ما أعرفه هو أن توافر طموح كاف، ومعرفة كافية بالجغرافيا المصرية، والأصول التاريخية والثقافية فيها ما يكفى لكى تكون بلدا متقدما؛
هناك أمور نعرف أنها ضرورية، وملفاتها مفتوحة مثل دمج الاقتصاد غير الرسمى فى ذلك الرسمى، والمحليات وحكمها المحلى الذى سوف يحولها إلى وحدات إنتاجية يبحث عنها المستثمرون، وهناك قوائم المشروعات الواردة فى «رؤية مصر ٢٠٣٠»، ووردت مؤخرا أخبار مبشرة عن مشروع «المثلث الذهبى».
ما تقدمه لنا هذه المعلومات عن الشركات التريليونية أو التى تقترب من هذا الرقم يعبر عن قفزات كبيرة فى التكنولوجيا أزاحت من أمامها شركات صناعة السيارات والنفط والغاز فى ترتيب الشركات الأكثر غنى فى العالم.
نحن نحتاج هذه الشركات فى مصر، ليس للتوزيع والاستهلاك أو القدوم السياحى، وإنما لإنشاء معامل البحث والتطوير والإنتاج. منذ دستة سنوات فقط، وقف «ستيف جوبز» يعلن عن «الآى فون» ومعها جاء «فيسبوك» و«تويتر» وجوجل والكتاب الإلكترونى فى «كندل» وظهرت «نتفليكس» وبات مستقرا أن السرعات الممكنة فى الموصلات تتضاعف كل فترة قصيرة حتى وصلنا إلى G5 سوف تأخذ البشرية قفزات كبرى تجعل من التريليون دولار مبلغا ممكنا إذا ما استفدنا من هذه التكنولوجيات بالطبع.
إن الطفل الذى يولد اليوم سوف تكون سنه ٣١ سنة فى عام ٢٠٥٠، حيث يكون شبابه فى عالم غير الذى نعرفه اليوم أكثر معرفة وغنى، بالطبع ما لم يتم تدمير الكرة الأرضية بسبب الاحتباس الحرارى أو حرب نووية. هذا الطفل ذاته سوف تكون سنه ٨١ سنة فى عام ٢١٠٠، ولكنه سوف يكون إنسانا شابا فى منتصف العمر على الأرجح ومشاركا فى الحياة الاقتصادية والفكرية للمجتمع بفعل التطور فى مقاومة الأمراض وزراعة الأعضاء وغيرها من المبتكرات.
الوصول إلى التريليون دولار ليس مستحيلا وأكثر من ذلك ممكن، إذا ما جرى التزاوج بين التكنولوجيا والإمكانات المصرية والتى يمكن مضاعفتها.
قبل عشر سنوات تماما، شرفت بإدارة الأهرام- أهم وأعرق الصحف المصرية، وكانت أول زيارة لى خارج مكتبى إلى الكابتن حسن حمدى- أطال الله عمره وأعطاه الصحة والعافية- مدير عام الإعلانات فى الأهرام؛ وطلبت منه أن تحقق الإعلانات خمس مليارات جنيه (وقتها كانت تحقق مليارا ونصفًا)، ابتسم وقتها غير مصدق، وبعد ستة أشهر تقريبا، وفى زيارة إعلانات الأهرام فى الإسكندرية، قال سوف نحقق خمسة مليارات جنيه خلال السنوات الثلاث المقبلة.
للأسف! لم نحقق الهدف، لأن الثورة قامت، ولكن الإرادة المصرية قادرة على تحقيق التريليون دولار.
++++++++++++++++++++++
++++++++++++++++++++++
فى إشكالية الطموح والصبر!
مع قدر غير قليل من التبسيط فإن التقدم الذى جرى فى كثير من بلدان العالم كان محصلة عاملين: الأول تحقيق تراكم رأسمالى كبير وفارق فى تاريخ الدولة فتزداد رؤوس الأموال المستثمرة، وتتزايد الأصول العامة والخاصة، وتتراجع البطالة ويتقدم التشغيل بأجور تحقق فائضا فى المعيشة يسمح بقدر من الرفاهية. والثانى قدرة الشعوب على التحمل والصبر خلال المرحلة الانتقالية التى عادة لا يمكنها تحقيق الهدف السابق إلا من خلال العائد من العمل الذى يذهب بعد ذلك إلى استثمارات جديدة تضيف للأجيال الحالية، وتوفر فرصًا للأجيال المقبلة. فى بعض البلدان فإن الانخراط فى السعى إلى التقدم يأتى بعد كارثة قومية كبرى تركت الدولة فى حالة من الحطام الكامل؛ وربما كانت ألمانيا واليابان مثالين واضحين حيث انتهت الأولى إلى تقسيم البلاد، والثانية جرى ضرب مدينتين كاملتين بالقنابل الذرية، أما بقية المدن، فقد كان خرابها غير القليل بالقنابل التقليدية. العودة إلى أدب هذه المرحلة فى الدولتين يشير إلى حالة مهينة من الإرهاق الاجتماعى، والضغط السياسى، والفقر الاقتصادى. لم تمض عشر سنوات إلا وكانت الدولتان فى حالة من الانتعاش، ولم تمر عقود قليلة أخرى حتى توحدت ألمانيا مرة أخرى، وأصبحت القوة الاقتصادية الأولى فى أوروبا؛ أما الثانية فباتت القوة الاقتصادية الثانية فى العالم قبل صعود الصين، والآن الثالثة بعدها. ومع ذلك فإن فى تاريخ الدولتين ما يجعل هذا الصعود السريع ليس فقط راجعا إلى التحمل والصبر الشديد، وإنما لأن كلتيهما كانت قبل الحرب قد حققت أهدافا كبرى فى التعليم والصحة والقدرات الصناعية والعلمية والتكنولوجية. كانت المسألة هى وضع الخطط وتنفيذها بالنسبة لهذه الطاقات؛ ورغم أن الدولتين أصبحتا من الدول الديمقراطية، فإن ممارستها فى كلتيهما حافظت على درجات عالية من الاستقرار السياسى والاجتماعى.
المرحلة الصعبة المقبلة
لطريق إلى التقدم والحداثة لدى الأمم ليس مستقيمًا
(لم يكن تعبير الشرق الأوسط ذائعا فى القرن التاسع عشر!). عرفنا من الأوروبيين المدارس بدلًا من الكتاتيب، والجامعات بدلًا عن الأروقة التعليمية، وأدخلنا الفتيات إلى المدارس والجامعات، وعرفنا النظم الانتخابية بقدر ما بنينا من موانئ وسكك حديدية ومطارات، وعرفنا محطات الإذاعة والتليفزيون بعد الصحف والكتب والمطابع. ورغم أننا فى وقت من الأوقات توقفنا عن النظر إلى أوروبا التى كنا نعرفها فى القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين؛ ونظرنا بدلًا من ذلك شرقًا فى اتجاه أوروبا والاتحاد السوفيتى فكان التحديث أن يكون للدولة دور فى التقدم يجعلها السياسى الأول بالطبع، وكذلك المعلم الأول، والإعلامى الأول؛ لم تعد الدولة حاضنة الأمة، وإنما هى الأمة ذاتها. الآن لم يعد «التقدم» دولة بعينها، أو شرقا أو غربا فى العالم، صارت نموذجا عالميا،
فالجامعات والمطارات والمستشفيات ودور السينما ودخول الاستثمارات وخروجها وحتى شبكات التواصل الاجتماعى واستخدامات التكنولوجيات الحديثة- لم تعد تختلف فى الصين عنها فى أمريكا. المؤكد أن العالم لم يعد طبعة واحدة، أو مستنسخا واحدا، ولكن المؤكد فى الأول والآخر أن الدول المتقدمة لا تختلف فى أساسيات الأمور كثيرا
ما نعرفه أن التقدم عالميا هو عملية مرهقة وصلت إليها أمم قبلنا من خلال عمليات جراحية مؤلمة، كان فيها حروب أهلية،
كما كان فيها حروب عالمية حتى وصلنا إلى عصرنا هذا؛ حيث لا حروب كبرى، ولا مجاعات ولا أوبئة إلا فيما قل هنا أو هناك وفى المناطق التى لا تزال بعيدة عن العصر والزمن. صار الإنسان أطول عمرا (فقيرا أو غنيا)، وأكثر قدرة على الاتصال (فقيرا أو غنيا أيضا)، وأكثر قدرة على الحركة فى المكان أو فى المهنة (فقيرا أو غنيا كذلك). أصبحت الكرة الأرضية صغيرة على الإنسان فدخل فى عصرنا إلى استعمار الفضاء القريب، وينظر الآن إلى البعيد أيضا على الأقل داخل مجرتنا الشمسية. فى مصر فإن ذلك ما نصبو إليه؛ وربما إذا امتدت «رؤية مصر ٢٠٣٠» إلى منتصف القرن، ونجحنا فى تطبيقها وتنفيذها فربما نكون فى وسط هذا العالم الذى نسعى إلى معاصرته. موقعنا الآن لا يزال بعيدا عن هذه النقطة رغم الجهد الذى بذلناه خلال السنوات الماضية والتى بدأ تاريخها من ٣٠ يونيو ٢٠١٣، وفيها كانت حربنا الأولى مع الإرهاب عمليا وفكريا، وانتصرنا فيها إلى أن استوفينا خريطة الطريق السياسية فكان الاستقرار الذى سمح لنا بمجموعة من المبادرات التى بدأت بالدستور ثم واكبتها مشروعات قناة السويس الجديدة والمؤتمر الاقتصادى وعدد من المشروعات الكبرى (العملاقة من العاصمة الإدارية إلى المليون ونصف مليون فدان وغيرها). الإنجاز الأكبر لهذه المرحلة «الصعبة» كان خلال الفترة من ٢٠١٦ إلى ٢٠١٩، التى ارتبطت ببرنامج الإصلاح الاقتصادى بالاتفاق مع صندوق النقد الدولى والذى قام على الاتباع الأمين لدروس التنمية المصرية السابقة، ودروس التجربة العالمية التى قادت إلى التقدم من الصين إلى المكسيك، والقدرة الشجاعة على الالتزام بالبرنامج وتنفيذ إصلاحاته التى وعدنا بها. لم يكن هناك هروب هذه المرة، ولا كان هناك محاولة للزوغان من إصلاح أو آخر، ولأول مرة ربما نجح الرئيس والحكومة فى إقناع الشعب بالدواء المر. فى نهاية المرحلة كانت كل المؤشرات الكلية المصرية فى طريقها الصحيح، وهو إنجاز سعت إليه دون جدوى جميع الإدارات المصرية السابقة منذ مطلع السبعينيات من القرن الماضى حتى الآن.
فلا يوجد تقدم دون صعوبة، كما لا يوجد غذاء بالمجان، ولا توجد انتصارات دون تضحيات. عكس ذلك يوجد فى الأحلام أو فى الأيدولوجيات والقصص الخرافية للعفاريت والجان ومن ينتقلون بين الأرض والسماء على بساط سحرى
فترشيد الإنفاق العائلى تقدم، والتقليل من الفاقد فى الاستهلاك تقدم آخر، والبحث عن طرق جديدة لزيادة الدخل تقدم ثالث، والبحث والمعرفة ورفعة الذات هو التقدم العظيم الذى ظهر فى زيادات الإقبال على تعلم اللغات الأجنبية واستخدام التكنولوجيات الحديثة تقدم رابع. المرحلة الأولى قامت بها أساسا مؤسسات الدولة (الرئيس والوزارة والبنك المركزى ووزارة المالية والوزرات المعنية بالبناء والمرافق وتغيير الخريطة المصرية).
دمج الاقتصاد غير الرسمى (مقدر من ٤٠٪ إلى ٦٠٪ من الاقتصاد) فى الاقتصاد الرسمى؛ ومحو الأمية (٢٥٪) والتقليل من معدلات الفقر التى وصلت إلى قرابة ثلث الشعب. هذه الإنجازات الثلاثة مترابطة، وكلها تعتمد على المشاركة الشعبية المباشرة، وهذه سوف تكون أكثر فاعلية، وإمكانية، إذا ما جرت من خلال ثورة لا مركزية كبرى من الحكم المحلى فى المحافظات المصرية أو ما يشابهها من تقسيمات إدارية. لقد آن الأوان للصعود إلى هذه الهضبة، وقمة هذا الجبل القريب.
++++++++++++++++++++++
فى إشكالية الطموح والصبر!
مع قدر غير قليل من التبسيط فإن التقدم الذى جرى فى كثير من بلدان العالم كان محصلة عاملين: الأول تحقيق تراكم رأسمالى كبير وفارق فى تاريخ الدولة فتزداد رؤوس الأموال المستثمرة، وتتزايد الأصول العامة والخاصة، وتتراجع البطالة ويتقدم التشغيل بأجور تحقق فائضا فى المعيشة يسمح بقدر من الرفاهية. والثانى قدرة الشعوب على التحمل والصبر خلال المرحلة الانتقالية التى عادة لا يمكنها تحقيق الهدف السابق إلا من خلال العائد من العمل الذى يذهب بعد ذلك إلى استثمارات جديدة تضيف للأجيال الحالية، وتوفر فرصًا للأجيال المقبلة. فى بعض البلدان فإن الانخراط فى السعى إلى التقدم يأتى بعد كارثة قومية كبرى تركت الدولة فى حالة من الحطام الكامل؛ وربما كانت ألمانيا واليابان مثالين واضحين حيث انتهت الأولى إلى تقسيم البلاد، والثانية جرى ضرب مدينتين كاملتين بالقنابل الذرية، أما بقية المدن، فقد كان خرابها غير القليل بالقنابل التقليدية. العودة إلى أدب هذه المرحلة فى الدولتين يشير إلى حالة مهينة من الإرهاق الاجتماعى، والضغط السياسى، والفقر الاقتصادى. لم تمض عشر سنوات إلا وكانت الدولتان فى حالة من الانتعاش، ولم تمر عقود قليلة أخرى حتى توحدت ألمانيا مرة أخرى، وأصبحت القوة الاقتصادية الأولى فى أوروبا؛ أما الثانية فباتت القوة الاقتصادية الثانية فى العالم قبل صعود الصين، والآن الثالثة بعدها. ومع ذلك فإن فى تاريخ الدولتين ما يجعل هذا الصعود السريع ليس فقط راجعا إلى التحمل والصبر الشديد، وإنما لأن كلتيهما كانت قبل الحرب قد حققت أهدافا كبرى فى التعليم والصحة والقدرات الصناعية والعلمية والتكنولوجية. كانت المسألة هى وضع الخطط وتنفيذها بالنسبة لهذه الطاقات؛ ورغم أن الدولتين أصبحتا من الدول الديمقراطية، فإن ممارستها فى كلتيهما حافظت على درجات عالية من الاستقرار السياسى والاجتماعى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق