السبت، 29 أكتوبر 2022

جدل العبد والسيد . الحرية . احمد برقاوي

احمد برقاوي

  فالعبد لم يغامر ورضي أن يكون عبداً، أما السيد فرضي بأن يغامر فأصبح سيداً. وفي تحليل هذه العلاقة أن السيد صار مدينا بحياته للعبد وواقعيا صار عبداً للعبد لأن حياته أصبحت مستحيلة دون وجود العبد وعمل العبد، هذا نظرياً وديالكتيكياً. وبمجرد أن يعي العبد أن السيد مدين له بعبوديته، يبدأ شعور العبد بأنه ليس عبداً ويبدأ يشعر بالحرية. هيغل يقول: “ليس التاريخ إلا مسار وعي الحرية لذاتها” وهو إذ يرصد مسار وعي الحرية عند الأمم الشرقية يرصد أنها تنطوي على فكرة السيد الأوحد. لذا خلق الشرقي الإله الواحد على شاكلة سيده، فكان الإله سيدا، بينما التطور عند طبقة الأحرار عند اليونان والرومان أن الإله متعدد وبالتالي تعيين الحرية عندهم أوسع.

وداني لكتاب التعدد لخزعل الماجدي

النظام المتعالي يرغم الأنا الحقيقية على الاختفاء، فيظهر الأنا الكاذبة المتكيّفة مع متطلبات قمع القوة القهرية، فتختفي الأنا الأخرى الحقيقية التي تضيق بالقوة القمعية، وفي النظام الدكتاتوري فالأنا الحقيقية دائماً مخفية لأنه لا يمكن إظهار سوى أنا واحدة التي يريدها المستبد، وهي أنا كاذبة.

إذا كانت الحرية هي زوال الهوة بين الأنا المخفية والأنا الظاهرة، فكل سلطة قمعية تجبر الكائن على إخفاء ما يخاف منه. من هنا ارتباط الحرية بالخوف وارتباطها بالشجاعة. المجتمع الأوروبي مجتمع شجاع لأنه لا يوجد كذب، لا يوجد خوف إلا بحدود، لا يوجد أنا ظاهرة وأنا مخفية.

ي القاموس العربي لا يوجد كلمة “حرية” بل يوجد كلمة “حر” وهي مقابل العبد.

خذوا الأيديولوجيا القومية فقد ربطت الحرية بفكرة “حرية الأمة” من آخر، من الاستعمار . لم ينظر للكائن الفرد على أنه حر بذاته بوصفه فرداً، بل بارتباطه مع “الأمة الحرة” التي تحقق حريتها من سيطرة الآخر. مثال جريدة الامة 

كل الأيديولوجيات الشمولية هي ضد الحرية الفردية، ولم تنتقل من حرية الأمة إلى حرية الفرد إطلاقاً. وبالعكس صار قمع الفرد مترابطا بالدفاع عن حرية الأمة ومن مستلزماتها، وبالتالي فقد الفرد حضوره الذاتي. إن انتقال الكائن إلى الذات أمر معقد.. فما الفرق….؟

كل أيديولوجيا تتحدث عن الكل ينشأ الوعي القطيعي وليس الذات.. والخطاب الماركسي لم يختلف كثيرا لأنه ركز على الطبقة وعلى حرية الطبقة من استغلال طبقة أخرى واعتبرها هي الحرية واعتبر أن كل انزياح عن هذا الهدف الطبقي هو خضوع للمعنى البورجوازي الصغير، وعندما انتقد الشيوعيون سارتر اتهموه بأنه بورجوازي صغير… ولدى الشيوعية لا تتحقق حرية الطبقة إلا بانتصارها على طبقة أخرى وتحقيق العدالة الاجتماعية.

 حصر الحرية بجانبها الاجتماعي الطبقي أنشأ نظاماً سياسياً متعالياً، ضد الحرية كما أنشأها النظام القومي.

لكن القومية والماركسية هي أيديولوجيات دنيوية قابلة للتمرد عليها ورفضها وتحطيمها ولكن إن ذهبنا للتيار الديني سنجد أن العبودية مطلقة للإله المتعين بالنص وتفسير النص وشرحه وتأويله خضوعا تاماً لهذا النظام المتعالي.

في التيار الشيوعي حاز النص على صفة القداسة، فالبيان الشيوعي مثلا أصبح مقدساً رغم أن إنجلز نفسه قال عنه إنه شاخ في أكثر أجزائه ولكن أبقيته كوثيقة تاريخية، لكن بقي البيان لدى الشيوعيين نصاً مقدساً. ولكن من جهة أخرى يمكن تمزيق هذا النص “المقدس” الأرضي، وقد مزقه غورباتشوف وانتهينا، ولكن المقدس الديني والنص الإلهي المتعالي المطلق في السماء لا يمكن تمزيقه، والحوار مع النظام الأرضي المتعالي نسبيا ممكن، بينما الحوار مع الخاضعين للنص الديني غير ممكن، لأن النص لديهم هو المرجع وليس الكائن، لذا يغيب الكائن وينتهي ويموت، مثلا الحوار حول جواز الحرق في الإسلام يكون من باب “يوجد نص أم لا يوجد نص”، فإن وجد نص فهو مسموح وإن لم يوجد فهو محرم، أي لا يوجد أيّ ارتباط بالحياة، فالقول الفصل هو للنص، فلا اجتهاد مع النص. لذا فكرة الحرية في الدين هي عدم.

الخطاب الليبرالي العربي لا يختلف عن مثيله الغربي مثلا لطفي السيد.

الجابري في كتابه “نقد الخطاب العربي” قال.. علينا التحرر من  سلطتي السلف، السلف العربي والسلف الأوروبي، لتحقيق الاستقلال التاريخي التام للأمة العربية”، ويقصد لا مرجعية إسلامية ولا مرجعية أوروبية، بل إنشاء مرجعية عربية ذاتية، فتحقق الأمة استقلالها التاريخي، وهذا مأخوذ عن غرامشي الذي قال بتحرر الطبقة التاريخي، أي الاستقلال التاريخي للطبقة. ولكن الجابري قال يجب أن نجمع بين ابن خلدون والشاطبي وابن رشد وميشيل فوكو، وهذا لأن الجابري بنيوي يحقب تاريخ الوعي العربي كما ميشيل فوكو، لذا لم يستطع الجابري أن يتحرر لا من السلف العربي ولا من السلف الأوروبي.

حسن صعب تحدث عن التحرر من سلطة العقل إلى سلطة الفعل فننتقل الى التجربة مع أن طريق الوعي هو الانتقال من التجربة إلى العقل.

راسل يعرّف الديمقراطية بأنها “التوزيع العادل للقوة”، وهذا يعني أن العبودية هي احتكار القوة، فإن عرفنا الديمقراطية بأنها عدم احتكار القوة فهذا تعريف بسيط، ولكن يجب أن يشعر الكائن أنه يمتلك القوة الضرورية لتحقيق وجوده، فالمال قوة وسلطة، وإن لم تمتلك الطبقة العاملة قوة لمواجهة رأس المال ستكون حريتها غائبة.

الكائن ليس مجرد كائن لديه غريزة حب البقاء فقط، بل ولديه وعي للحرية

فالجنس أصبح ثقافة والطعام ثقافة والشم ثقافة.

“الشعب يريد” لأنه مرتبط بالإرادة، فأن تريد يعني أنت حر.. ومن هنا العبودية هي سلب الإرادة، بينما الحرية هي تعيين الإرادة.

الديمقراطية هي إذن التوزيع العادل للإرادات بحيث لا تتحكم إحدى الإرادات ببقية الإرادات.. دولة الحربة هي دولة ديمقراطية بالضرورة ودولة الحرية هي دولة تسامح.

*Aug 6, 2022

نحن نعيش تجربة الدولة القمعية بتفاصيلها

خذوا قمع النظام المتعالي للجنس، وهي الغريزة الوحيدة التي فوقها نظام متعال يحدد سلوكها، ونشأت أيديولوجيات كاملة حولها حالت دون حرية الفرد في ممارسة غريزته الجنسية، بينما الغرائز الأخرى طليقة من كل قيد.

فعندما يعي العبد أنه عبد تبدأ أول خطوة لوعي الحرية. وهيغل لديه في كتاب “فينومنولوجيا الروح” فصل اسمه “جدل العبد والسيد” وهو قبل ماركس يطرح نشأة العبد ونشأت السيد بوصفهما شخصان مختلفان بروح المغامرة وروح الحياة، فالعبد لم يغامر ورضي أن يكون عبداً، أما السيد فرضي بأن يغامر فأصبح سيداً.

 يعي العبد أن السيد مدين له بعبوديته، يبدأ شعور العبد بأنه ليس عبداً ويبدأ يشعر بالحرية. هيغل يقول: “ليس التاريخ إلا مسار وعي الحرية لذاتها”

خلق الشرقي الإله الواحد على شاكلة سيده، فكان الإله سيدا، بينما التطور عند طبقة الأحرار عند اليونان والرومان أن الإله متعدد وبالتالي تعيين الحرية عندهم أوسع.

النظام المتعالي يرغم الأنا الحقيقية على الاختفاء، فيظهر الأنا الكاذبة المتكيّفة مع متطلبات قمع القوة القهرية، فتختفي الأنا الأخرى الحقيقية التي تضيق بالقوة القمعية، وفي النظام الدكتاتوري فالأنا الحقيقية دائماً مخفية لأنه لا يمكن إظهار سوى أنا واحدة التي يريدها المستبد، وهي أنا كاذبة.

إذا كانت الحرية هي زوال الهوة بين الأنا المخفية والأنا الظاهرة، فكل سلطة قمعية تجبر الكائن على إخفاء ما يخاف منه. من هنا ارتباط الحرية بالخوف وارتباطها بالشجاعة. المجتمع الأوروبي مجتمع شجاع لأنه لا يوجد كذب، لا يوجد خوف إلا بحدود، لا يوجد أنا ظاهرة وأنا مخفية.

كل الأيديولوجيات الشمولية هي ضد الحرية الفردية، ولم تنتقل من حرية الأمة إلى حرية الفرد إطلاقاً. وبالعكس صار قمع الفرد مترابطا بالدفاع عن حرية الأمة ومن مستلزماتها،

من هنا تضيق حرية الفرد فصارت حرية للأمة، وكلما ضاقت حرية الأمة ضاقت حرية الفرد ولم يعد الفرد “ذات”. لذلك في كل أيديولوجيا تتحدث عن الكل ينشأ الوعي القطيعي وليس الذات.. والخطاب الماركسي لم يختلف كثيرا لأنه ركز على الطبقة وعلى حرية الطبقة من استغلال طبقة أخرى واعتبرها هي الحرية واعتبر أن كل انزياح عن هذا الهدف الطبقي هو خضوع للمعنى البورجوازي الصغير، وعندما انتقد الشيوعيون سارتر اتهموه بأنه بورجوازي صغير… ولدى الشيوعية لا تتحقق حرية الطبقة إلا بانتصارها على طبقة أخرى وتحقيق العدالة الاجتماعية.

لهذا فإن حصر الحرية بجانبها الاجتماعي الطبقي أنشأ نظاماً سياسياً متعالياً، ضد الحرية كما أنشأها النظام القومي.

لكن القومية والماركسية هي أيديولوجيات دنيوية قابلة للتمرد عليها ورفضها وتحطيمها ولكن إن ذهبنا للتيار الديني سنجد أن العبودية مطلقة للإله المتعين بالنص وتفسير النص وشرحه وتأويله خضوعا تاماً لهذا النظام المتعالي.

 يمكن تمزيق هذا النص “المقدس” الأرضي، وقد مزقه غورباتشوف وانتهينا، ولكن المقدس الديني والنص الإلهي المتعالي المطلق في السماء لا يمكن تمزيقه، والحوار مع النظام الأرضي المتعالي نسبيا ممكن، بينما الحوار مع الخاضعين للنص الديني غير ممكن، لأن النص لديهم هو المرجع وليس الكائن، لذا يغيب الكائن وينتهي ويموت، مثلا الحوار حول جواز الحرق في الإسلام يكون من باب “يوجد نص أم لا يوجد نص”، فإن وجد نص فهو مسموح وإن لم يوجد فهو محرم، أي لا يوجد أيّ ارتباط بالحياة، فالقول الفصل هو للنص، فلا اجتهاد مع النص. لذا فكرة الحرية في الدين هي عدم.

محمد عابد الجابري في كتابه “نقد الخطاب العربي” قال.. علينا التحرر من  سلطتي السلف، السلف العربي والسلف الأوروبي، لتحقيق الاستقلال التاريخي التام للأمة العربية”، ويقصد لا مرجعية إسلامية ولا مرجعية أوروبية، بل إنشاء مرجعية عربية ذاتية، فتحقق الأمة استقلالها التاريخي، وهذا مأخوذ عن غرامشي الذي قال بتحرر الطبقة التاريخي، أي الاستقلال التاريخي للطبقة. ولكن الجابري قال يجب أن نجمع بين ابن خلدون والشاطبي وابن رشد وميشيل فوكو، وهذا لأن الجابري بنيوي يحقب تاريخ الوعي العربي كما ميشيل فوكو، لذا لم يستطع الجابري أن يتحرر لا من السلف العربي ولا من السلف الأوروبي.

الديمقراطية بأنها “التوزيع العادل للقوة”، وهذا يعني أن العبودية هي احتكار القوة، فإن عرفنا الديمقراطية بأنها عدم احتكار القوة فهذا تعريف بسيط، ولكن يجب أن يشعر الكائن أنه يمتلك القوة الضرورية لتحقيق وجوده، فالمال قوة وسلطة، وإن لم تمتلك الطبقة العاملة قوة لمواجهة رأس المال ستكون حريتها غائبة.

*

Sep 4, 2022


عبودية الأجر . عبودية الموظف . حضرة المحضرم . عبودية التقنية

May 28, 2022

 ماركس هي مشكلة المجتمع الحديث، والمواطن البسيط الذي ينتمي إلى الطبقة الكادحة، والذي يجد نفسه في قبضة نظام اقتصادي يُحتّم عليه بيع وقته ومجهوده وعمله مقابل قدر زهيد من المال، يخوّل له الحصول على أبسط احتياجات العيش الكريم.

 الكدح لكي يتسنى له البقاء على قيد الحياة، ويتخلى عن حاجاته البيولوجية مثل الراحة وقضاء الحاجة والغذاء السليم والمتوازن إن اضطر إلى ذلك، وكل هذا لأجل الحفاظ على ذلك الأجر الزهيد الذي يضمن له أساسيات العيش، التي يُفترض أنها حقوق مشروعة لكل إنسان على وجه الكرة الأرضية.

 إذاً تخلق إنساناً متكلاً على استغلاله، وتقيده فكرياً، وتمنعه من أن يثور على الظلم الذي يتعرض له. يصبح العامل في حاجة ماسة لأن يبقي هذه "العلاقة السامة" التي تربطه بمستخدميه، لأجل الهدف الأسمى الذي يكمن في البقاء. وينتج عن هذا الارتباط الذي يزداد متانة وقوة مع مرور الوقت انعدام الوعي، وبالتالي عدة معيقات تحول دون قيام ثورة من شأنها أن تقلب ميزان القوى، وتحرر الطبقة العاملة من "عبودية الأجر".

عندما يغيب الوعي بواقع الأمر بين صفوف العمال الكادحين، يصعب الحديث عن ثورة أو تنظيم لها، الأمر الذي يصب بمصلحة أصحاب الشركات والرساميل، الذين يقتاتون على جهل العمال بحقوقهم، أو اكتفائهم بالعمل النقابي المنظم قانونياً، والذي لا يحمي المستخدمين كلياً من الاستغلال، وإنما يخلق وهماً بتحقيق العدالة لدى العمال المعنيين بالأمر دون محاسبة، ولا مساءلة لأصحاب الرساميل.

التحرر من العبودية محفوف بالصعاب والعقبات، فالوعي الشعبي يكاد يكون منعدماً بفعل التعود، والتطبيع مع الاستغلال، والفقر المدقع، والشركات الكبرى متعددة الجنسيات تستغل رخص اليد العاملة في دول الجنوب، وتتحايل على الأخلاقيات المتعارف عليها لتحقق أكبر قدر ممكن من الربح. وفي خضم كل تلك المؤامرات والتلاعب السلس بالقوانين يبقى العامل الحلقة الأضعف، ويستمر استغلاله وتضليله عن الحقيقة، التي لا بد أن يدركها يوماً: أن النظام يصب لصالح واضعيه لا غير، وأن عمله وجِده لن يُجازى بثروة ضخمة تغنيه عن العمل لبقية حياته، وإنما هو وسيلة لإثراء أصحاب الشركات وحماية القوة الاقتصادية التي يكتنزها هؤلاء. وبالرغم من أنني أؤمن إيماناً قاطعاً بأن الوعي البروليتاري لا بد له أن يتحقق، فإنني أخشى تدخل الرأسماليين من خلال وسائل إعلامهم لتأخير هذا الوعي، فنادراً ما نجد منصات إعلامية وإخبارية ليست ملكاً لرجال الأعمال وأصحاب الأموال. إذا تمكنت وسائل الإعلام من نشر القيم الليبرالية الغربية في مجتمعات شرقية فلا شك في قدرتها على التلاعب بوعي العمال في المجتمعات الغربية كما في دونها من المجتمعات.

التفوق الغربي والإمبريالية التي صاحبها تلقين صارم لمبادئ الرأسمالية من جانب المستعمر، وعقدة النقص التي تبنيناها تمنعنا من أن نبلغ الحرية الاجتماعية والاقتصادية التي نستحق؛ لكوننا بشراً أولاً وقبل كل شيء. ينبغي لنا أن نترك الكسل الفكري، وأن ننفتح على التاريخ، ونرفض أن يتحكم في مصيرنا كل من لا شأن له به، فلا الاتحاد الأوروربي، ولا دول الناتو تملك الحق في تقرير مصيرنا، وفرض نظام اقتصادي مستهلك، ومرتكز على الربح المادي علينا، فقد ولّى زمن الخضوع للإمبريالية، وللنظام الكولونيالي، وبات المفكر العربي قادراً على رصد السم المدسوس في بيانات "حقوق الإنسان"، والعقوبات الاقتصادية، التي ليست سوى حرب بطيئة الوتيرة، قد شنتها دول الغرب على كل الجهات والقوى التي تتجرأ وتقاوم الهيمنة الغربية.

*Dec 1, 2021

عبودية الموظف . حضرة المحضرم

 فالمصريون يعدون الاستقالة من الوظيفة الحكومية انتحارا، بل إن الاستقالة -آنذاك- أندر حدوثا من الانتحار. كانت استقالة العقاد تحريرا له من عبودية الوظيفة، بينما استمر نجيب محفوظ في العمل كموظف حكومي لمدة 37 عاما، فقد عمل محفوظ موظفا في "وزارة المعارف" (1934-1939)، ثم في وزارة الأوقاف (1939-1957)، ووزارة الثقافة (1957-1971)[1].

نقل محفوظ عالم الوظيفة في كثير من أعماله الروائية مثل شخصية أحمد عاكف في رواية "خان الخليلي"، أما نموذج الموظف الأكثر اكتمالا كان في رواية "حضرة المحترم"؛ التي تصل إلى الذروة في تجسيدها غير المسبوق لنفسية الموظف وملامح عالم الموظفين في الواقع المصري. فقد كتب محفوظ رواية "حضرة المحترم" بعدما خرج على المعاش عام 1975 ليُمثِّل فيها عصارة السبعة والثلاثين عاما في أروقة الحكومة، وليحوِّل الوظيفة من عمل إداري إلى فلسفة محكية من خلال البطل التراجيدي عثمان بيومي "حضرة المحترم".

نرى في هذه الرواية كيف أصبحت الوظيفة وجهاز الدولة آلهة العصر الحديث، والموظف المؤمن بالترقي على طريق الوظيفة المقدس راهب متبتّل في معبد الوظيفة لخدمة الدولة. وفي رحلة عثمان بيومي التراجيدية تجد تناقضات كثيرة في شخصية الموظف الحكومي، فيقول محفوظ على لسان عثمان بيومي:

"الوظيفة في تاريخ مصر مؤسسة مقدسة كالمعبد، والموظف المصري أقدم موظف في تاريخ الحضارة. إن يكن المثل الأعلى في البلدان الأخرى محاربا أو سياسيا أو تاجرا أو صانعا أو بحارا فهو في مصر الموظف"[2]، مضيفا: "إن أول تعاليم أخلاقية حفظها التاريخ كانت وصايا من أب موظف متقاعد إلى ابن موظف ناشئ، وفرعون نفسه لم يكن إلا موظفا مُعيَّنا من قِبل الآلهة في السماء ليحكم الوادي من خلال طقوس دينية وتعاليم إدارية ومالية وتنظيمية. ووادينا وادي الفلاحين الطيبين يحنون الهامات نحو أرضٍ طيبة، ولكن رؤوسهم ترتفع في سلك الوظائف، حينذاك يتطلعون إلى فوق، إلى سلم الدرجات المتصاعد حتى أعتاب الآلهة في السماء. الوظيفة خدمة للناس، وحق للكفاءة، وواجبة للضمير الحي، وكبرياء للذات البشرية، وعبادة لله خالق الكفاءة والضمير والكبرياء"

تُمثِّل الفقرات السابقة رؤية عثمان بيومي الوجودية للوظيفة الحكومية، فالأسئلة الوجودية مثل مَن أكون؟ وما غاية الوجود؟ ولِمَ وُجدت على الأرض؟ تتمثَّل إجاباتها عند عثمان بيومي في التدرّج في طريق الوظيفة المقدس، ويُمضي سنوات عمره راجيا أن يكون عمله الحكومي والتزامه الكفء بوظيفته في معبد الدولة شفيعا له في الآخرة، فيتساءل بيومي قائلا:

"هل يستطيع الإنسان في يوم الحساب أن يُقدِّم خيرا من طموحه النبيل وعمله وتقدمه الثابت مسجلا بالخدمات التي أدّاها للدولة والناس؟"


فهو يرى أن الدولة هي معبد الله على الأرض وبقدر اجتهادنا فيها تتقرر مكانتنا في الدنيا والآخرة[4]. لذلك كان مدار حياة عثمان بيومي وأمنيته الأبدية هي الوصول لمرتبة القربان الأعلى، أن يكون هو المدير، حتى يُعلن إيمانه التام حينذاك مُتِمًّا كل أركان هذا الطريق المقدس، وكأن الوظيفة سلك رهبنة أبدية. فطالما تمنى أن يكون صاحب السعادة المدير مالك الحجرة الزرقاء، مرجع الفتاوى والأوامر الإدارية وملهم التوجيهات الرشيدة للإدارة الحكيمة وقضاء مصالح العباد، وعبدا من عباد الله القادرين على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مُتمنِّيا أن يُتمَّ الله نعمته عليه يوم يتمكّن من القيام بممارسة السلطان وإعلاء شأنه في الأرض[5].

 يُثبت للجميع أن الوظيفة عمل مقدس وخدمة إنسانية وعبادة بكل معنى الكلمة. وقرر أن يتعاون مع المدير العام، لأن التعاون مع المدير العام طقس من طقوس العبادة في العمل، وأنه لم يخن واجبه الوظيفي أبدا، بل قرر أن يغطي ضعف خبرات المدير، ويقدم له ما هو في حاجة إليه

يرى عثمان بيومي أن الوظيفة المقدسة قد رفعته من مستواه وبيئته المدنسة، التي لم يرَ فيها إلا كل احتقار وفقر

نرى من خلال شخصية عثمان بيومي كيف أن الدولة كمُختَرع بشري تحوَّلت إلى مُقدَّس مُنزَّل برغم كل التناقضات التي تحتويها، إلا أن بيومي يعبدها بكل هذه التناقضات ويفهمها؛ فحينما بلغ درجة من المهنية والعلم بكل القواعد الحكومية ألَّف كتابا عن القانون الوظيفي، فلم يسخط على قواعد الوظيفة المُقدسة التي لا تُلبِّي قيما كالمساواة، فيتفق على أن ثمة وظائف كالوزير ووكيل الوزارة لا يمكن أن يتولّاها لوضاعة أصوله الاجتماعية وتدنّي مستواه الطبقي، ولكنه مُتمسّك بحقه في ألا يُمنع من ترقيته في درجة مدير عام، فتلك الدرجة متاحة لعوام الشعب مثله. فلا يُدين عثمان عدم مساواة الفرص، ولكنه حينما يُمنع من ترقّي درجة المدير العام رغم كفاءته وإخلاصه الوظيفي لصالح آخرين أقل كفاءة لحسابات النسب والطبقة والمصاهرة والمحسوبية فإنه يرى ذلك خللا في الميثاق الأخلاقي للدولة المقدسة، فيقول:

"لست كغيري من الموظفين، والحيلولة بيني وبين الوظيفة التي أستحقها عمل دنيء فيه اعتداء صارخ على النظام الأخلاقي للدولة"

يرى عثمان بيومي أن الوظيفة المقدسة قد رفعته من مستواه وبيئته المدنسة، التي لم يرَ فيها إلا كل احتقار وفقر، وحينما قارن بينه وبين قدرية، تلك السيدة التي عملت في البغاء وكان يتردد عليها منذ فترة شبابه حتى تزوّجها كهلا، وجد أن كليهما نشأ في البيئة الفقيرة نفسها، ولكن قدرية لم تأخذ طريقه المقدس فذهبت لطريق الإدمان والبغاء وشرب الخمر، ولم تعد تصلح للحياة، فكانت طيلة حياتها في تعاسة، فهي قبل أن تتزوج عثمان بيومي كانت تعيسة دون أن تدري في حيها الفقير، وصارت تعيسة بوعي تام حينما تزوجت عثمان بيومي وترقّت إلى منزلة طبقية أعلى في حي أفضل سكنيا، ولكن في فراغ تام، بلا جيرة ولا صحبة ولا انغماس في عمل للبحث عن لقمة العيش، فكانت تمض كل فراغها في الإدمان أو الإفراط في تناول الطعام حتى صارت موضع الرثاء والسخرية معا.

فتقديس الوظيفة تقديس لوجوده العبثي الذي لم يجد له معنى سوى التدرّج في كادر الحكومة، ويتضح ذلك في حواره مع راضية (تلك الموظفة الصغيرة التي تزوجها حينما كبر سنه ولم يأمل من قدرية نفعا) حينما تسأله: "ألست تغالي في تقديرك للوظيفة؟"، فيجيبها بأن الوظيفة حجر في بناء الدولة، والدولة نفحة من روح الله المجسدة على الأرض

تزدخر الرواية بكثير من الشواهد على قدسية الوظيفة، منها مشاهد وصف مكتب المدير العام في نظر عثمان بيومي

هذه القدسية الإلهية للدولة والوظيفة

حرص على مناداتهم بالألقاب السامية مثل سعادة المدير، والانحناء عند الخروج من حضرتهم كأنهم أولياء مقدسون في الأرض.

لذلك كرّس بيومي جهده ووقته بلا مقابل لأجل التقرب من المديرين، فنجد عثمان بيومي يُعطي دورسَ تقوية لابن المدير في اللغة الإنجليزية بلا مقابل، وذلك حتى يجد فرصة ويقابل أيًّا من بناته، ولكن لم يجد في البيت سوى الذكور، ولم يَرْقَ هذا التصرف لمرتبة تجعل سعادة المدير يسهّل له طرق الحصول على ترقية. وحينما عرض على عثمان بيومي وظيفة مترجم للغتين بمرتب أعلى نظير خروجه من الكادر العام رفض، ولم يقبل إلا أن يرقى للدرجة السادسة بخسارة قدرها 10 جنيهات من الراتب[14]. وحينما أسند إليه لجنة عمل مشروع الموازنة "كرّس كل قواه حتى يبرز كاملا للوجود بلا هفوة"[15]، وهذا تعبير صريح على أن الوظيفة عمله الوجودي.

ولأن الوظيفة مقدسة فإنها كالديانات تفرض على عبادها شرائع معينة، وقوانين تصبح بمنزلة تعاليم إلهية، وهكذا كان عثمان بيومي يسعى ليحافظ على ملف خدمته، ذلك الملف الذي يشبه سجل ملائكة الخير والشر للإنسان، فيحاول ألا ينتهكه بفعل المحرمات الوظيفية أو المقتضيات الأخلاقية التي لا تسمح بها الوظيفة كسلوك للموظف، فيُخفي علاقته بقدرية وشربه للخمر كل أسبوع لديها والجريمة الأخلاقية التي ارتكبها في حق أصيلة، كل ذلك كان أشد حرصا على ألّا يكون مُدوَّنا في ملفه الخدمي. لذلك يُعبِّر في أحد حوارته عن تقييمه، فيقول: ألم يخبرك الملف الإداري بشيء غير طيب؟

فالوظيفة هي المُشرِّع الأخلاقي لأفعاله، لذلك حينما قرر أن يتزوج من قدرية شعر بأنه تخلَّص من كل الآثام، ولكنه كان زواجا ممّن تساعده على الترقي الوظيفي فحسب، فهي زيجة مطلوبة كقربان لأجل الكادر المقدس، فحينذاك يصبح الزواج سلاحا لا عيب فيه يقاوم به الموظف تيار الزمن المتدفق بلا رحمة، لأن عمره الفعلي أسرع مما يسير به عمر ترقّيه الوظيفي، فأفعاله ورغباته يتحكم فيها شرائع عمله الوظيفي.

فضحّى بالحب وبحياته الأسرية، وسَخّر حياته وصحته لأجل التدرّج الوظيفي

ثمن العبادة المقدسة

ضحّى بيومي بكل ما قد يمنح حياته معنى من أجل الوظيفة؛ فضحّى بالحب وبحياته الأسرية، فلم يتزوج السيدة التي أحبها من صغره، وضحّى بحب أنيسة رمضان، وسَخّر حياته وصحته لأجل التدرّج الوظيفي، فبحسب تعبيره على فراش المرض: المؤمن الحقيقي لا يسعد بالصحة وحدها، أي إنه مستعد للتضحية بصحته لأجل عمله. وحينما بحث عن فرصة للزواج بحث عن مصاهرة سيدة لها عائلة تُعينه على اقتصار طريق الترقي الوظيفي، وكان مبررا في سياق إيمانه الوجودي بالعمل الحكومي.

وليس كل موظفي الحكومة مثل نموذج عثمان بيومي، فقد وُجد كثير من المديرين الذين كانت الوظيفة لديهم وسيلة كسب لإعالة أُسَرهم وتحقيق حد الستر والكفاف عند البعض، أو الترقي الاجتماعي والطبقي لدى البعض الآخر، ولكن لم تكن الوظيفة والترقي بها في ذاتها غاية وجود كما كانت لدى عثمان بيومي

ظل عثمان بيومي مفتقدا إلى الأُنس وإلى الحياة نفسها، فلم يكن له صداقات حقيقية أو علاقات وروابط أصيلة، وكأن كل فراغ في حياة عثمان بيومي قد امتلأ بتوهّم قداسة الوظيفة، فكان إيمانه بالوظيفة نابعا من احتقار لخواء روحه وفراغه في الوقت نفسه.

رواية "حضرة المحترم" تُثبت أن عباس العقاد ونجيب محفوظ قد اتفقا أن الوظيفة الحكومية عبودية القرن العشرين، واختلفا أن ثمة مَن أخلصوا العبادة لهذا الإله، وثمة مَن رفض

 فالموت لحظة فرقان وكشف للحقيقة والزيف، يجد أن التراتبية الوظيفية لم تجعله مميزا عند الموت، ولم تشفع له وظيفته حينما ينتهي وجوده على الأرض. فيرى في هذه اللحظات نفسه مجرد كهل ذي منبت حقير وموظف كفء يشغل درجة وكيل إدارة، وأن إيمانه بالدولة والوظيفة ما هو إلا لكونه شخصا وحيدا متعاليا على الضعف البشري، نصيبه من الدنيا حجرة عارية (وهذا مجاز عن قدرية الباغية نصف الزنجية) ودرجة وكيل إدارة. لذلك فرح عثمان بيومي حينما اشترى قبرا وتزوج قدرية، فقد صار صاحب أسرة ومالك قبر، مبتهجا بأن قبره تدخله أشعة الشمس وليس قبرا من قبور الصدقات التي تختلط بها عظام الموتى كحال والديه.

 فقد وصله خبر ترقيته إلى مدير عام بينما هو على فراش الموت، لديه زوجة تعيسة مدمنة وزوجة أخرى موظفة صغيرة طامعة، ولم يستطع أن يتزوج مبكرا وينجب طفلا يحمل نسله ويحمله مع الحياة الحقيقة، فهذه النهاية كانت رحلة كشف بأن ما أضاع حياته فيه لم يكن سوى وهم القدسية للوظيفة الحكومية، ولكن من محاسن المصادفات أن القبر الجديد قد حاز رضاه تحت ضوء الشمس.

Oct 21, 2021 Dec 1, 2021

جامعة مصرية تمنح الدكتوراه لباحث متوفِ !

عمون - في لفتة إنسانية، منحت جامعة مصرية درجة الدكتوراه الاعتبارية لباحث، بعد وفاته بثلاث سنوات.

وفي التفاصيل، منحت كلية الآداب في جامعة المنيا، الباحث أحمد رأفت خليفة، درجة الدكتوراه الاعتبارية تقديرا لجهوده في رسالته قبل الوفاة، بعد مرور 3 سنوات على وفاته.

وقررت إدارة الدراسات العليا بالكلية منحه درجة الدكتوراه الاعتبارية تنفيذا لتوصيات اللجنة في 2018، التي أوصت بمنح الباحث درجة الدكتوراه في الآداب.

المصدر: "الوطن"

*

الإنسان تحرر بفضل التكنولوجيا من الجهل والعبودية، لكنها أوقعته في عبودية من نوع آخر هي "عبودية التقنية".


عصر التكنولوجيات الحديثة ذات الجودة والكفاءة العالية. كان الهدف من ابتداع الإنسان لهذه الوسائط بغية تيسير حياته وإحكام سيطرته عليها، لتضحي اليوم هي من تسيطر علينا وتثير فينا الكثير من الالتباس. رغم ذلك تبقى الوسائط التكنولوجية ضرورة ملحة لا يمكننا العيش بمعزل عنها.

“عبودية التقنية ” التي اقتحمت أدق تفاصيل حياتنا مما أثر على سلوكياتنا. فرضت التكنولوجيا واقعا جديدا انعكس على حياتنا وبالتالي على الفن، فهناك من يرى أن القيم الجمالية قد تهاوت أمام الثورة التكنولوجية، بينما ترى فئة أخرى أن التكنولوجيا أوجدت مفاهيم وتقنيات جمالية جديدة، 

مستقبل البشرية في ظل الهيمنة الرقمية. عالم شجاع جديد



الخميس، 27 أكتوبر 2022

تضحيات الرئيس تبدأ من المرحلة الإعدادية، بعد هزيمة 1967 **********

 المسلسلات المصرية مخطئة حين تنتقد الدولة، فتحوّلها إلى خصم، فيتظاهر الناس ضدّها، والآباء في البيوت مخطئون حين يربون أولادهم على أن العجز في الإنفاق مسؤولية الدولة، فيتظاهر الأبناء ضدها، وثوار يناير مخطئون لأنهم سمحوا للإسلام السياسي أن يصل إلى الحكم، والإسلام السياسي مخطئ، لأنه فشل ولم يعترف بفشله، والمثقفون مخطئون، والمفكّرون مخطئون، والبرلمانيون مخطئون، (إلا إذا تحولوا إلى وزراء مثل وزيرة التجارة والصناعة)، وأخيرا من يحملون راية الدين الذين تمنّى الرئيس أن يكونوا صادقين، (مثله)، ومخلصين، (مثله)، وأمناء، (مثله)، وشرفاء، (مثله).. "قسما بالله لم أتحدّث كذبا قط.. في أي حاجة"، هكذا يتحدّث الرئيس عن نفسه، هكذا يُقسم، وهكذا "يضرب" المثل والقدوة (وأي حاجة).

الرئيس دائما على صواب والآخرون دائما مخطئون

تصريحات الرئيس، ربما لأول مرة، عن طريقة معاملته رجاله ونظرته إليهم، فهم، أيضا، مخطئون، (لا أحد فوق الخطأ سوى الرئيس)، كما أنهم، رغم حبّهم بلدهم، لم يضحّوا مثل الرئيس، ولم يتحمّلوا مثل الرئيس، ولم يواجهوا مثل الرئيس، ولم يكونوا في شجاعة قرارات الرئيس، ولم يجمعوا بين شجاعة القرار وفضيلة القرار.

يطلب الرئيس من وزير الخارجية تخفيض المرتبات، فينزعج الوزير، ويسأل: فيه إيه يا فندم.. خير؟ يضحك الرئيس وهو يخبرنا بذلك، ويضيف أنه لم يكن هناك أزمة وقتها، لكنها الحوكمة (حوكمة الرئيس). يجتمع الرئيس برجاله في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، ويطرح عليهم تعويم الجنيه وتغيير سعر الصرف، يرفض الجميع، هكذا يخبرنا الرئيس بنفسه، كلهم رفضوا: "كل المعنيين من الأجهزة الأمنية والدولة تقريبا.. كل اللي كانوا قاعدين .. كله .. يُعدد الرئيس: مدير المكتب.. الاقتصاد.. المالية.. الرقابة الإدارية.. الداخلية.. الدفاع"، (وأنا وأنت)، ومع ذلك نفذ الرئيس ما أراد، ولم يفته أن يخبرهم بأن الموضوع "مش عافية".

الرئيس هو من يقرّر كل شيء. ومع ذلك هو غير مسؤول عن أي شيء، إنما تقع المسؤولية على الجميع.. الشعب، الذي يشكل هاجسا لدى صناع القرار، مظاهرات 2011، مظاهرات 2013، مظاهرات حدثت في بلد آخر، لن يسمّيه الرئيس، لكنه انهار واختفت ودائعه الدولارية من البنوك بسبب المظاهرات وتصفيق المواطنين في الشوارع (وليس النهب والسرقة والفساد والطائفية).

استمرار الدولة المصرية نفسها ليس مسؤولية الرئيس، (منقذ الدولة المصرية)، إنما هو "قرار إلهي"، أما الرئيس فهو المسؤول عن الإنجازات.. ما بناه "لأن ربنا رزقه"، وما ســـيبنيه "لو ربنا ادّاله".

يمكن نجاح أي شيء يكون السيسي طرفا فيه، سيما إذا كان الطرف المهيمن والمسيطر وصاحب القرار "النافذ" و"الوحيد"، ولو عارضه "كل" رجاله، كما يقول بنفسه؟ هل يمكن الوثوق في وعود رئيس يَعِد، في 2014، بتحسين أحوال المواطن بعد سنتين، ويعد في 2016 بأنه لا يحتاج أكثر من ستة أشهر للوفاء بوعده، ويعد في 2017 بأنه يحتاج إلى عام واحد فقط، ويعد في 2018 بدولة أخرى في 2020  ثم يخبرنا في 2022 بأنه لم يعدنا بشيء؟

ليس لدى مصر أي شيء، ولذلك هي تحتاج إلى كل شيء، إلى الحوارات والمؤتمرات والمبادرات والتفكير خارج الصندوق وخارج السجن والإخفاءات القسرية وقوائم الإرهاب وترقّب الوصول وتشويه السمعة والاتهامات بالخيانة، تحتاج الحرية والعدل و"العقل" والإدارة الرشيدة، تحتاج إلى خبرات أبنائها، ونخبها، ومثقفيها، ومفكريها، وعلمائها، وسجنائها، ومطاريدها، فهل حكم السيسي سبيل ذلك كله أم عائقه، طريق إليه أم عبءٌ عليه، ضمانته أم خذلانه؟

 "أنا ظهري ربنا واللي يقدر على ربنا يتفضل".

هو إذ لأول مرة يعترف بوجود الأزمة فإنه ينكر إنكارا تاما مسؤوليته عنها، فهو تارة يعيد أسباب ذلك إلى أحداث في العام 2011، و2013، وتارة يحاول أن يسوّغ كل ما يفعل بالضغط على هذا الشعب من خلال استراتيجيته الخطيرة والحقيرة في الترويع والتفزيع، وفي الإفقار والتجويع، فيجعل من هذا وذاك أمرا طبيعيا يجب على الجميع أن يتحمله

متناقضا، والذي ينسخ بعضه بعضا، محاولا أن يعبر عن أنه أساء فهم الناس ولم يقدر أمرهم، فإذا به يعود سريعا في نهاية مؤتمره ليرمي الجميع بالقصور والتقصير، "الناس غير قادرة على تقديم التضحيات"، ويرى أنهم السبب في الفشل والانهيار الذي حدث، والسبب في توقف المساعدات، "حتى الأشقاء والأصدقاء أصبح لديهم قناعة بأن الدولة المصرية غير قادرة على الوقوف مرة أخرى، وأن الدعم والمساندة عبر سنوات شكل ثقافة الاعتماد عليهم لحل الأزمات والمشكلات".

 يحاول المستبد باستخدام كل أدواته ليصور الوطن كضيعة أو بقرة يحلبها، ويحاول أن يجعل من الشعوب ضمن تشكيل عقلية القطيع، فيؤكد أنه لم يكذب عليهم أبدا، وهو الكذاب الأشر الذي وعد الناس بالوعود الزائفة ولكنه في النهاية ووجه بالفشل الذريع، وبالأزمة التي لا يمكن تجنبها، فبات يخرج من جراب خطابه كل أنواع الخطاب.

الخطاب المهترئ يؤكد أنه لا يعتبر نفسه رئيسا لمصر، بل يعتبر نفسه إنسان طُلب منه التدخل لحماية وطنه، وأن أدوات الرئيس حاجة، وأدوات البطل أشياء أخرى، "عندما كنت وزيرا كانوا يقولون أنت البطل والأيقونة".. هكذا عين نفسه البطل المنقذ الذي لا يحاسب كمسؤول ثم يقول كلاما أجوف لا تعرف له دلالة أو مدلول، "عايزين تعرفوا مصر عاملة ازاي روحوا حديقة الحيوان وشوفوا حجم السلبيات".

أدلى به المستبد لتبرير فشله، فيؤكد أن "خطاب السيسي في المؤتمر الاقتصادي فلسفي بالدرجة الأولى، وطالب الجهات المعنية بطباعته". تخيل أن ذلك هو وزير ثقافة أسبق لهذه المنظومة التي اختلت في خطابها وساد الاستبداد والطغيان في سياساتها! ومن هنا نردد مع نعوم تشومسكي: "حتى تتمكن من السيطرة على الشعب اجعله يعتقد بأنه هو سبب تخلفه".

 "وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ"

*

 لا يصح أن أغفر للرئيس (أو أي مسؤول) أخطاءه على طريقة "حبيبك يبلع لك الزلط"، ولا يصح أن أهاجمه بدون رؤية وفهم على طريقة "عدوك يتمنى لك الغلط"، وبالتالي فإنني لا أحابي الرئيس (أو المسؤول) ولا أخاصمه..

الخلاف مع رئيس دولة أو قادة أي نظام سياسي في بلادنا، ليس "خلافا في الرأي"، لأن الرئيس ومنظومة الحكم لا تخبرنا برأيها ولا تناقشه علنا قبل أن تفاجئنا به، لكنها تصدر القرارات وتنفذها، ثم تدافع عنها في مواجهة من يقول رأيه "المتأخر فيها". وهذا يعني غياب الحوار في الرأي من الأساس

 الاختلاف في الرأي مهم، لكن الاختلاف في الفهم مشكلة، وحيث أن ما بيننا ليس خلافا في الرأي بل خلاف في الفهم

حتى في مؤسسات التشريع والتشاور والرقابة والمجالس المتخصصة (كلها تعمل كمؤسسات تنفيذية لاحقة لقرارات الرئاسة وليست سابقة عليها). فالبرلمان والمؤسسات الشعبية والرقابية الأخرى لا تناقش ولا تراقب ولا تحاسب، لكنها توافق وتواكب وتبارك وتدعم سلطة يجب محاسبتها على كل قرار وكل نتيجة، لأن عدم المحاسبة وعدم اتباع الصلاحيات في "عملية صناعة القرار" أمر يضر بدقة قرارات الرئاسة نفسها. فمن المتفق عليه أن نتيجة التفكير الجماعي أدق وأشمل من نتيجة التفكير الفردي، وهذا يذكرني بتعبير آخر في التصريحات قلت فيه: "أنا كنت رئيس الاستخبارات ومسؤولا عن الأمن وكنت أرى ما كان يحدث".

لأن الرأي جزئي والفهم شامل. وللتوضيح أقول إنني أتفق معك في كثير من التصريحات التي تحدثت فيها عن ضرورة تقليل فاتورة الاستيراد، وزيادة فاتورة التصدير، وضرورة الاهتمام بالصناعة وزيادة معدلات الإنتاج المحلي وطرح مبادرة "ابدأ" لتشجيع ذلك. 

 العاصمة الإدارية ورؤيتك للاستثمار الخارجي، حيث يبدو في هذه الحالة أن رؤيتك للاقتصاد رقمية تخضع لاعتبارات مصرفية وريع المشروعات الخدمية لمستثمرين لا يرتبطون بخطط الإنتاج التي تحتاجها مصر، لكن يتصرفون بمنطق تحصيل أكبر عائد من أي نوعية سلع تؤدي إلى أرباح وفيرة.

أنا كمواطن مهتم بتأمين حياة الناس وجودة الخدمات الضرورية التي تقدم لهم، بينما تهتم سيادتك بالإنجازات الإمبراطورية التي تحسب لمن يبقى اسمه على ألواح الرخام التأسيسية، وهي الآفة التي قصمت ظهر مصر الاقتصادي على مدار قرون من الأهرامات، إلى قصر أحمد بن طولون، إلى حمام خمارويه وشوار ابنته قطر الندى، إلى قاهرة الخديوي إسماعيل "الباريسية" التي يتم استنساخها بروح عصرية في العاصمة الإدارية..

 الفهم الخاطئ لأمجاد الحاكم لا يجب أن يرتبط بإنشاء مسجد أو قلعة أو حي سكني أو عاصمة.

 أعظم ما يقدمه هو الاهتمام بحياة الناس في بلاده من غير حساب التكلفة المالية للتعليم والعلاج والمعيشة. فالأموال في كل الأحوال يتم إنفاقها في بنود عتيقة يمكن التخفف منها إذا أصلحنا الفهم، خاصة وأن سيادتك في التصريحات ذكرت أن مصر خسرت 477 مليار دولار في اللا شيء. وهذا يضعنا أمام مفارقة تدعونا للتفكير في حتمية الإنفاق حسب أولويات الناس، لأن أخطاء الإدارة أو السلوك العام للشعب قد تؤدي إلى خسائر أكبر بكثير من حجم الإنفاق المطلوب للإصلاح البنيوي في كيان الدولة ومسؤوليتها عن حياة الناس؛ وليس عن تشييد عمائر الذكرى وإنجازات الأبهة.

 ننتظر الحاكم الإصلاحي الثوري الذي يستطيع أن يحرر مصر من ذلك الميراث الملعون لسلطة المماليك، ويضعها أمام مستقبل جديد يليق بالعصر وبالمستقبل المنظور

بدون استفزاز أو تأويل خاطئ يمكن إعادة التفكير في ميزانيات شراء السلاح، وميزانية البرلمان بغرفتيه، وميزانيات الجهاز البيروقراطي الذي يجب إعادة هيكلته كأساس لإصلاح بنية الدولة المصرية التي لم تتطور منذ العصور الوسطى. فـ"مركزية الحكم" هي هي، و"المشروعية لمن غلب" هي هي، و"هيمنة الدواوين" هي هي، وشكلية القوانين هي هي، والبرطلة (الرشوة) وشراء الوظائف والمحسوبية هي هي. وهذا الاستسلام لتقاليد الحكم منتهية الصلاحية ليس مسؤوليتك ولا مسؤولية حاكم واحد بعينه، لكننا ننتظر الحاكم الإصلاحي الثوري الذي يستطيع أن يحرر مصر من ذلك الميراث الملعون لسلطة المماليك، ويضعها أمام مستقبل جديد يليق بالعصر وبالمستقبل المنظور.

الحياة الكريمة في نظر القائمين على المبادرة ليست في حقيقتها إلا نوعا من "الإحسان"

وأتعجب أنك ذكرت رقم 700 مليار جنيه تم إنفاقها على هذا المشروع في إنشاءات وصرف صحي وخلافه، لكن الحياة الكريمة لا تقتصر على إنشاءات لشعب يعاني ويتذمر، صحيح أن أي ميزانية لن تكفي أبدا لتحقيق رضا الشعوب عن حكامها، لكن "فهم" مبادرة الحياة الكريمة بشكل صحيح يقتضي بناء الإنسان بمثل درجة الاهتمام بتكاليف محطات الصرف. لذلك تحتاج المبادرة إلى إجابات عن الأسئلة الغائبة المتعلقة بالأخلاق والأمل والنظافة، ومؤشر الرضا عند الناس والإحساس بالأمان والانتماء والنجاح، وهذه كلها أشياء مفقودة صنعت انحرافا في التفكير العام لدى الجموع.

حكم العصابات تستخدم الإرهاب والتخويف أكثر مما تستخدم الإقناع والقوانين.

فعندما أطالع الأداء الشعبي على مواقع التواصل الاجتماعي، أشعر بأن الدولة المصرية فقدت سيطرتها في مجال قيادة الرأي العام وتنظيم الفكر الجمعي، صار لدينا نوع من التشوش والخلط يحفز الدولة أن تكون طرفا في الصراع، وليست قائدا له.

 لا أرغب في دولة ضعيفة، لكنني في الوقت نفسه لا أوافق أبدا على دولة تستخدم العصا الغليظة ضد شعبها، وتهمش القوانين في سعيها للسيطرة على مصائر البلاد.

وفي هذا الإطار أتذكر حديثك المتكرر عن عظمة الإنجازات التي قمت بها، ولا أخفي أنني في كثير من الأحيان ما أضبط نفسي متفقا معك في الرأي ومختلفا معك في الفهم. صحيح أنك تبذل مجهودا كبيرا في التشييد والإعمار، وتسهر الكثير وتنام القليل وتتابع بنفسك كل التفاصيل، وهذا إخلاص ودأب في العمل يثير الإعجاب، لكنه أيضا يثير الكثير من الأسئلة عن دور الرئيس وصلاحياته الدستورية والمطلوب منه. فالحديث عن العَرَق أمر غير مستحب عندما يرتبط بالرئيس، لذلك يجب أن ننحيه جانبا عندما نتحدث عن الفكر والقيادة والمسؤوليات العامة.

فالعَرق مُقَدَر وعظيم لكن مجاله ليس في الإدارة؛ الإدارة مسؤولة عن التنظيم وتخطيط الجهد والإشراف على المشاريع التي ينفذها "أصحاب العرق"، لذلك أحب أن أسمي العرق "عطر العمال". فالعامل ليس مسؤولا عن التخطيط والتفكير، لكن عن جهد التنفيذ الأمين لمستوى آخر مختص بالتخطيط والرؤية الشاملة.

فمن المعيب والمضحك والمدمر أن أدفع ملايين الدولارات لمدرب منتخب كرة القدم، فلا يقوم المدرب العجوز بالتدريب، بل ينزل إلى الملعب ليثبت كفاءته وينافس اللاعبين في دورهم. وهذه أكبر مشكلة في فهم المدير الذي يهتم بعمله فيقوم بأدوار من الواجب أن يقوم بها العمال أو المساعدون، لأن خبرة وساعة عمل المدير لا يجب إهدارها في عمل يقوم به مستوى آخر من الموظفين..

هل هذا مؤشر على عدم ثقة في أداء المعاونين؟ هل ترغب في الجمع بين منصب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء لكن الصورة العامة للدولة في الخارج لا تسمح؟ هل تعليماتك لا تنفذ كما يجب على المستوى الوزاري فتضطر لتحمل أعباء الآخرين؟

رئيس لكل المصريين" ولست منحازا لفئة أو مؤسسة أو جماعة أو فكرة واحدة تهيمن على تفكيرك..

*

"اوعوا حد يزعل من اللي هقوله، كل المقترحات اللي اتقالت دي، أنا آسف، أي طالب في كلية السياسة والاقتصاد يتكلّم فيها"

لم يكن المؤتمر للاقتصاد، إذن، بل كان حفلًا كبيرًا لتعويم جنرالٍ يتعثّر في مساره، الذي أراد أن يورّط فيه أكبر عدد ممكن من الشخصيات والأحزاب السياسية، التي يُطلق عليها معارضة. 

تصديرها للعالم عن انفراجةٍ سياسيةٍ كاذبةٍ وسعة أفق مزعومة تستوعب مختلف ألوان الطيف السياسي، وهي الصورة/ الرسالة المطلوب توجيهها إلى العالم قبل انعقاد مؤتمر المناخ، وكذا يٌراد إرسالها إلى الداخل الذي يترقب دعوات إلى التظاهر في الحادي عشر من الشهر المقبل (نوفمبر/ تشرين الثاني).

رئيس حزب الدستور، جميلة إسماعيل، بعد فترة طويلة من حظر الظهور، لتتحدّث في مداخلة طويلة بما لا يتفق شكلًا موضوعًا مع ما يقوله جنرال المسار، وتزداد الإثارة مع الإعلان بكثافةٍ عن حذف المداخلة من موقع القناة المصرية الأولى على"يوتيوب"، فتشتعل محرّكات البحث عن المداخلة المحظورة، ويصل خبرها إلى من لم ينتبهوا إلى حدوثها أصلًا.

خطاب المؤتمر الاقتصادي تعامل مع المواطنين كأنهم عبء.. ومكانش فيه كلام عن أي أفق للتغيير 

سمعنا أحاديثا عن التضحية والعطاء والبطولات.. ولم نسمع عن الناس العادية اللي بيدفعوا أثمان الأزمات ودائما يتلقون اللوم 

نتمنى توفير مساحة للأحزاب للتعبير عن أفكارها العمل في الشارع من جديد.. ويجب التخلص من أسر صندوق النقد بدلا من التعامل معه باعتباره أفق سياساتنا الاقتصادية 

نشر حزب الدستور نص المداخلة الهاتفية رئيسة الحزب جميلة إسماعيل، مع الاعلامي يوسف الحسيني، في برنامج التاسعة مساء على القناة الأولي المصرية بتاريخ الثلاثاء 25 أكتوبر، والتي انتقدها الرئيس عبدالفتاح السيسي في مداخلة عبر البرنامج نفسه. 

 الاختلاف في الرأي ليس مشكلة، ولكن الاختلاف في الفهم هو المشكلة

جميلة: الأول تتوفر المساحة للأحزاب تشتغل وتدور فيها أفكارها، وتعمل وتتحرك في الشارع من جديد، وتقدر تقوم بدورها، وتنافس بشكل حقيقي على السلطة، وده دور أي حزب سياسي، وأن ده يحصل دون ملاحقة وحصار ومعاناة، زي اللي عشناها سنين طويلة في الحزب، بعدها نبقى نتكلم في فكرة إن كل مجموعة أحزاب تتكتل مع بعضها، لو كانت دي رغبة الأحزاب. لكن مش هينفع تفكر تقفز فوق كل ده ومن الأول تقول كده، زي ما تيجي تقول القناة الأولى والتانية والتالتة والرابعة والخامسة مع الفضائية المصرية، كلهم هنحطهم في قناة واحدة وحزمة واحدة، وكبسولة المواطن هياخدها، لازم نشتغل الاول على أفكار وتوجهات كل قناة الأول، وطاقمها، ونعرف جمهورها مين، وتشتغل وتاخد مساحتها، وبعدين تفكر إزاي تخرج ببث موحد لمجموعة من القنوات. 

سمعنا عن فكرة قتل المدرسة، والاعتراف بالسناتر بأريحية كبيرة، كأنك تقتل الغرض من التعليم، أو تحول التلميذ لصياد درجات وشهادات. 

هتكلم بلسان مجلس النواب مش بلسان المذيع، أمس أعلن المستشار حنفي الجبالي رئيس المجلس، ان كل ما قيل لم تتم الموافقة عليه، بل أحيل للجنة التعليم في المجلس وطالب باستدعاء كل خبراء التعليم حتى المستقلين لمناقشة ما جاء في بيان الوزير ولم نناد بالتفعيل. 

//////

عمار علي حسن حرية في الاقتصاد بلا حرية في السياسة لن تثمر شيئا ذا بال.

يمكن أن تحكم الناس بالقمع والخوف لكن الخائفين لا يمكن أن ينتصروا في حرب. {واحة الغروب} بهاء طاهر

تعطي المشروعات الإنتاجية لمن يحسن تشغيلها، وتدوير أرباحها داخل مصر، وتنهي حالة الاحتكار، ولو تدريجيا.

"انا التاريخ كله عندي يا يوسف جمال مبارك

كلما فكرت أن أعتزل السلطةإ ينهاني ضميري إ من ترى يحكم بعدي هؤلاء الطيبين؟ من سيشفي بعدي الأعرج إ والأبرص والأعمى ومن يحيي عظام الميتين؟ من ترى يخرج من معطفه ضوء القمر؟ من ترى يرسل للناس المطر؟ من ترى يجلدهم تسعين جلدة؟ من ترى يصلبهم فوق الشجر؟

من ترى يرغمهم أن يعيشوا كالبقر ؟ ويموتوا كالبقر ؟ كلما فكرت أن أتركهم فاضت دموعي كغمــــامة وتوكلت على الله وقررت أن أركب الشعب من الآن الى يوم القيامة نزار قباني

عزت القمحاوي التدافع على جمال مبارك سقف طموح محبط. بيفكرني بحدوتة كان مصطفى أمين بيكررها عن التعذيب على الخازوق أيام المماليك. واحد من المرفوعين ع الخازوق كل شوية يقول لجلاده انقلني ع الخازوق ده، ينقله، يرجع يقول له رجعني للتاني. سألوه هتستفيد إيه، قال برتاح في المسافة بين خازوق وخاروق.

*

رصيد شعبية السيسي

مطالبة الشعب بالتحمل في انتظار نقلِه الدولةَ إلى وضع أفضل، إلى مجرد الاعتزاز بفضيلة هذا الشعب في التحمل، إلى ما لا نهاية، فقط من أجل حماية الدولة من الضياع، كما حدث لدول حولها.

لم يعُد الرئيس يعِد بشيء، كجعل مصر "قد(ر) الدنيا" مثلًا، بل أصبح يُنكر حتى أنه قدّم وعودًا من قبل!

قاله ماتزعلش مني أنا جبت أربعة.. ومش قادر أصرف عليك؟ ولّا بيقول له: الدولة مش قادرة تأكّلك؟"، استمرارا لاستخدام شماعة الزيادة السكانية. 

حصار الرسول وأصحابه بشعاب مكة حتى اضطروا "لأكل أوراق الشجر" دون شكوى. بعد ذلك ازدادت فترة التحمل المطلوبة إلى 15 سنة مع مَثل تحمل الشعب المصري وتوقف الحياة والاقتصاد والمعاناة من حرب 1967 إلى استكمال استعادة سيناء 1982، وهو ما كرره الرئيس في خطابه في ذكرى حرب أكتوبر قبل أسبوعين.

يعترف الرئيس في خطابه أنه بدأ في استخدام "رصيده الشعبي" لدى المواطن منذ عام 2015 في اتخاذ قرارات اقتصادية

"أخطر شيء.. واسمعوها مني كده، هو قياس الرضا الشعبي بما يتحصل عليه المواطن مباشرة وحرص الحاكم على الحكاية ديت، إن هو يلبي مطالبه مباشرة، يعني يحط له في جيبه.. حتى لو كان ده على حساب مستقبل الوطن وحاضره".

رصيد "العشم"، أو ثقة الحارس القوي المدجج بالسلاح بحاجة المدني الأعزل الضعيف لحمايته من مخاطر الغابة المليئة بالذئاب والوحوش الضارية.

 الحديث الشعبي الهامس عن نفاد رصيد الرئيس، في غياب حرية الإعلام، ليس جديدًا. فقد أُثير ذلك مابين عامي 2016 و 2018 بعد تخفيض قيمة الجنيه المصري وأزمة سيولة النقد الأجنبي والتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير وعدم جدوى الإنفاق على تفريعة القناة.

لكن شيئًا لم يحدث، بل بالعكس تم بعد إعادة انتخاب الرئيس لفترة ثانية تعديل الفقرة الدستورية "غير القابلة للتعديل بالزيادة"، بزيادة فترة الرئاسة وإضافة ثالثة "استثنائية"!

لا وجه للمقارنة بالطبع بين الوضع الاقتصادي في نهاية فترة السنوات الأربع الأولى للرئيس، وبين الأزمة الخانقة الحالية في مطلع سنته التاسعة. فالأهم هنا رصيده عربيًا وأمريكيًا.

الدعم العربي والغربي لحكم الرئيس السيسي بلغ ذروته متواكبًا مع تولي الجمهوري دونالد ترامب الرئاسة الأمريكية وتولي الأمير محمد بن سلمان ولاية عهد السعودية. ودخلت مصر في تحالف مع السعودية والإمارات ضد قطر وتركيا. كما أعطت الإدارة الأمريكية الضوء الأخضر لحلفائها العرب بالتعامل مع مواطنيهم كما يحلو لهم. حتى إن ترامب لم يكن معجبًا فقط بأصدقائه المستبدين بل أيضًا بأحذيتهم!

نفاد هذا الرصيد العربي "حتى الأشقاء والأصدقاء أصبحت لديهم قناعة بأن الدولة المصرية غير قادرة على الوقوف مرة أخرى. وأن الدعم والمساندة عبر سنوات شكلت ثقافة الاعتماد عليها لحل الأزمات والمشاكل (..) خلاص الناس ساعدت كتير قوي وبقى لها كتير بتساعد (..) وانت ما ساعدتش نفسك وعمرك ماوقفت وعودك يصلب".

في المحصلة، نفاد الرصيد العربي والخارجي هو التحدي الرئيسي الذي يواجه استمرار حكم الرئيس السيسي، ولو بشكله المعهود من قبل. أما رصيده الشعبي داخليًا فقد سبق وتعرض للعديد من الأزمات، ولا مجال لقياسه برضا الشعب، طالما يرفض الرئيس اعتبار تلبية احتياجات المواطن معيارًا مقبولًا!

قناعة الرئيس بأن رصيده لا زال يسمح ليست مفاجِئة، فهي تستند إلى نفس منطق المجلس العسكري السابق، الذي كان عضوًا فاعلًا فيه؛ منطق القوة المسلحة، إلى أن يتحداها أحد، ليس دائمًا عن جرأة، بل أحيانًا عن إحباط ويأس!

*

كان المقصود، إذن، أن يصبح هؤلاء الليبراليون والديمقراطيون واليساريون المصنّفون معارضة شركاء أمام الرأي العام في الداخل، وأمام العالم الخارجي أيضًا، شركاء في قرار كارثة العملة المحلية، بما أنهم شركاء في المسار الذي يقودُه الجنرال بطلب منهم وتحت إلحاحهم، أو كما قال له مذيع القناة الأولى المصرية مرتعشًا إنهم جميعًا ذهبوا إليه قبل الثلاثين من يونيو/ حزيران 2013، وتوسّلوا إليه أن يخلصهم من حكم الرئيس الذي انتخبته أغلبية الشعب المصري، وكان انتخابه الملمح الوحيد الباقي من ملامح ثورتهم في العام 2011.

المتصوّر الآن بعد الإعلان عن قرار الزعيم الذي لا يُسأل عمّ يفعل لأنه يحكم وفقًا لقاعدة "ففهمناها سليمان"


الأربعاء، 26 أكتوبر 2022

الرغبة

  نكتشف أن ما حصلنا عليه ليس الشيء المتصوّر وإنما ما يشبه هذا الشيء، وتبدأ عملية تطويع الحاجة/الرغبة لتتلاءم مع ما يشبه الشيء عملية صعبة ومعقدة لإقناع أنفسنا بأن هذا «الما يشبه الشيء» هو الشيء ذاته. ولكن هذا لا ينفي أن الرغبة أصبحت واقعاً بالرغم من كونها ليست حقيقية.

 الخيبات التي تتركها هذه التجربة، وفي عملية تقييم أولية تكمن في عدم التطابق بين المتصوَّر والواقع والسبب في عدم توافر الشروط الضرورية لنجاح أيّ «تجربة» حيث تكون التصورات أكثر «تفاؤلاً».

إن استخدامات التكنولوجيا، وتطويرها لتلبية حاجات الناس ورفع مستوى حياتهم باستمرار عبر تلبية «حاجات» حتى لو كانت وهمية، كل ذلك جرّد كل احتجاج، وكل معارضة من سلاحها


الثلاثاء، 25 أكتوبر 2022

الجشع التضخّمي: من يربح؟ من يخسر؟

 مع التضخم مدفوعاً إلى حدّ كبير بسعي الشركات إلى الريع، يجب فرض ضرائب على الأرباح غير المتوقعة بدلاً من قمع المطالبات المتعلقة بالأجور


حاول أن تكون حقيقياً وليس مثالياً.***** فقراء يزدادون فقراً مقابل أثرياء يزدادون ثراءً

Jan 9, 2021

 في كل يوم يمر ننشغل نحن العراقيون بالحديث عن العراق ومشاكله اليومية وتقديم الحلول. بينما في اللحظة نفسها ينشغل الفاسدون وتجار الأحزاب الفاسدة ومافيات الميليشيات بالعقود والصفقات والرشى. هم يزدادون ثراء وسلطة وإجراما والشعب يزداد فقرا وتقسيما وضحايا. تلك هي المعادلة اليوم.

في المجتمع الرأسمالي، عندما تكون لصا صغيرا فإن البوليس يتبعك، وعندما تكون لصا كبيرا فإن البوليس يحرسك.

مشاكل الطائر وهو يحلِّق في السّماء لا يفهمها إلا طائر مثله.

السعادة أثمن من المال، لأنّك لن تجد من يُقرضكَ إياها.

الشخص الوقح قليل التربية، عديم الأخلاق، عندما يتدين تكون فرصته كبيرة في أن يصبح داعية متصيّتا.

*




القفص الذهبي والحب الخالد

جورجيو أغامبين في كتابه «المنبوذ: السلطة السياديّة والحياة العارية»

ثلاث مكوّنات في ظاهرة المنبوذ

الاستثناء

 تشتمل بنية الاستثناء على تراتب هرميّ واضح المعالم، يقف على رأسه السيّد، ويمكنه من خلال موقعه هذا رؤية مفاصل البنية ومكوّناتها والوصول إليها؛ ممّا يضعه فوق المجتمع؛ إنّه الطرف الوحيد في البنية، وهو بهذا المعنى الطرف المهيمن.

"السياديّ، متملّكًا القوّة الشرعيّة لتعليق صلاحيّة القانون، يموضع نفسه - بشكل قانونيّ - خارج القانون. بهذا المعنى؛ يمكننا استخدام هاتين الصيغتين لوصف مفارقة السيادة: القانون هو خارج ذاته. أو: أنا، السياديّ، الّذي يقف خارج القانون، أصرّح بعدم وجود شيء خارج عنه

حالة الطوارئ

 قدرة السيّد المطلقة على تعليق القانون

ليست حالة فوضى، أو حالة غير قانونيّة أو حالة لا - قانون، بل ثمّة آليّة قوننة جديدة هي القرار السياديّ المباشر الّذي يستمدّ شرعيّته من ذاته

العقاب السياديّ

يعمل السيّد على بناء أدوات جديدة، وهدم أخرى قديمة


السبت، 22 أكتوبر 2022

ابن حزم الحب أوله هزل وآخره جد

 فلا تدرك حقيقته إلا بالمعاناة. فلولا المعاناة التي عاشها جان جاك روسو الذي لم يستطع الظفر بمحبوبته لم يصل إلى السمو الفاضل الذي قد يسميه آخرون الهزيمة المغلفة بالسخاء والفضيلة، لقد قال عنها حين أدرك حبها لآخر: «لم أستطع أن أعلم، دون ألم، أنها تعيش في مودة أوثق مع شخص غيري...ومع ذلك فبدلاً من أن أشعر بأي كراهية للشخص الذي تفوق عليّ على هذا النحو وجدت الود الذي أكنه لها يمتد فعلاً إليه، فلقد تمنيت لها السعادة فوق كل شيء وإذ كان هو معنياً بخطتها التي توسلت بها للسعادة، فقد رضيت له السعادة» لقد كانت معاناته هي الفضيلة التي يسعى لها.

حين تتبنى مفهوماً مثالياً ونبيلاً ومتكاملاً عن الحب فاعلم أنك خاسر لا محالة لأنه لن يرضيك شيء بعد الآن، فلذة الحب لا تدوم سوى لحظة أما ألم الحب فيدوم طوال الحياة كما يقول لوكريس

بالحب نشعر أن وجودنا مبرر كما يؤكد على تلك الفكرة سارتر في وجوديته، وقد سبقه إلى ذلك المعنى كيركيجراد إذ يحكي عن حبه فيقول:

إذا تعين عليّ أن أصوغ اعترافاً فأنا أعرف تماماً أي اعتراف سأكتب وإذا تعين عليّ أن أكتب سبع أمنيات فأنا لا أعرف إلا أمنية واحدة سأكررها سبع مرات، حتى وإن كنت أعرف أنها ستتحقق منذ المرة الأولى تلك الأمنية تعد قناعتي الأكثر عمقاً وهي أن : لا الموت، ولا الحياة، ولا الملائكة ولا الأمراء، ولا أصحاب النفوذ ولا الحاضر ولا المستقبل ولا الرفعة ولا العمق ولا أي مخلوق على وجه الأرض يستطيع أن يبعدني عنك أو أن يبعدك عني»

الحب قوة الحياة، في المقام الأول، ونحن كائنات حية لذلك فإننا نخضع لأوامر هذه القوة. ومن لم تصبه هذه القوة لا يكون حياً و لا يعد جزءًا من الكائنات الحية.


الاحتياج الوجودي.. حاجة الإنسان الحديث إلى الحب

Jan 21, 2021 Sep 10, 2021 Mar 1, 2022 Apr 1, 2022 Apr 19, 2022

  الحلقة الرابعة من الموسم الرابع من مسلسل "المرآة السوداء" (Black Mirror) تحت عنوان "Hang the DJ"، وتدور الحلقة حول تحول عادات العلاقات بين البشر واختيار الشريك والزوج المثالي إلى نظام من الخوارزميات التي تمنح كل شخص مجموعة مستمرة من النصائح والاستشارات حول ما يجب أن يفعل بالضبط في كل خطوة من حياته لاختيار الشريك المثالي، 

تتشابه فكرة حلقة "Hang the DJ" مع فكرة فيلم "جراد البحر" (The Lobster) للمخرج اليوناني يورجوس لانثيموس (Yorgos Lanthimos) والذي يدور حول النظام الجديد للزواج في المجتمع الحديث الذي يقوم بترحيل كل العزاب من المدينة التي يعيش فيها المتزوجون فقط إلى فندق ويمنحهم فرصة لاختيار شريك/شريكة حياتهم، هذه الفرصة موقوتة بمدة محددة يمكن لكل شخص تمديدها عبر اصطياد بشر من الغابة خلال رحلات الصيد التي تنظمها إدارة الفندق للنزلاء، وهكذا ينقسم العالم في الفيلم إلى جزأين: المدينة التي يعيش فيها المتزوجون وتُحرّم الحب أو أي علاقة غير قانونية لا يعترف بها النظام، والبرية التي يعيش فيها المتوحدون والعزاب والحيوانات وتقع تحت سيطرة امرأة تدير تنظيم حديدي يُحرّم على أي شخص يعيش في منطقتهم أن يقيم أي علاقة حب أو جنس أو حتى صداقة، وبين العالمين يقع الفندق وهو أشبه بمركز حوكمة العلاقات بمفهوم ميشيل فوكو، فالفندق هو البوابة الوحيدة التي يستطيع عبرها الشخص المتمدن التحول من أعزب إلى متزوج.

وهذه هي نقطة التلاقي بين حلقة "Hang the DJ" وبين فيلم "جراد البحر" (The Lobster)، ففي القصتين هناك نظام يحدد للإنسان ما يجب أن يفعله بشأن علاقته بالجنس الآخر، هذا النظام قد قام على أنقاض الدين الذي ينظّم للإنسان علاقاته بالجنس الآخر، لكن بينما يحدد الإسلام للبشر القواعد وينهاهم عن المحرمات ويضع عقدا للزواج ملزما للطرفين، تلعب هذه الأنظمة اللا إنسانية بالإنسان لعبة وحشية، فتارة تعامله كحيوان مُدرب أليف وإلا تُلقي به في البراري، وتارة أخرى تضعه في قفص تجارب حسب تقديرات رياضية بحتة لا تفهم الجوهر الإنساني، ويظهر هنا السؤال: إذا كانت تلك الأنظمة لا إنسانية فلماذا نشأت في مجتمعاتنا أو لماذا قد يحكي عنها الإنسان في عمل فني؟

الإنسان الحديث لا يريد أن ينشغل بكل تلك الهموم ولا يضطر لإقامة علاقات طويلة الأمد بمواثيق غليظة تُلقي على كاهله المسؤولية وتمنعه الحرية، إنه الخوف من المسؤولية كما وصفه إيريك فروم، بل هو الخوف من فقدان الأمن والسعادة كما وصفه زيجمونت باومان ، لكن ماذا يتبقى من الحب إذا لم تكن علاقة بين طرفين يتنازل كل منهما عن شيء من حريته، ويصارع كل طرف لبناء بيت آمن سعيد، لكن قبل ذلك ما الحب أصلا؟ هل هو مجرد علاقة أم لذة جنسية؟ هل هو قدرة كامنة في الإنسان أم مجرد مصادفة سعيدة؟

 في العالم الحديث قد اعتدنا على تعريف الحب بأنه "شعور عميق بالانجذاب والإعجاب والتعلق الشديد"، بيد أنه من خلال الحديث مع عديد من الأزواج والزوجات اتضح أن هذا المفهوم مغلوط تماما عن الحب، فكلمة "الحب" التي تعبر عن شعور لحظي أو تعلق أو نشوة شعور مضلل يُخفي حقيقة وجوهر الحب بأنه حياة داخلية فعالة، فأن تحب هو أن تشعر من داخلك بالحب وتحيا وفقا لهذا الشعور العميق.

إن أصدق حب وأول حب يتعرف عليه الإنسان هو حب الوالدين، عندما يمنحانه الحب غير المشروط ليس لأي ميزة تخصه، بل لأنه هو فقط، وعندما يشعر الطفل بعدم وجود ذلك الحب فهو يقول بشكل صادق: "لا يبدو أنكم تحبونني"، فنحن نعلم من داخلنا أن الحب ليس مجرد شعور، بل هو شعور يلقي بظله في عالم الأفعال كي يبدو جليا . لكنه أيضا ليس مجرد كلمة أو قصة علاقة عابرة، فالإنسان يستطيع أن يقول إنه يحب كلبه أو يحب الجبال أو يحب لعبته المفضلة أو ملابسه المفضلة، كل ذلك علاقات ينشئها الإنسان، لكن ليس هذا هو الحب، فالحب علاقة بين شخصين وليس تفضيلا شخصيا، وأن تحب أن تكون محبوبا، هو إيمان بشخص آخر، وهذه هي المشكلة.

وتقع المشكلة تحديدا في أن الحضارة الغربية الحديثة قد وعدت الإنسان بأن تنتهي جميع آلامه ويحقق أقصى تقدم وأقصى سعادة، بيد أن هذا الوعد قد أخفق، لكن لا يزال الإنسان الحديث يرى أن الهدف من الحياة هو السعادة، أي تحقيق أقصى متعة وإشباع أي رغبة او حاجة ذاتية، فالحياة حسب مذهب اللذة الراديكالي هي مجموع اللذات التي تحقق أقصى إشباع للإنسان. ولا يزال الإنسان الحديث يرى أن الأنانية والسعي لتحقيق المصلحة الشخصية والجشع -وهي الصفات التي يولدها النظام من أجل تسيير أموره- تفضي دائما إلى الانسجام والسلام.

 ففي مجتمعنا هذا ولأول مرة في التاريخ، لم يعد إشباع دافع اللذة امتيازا تتمتع به الأقلية، وإنما أصبح متاحا لأكثر من نصف السكان، وقد أجابت تجربة البلاد الصناعية عن هذا السؤال بالنفي، كذلك أثبت الفكر النظري كما أثبتت المعلومات الملموسة خطأ المقدمة السيكولوجية الثانية للعصر الصناعي، والتي تذهب إلى أن السعي لتحقيق المنفعة الفردية يؤدي إلى تحقيق الانسجام والسلام والرفاهية المتعاظمة للجميع".

فالأنانية ليست متعلقة بالسلوك فحسب، بل هي في لب الشخصية، "فهي تعني أنني أريد كل شيء لنفسي، وأنني أجد المتعة في الاقتناء وليس في المشاركة، كما تعني أنني يجب أن أكون جشعا، لأنه إذا كان هدفي هو التملك فإنني أكون أكبر بقدر ما تزيد ملكيتي، ويجب أن أشعر أنني خصم للآخرين جميعا، لزبائني الذين أريد أن أخدعهم، ولمنافسي الذين أريد أن أقضي عليهم، ولعمالي الذين أريد أن أستغلهم، وأنني لا يمكن أن أشبع لأنه لا حد لرغباتي، وأنني لا بد من أن أحسد من يملك أكثر مما أملك، وعليّ أن أخاف ممن يملك أقل.. ولكن عليّ أن أكبت كل هذه المشاعر لكي أقدم نفسي للآخرين كما لنفسي كشخص مبتسم وودود" .

في ظل تلك المقدمات التي يرى الإنسان فيها الحياة كمجموع لملذّاته التي ليس لها حد وكعربة تسوق يجمع فيها مقتنياته، يرى الإنسان "الحب" ومشكلته أنه "موضوع" خارج عنه وليس بداخله، فيظن الناس أن الحب مشكلة بسيطة أو آلية غريزية مثلما شرح آرثر شوبنهاور، لكن أن تجد الإنسان الصحيح الذي تحبه أو الذي يحبك أو الصحيح جسمانيا لعملية التكاثر في نظر شوبنهاور فهي المسألة الصعبة.

أصبح الناس يبحثون عن الحب الرومانسي والتجربة الشخصية للحب التي تفضي إلى الزواج، وهذا المفهوم الجديد للحرية في الحب قد أعلى من "موضوع" الحب على "وظيفة" الحب.

لكن الحرية في الحب قد أفضت إلى فوضى عارمة وخوف رهيب

إيريك فروم أن مشكلة "الحب" ليست مشكلة خارجية، بل هي مشكلة تنبع من الداخل، من داخل الإنسان وقدرته على الحب، فالحب في مفهومه "فن" ومَلَكة، أي بذل وجهد، وليس إحساسا باعثا على اللذة يقع بالمصادفة في لحظة خلاص نهائي وفردوس أرضي تكلل تراكم حظوظ الإنسان الوافرة، بل إن الحب هو ما يُشكّل حلًّا لمعضلة الوجود الإنساني التي أخطأت الحضارة الغربية في الإجابة عنها، فكيف نفهم الحب مفارقا اللذة المادية؟

تحتاج الرأسمالية كنظام اقتصادي واجتماعي قائم إلى تغذية مستمرة من الناس، يحتاج النظام الرأسمالي إلى الناس الذين يتعاونون بشكل هادئ وبأعداد كبيرة، الذين تحركهم غرائز لا محدودة وطموحات لا نهائية، يريدون أن ينفقوا أكثر وأكثر، والذين تصبح أذواقهم متساوية وفق الموضة فيسهل توجيههم بسهولة، "إنها تحتاج إلى أناس يشعرون بأنهم أحرار ومستقلون، وليسوا خاضعين لأية سلطة أو أي مبدأ أو أي ضمير، ومع ذلك يكونون راغبين في أن يأتمروا وأن يفعلوا ما هو متوقع منهم وأن يتلاءموا في الآلة الاجتماعية دون خلاف، والذين يمكن توجيههم بدون قوة، ويمكن أن يقادوا بدون قادة وأن ينتشروا بدون هدف، فيما عدا هدف واحد هو عمل الخير وأن يكونوا في التيار ويعملوا وتستمر الحياة".

والنتيجة هي اغتراب الإنسان عن نفسه، أن يعيش بعدّة وجوه وينافق ويراوغ ويكبت مشاعره كي يحيا يومه، "إنه يعيش قوى حياته على أنها مستثمرة يجب أن تحمل له أقصى ربح ممكن بشروط السوق القائمة"، ويشرح فروم أن العلاقات الإنسانية هي في الأساس تلك العلاقات الخاصة بالأجهزة الآلية المغتربة، فيطبّق الإنسان ما يُفرض عليه داخل المصنع أو المؤسسة أو السوق من أشكال العلاقات على علاقاته الإنسانية، فيقيم أمنه على البقاء قرب القطيع، "وعلى ألا يكون مختلفا في الفكر أو المشاعر أو السلوك. وفي حين أن كل فرد يحاول أن يكون قريبا جدا من البقية بقدر الممكن يظل كل فرد وحده تماما، محاصرا بالشعور العميق بالقلق والزعزعة والإثم… إن حضارتنا تقدم عددا من المسكنات التي تساعد الناس على ألا يكونوا واعين شعوريا بهذه الوحدة: أولها وقبل كل شيء الروتين الصارم للعمل الآلي البيروقراطي الذي يساعد الناس على أن يظلوا لا يعون أشد رغباتهم الإنسانية أساسية والاشتياق إلى التجاوز والاتحاد. وبقدر ما أن الروتين لا ينجح وحده في هذا، يقهر الإنسان قهره بروتين التسلية، الاستهلاك السلبي للأصوات والأضواء التي تقدمها صناعة التسلية".

 إن الإنسان الحديث قريب جدا من الصورة التي رسمها هكسلي في "عالم جديد شجاع": يتغذى جيدا، يكتسي جيدا، يشبع رغباته الجنسية، ومع ذلك فهو بلا نفس" وبلا جوهر، يردد شعار هكسلي "كل إنسان سعيد اليوم"، فشخصياتنا أصبحت جاهزة للمقايضة والتلقي، والمسامرة والاستهلاك، وكل شيء مادي أو روحي على السواء هو موضوع للبيع والاستهلاك والمقايضة.

كذلك الحب، أصابه العطن نفسه الذي في أرواحنا، "فالآلات لا تستطيع أن تحب"، لكنها تستطيع أن تتعاون وأن تُشكّل فريقا رائعا لأداء رقصة ميكانيكية رائعة يصفق لها الجمهور، هكذا أصبح الزواج السعيد يتمحور حول فكرة "الفريق"، فكثير من الأزواج اليوم يعبرون عن زواجهم بجملة "نحن نُشكّل فريقا رائعا"، وهذه الفكرة أتت من المصنع، من صفات العامل الناجح: المستقل بقدر ما، العقلاني، المتعاون، المتسامح، وفي الوقت نفسه طموح وعدواني .

لكن مفهوم "الفريق"، كما يشرح فروم، ما هو إلا تطور حديث لمفهوم الحب القديم الذي يفترض أن "الإشباع الجنسي المتبادل هو أساس علاقات الحب المرضية وخاصة الزواج السعيد. لقد جرى الاعتقاد بأن أسباب التعاسة الكثيرة في الزواج قائمة في أن شريكي الزواج لا يقومان بتكيف جنسي سليم، والسبب في هذا الخطأ قائم في الجهل بالسلوك الجنسي السليم ومن ثم في التكنيك الجنسي الخاطئ لأحد شريكي الزواج أو لكليهما.. والفكرة المتضمنة هنا هي أن الحب هو وليد اللذة الجنسية، وأنه إذا تعلم شخصان كيف يشبعان بعضهما بعضا جنسيا فسوف يحبان بعضهما" 

هكذا يروج الوهم العام لثقافة العصر الحديث أن حل كل شيء داخل التقنية، وأن التقنية الصحيحة ستجلب الحل السحري، لكن فروم يعود ليجادل بأن ذلك غير صحيح، فيقول: "ليس الحب نتيجة الإشباع الجنسي السديد، بل إن السعادة الجنسية -حتى معرفة ما يسمى بالتكنيك الجنسي- هي نتيجة الحب، فإذا احتاجت هذه الأطروحة إلى دليل غير دليل الملاحظة اليومية فإن مثل هذا الدليل يمكن أن نجده في المادة الوافرة لمعطيات التحليل النفسي. إن دراسة معظم المشكلات الجنسية تكرارا -البرود الجنسي عند النساء والأشكال الحادة للعقم النفسي عند الرجال- يبين أن السبب لا يكمن في نقص المعرفة بالتكنيك الجنسي، بل في أشكال الكبت التي تجعل الحب مستحيلا، الخوف أو كراهية الجنس الآخر".

كي نفهم الحب ليس كنزوع جنسي جامح، بل كحياة داخلية فعالة تمكن الإنسان من الشعور بالحب والقدرة على الحب وفعل الحب، علينا أن نترك مفهوم الحب كظاهرة "جنسية" والذي طرحه شوبنهاور ونيتشه وفرويد من بعدهم جانبا، خاصة فرويد الذي كان له تأثير كبير على مفهوم الحب في العصر الحديث، فالحب عند فرويد أساسا ظاهرة جنسية كما يقول: "لقد وجد الإنسان بالتجربة أن الحب الجنسي التناسلي يزوده بأعظم الإمكانيات، حتى لقد أصبح في الواقع نمط جميع السعادة بالنسبة له، ولا بد لهذا أن يدفعه للبحث عن السعادة أكثر عبر درب العلاقات الجنسية، لكي يجعل من الشبق التناسلي النقطة المحورية لحياته".

كما أن فرويد قد فسر الشعور بالاندماج والوحدة الذي هو جوهر التجربة الصوفية وشعور التوحد مع شخص آخر أو مع رفيق على أنه ظاهرة مرضية وترجع إلى حالة "نرجسية لا محدودة" (5)، بل يذهب فرويد بعيدا بأن الحب في ذاته ظاهرة لا عقلانية، ويعلق فروم قائلا: "إن الفرق بين الحب اللا عقلاني والحب كتعبير عن الشخصية الناضجة لا وجود بالنسبة له، لقد أشار فرويد في بحث حول الحب إلى أن تحوّل الحب لا يختلف في جوهره عن الظاهرة "السوية" للحب. الوقوع في الحب هو دائما منحدر على شفا الشذوذ عن السواء، هو مصاحب دائما بالعمى عن رؤية الحقيقة، أما الحب كظاهرة عقلانية، كتحقق يتوج النضج، فقد كان عند فرويد مسألة لا تستدعي البحث حيث إنه لا وجود له" . فإذا كان الحب في عين فرويد مؤسس علم النفس الحديث هو "ظاهرة لا عقلانية" لا تنتمي للمجتمع ولا عالمه المادي ولا هو غريزة جنسية تحصل باللذة، فمن أين يأتي الإنسان بالحب؟

الإنسان يملك روحا، ولكن علم النفس ليس علما معنيا بالروح"، هكذا فهم علي عزت بيغوفيتش الإنسان، كمخلوق مفارق للوجود، فهو لا ينتمي لعالم الحيوان كما قال داروين، ولا ينتمي لعالم الماديات، ولا يمكن كشف أسراره وحياته الداخلية بالكامل كما حاول فرويد ، فيقول بيغوفيتش: "يتعامل علم النفس مع بعض الأشكال الخارجية التي تبدو على أنها حياة جوانية.. إن علم النفس علم "نفس" وليس علم "روح" بمعنى أنه علم على المستوى الحيوي وليس على المستوى الشخصي الجواني، فهناك ثلاث دوائر مختلفة "الآلي، والبيولوجي، والشخصي"، وهي تتطابق مع مستويات ثلاث للواقع "الطبيعة، والحياة، والشخصية الجوانية"… وبدون الدين وبدون فكرة الجهاد الروحي المتصل للإنسان لا يوجد إيمان حقيقي بالإنسان باعتباره قيمة عليا، بدون ذلك ينتفي الإيمان بإمكانية إنسانية الإنسان، أو بأنه موجود على الحقيقة".

في نظر بيغوفيتش هناك عالمان يتقاسمان الإنسان: عالم الآلة، وعالم الفن، لا يمكنهما أن يكونا من أصل مشترك، "إن وجود عالم آخر إلى جانب عالم الطبيعة، هو المصدر الأساسي لكل دين وفن، فإذا لم يكن هنالك سوى عالم واحد لكان الفن مستحيلا.. فإن الفن في صدام طبيعي مع هذا العالم ومع جميع علومه، علم نفسه، وعلم أحيائه، وفي صدام مع صاحبه داروين، وهذه المعارضة في الحقيقة هي معارضة دينية، فالدين والأخلاق والفن فرع سلالة واحدة انبثقت بفعل الخلق الإلهي" (7).

 "طوق الحمامة" حين قال: "فالظاهر أن النفس تولع بكل شيء حسن، وتميل إلى التصاوير المتقنة، فهي إذا رأت بعضها تثبّتت فيه، فإن ميزت وراءها شيئا من أشكالها اتصلت وصحت المحبة الحقيقية، وإن لم تميز وراءها شيئا من أشكالها لم يتجاوز حبها الصورة، وذلك الشهوة" .

 من هنا يمكننا تتبع ماهية ذلك الحب الذي لا ينتمي للعالم المادي، بل هو ينتمي لحياة الإنسان الجوانية والروحية لعالم الفن والجمال،

وقد قسّم ابن حزم الحب لضروب عديدة فقال: "إننا علمنا أن المحبة ضروب، فأفضلها محبة المتحابين في الله عز وجل، إما لاجتهاد في العمل، وإما لاتفاق في أصل النحلة والمذاهب، وإما لفضل علم يُمنحه الإنسان، ومحبة القرابة، ومحبة الألفة والاشتراك في المطالب، ومحبة التصاحب والمعرفة، ومحبة البر يضعه المرء عند أخيه، ومحبة الطمع في جاه المحبوب، ومحبة المتحابين لسر يجتمعان عليه يلزمهما ستره، ومحبة بلوغ اللذة وقضاء الوطر، ومحبة العشق التي لا علة لها إلا ما ذكرنا من اتصال النفوس، فكل هذه الأجناس منقضية مع انقضاء عللها، وزائدة بزيادتها، وناقصة بنقصانها، متأكدة بدنوها، فاترة ببعدها، حاشا محبة العشق الصحيح المُمكن من النفس، فهي التي لا فناء لها إلا بالموت، وإنك لتجد الإنسان السالي برغمه، وذا السن المتناهية إذا ذكّرته تذكر وارتاح وصبا، واعتاده الطرب، واهتاج له الحنين" (8).

"الحب -أعزك الله- أوله هزل وآخره جد، دقّت معانيه لجلالتها عن أن توصف، فلا تُدرك حقيقتها إلا بالمعاناة، وليس بمنكر في الديانة، ولا بمحظور في الشريعة، إذ القلوب بيد الله عز وجل"، ولأن القلوب بيد الله فذلك الحب هو فعل الروح وإيمانها مثلما تؤمن القلوب وتشتعل حماسة لإيمانها، ويصف ابن حزم ذلك قائلا: "وقد اختلف الناس في ماهيته وقالوا وأطالوا، والذي أذهب إليه أنه اتصال بين أجزاء النفوس المقسومة في هذه الخليقة في أصل عنصرها الرفيع..

 حب الله هو منبع شعور الحب، 

يشرح إيريك فروم ذلك قائلا: "وكما أن الآلات لا تحب بعضها فإنها كذلك لا تستطيع أن تحب الله، إن تفكك حب الله قد وصل إلى القضايا عينها التي وصل إليها تفكك حب الإنسان. هذه الحقيقة هي في تناقض صارخ مع فكرة أننا شهود مقاومة دينية في هذه الحقبة، إن ما نشهده بالرغم من وجود بعض الاستثناءات هو ردة إلى مفهوم صنمي أعمى عن الله، وتحول حب الله إلى علاقة تلائم بناء شخصية مغتربة، إن الردة إلى مفهوم صنمي أعمى عن الله سهل أن نراها، إن الناس قلقون بدون مبادئ أو إيمان، إنهم يجدون أنفسهم بدون هدف فيما عدا هدف التحرك قدما، ومن ثم يواصلون في أن يظلوا أطفالا، ليأملوا في أب أو أم لمساعدتهم عندما يكونون في حاجة إلى العون" (9)، فإذا كان حب الله هو منبع شعور الحب، فبأي معنى نفهم ذلك؟

 ابن تيمية في عمقها فيقول: "وكل حركة في العالم العلوي والسفلي فأصلها المحبة" 

 الإنسان يتعاطى بعض المكروهات لأجل المحبة، فمثلا يشرب الدواء المر، لأجل محبة الصحة والعافية، وكذلك المؤمن يُحب رحمة الله ونجاته فيترك الهوى، وترك الهوى شيء ثقيل على النفس، لكن لأجل النجاة ومحبة الجنة"، وقال: "ولهذا كان رأس الإيمان الحب في الله والبغض في الله، وكان من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله؛ فقد استكمل الإيمان

وهذا الحب عند ابن تيمية هو منبع عقيدة الروح

 الإنسان كي يستطيع أن يتوحد مع الناس بشكل يحفظ شخصيته وإنسانيته فهو يجب أن ينفصل أولا عن نفسه، أن يتعالى على غرائزه، وهذا الانفصال هو مصدر كل قلق كما يقول فروم، لأنه يجعله مسؤولا مسؤولية كاملة عن أفعاله وأخلاقه، وأن يجعل ضميره مسلطا عليه بشكل دائم، فيشعر الإنسان بالإثم والعار والندم، وهو شعور مؤلم، يقول فروم: "جرى التعبير عن تجربة الإثم والعار هذه في قصة آدم وحواء، فبعد أن أكل آدم وحواء من شجرة المعرفة في القصة الإنجيلية، وبعد أن عصيا عرفا الخير والشر فلا يوجد خير وشر إن لم توجد حرية المعصية، وبعد أن صارا إنسانيين عن طريق تحررهما من التناغم الحيواني الأصل مع الطبيعة.. فرأيا أنهما عاريان فشعرا بالخجل" (12)، وهذا أول شعور مركب من شعور الإثم والعار والندم يشعره الإنسان.

وبعد أن أصبح الرجل والمرأة واعيين بنفسيهما وبكل منهما الآخر "أصبحا واعيين بانفصالهما وباختلافهما بقدر أنهما ينتميان إلى جنسين مختلفين.. إن إدراك الانفصال الإنساني بدون الاتحاد من جديد عن طريق الحب هو مصدر العار، وهذا الوعي هو في الوقت نفسه مصدر الإثم والقلق".

مشكلة قهر الإنسان لذاته المهيمنة عليه ولفرديته المطلقة التي تريد أن تتناغم مع الطبيعة ومع المجموع، وتريد أن تحبس الإنسان في سجن عزلته الداخلية لتنمو الغرائز وتسيطر. هي مشكلة الإنسان الحديث وهي مشكلة الإنسان في كل عصر، لأنها تنبع من الأصل نفسه، من روح الإنسان واحتياجها وموقفها الغريب في عالم لا تنتمي له، فينفجر قلق الإنسان وينزع لتسكين آلامه الداخلية بعدة إجابات عن سؤال الوجود، "وتتنوع الإجابة بين عبادة الحيوان أو التضحية الإنسانية أو بالغلبة العسكرية أو الانغماس في الترف، أو الانعتاق الصوفي، أو بالعمل المفرط، أو بالخلق الفني"، وأخيرا بحب الله ومن ثم حب الإنسان.

فحب الله هو مكمن وجوهر إرادة الإنسان، لأنه يقدم إجابة تخص روح الإنسان وتشفي عليل قلقها الناتج من وجودها في عالم لا تنتمي له، وهو يحفظ اختلاف الإنسان ويقاوم أقدم أشكال الاتحاد الروحي الذي عرفته البشرية وهو الاتحاد في المجموع، "الاتحاد القائم على التطابق مع الجماعة وعاداتها ومعتقداتها.. إنها وحدة خضوع تختفي فيها النفس الفردية إلى حد كبير، ويكون الهدف فيها أن تمت هذه النفس إلى القطيع، فإذا كنت أشبه كل شخص آخر، إذا كنت بلا مشاعر أو أفكار تجعلني مختلفا، إذا كنت ممتثلا في العادات والزي والأفكار لأنموذج الجماعة، فإنني أكون قد أُنقذت، أُنقذت من التجربة المرعبة للوحدة، وتلجأ الأنظمة الديكتاتورية إلى التهديد والتخويف لفرض هذا الامتثال والانسحاق، وتلجأ الدول الديمقراطية إلى الدعاية والبروباغندا" (12) لتنميط الناس وتوحيدهم ومقابل ذلك توفر لهم الاندماج في الملذات والعربدة

وفي المجتمع الرأسمالي الحديث يسير تيار استئصال الفروق، ومن هنا ظهرت دعاوى مساواة الرجل بالمرأة، "فالرجال والنساء يصبحون سواء ولا يصبحون متساوين كأقطاب متقابلة، والمجتمع المعاصر يروج لتلك المساواة لأنه يحتاج إلى ذرات إنسانية تعمل في نعومة هائلة دون انقسام ولا تمييز، وكلها تطيع الأوامر نفسها، ومع ذلك فإن كل شخص مقتنع بأنه إنما يتبع رغباته"

من الأشكال التي قدمتها الحضارة الغربية الحديثة عن سؤال الوجود ولتقليل آلام الروح وإشغالها هو روتين العمل وروتين اللذة، "إن الإنسان يصبح غارقا في العمل، ولا يكون له بادرة من تلقاء نفسه إلا بشكل واهن، وإن مهماته إنما يرتبها تنظيم العمل، بل حتى مشاعره تكون مرتبة: الاحتفاء، التسامح، التعويل، الطموح، وقدرة على التمشي مع كل إنسان بدون صدع ولا خلاف". وهناك طريق ثالث للحصول على الوحدة من خلال النشاط الإبداعي، "ففي أي نوع من العمل الخلاق يوحد الشخص المبدع نفسه مع خامته التي تُمثّل العالم خارج نفسه، وسواء كان النجار يعمل منضدة أو الصائغ قطعة من الجواهر، وسواء كان الفلاح يزرع قمحه أو الرسام يطلي صورة، فإننا نجد أن في جميع أنماط العمل الإبداعي أن العامل وموضوعه يصبحان شيئا واحدا، فالإنسان يوحّد نفسه مع العالم في عملية الخلق" 

ينتهي فروم إلى أن "الوحدة المتحققة في العمل الإنتاجي ليست وحدة بين أشخاص، والوحدة المتحققة في الاندماج العربيدي وحدة مؤقتة، والوحدة المتحققة في طريق الامتثال ليست سوى وحدة زائفة، ومن ثم فهي ليست إلا حلولا جزئية لمشكلة الوجود، ويكمن الحل الكامل في تحقيق الوحدة بين الأشخاص، تحقيق الاندماج مع شخص آخر في الحب".

هذه الرغبة في الاندماج مع روح أخرى هي أكبر توقان لدى الإنسان، فهي أشد عواطفه جوهرية، وهي القوة التي تُبقي الجنس البشري متماسكا وكذلك القبيلة والأسرة والمجتمع، "وبدون حب لا يمكن للإنسانية أن تبقى يوما واحدا"، لكن الحب ليس فقط جوهر الإنسان بوصف الحب فعل روحه كما شرح ابن حزم، بل هو القوة المحركة للوجود كما قال ابن تيمية، وهي دافعه لتحقيق إنسانيته ومقاومتها للأشكال التي تفرضها الحضارة الغربية والأنظمة الشمولية والديكتاتورية، من هنا نعيد النظر لنهاية حلقة "Hang the Dj" عندما قام فرانك وإيمي بعصيان نظام الاستشارات والقفز خارج أسوار النظام كله، هكذا الحب هو تمرد الروح على أي شكل مادي يريد قمعها.

*Jun 12, 2021

تفاعلات كيميائية وراء مشاعر الحب الجياشة

Apr 15, 2021

الأوكسيتوسين يعتبر الهرمون المسؤول عن الشعور بالحب والرضا والثقة والنشاط الجنسي ويحمل اسم هرمون الحب.

أثبت العلم المعاصر أن هذه المشاعر الجياشة ما هي إلا تفاعلات كيميائية داخل الجسد يحركها هرمون يطلق عليه اسم أوكسيتوسين، والذي يكون في أعلى مستوياته عند وقوع الإنسان في الغرام. وتساءل الخبراء عن إمكانية تخليق هذا الهرمون مخبرياً وتحويل إكسير الحب الأسطوري إلى منتج يباع في الأسواق.



حسب موقع “سايكولوجي توداي” يعد الأوكسيتوسين الهرمون المسؤول عن الشعور بالحب والرضا والثقة والنشاط الجنسي، وهو يحمل اسم “هرمون الحب”، وذلك لأن مستوياته تزيد أثناء المعانقة والعلاقات الحميمة.

يشير الأطباء إلى أن الأوكسيتوسين ناقل عصبي يساهم في الناحية الصحية بشكل عام ويلعب دوراً هاماً في الولادة والرضاعة الطبيعية، وهو أيضاً مسؤول عن تقلصات الرحم أثناء المخاض. ويرتبط الأوكسيتوسين أيضاً بالتعاطف والثقة والنشاط الجنسي وبناء العلاقات.

يشير الأطباء إلى أن الأوكسيتوسين قد تكون له فوائد علاجية لعدد من الحالات المرضية، بما في ذلك الاكتئاب والقلق والمشاكل المعوية، وفق موقع “ميديكال نيوز توداي” الطبي.

الخبراء أن المشاعر الرومانسية تعتمد على توليفة معقدة من المواد الكيميائية.

عندما يكون التقدم مؤلما.. والرجوع مؤلما… والوقوف أشد ألما. فماذا نفعل؟ تتقبل الالم 

عندما تكون بقرب شخص تحبه، ستجد نفسك لا إراديا تقلد طريقة تحركاته وحديثه وتستعير عباراته المميزة.

*

المهارات الاجتماعية

الأوكسيتوسين

يجعلنا الترابط الزوجي "مكرسين تماما" لشركائنا، وهو ما يقلل من سلوكيات البحث عن شريك جديد 
هرمون الحب

*