الاثنين، 17 أكتوبر 2022

اشتراكية الأغنياء

 التدخّل أصبحت مشتركة بين الأطراف التي تدير السياستين النقدية والنفطية، مع خروج دورات التضخّم والركود عن السيطرة بالنسبة إلى السياسات النقدية

 مجموعة «أوبك بلاس» لتصبح هي الجهة المسؤولة، ليس فقط عن تسعير النفط، بل أيضاً عن منع السوق من إيصال التقلّبات في الأسعار، إلى الحدّ الذي يهدّد، أرباح المنتجين الكبار. المعادلة التي أرْسَتها المجموعة، منذ عام 2014، تشبه إلى حدٍّ كبير ما حصل في سوق النقد، حيث التدخّل يحصل في حالتين: حين ترتفع الأسعار إلى الحدّ الذي يهدّد بحدوث تضخُّم غير مسيطر عليه، ثمّ حين تنخفض، لاحقاً، إلى درجة تَحَوُّل «الركود المطلوب» إلى عائق أمام استمرار الطلب على السلع والخدمات. أي على النموّ الرأسمالي نفسه. الكبح الذي حصل في الحالتين لمنطق العرض والطلب، أوصَلَ السوق إلى حالة، لا تعود فيها قادرة على إدارة نفسها بنفسها. ثمّة بهذا المعنى، ليس فقط «كينزية جديدة»، أو نسخة مُحدثة من دولة الرعاية، بل أيضاً «اشتراكية فوق دولتية»، ولكن بين المستفيدين من التدخّل الرأسمالي، حصراً. 

يعتبر الجمهوريون إقرار رزم التحفيز البليونية، بمثابة «اشتراكية»، تمارسها المصارف المركزية على نطاق دولي، فيما يكتفي الديموقراطيون تحت إدارة بايدن بالقول، إنها حاجة للإبقاء على التدفقّات الرأسمالية

أداة جديدة إلى الأدوات السابقة للتحكُّم بالسيولة، بحيث لا يتم تصحيح التدفقّات فحسب، بل أيضاً مضاعفة حجم النقد، بمعدّل قياسي. أي، إلى الحدّ الذي يتم فيه إغراق الأسواق فعلياً، بالنقود. غير أنّ حصول ذلك مرهون بتعطيل عمل الأسواق، جزئياً، والحدّ من سياسة العرض والطلب. بمعنى، استخدام القيود التي وضعتها الاشتراكية ومن بعدها الكينزية، على تدفّقات رأس المال، في اتجاه معاكس، بُغية رفع معدّل الربحية التي كبحتها تقلّبات الأسواق،

حيث الحاجة إلى الحفاظ على معدّل الربحية، تقتضي أو تتطلّب كبح السوق، بدلاً من تركها تعمل بمفردها كما كانت سابقاً.

اشتراكية الدول الغنية

التدخّل بهذا المعنى، يحصل لمصلحة نموذج لا تستفيد منه أيّ أكثرية تُذكر، سواءً لجهة قوى العمل أو الدول النامية. فالطلب وفقاً لهذه المعادلة، لا يكون مدفوعاً بسياسة إنتاج واستهلاك واضحة، بقدر ما يرتبط بإتاحة السيولة بكثافة، لجعل العودة عن معدّلات التضخم المرتفعة محفوفة بمخاطر «الركود المستدام». هذا يصعّب إلى حدّ كبير، إنهاء التقلّبات في الأسواق، وبالتالي يؤدّي إلى إطالة أمَد الأزمة، لا سيّما بالنسبة إلى الفئات الأكثر هشاشة، سواءً داخل الدول الرأسمالية أو خارجها. 

موقع هذه الفئات في النموذج الجديد هو الأضعف، لأنها تعجز في الحالتين عن مجرّد البقاء. فلا هي قادرة على مواكبة التضخّم بفعل تآكل قوّتها الشرائية، حتى حين تكون ثمّة سيولة في الأسواق، ولا هي تستطيع، أيضاً، تحمّل الركود الذي يهدّدها بالبطالة والخروج من سوق العمل، بمجرّد الشروع بسياسة التشديد النقدي.

 الثمن الذي تدفعه، في الحالتين، هو نتاج تعطيل عمل السوق، لمصلحة الجهات التي تضع السياستين النقدية والنفطية. فالمصالح الرأسمالية هنا باتت مهدّدة، بفعل التقلّبات الشديدة، ليس في الأسعار فحسب، بل في تدفّق الرساميل نفسها، ومعها بالطبع، السلع والخدمات واليد العاملة. هكذا، يصبح التدخّل، سواءً في سوق النقد أو في السوق النفطية، معادلاً لما يسميه بعض الاقتصاديين الماركسيين «اشتراكية الأغنياء»، حيث الاستفادة محصورة بالاقتصادات الصناعية الكبرى القادرة على الصمود أمام أسعار الفائدة المرتفعة، وإزاء صعود النفط والغاز وموارد الطاقة الأخرى.

حصّة الدول النامية من هذه الخسارة أكبر من غيرها.

 الميزة الوحيدة الناجمة عن صعود الدولار، والمتمثّلة في انخفاض قيمة العملة المحلّية، على ضفّة الصادرات، تصبح مع ازدياد كلفة الاستيراد، غير ذات جدوى. بمعنى أنّ حجم الواردات سيظلّ أكبر، مهما ازدادت التنافسية المدفوعة بعامل التصدير المستفيد من رخص العملة،

 بسبب انخفاض قيمة العملة التي تتحوّل إلى عبء على المستثمر الأجنبي، حتى حين تكون كلفة إنتاجه ومعها أجور العمالة المحلّية والرسوم والضرائب، أقلّ من نظيرتها، في الغرب أو في الأسواق الرأسمالية. انخفاض الأرباح هنا، يقود إلى مشكلة أكبر من خروج الرساميل نفسها، فمع الانهيارات الكبيرة في البورصات وإقفال الشركات المتعاملة مع الأجانب، يتقلّص حجم سوق العمل المرتبط بهذه الصناعات، وتخسر الطبقة العاملة المحلّية، كلَّ الوظائف التي توافرت لها، في مرحلة طفرة الاستثمارات في الأسواق الناشئة. كلّ ذلك، بسبب المقامرة التي تمثّلها السياسات الرأسمالية الجديدة، الخاصّة بالتدخّل النَّشِط، لا سيّما مع تواترها الشديد أخيراً، بُعيد استفحال دورات الركود والتضخّم، إلى حدود بعيدة.

الأثَر المزدوج لخفض إنتاج النفط

فالتركُّز الكبير للثروة، غرباً وشمالاً

 سياسة الحفاظ على معدّلات الأرباح، معتدلة، إن لم نَقُل، منخفضة، بالنسبة إلى تسعير النفط. التموضع الاقتصادي يُملي عليها ذلك، حيث تعتبر كدول مستهلكة من أكثر المتضرّرين من سياسة خفض الإنتاج، وهو اعتبار يتقدّم على سواه، في ترتيب الأولويات. فمع تراكُم الأزمات الاقتصادية، فوق بعضها البعض، تصبح الأولوية، للخيارات الأقلّ كلفة على الاقتصادات النامية. وهذا يعني، في ظروف الحرب الاقتصادية الحالية، ومعها نظام العقوبات الغربي، تحييد الموارد الاقتصادية الأساسية عن الاستقطاب الشديد الحاصل، أقلّه لجهة المعروض وآلية تسعيره، بحيث لا يتحوّل هو الآخر، إلى أداة مُطلقة وصفرية، في الصراع الجاري، على مستوى العالم.

*

خصخصة الأرباح وتعميم الخسائر



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق