المستبدّين لأنّها في الأصل زرْع سياساتهم وحصاد انحيازاتهم.

 الشّخصانيّة التي اختزلت الدّولة في الشّخص، فإذا سقط الشّخص سقطت الدّولة، وبالتّالي تكون محاولة التّباكي على السّاقطين، ولو من باب أنّهم السّيء الأنسب من الأسوأ، تتجاهل أنّ الأسوأ من إنتاج السّيء ومن صُنعِه، ولولا سوء السّيّء واستبداده وعدم اكتراثه بمستقبل الأمّة ما ظهر الأسْوأ.

 يُجيبَ حكّامه عن سؤال الخروج قبل الإجابة عن سؤال التطلّعات.

لا حلّ أمام العالم العربي إلّا بِبناء نظام قادر على إدارة التّنوع والانتقال والتّداول وبناء البدائل

يأتي الحاكم في عالمنا العربي وارثًا السّلطة من عائلته البيولوجيّة، أو عائلته المؤسّسيّة، أو مغامرته الانقلابيّة، يحاول إقناعنا بأنّه استثناء ولا يشبه غيره، لكنّه حين يُطالَب بالإجابة على سؤال خروجه من السّلطة يصبح نسخةً من غيره أو أسوأ، لا يُطيق أن نسألَه متى ستُغادر وكيف؟ يُفضّل أن يَترك الإجابة للمجهول كسابقيه ويجتهد في صِناعة هذا المجهول وجعله حتميًّا ولا بديل غيره. يُحبّ أن تغرَقَ بلادُه بعدَه في الفوضى ربّما ليُرسّخ في أذهان النّاس حنينًا زائفًا لزمنٍ مهّد الطّريق لهذه الفوضى ودفع إليها بجدّية وإصرار.

لا حلّ أمام العالم العربي إلّا بِطَيّ صفحة هذا النّموذج من الحُكّام والأنظمة، وبناء نموذج جديد قادر على مجابهة الأنظمة الميليشياويّة وثقافاتها وانحيازاتها، نظام قادر على إدارة التّنوع والانتقال والتّداول وبناء البدائل، نظام يعرف كلّ رأس فيه متى وكيف سيصير سابقًا، قبل أن يدخل من الباب. ويعرف حدود حقوقه وواجباته وصلاحيّاته والتزاماته عندما يدخل... وكل من يؤخّر بناء هذا النظام خائن لهذه الأمّة ومستقبل أجيالها.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق