الجمعة، 21 أكتوبر 2022

الأفراد مشروطون بظروف وشروط اجتماعية-تاريخية، هي شروط إنتاجهم المادية، لكن وعيهم بهذه الشروط ليس معطى لكل منهم منذ البدء وبنفس القدر. ووعي هذه الشروط «بكليتها» يحتاج إلى تحصيل علمي بعديّ عال

 إذا كانت الأفكار هي التي تحكم حياتنا، هذا يعني أن وجود فرد مسلم في مجتمع إسلامي يفوض علينا فكرة غريبة ألا وهي؛ أن كل أفعاله نابعة من اعتقاده وشكل فهمه الإسلامي. 

أفكار الناس عن واقعهم هي حقيقة واقعهم. يقول ماركس ساخراً: «ذات مرة تخيّل امرؤ شجاع أن البشر إنما يغرقون لأن فكرة الجاذبية تتملكهم. فإذا هم انتزعوا هذه الفكرة من رؤوسهم، مثلاً بالإعلان أنها خرافة، فسوف يصبحون من الآن فصاعداً آمنين من خطر الغرق» (الأيديولوجية الألمانية). ويضيف: «ما دامت علاقات البشر وجميع أفعالهم، وأغلالهم وقيودهم، هي منتجات لوعيهم وفقاً لأوهام الهيغليين الشباب، فإن هؤلاء قد فرضوا على البشر المسلمة الأخلاقية الداعية إلى مقايضة وعيهم الحالي بوعي نقدي أو أناني، والتخلص بذلك من قيودهم.

 نقد الدين والأيديولوجيا مقدمة لكل نقد آخر. وكان كتاب الأيديولوجية الألمانية؛ أو نقد الأيديولوجية الألمانية بأشخاص أنبيائها: فيورباخ، بوير، شترنر (1845) أول الكتب التأسيسية لمذهب ماركس-إنغلز المادي-التاريخي.

البنية الاجتماعية (المجتمع المدني) والدولة تنبثقان باستمرار من التطور الحيوي لأفراد محددين، لكن هؤلاء الأفراد لا كما يمكن أن يظهروا في تصورهم الخاص أو تصور الغير، بل كما هم في الواقع، يعني كما يعملون وينتجون مادياً، بالتالي كما يفعلون على أسس وفي ظروف وشروط وحدود مادية محددة ومستقلة عن إرادتهم.

تعتمد وجودية سارتر على هذه المقدمات في أن الوجود الاجتماعي للأفراد يسبق وعيهم بهذا الوجود،

«الوجود أسبق من الماهية» بالنسبة لهايدغر، القضية الأساسية العظمى في كل الوجودية. والوجود في أصله وجوهره هو وجود أنا، سواء في التفكير أو الشعور أو العاطفة أو الانفعال أو القلق أو الشعور بالذنب. كلها أحوال للإنيّة. فأصل الوجود وجود إنيّة الذات المفردة (مونادة، حسب ليبنتز). ولهذا قال سقراط: اعرف نفسك! وأول وجود هو الإنيّة أو الوجود المتحقق العيني. نفس الإنسان الفرد وإنيته.

سيرن كيركغارد: «الأفراد وحدهم هم المهمون، والوجود ذو طابع فردي. والفرد الوجودي واحد في عملية الصيرورة. إنه يتحرك إلى مستقبل غير معلوم. ولما كان الموت بالمرصاد فإن لكل اختيار قيمة لا متناهية، وكل لحظة فرصة فريدة للعمل الحاسم، وكل فرد ينجز وجوده من خلال القرار» (حاشية نهائية غير علمية). 

فهم نفسه، لا على أنه تجريد (فكري)، بل على أنه ذات موجودة ملتزمة التزاماً أخلاقياً. إن سقراط حسب تصريح كيركغارد في كتابه «حاشية نهائية غير علمية» هو ذلك اليوناني الشهير الذي لم يغفل لحظة عن هذه الحقيقة ألا وهي أن «الفكر يظل فرداً موجوداً».


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق