اسبينوزا وكانط وهيجل بالنفى لأن سلامة الدولة تقوم على أسس داخلية فى بنيتها وليست خارجية، بالجيش والشرطة وأجهزة الأمن والمخابرات فى الداخل أو الأحلاف العسكرية فى الخارج. فالدولة ككل والجيش والشرطة وأجهزة الأمن والمخابرات أجزاء فيها لحفظ الأمن الداخلى والخارجى للبلاد. والأجزاء أقل من الكل. هى بطبيعتها ضعيفة حتى ولو بدت غير ذلك بالمصفحات والمدرعات والبنادق والرشاشات. فى حين أن الكل أقوى لأنه يضم الأفراد والجماعات، والأحزاب والنقابات والاتحادات ومنظمات المجتمع المدنى. وهو تصور عسكرى أن الجيش قادر على السيطرة على كل الميادين بما لديه من إمكانيات قتالية للأعداء. فقد تم اغتيال الرئيس المغدور فى أكتوبر 1981 وسط الجيش بالرغم من كل الاحتياطات المأخوذة. كما تم اغتيال جون كنيدى رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الأسبق بالرغم من وجود حرسه حوله وقوته فى الأبنية التى مر من تحتها. وقامت معظم الثورات بداية بانقلابات فى الجيوش بالرغم من كل الاحتياطات داخل الجيش وخارجه كما حدث فى ثورة 23 يوليو 1952، ومعظم الثورات فى الربيع العربى.
فما هى الدولة؟ وكيف يتم تأمين سلامتها؟ الدولة هى العلاقة بين الحاكم والمحكوم، بين النظام السياسى والشعب، بين السماء والأرض. فلا سماء بدون أرض، ولا أرض بدون سماء.
فالقوة من الشعب وليس من رجال الأمن الذين يحافظون على الأفراد والأبنية. هى قوة الفكر الذى فجّر الثورة الفرنسية بفضل المفكرين الأحرار ثم الثورة الأمريكية. فالمفكرون الأحرار يبدأون قبل الضباط الأحرار.
وقد كتب اسبينوزا المفكر الهولندى، تلميذ ديكارت، فى القرن السابع عشر «رسالة فى اللاهوت والسياسة» لإثبات أن حرية الفكر ليست خطرا على الإيمان ولا على سلامة الدولة. بل إن القضاء على حرية الفكر يمثل خطراً على الإيمان وتهديداً لسلامة الدولة. إن سلامة الدولة تتحقق بمواطن حر فى جمهورية حرة، وحكومة ديمقراطية أتت بانتخاب حر من الشعب
وتنتهى سلطة البابا، وسلطة الإمبراطور، سلطة الدين وسلطة السياسة بعد أن خضعت كلتاهما للفكر الحر. وتتخلى الدولة عن السلطة المصنوعة، الجيش والشرطة والأمن والمخابرات. وتعود إلى الطبيعة، الدولة التى تقوم على حرية الفرد وديمقراطية الحكم بتعبيرات جان جاك روسو. تنتهى دول فرعون وهامان وقارون، دول القوة والمال. ولا تبقى إلا دولة الحق. لذلك أصبح الحق صفة من صفات الله. وتبقى دولة العدل. والعدل هو الحق عندما يتحول من النظر إلى العمل. لذلك جعل المعتزلة أول مبدأين فى العقيدة: التوحيد، والعدل. وتقوم على حرية الفرد وحكم العقل أى كرامة المواطن. الحق هو المطلق، والعدل هو تحقيق المطلق فى الزمان والمكان. وحرية الفرد وحكم العقل أساس التكليف. عندئذ يختفى الخوف والارتعاش بتعبير كيركجارد من الحاكم والمحكوم.
ويعود إلى المواطن ثقته بنفسه، وإلى الحاكم اطمئنانه وسلامته. وتتأسس الحاكمية أى الحكم على مساندة الشعب للحاكم، وتحقيق الحاكم لمطالب الشعب، والثقة المتبادلة بين السماء والأرض، بين الله والعالم. وكما قال ابن تيمية «السياسة الشرعية فى إصلاح الراعى والرعية». فالسياسة الشرعية لا تمثل فقط حقوق الحاكم لدى المواطنين، وواجبات المواطنين تجاه الحاكم بل أيضا حقوق المواطنين لدى الحاكم، وواجبات الحاكم تجاه المواطنين. فالحقوق والواجبات علاقة متبادلة على التساوى بين الحاكم والمحكوم فى ميثاق أخلاقى أو دستور مكتوب يحفظ لكل طرف حقوقه وواجباته. تتحقق سلامة الدولة إذن بالرقابة الشعبية وهو ما سماه القدماء «الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر»، الأصل الخامس من أصول الدين عند المعتزلة. وهو ما قاله عمر بن الخطاب فوق المنبر «رحم الله من أرشدنى إلى عيوبى». وعاش الحاكم والمحكوم فى سلام ليس بفعل إرهاب الدولة بأجهزة الأمن، الشرطة والجيش، ورد فعل المواطن بإرهاب مضاد لأجهزة الأمن فى الدولة والضحايا الأبرياء، بل بالثقة المتبادلة بينهما فى نظام الحق والعدل. ويبدأ ذلك بالحوار المفتوح بين الطرفين ومن خلال الأحزاب التى لها برامجها الانتخابية المستقلة أو من خلال الحكم الائتلافى الذى يمثل إرادة الجميع.
++++++++++++
++++++++++++
الأمن والأمان
تقدمت مصر فى مؤشر الأمن والأمان الصادر عن مؤسسة جالوب، حيث حصلت على المركز الثامن عالميًا، والثانى عربيًا، وذلك بحصولها على ٩٢ نقطة، مقارنة بالمركز الـ١٦ عالميًا عام ٢٠١٨، وذلك حسب تقرير استعرضه الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء.
وتصدرت المؤشر سنغافورة، أكثر بلدان العالم أمانًا، بحصولها على معدل ٩٧ نقطة، واحتلت الإمارات المركز الثالث عالميًا، والأول عربيًا، بحصولها على ٩٣ نقطة.
ويعتمد المؤشر على ترتيب الدول بحصول كل دولة على درجة من ١٠٠، حيث تكون الحاصلة على أعلى معدل هى الأكثر أمانًا.
واعتمدت مؤسسة جالوب، فى تحليلها، على مقابلات مباشرة مع حوالى ١٥٢ ألف مواطن، تفوق أعمارهم ١٥ سنة، فى ١٤٢ دولة عبر العالم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق