الجمعة، 16 نوفمبر 2018

طه حسين

وفى عام 1926 وعمره 37 عاما فقط اصطدم بالأزهر بعد صدور كتابه «فى الشعر الجاهلى» اتهموه بأنه يكذب القرآن لأنه قال: «التوراة تحدثنا عن ابراهيم واسماعيل والقرآن يحدثنا عنهما ولكن العلم لم يثبت وجودهما» وبدلا من أن تتم مناقشته فكريا، قدموا فيه البلاغات إلى النيابة، ولكن من حسن حظ العميد أن رئيس النيابة محمد نور كان مثقفا رائعا، راح يناقش طه حسين الحجة بالحجة وخلص إلى أن ماذكره 
المؤلف فى كتابه هو بحث علمى لا تعارض بينه وبين الدين ولا اعتراض عليه.

كان طه حسين بحق رجل العواصف ولم تتوقف معاركه فى كل ما يكتب ضد التخلف والجمود. كان ثورة فكرية تفجر العديد من القضايا التى شغلت الوطن والأمة. وأحدث فى مجرى الحياة الابداعية حيوية وجدلا علميا لا يتوقف إلا ليبدأ كلما لاح له فى الأفق كتاب جديد. وطه حسين الذى اتهم بالكفر هو أفضل من قدم التراث الاسلامى فى صورة عقلانية، رقيقة وسمحة، لا تغفل الظروف الاجتماعية والاقتصادية المحيطة بالشخصيات والأحداث التى كتب عنها كما فى «على هامش السيرة»، «الشيخان»، و«الفتنة الكبرى عثمان» و«على وبنوه».

يقول عن كتاب على هامش السيرة: ما قصدت به إلا إحياء الأدب القديم وإحياء ذكرى العرب الأولين بعد أن قرأت السيرة، فامتلأت بها نفسى وفاض بها قلبى، وانطلق بها لسانى، هى على ذلك صورة يسيرة طبيعية لبعض ما أجد من الشعور حين أقرأ كتب السيرة التى لا أعدل بها كتبا أخرى مهما يكن، والتى لا ينقضى حبى لها وإعجابى بها وحرص على أن يقرأها الناس.

طه حسين ذلك الذى قال له العقاد: أنت تحتاج أحيانا إلى شجاعة للكف عن الشجاعة. 
 ما قدمه للفكر والعقل العربى من قدرة على التفكير العلمى والبحث دون خوف من سلطة أو رقيب.

كتاب دنيا القرآن وتاثر الشعراوي بطه حسين ورؤيته اننا نحتاج لشىء جديد لم يوجد من قبل 
وقال رجل هم بركوب سيارة: هناك من قرأوا وهناك من لم يعرفوا عنه إلا قليلا، ولكن الذين قرأوا لا يخبرون من لا يعرفون بما قرأوه لطه حسين وغير طه حسين!.
ـ طه حسين لم يفعل شيئا وهو الذى جعل التعليم من حق كل مصرى كالماء والهواء وكل من يقرأ ويكتب الآن، لطه جميل فى رقبته!.

»هل ظننته عضوا بمجلس محلى المركز ليرصف طريقا أو يستخرج ترخيصا لبناء مخالف، ام تراه نائبا عن الدائرة ليتوسط فى دخول كلية الشرطة ويعين الناس فى المصالح الحكومية؟!».
في مصر اغنياء كثيرون وفقراء ولكن لا يجيدوا استخدام الثراء لصلة بالانسان

 فالقضايا والمعارك التى خاضها جيل طه حسين وأقرانه هى القضايا نفسها التى نتداولها الآن ويثور حولها نقاشنا ومعاركنا،مثل: الدين أو العلم؟ الغرب أم الرب؟ الفصحى أم العامية؟ تراثنا مقدس أم قابل للنقد؟ مصر عربية إسلامية أم بحر متوسطية؟ الفكر يجابه بالفكر أم بالقضاء والمحاكم؟ وعشرات من الأسئلة غيرها ولا إجابة ولن تكون منذ ابتلينا بجماعات تقدس الخرافة وتؤله الأشخاص وتجعل من المعتقدات الشعبية دينين ومن آراء البشر حول الدين دينا، والدين الحقيقى غارق فى الغبار والرمل.

فالثقافة هى كل ما يختص بسلوك البشر واحتياجاتهم، بما فيها الدين، فالدين جزء من الثقافة الإنسانية، وليس كل الثقافة الإنسانية أو منشئ الثقافة الإنسانية، وملامح مشروعه تكونت فى كتابه الأهم «مستقبل الثقافة فى مصر»، 

علم ينتج العمل، معرفة تمكن من الاضطراب فى الأرض والسيطرة على عناصر الطبيعة، والتغلب على ما يعترضنا من العقبات،

الحرية
 الأسئلة مفاتيح العلم، وأن العقل لا بد أن يقوم بتمحيص كل ما يَرِد عليه، وأن علامة هذه الحرية أن يضع كل ما يُطرح عليه موضع المساءلة. والعقل النقدى هو تسمية أخرى للعقل الحر، كما أن العقلانية - كما سنوضح بعد قليل- هى النزعة الملازمة للحرية

«ليست التقاليد قانونًا يجب مراعاته، إذ ليست ثابتة،

ورفض طه حسين هذه الصورة الشائعة عن العصر العباسى، مؤكدًا أنها صورة زائفة. ودخل فى ذلك أولى معاركه فى التاريخ الأدبى، وانتقل من ذلك إلى الشك فى شعر الغَزليِّين فى العصر الأموى، فأخذ يشك فى وجود أمثال مجنون ليلى أو قيس بن الملوح، حتى فى حقيقة الغزل العُذرى أو أسماء الحبيبات التى اقترنت بهن أسماء شعراء الغزل العُذرى العفيف فى مستهل الدولة الأموية. ثم صعد طه حسين إلى ذروة منهج الشك عندما أصدر فى مارس 1926 كتابه القنبلة «فى الشعر الجاهلى»، مؤكدًا أنه لا يقبل إلا ما يهديه إليه عقله بعد تمحيص الأقاويل عن طريق الاستنتاج المنطقى والوصول إلى نتيجة يقبلها العقل مطمئنًا إلى صوابها. فانتهى إلى أن أغلب ما فى الشعر الجاهلى إنما هو شعر مُنتحل ولا سبيل إلى التصديق به أو التسليم بوجوده على هذا النحو قبل مجيء الإسلام. فهو شعر منتحل وضعه الرواة لأسباب متعددة فصَّلها طه حسين فى هذا الكتاب، الذى أقام الدنيا ولم يُقعدها.

 كما يدعو إلى الشك فى كل شيء على نحو مطلق إذا لم يجد الحُجج والبراهين التى تؤكد الحقيقة، داعيًا الدارسين إلى أن يتبعوا هذا المنهج حتى فى العلوم الدينية، والتجرد من الانتماء الدينى والقومى فى البحث، مؤكدًا: «أننا يجب حين نستقبل البحث عن الأدب العربى وتاريخه أن ننسى قوميتنا وكل مشخصاتها، وننسى ديننا وكل ما يتصل به، وأننا يجب ألا نتقيد بشىء ولا نُذعن لشىء إلا لمناهج البحث». وعلى هذا الأساس شكَّك فى الأديان، وجحدها إلى درجة القول: «للتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل، وللقرآن أن يحدثنا عنهما أيضًا، ولكن ورود هذين الاسمين فى التوراة والقرآن لا يكفى لإثبات وجودهما التاريخى،
وكانت نتيجة الضجة التى أثارها الأزهريون، وتابعهم فيها مَنْ لا خبرة له ولا علم بقواعد العلوم الحديثة، هى عرض الشكاوى على مجلس النواب الذى اختلف أعضاؤه

انتهى الأمر به فى ضوء دستور 23 - الذى ينص على حرية الاعتقاد والتعبير- إلى أن القصد الجنائى ليس متوافرا فيما نشره طه حسين، وأن كل ما كتبه على سبيل الاجتهاد فى البحث الذى لا عقاب له فى القانون. وعلى هذا الأساس أنهى رئيس نيابة مصر العمومية التحقيق وخرج طه حسين بريئًا، وعاد إلى جامعته التى دافعت عنه خلال هذه الأزمة، كما لم تعاقبه الحكومة فى ظل التزامها بدستور 23. ولذلك أصدر طه حسين فى العام التالى (سنة 1927) طبعة جديدة من كتابه على سبيل التحدى، مزِيدة ومُنقَّحة، حذف منها بعض العبارات التى قد تثير الحساسية الدينية، مدافعًا كل الدفاع عن منهجية البحث العقلانى وضرورته لتقدم الجامعة والمجتمع بوجه عام، ومؤكدًا فى الوقت نفسه المبادئ الخاصة بالحرية والعقلانية واستحالة أن يتطور العلم أو البحث العلمى فى مصر إلا إذا استبعدنا القيود التى نضعها باسم الدين، والدين منها براء، أو باسم المجتمع بما يؤدى إلى تخلف البحث العلمى. فالبحث العلمى لا بد أن يكون حرًّا تمامًا، غير مقيد بقيود العُرف الاجتماعى أو الفهم الدينى الجامد، مؤكدًا أن فى حرية البحث العلمى ما يبعث على التقدم به وبالجامعة نفسها، وذلك على النحو الذى يضعها فى مصاف الجامعات المرموقة فى العالم المتقدم كلــه. فمصـــر لـــن تنهــض ثقافيًّا وعلميًّا إلا إذا اتبعت سبل البحث العلمى المستخدمة فى الجامعات الأوروبية الموجودة على الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط، فالثقافة المصرية الصاعدة والواعدة لا بد أن تكون منتسبة إلى عوالم التقدم لا إلى عوالم التخلف.


 الثقافة، كألوان الفنون والإبداع، إنسانية بطبيعتها، ولأنها كذلك فإنَّها ملك لأبناء البشرية جَمعاء يستمتع بها كل أبناء الكوكب الأرضى ما ظلوا قادرين على امتلاك الحد المشترك من المعارف والقيم الإنسانية، التى تعطف الإنسان على الإنسان فى كل زمان ومكان، مهما اختلفت جنسيته أو ديانته.

صحيح أن فهم طه حسين لمعنى «الإنسانية» بوجه عام ظل فهمًا لا يخلو من آثار نزعة أوروبية مركزية اكتسبها دون أن يدرى بسبب حياته فى فرنسا
 يفهم «الإنسانية» بمعناها الإيجابى، الذى يجعل منها إنسانية صافية بريئة من الأطماع الإقليمية أو القُطرية.

إتاحة حرية البحث الكاملة والمطلقة فى الجامعات التى «دينها العلم»، كما وصفها سعد زغلول بحق، وأخيرا الإيمان بالإنسانية بأفقها المفتوح والعادل. فتلك هى الأُسس التى تتأسس بها الدولة الوطنية الحرة المستقلة، العادلة بين أبنائها التى لا تعرف التمييز بينهم، فكل مواطنيها سواء أمام الدستور أو القانون، فهى دولة مدنية لها دستور يفصل بين سُلطاتها الثلاث ولا يمايز بين المواطنين على أساس من جنس أو ديـــن أو ثروة. فكل المواطنين سواء أمام القانون والدستور،

تسعة وتسعين عام من التنوير من 1919 السوربون دكتوراه في فلسفة ابن خلدون واستاذ جامعة القاهرة 

********************
 للوحدة العربية التى كانت الشغل الشاغل للأجيال فى العصر الحديث،
مصر بفطرتها المعتدلة تتمسك بأصولها الفرعونية تمسكها بأصولها العربية، وترى أن هذه الأصول التى تشمل أيضا مصر اليونانية والرومانية والقبطية والإسلامية تشكل مجتمعة مقوماتها التقليدية وعناصرها الثقافية الحديثة التى يتأثر فيها الجديد بالقديم، ولا تضحى فيه بأى منها تحت أى ظرف، كما لاتضحى بالمؤثرات الأجنبية التى أسهمت مع العلم الحديث فى هذا التشكيل دون أن تفنى فيه، أو تخضع له أو تقلده.

*************************
 من ليس له ماض فلن يكون له حاضر ومستقبل
لاتقدم إلا بالقطيعة المعرفية للفكر السابق، وطرح منظومة مختلفة تنسلخ بها عن كل إرث ونمط.

وجاءت وسائل التواصل الإلكترونية بتقنياتها الرقمية لتحسم هذا الصراع لصالح التحديث وتكريس الاختلاف الكلى عن كل ماسبق. ويصل عدد المستخدمين لها، الذين يحققون هذا الاستقلال، الى الآن، مايقرب من نصف البشرية.


************************
ولعله من العجيب فى زماننا هذا أن نجد من يقرأ ك
تب الهجوم دون أن يقرأ الكتاب الأساس الذى توجه إليه كل هذا الهجوم، ويمضى مع فكره دون أحكام مسبقة، ليرى بنفسه أى اتجاه يسلك؟

يقول: «إن الكثرة المطلقة مما نسميه شعرا جاهليا ليست من الجاهلية فى شيء، وإنما هى منتحلة مختلقة بعد ظهور الإسلام، فهى إسلامية تمثل حياة المسلمين وميولهم وأهواءهم أكثر مما تمثل حياة الجاهليين «ص 19»... « العصر الجاهلى القريب من الإسلام لم يضع، ونستطيع أن نتصوره تصورا واضحا قويا صحيحا ولكن بشرط ألا نعتمد على الشعر بل على القرآن من ناحية والتاريخ والأساطير من ناحية أخرى «ص 20».

المنهج الذى يستخدمه طه حسين لدراسة ذلك هو منهج «ديكارت» أبو الفلسفة الحديثة، والذى يقوم على الشك العقلى للوصول إلى اليقين، مما يقتضى بداية رفض المسلمات والتجرد من الأفكار السابقة، والتدرج فى الأفكار من الأبسط للأعقد.

ثم ناقش علاقة الشعر الجاهلى باللغة، ورأى أن هذا الشعر لا يمثلها، فكل الأدلة التاريخية تؤكد أن العرب قسمان: عدنانية (عرب مستعربة ومنهم سيدنا إسماعيل ونسله)، وقحطانية (اليمن، عرب عاربة، حمير)، ولا يمكن أن يكون القسمان لغتهم واحدة كما وصلنا، وهو ما توصل منه أن هذا الشعر موضوع بعد الإسلام.

وكذلك الأمر بالنسبة لعلاقة هذا الشعر باللهجات، فإذا كان الرواة يجمعون على أن قبائل عدنان لم تكن متحدة اللغة ولا متفقة اللهجات قبل ظهور الإسلام، فكيف يكون شعرهم الجاهلى بهذا الاتحاد عند تحليله، وشعراء المعلقات على اختلافهم نموذج لغوى واحد كأنهم أبناء قبيلة واحدة.

وينتقل طه حسين فى القسم الثانى من كتابه لمناقشة أسباب انتحال الشعر، وأولها: أن الانتحال لم يكن مقصورا على العرب، فقد سبقهم فى ذلك اليونان والرومان، وإن كانت هناك دوافع أخرى لدى العرب دفعتهم لذلك، وثانيها: المزج بين الدين والسياسة (العصبية والمطامع والدين) مما دفع القبائل العربية لأن يكون قديمها فى الجاهلية خير قديم.

وثالثها: انتحال الشعر على الجن لإرضاء حاجات العامة الذين يريدون المعجزة فى كل شيء: «وأنت تدهش إذا رأيت هذه الكثرة الشعرية التى تثبت فيما بقى لنا من أشعار القصاص، فلديك فى سيرة ابن هشام وحدها دواوين من الشعر نظم بعضها حول غزوة بدر..» وهى الأشعار التى نسبت إلى الصحابة رضوان الله عليهم، واعتمدها طول الزمان.

ورابعها: اختلاق القصص فى مساجد الأمصار حول قديم العرب والعجم وما يتصل بالنبوات، كل ذلك لمصلحة السياسة.

الغرض من الكتاب كان للشعر الجاهلى، وأن الجمل لا يجب اقتطاعها من سياقها.ويظل السؤال: هل انتهت قضية الوعى بشأن ما ناقشه طه حسين فى كتابه؟
**********************

دافع فيه عن مفهوم الدولة المدنية

كان مدخله لذلك انتقاد لجنة دستور1923بالرغم من وعيه بأنّ به الكثيرمن المواد التى تُدعم فكرة الدولة الحديثة مثل المادة رقم (1) ونصها أنّ «مصردولة ذات سيادة وهى حرة مستقلة» والمادة رقم (3) ونصها» المصريون لدى القانون سواء.. وهم متساوون فى التمتع بالحقوق المدنية والسياسية.. وفيما عليهم من الواجبات والتكاليف العامة.. لاتمييز بينهم فى ذلك بسبب الأصل أواللغة أوالدين» والمادة رقم (4) ونصها «الحرية الشخصية مكفولة» والمادة رقم (12) ونصها «حرية الاعتقاد مطلقة» والمادة رقم (15) ونصها» الصحافة حرة فى حدود القانون.. والرقابة على الصحف محظورة..وإنذار الصحف أووقفها أوإلغاؤها بالطريق الإدارى محظور» والمادة رقم (20) ونصها «للمصريين حق الاجتماع فى هدوء وسكينة غيرحاملين سلاح.. وليس لأحد من رجال البوليس أنْ يحضراجتماعهم ولاحاجة بهم إلى إشعاره» والمادة رقم (23) ونصها أنّ «جميع السلطات مصدرها الأمة (عبدالرحمن الرافعى فى كتابه «فى أعقاب الثورة المصرية -). 

بسبب المادة التى نصّتْ على أنّ الإسلام دين الدولة.. وببصيرته الرحبة انتقد هذا النص.. ومن يقرأ المقال (اليوم) يُدرك أنّ طه حسين كان يستشرف المستقبل المتردى الذى نعيشه الآن، حيث ذهب إلى أنّ النص فى الدستور على أنّ الإسلام دين الدولة «مصدر فرقة». لانقول بين المسلمين وغيرالمسلمين (فقط) وإنما نقول إنه مصدر فرقة بين المسلمين أنفسهم، فهم لم يفهموه على وجه واحد.. وأنّ النص على دين للدولة يتناقض مع حرية الاعتقاد، لأنّ معنى ذلك أنّ الدولة مكلفة أنْ تمحو حرية الرأى محوًا فى كل ما من شأنه أنْ يمس الإسلام من قريب أومن بعيد، سواء أصدر ذلك عن مسلم أوعن غير مسلم.. ومعنى ذلك أنّ الدولة مكلفة بحكم الدستور أنْ تسمع ما يقوله الشيوخ فى هذا الباب، فإذا أعلن أحد رأيًا أو أّلّف كتابًا أو نشر فصلا أو اتخذ زيًا..ورأى الشيوخ فى هذا مخالفة للدين ونبّهوا الحكومة الى ذلك، فعلى الحكومة بحكم الدستور أنْ تسمع لهم..وتُعاقب من يخالف الدين أو يمسه» وفى هجومه على الأصوليين ذكر أنهم «كتبوا يطلبون ألاّ يصدر الدستور، لأنّ المسلمين ليسوا فى حاجة إلى دستوروضعى ومعهم كتاب الله وسنة رسوله..


اللافت للنظرأنّ طه حسين لم يكن لوحده.. وإنما انضمّ إليه جيل الليبراليين المصريين الذين انتقدوا الدستور
، لما فيه من عيوب ونقص وتناقض.. وركّزوا هجومهم على المادة رقم (149) ونصّتْ على أنّ «الإسلام دين الدولة» وهى المادة التى نجح التيارالأصولى فى فرضها

 قال فيه «إنّ ذلك النص المُقررللدولة دينًا رسميًا هوذلك الذى يريد أنْ يستغله أصحاب الآراء العتيقة.. وهوالذى سيجرعلى البلاد ارتباكًا قد ينقلب إلى شرمستطير

محمود عزمى، ذلك المفكرالمصرى الشجاع، دفاعه عن الأمة المصرية التى يجب أنْ تكون ليبرالية الفكروالسياسة، فكتب أنّ الدستورجاء» هجينًا يجمع بين الشىء ونقيضه، فالأمة مصدرالسلطات.. والملك له الحق مع المجلس النيابى فى التشريع.. ويوازن بين سلطة الملك الأوتوقراطية وبين سلطة الأمة ذات المضمون الديموقراطى.. وينص على أنّ حرية الاعتقاد مطلقة.. وفى نفس الوقت (ينص على) أنّ الإسلام هوالدين الرسمى للدولة.. وهكذا أصبحتْ البلاد فى مفترق الطرق.. وأصبح الدستور ثوبًا فضفاضًا.. ويسهل تأويله على أوجه عدة..إلخ (جريدة الاستقلال 22 سبتمبر 1922)

***********************

 الطفل الأعمى الفقير الذى كان آخر طموحات والده هو ترتيل القرآن على المقابر أو فى الموالد والبيوت، حين كان القرآن رفيق حياة المصريين فى أفراحهم وأتراحهم، وكيف أصبح هذا الأعمى عميدا للأدب العربي؟ ثم تمكن من تغيير المجتمع المصرى كله وكيف أزاح كميات هائلة من الصخور والعقبات من طريقه ومن عقول الناس، كيف لهذا الإنسان الذى عاش فى الظلام أن يشعل مصابيح النور فى القلوب والعقول ويفوق فى تأثيره أى وزير وأى ملك أو فرعون؟ بل يموت الملوك والفراعين ويبقى هذا الأعمى فى وعى المصريين حيا لا يموت؟

ومن خلال 16 فصلا تناولها رجب البنا، عن دراساته وأبحاثه الأدبية ودوره الرائد فى فتح آفاق جديدة للثقافة العربية ومجانية التعليم التى طبقها أول وزير أعمى فى مصر بفضل نجيب الهلالى حين وافق طه حسين أن يتولى الوزارة وزيرا للتعليم من عام 1950 إلى يناير 1952 فحقق حلمه أن يصير التعليم كالماء والهواء لكل إنسان مصرى،وأسرار انتصاراته وانكساراته فى معاركه الفكرية التى أثارها أستاذا للجامعة ثم عميدا للآداب، ورئيسا لتحرير مجلة الكاتب، وموقفه من تطوير الأزهر، ومشاركته فى الحياة السياسية والحزبية، والتى أهلته أن يأمر فيطاع، ثم ارتقاؤه من مجرد عضو بمجمع اللغة العربية إلى رئاسة هذا الصرح العملاق، وأسس جامعتى الاسكندرية وأسيوط ووضع حجر أساس جامعة عين شمس، ورغم أن رجب البنا غطى هذه الجوانب بلغة العاشق المحب والمدين بالفضل فى وجوده العلمى والثقافى لطه حسين عندما كان على وشك الخروج من قطار التعليم بسبب مصروفاته التى لا تحتملها أسرته الفقيرة فى نفس السنة التى فرض فيها طه حسين مجانية التعليم، إلا أن رجب البنا مكننى من اكتشاف سر هذا النجاح كله فى فصل لم يتجاوز تسع ورقات حمل عنوان (الملاك الحارس)، ولولا هذا الملاك الحارس ما كان طه حسين ولاكانت النهضة التى خلقها شيئا مذكورا!

*****************************
سوزان طه حين القلب عندما يري 
أى فتاة كانت سوزان تلك الفتاة الفرنسية التى قبلت أن تتزوج من شاب أعمى وأجنبى، من بلاد يرونها دائما متخلفة؟ العقل والمنطق يقولان إن هذا الزواج مستحيل
تحكى سوزان حكايتها معه بعذوبة شديدة تقول: أول مرة التقينا كانت 12 مايو 1915 فى مونبليه، لم يكن ثمة شىء فى ذلك اليوم ينبئ بأن مصيرى يتقرر، وكنت فى شىء من الحيرة إذ لم يسبق لى فى حياتى أن كلمت أعمى. لقد عدت إليه أزوره بين الحين والآخر فى غرفته، التى كانت غرفة طالب جامعى. كنا نتحدث وأقرأ له بعض الفصول من كتاب فرنسى ولعل القدر كان قد أصدر قراره بالفعل. فالأستاذ الايطالى الذى كان يدرس له اللاتينية قال له: سيدى هذه الفتاة ستكون زوجتك! ربما يكون هذا المدرس هو الذى شجع طه حسين لأن يقول لسوزان بعد تردد طويل: اغفرى لى لابد أن أقول لك: أنا أحبك وتصرخ الفتاة الفرنسية بكل فظاظة ولكنى لا أحبك! فيقول بحزن: آه إننى أعرف ذلك جيدا أنه مستحيل.
ويمضى يوم ويأتى يوم آخر تحكى سوزان فى كتابها معك: أقول فيه لأهلى إننى أريد الزواج من هذا الشاب. وكان ما أنتظره من رد الفعل: كيف؟ من أجنبي؟ وأعمى؟ وفوق كل ذلك مسلم؟! لاشك أنك جننت تماما! وكان لابد من النضال بالطبع بسبب ذلك القرار، وجاءنى أكبر عون من عم لى أكن له إعجابا عظيما، وكان هذا العم قسا. فقد حضر ليتعرف بطه وتنزه معه وحيدا، وعاد يقول لي: بوسعك أن تنفذى ما عزمت عليه.. لا تخافى.. بصحبة هذا الرجل يستطيع المرء أن يحلق بالحوار ما استطاع لذلك سبيلا، إنه سيتجاوزك باستمرار. وتزوجنا يوم 19 أغسطس 1917 ببساطة مطلقة، إلا أن الجميع أصروا على أن ألبس ثوب الزفاف الأبيض، وأن نركب العربة المقفلة. وكان فى الشوارع جنود يقضون إجازاتهم بعيدا عن معارك الحرب العالمية الأولى، ولم يكن منظر الزيجات آنذاك مألوفا، لكن أولئك الجنود بلغ بهم الكرم أنهم كانوا يبتسمون لنا!

كتبت سوزان طه حسين كتابها ذلك بعد وفاة العميد لتستعيد معه رائحة الأيام الجميلة التى مضت وهما معا.. وتتذكر الرسائل التى كان يكتبها إليها عميد الأدب العربى، 90 رسالة تقول عنها: ليس هناك من بين هذه الرسائل التسعين رسالة واحدة لم تكن إعترافا أو عطاءً. أمن الممكن يا طه أننى كنت محبوبة على هذا النحو، وأننى كنت المقصودة بهذا السيل من الحنان والعاطفة؟ عندما أغلق لفة الرسائل التى ربما تناولتها غدا من جديد، أشعر بأننى نشوى خارج الزمن الحاضر، وخارج العالم. هذا القدر من الحب الذى كان علىَّ أن أحمله وحدى عبئا رائعا، ما أكثر ما خفت ألا أتمكن من القيام بمتطلباته بجدارة! من أين جئت أنت إذن، أنت الأقرب إلى نفسى، من أين جئت؟ وهل سيسمح لى الله أن ألقاك حيث أنت؟ أعطنى يدك. لقد طلبتها منى فى الليلة الأخيرة لكننى لم أذهب معك. تقول سوزان أردت من هذه الرحلة، رحلة الكتاب لأمشى معك، وأعيش معك مرة أخرى الأسابيع الأخيرة. حين تذكرت آخر مغادرة لنا للاسكندرية اجتاحتنى نوبة رهيبة من الضيق، رحت أنتحب بشدة بين ذراعى محمد الزيات زوج ابنتها كان يبدو لى أنهم أخذوا ينتزعونك منى مرة أخرى. كانت وحدتى كلية، غير أن ذلك لم يكن يؤلمنى وإنما هى القطيعة، وإنما هو هذا العالم الجديد الذى لم يعد لى مكان فيه. يقلقنى عجزى عن اعادتك إلى قربى، أعرف أنك تحيا ولكن أين؟ وكيف؟ أعرف أن بوسعى أن أخاطبك، وأن بوسعك أن تجيبنى ولكنك تفلت منى، وتفلت من نفسك، آه، ما أبعدك يا صديقى!
لكل هذا الحب الذى يفيض بينهما يكتب لها طه حسين «بدونك أشعر أننى أعمى حقا» أما وأنا معك، فإننى أتوصل إلى الشعور بكل شىء، وإننى أمتزج بكل الأشياء التى تحيط بى.

هذا هو الحب الحقيقى ويمكن لأى منا أن يقيس مشاعره على هذا النموذج الفريد ولو وجد النتيجة ليست فى صالحه فلا يحزن، ربما يأتى له الحب من كوة صغيرة مهما تكن الدنيا ظلاما.
**************************
إنها فتاة فرنسية من أسرة بسيطة نزحت مع أسرتها من باريس لتعيش فى جنوب فرنسا هروبا من الحرب العالمية الأولى فالتقت شابا مصريا طموحا يدرس فى السوربون اسمه طه حسين، ربما كان الأمر جنونًا، أن تلتفت فتاة فرنسية كاثوليكية جميلة اسمها سوزان بريسو من شاب شرقى معمم وأعمى ومسلم، شوقنى رجب البنا للعودة إلى مذكراتها التى صدرت بعد وفاته بعنوان معك، تقول:

لأول مرة أتحدث مع غريب أعمى.. وكانت آخر مرة، فقد صار قريبا من قلبى، وكنت ُ قد اخترت حياة رائعة. اخترت.. من يدرى؟

أبهرنى تفرده، عندما قال لى عن رغبته إلى من يقرأ له ويساعده فى إعداد رسالة الدكتوراه، وتطوعت فى أن أقوم بهذه المهمة،ثم زرته مع والدتى فى غرفة متواضعة وبدأت فى مساعدته على تعلم اللغة اللاتينية المقررة عليه!

وبسبب اندلاع الحرب الأولى انقطع الراتب الذى كانت ترسله الحكومة المصرية إلى المبعوثين فعاد طه حسين إلى مصر، وفى العام التالى عاد إلى باريس ومعه شقيقه لكن هذا الأخير انصرف عن مساعدته، فعرضت عليه سوزان أن يسكن فى بيت أسرتها وبعد تردد وافق وانتقل للعيش معهم، فلاحظت أنه كان شديد الخجل فى تناول طعامه أمام أحد، ثم رتب سيدة تقرأ له وسيدة أخرى تصحبه إلى السوربون لكن سوزان بعد فترة انفردت بكل هذه الأعمال بلا مقابل حتى توفر له ما يساعده على العيش، وبدأت تعلمه الحديث الصحيح باللغة الفرنسية حتى أجادها، وبعد فترة اعترف لها إننى أحبك فقالت وأنا لا أحبك، وابتعدت ومع البعد أدركت حجم الأثر الذى تركه فى قلبها، فأعلنت لأسرتها عن رغبتها فى تلبية نداء قلبها للزواج من هذا الشاب المصرى الكفيف القادم من ثقافة وبيئة مختلفة، واتهمتها الأسرة بالجنون إلا عمها القسيس، فضل أن يجلس معه بعض الوقت ثم خرج وأعلن مباركته للزواج منه فحدثت الخطوبة!
وواصلا العمل معا، تذهب معه إلى المكتبات وبحماس شديد ظلت تقرأ له النصوص الفرنسية والتاريخ والجغرافيا حتى نجح فى امتحان الإجازة فى اللغة الكلاسيكية ودبلومة فى الدراسات العليا ثم بدأ فى تسجيل رسالته للدكتوراه عن الفلسفة الاجتماعية عند ابن خلدون، ثم تزوجا فى 19 أغسطس 1917. وفى يناير التالى حصل على الدكتوراه وبعدها أنجبا ابنتهما أمينة فى أكتوبر 1919 وعادا إلى مصر التى تقول عنها سوزان: صارت وطنى الأول أحبها كما أحب طه، أما هذا الفتى الذى وقعت فى غرامه فقد قال لى نعم يا صديقتى لقد ملئت بالحب لعل ما بيننا يَفُوق الحب..
هل ستصحب زوجتك؟
لا يا سيِّدي؛ لأنَّها فى فرنساَ!
فيرد الفضولي: وتركتها تذهب وحدها؟!
ـ نعم يا سيِّدي؛ فهى فرنسية فيرد الرجل لو كنت حرا لاشترعت قانونا يحرم الزواج من اجنبية أو فرنسية

 الشيخ ُّ بخيت استأنف الكلام: «لكنى بعد كل شيء يا دكتور طه أود أن أفهم الأسباب الحقيقية ٌّ التى حملت مصريا ووطنيا طيِّبا عظيم الذكاء على الزواج من أجنبية... فكيف أقدمت على مثل هذا العمل؟

فيرد طه ببساطة: قابلت فتاة، وأحببتها؛ فتزوجتها. ولو لم أفعل لبقيت عزبًا أو لتزوجت من امرأةً مصريةً نفاقًا، لأننى أحب امرأة أخرى، وكنت سأجعل منها امرأة تعسة!

ـ هذا أمر ُّ لا أستطيع تصوره!

هذا أمر لن تستطيع تصوره دوما يا فضيلة الشيخ؛ فنحن لا ننظر إلى الأشياء بالطريقة المتفتحة نفسها أبدا.


قالها طه: لعل ما بيننا يفوق الحب!
 كان على سوزان أن َ تسافر إلى فرنسا لمدة ثلاثة أشهر، فلم تنقطع رسائل طه عنها كل يوم عامرة بصوته الذى لم يفارقها: «أحبك رغم صوت مدافع الحرب. لكنى أنتظرك وأنتظرك.. ولا أحيا إلا على هذا الانتظار.
الاجابة عند رجب البنا يقول بالفم المليان لولا هذا الملاك ما كان طه حسين مع احترامى للموهبة والإصرار والعزيمة، باعتراف طه حسين نفسه: إننى أرى بعينيك، وبدونك أشعر أننى أعمى حقا!
هذا هو العميد عندما يحب وعندما يشتاق أو تبعد عنه سوزان يوما يكتب: وأنت بعيدة تغمرنى ظلمة بغيضة، وتكتب سوزان فى مذكراتها ماهو أكثر من ذلك ويصلح لعالمنا خاصة: لمن يتحدثون عن التعصب الإسلامى لا أملك نفسى من الابتسام لأنى عرفت الإسلام على حقيقته ممثلا فى طه وأهله وأصدقائه، يرفض التعصب ويحترم الأديان والأنبياء جميعاّ! وبادلته نفس المشاعر الإنسانية النبيلة.


حين وقع العدوان الثلاثى على مصر عام 1956وغضب طه حسين لوجود قوات فرنسية فى صفوف دول العدوان شاركته سوزان فى تعبيرها عن الحزن، وكانت شديدة الغضب من حكومة بلادها لأنها شاركت فى هذا العدوان ضد بلدها وبلد طه والتى منحتها الجنسية المصرية منذ زواجهما، لذلك شجعته على إعادة الوسام الرفيع الذى سبق أن منحته له الحكومة الفرنسية، فمنحه عبدالناصر قلادة النيل العظمى عام 1965، وأكمل صنيع طه حسين فأعلن مجانية التعليم الجامعى، لكن طه حسين كان قويا بزوجته وشريكة حياته ورفيقة دربه، لا يطيق فراقها لأنها كانت أساس شعوره بالموجودات تحدثه عن الشمس والنور والظلمة وعن النجوم والجبال فكأنه يشعر بكل ذلك ويعرفه فى الزمان البعيد، فكانت أساس قوته وهو يتحدى الملك فؤاد ويرفض حضور مؤتمر عن العميان لما فى موضوعه من شفقة وتمييز بين البشر، وحارب ديكتاتورية إسماعيل صدقى باشا، وخاض العديد من المعارك السياسية والأدبية كان فيها صلبا وقويا، لكنه كان يجلس وحيدا عند غيابها ودموعه تنساب ويشعر بدونها أنه ضائع.

فن صناعة الحياة، وليس الموت، والأديان كلها قائمة على البناء والسلام.
ونوه بأن خطورة الجاهلين الذين يفتون في دين الله بدون علم، لا تقل عن خطورة الإرهاب والمتطرفين، حيث أنهم ينشرون صورة خاطئة عن الإسلام ، معقبا:" الجاهلين بالفتوى أشد خطورة على مصر من الإرهاب.
 

+++++++++++++++++++++++++++++++++++

طه حسين وهيكل ومعركة التراث

من أهم هذه الأسئلة تفسير تحول الكثير من المفكرين الليبراليين إلى الكتابة فى الإسلاميات والتراث فى فترة الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين، ومن أهم رموز هؤلاء الكتّاب وأشهرهم طه حسين ومحمد حسين هيكل وعباس العقاد، ولعل أهم كتاباتهم «على هامش السيرة» و«حياة محمد» و«العبقريات».
ولقد ذهب البعض فى تفسير ذلك الأمر منحى حديًا؛ إذ صوره البعض على أنه «رِدة» وتراجع عن الخط الليبرالى والفكر الحر بعد المعارك الفكرية الشهيرة فى العشرينيات، مثل معركة كتاب الإسلام وأصول الحكم للشيخ على عبدالرازق فى عام ١٩٢٥، ومعركة كتاب الشعر الجاهلى لطه حسين فى عام ١٩٢٦، وشاع بشدة هذا التفسير وتقبل معظم الباحثين فكرة «الرِدة» و«التراجع» تحت ضغط الرأى العام.
وحاول الباحث إبراهيم فوزى فى رسالته للماجستير عن تحولات الفكر فى مصر فى الثلاثينيات والأربعينيات، تحت إشراف دكتور على الدين هلال بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، إجراء مراجعة فكرية لهذا الرأى الشائع عن السر وراء تحول هؤلاء المفكرين الليبراليين إلى الكتابة فى الإسلاميات.

وبدايةً نجح الباحث فى مدخله لإجراء المراجعة، إذ إنه لم يفسر الظاهرة من خلال سبب وحيد أو عامل حاكم، فالظواهر التاريخية يحيط بها العديد من العوامل والأسباب، وبالتالى خرج الباحث من سحر الأحادية، الذى يرتاح له أحيانًا كثيرة العقل فى محاولة التفسير.
أشار الباحث إلى ضرورة تقصى المتغيرات المحلية الواقعة فى مصر آنذاك، وظاهرة الانقلابات الدستورية على دستور ٢٣، والصراع السياسى الحزبى، وعودة المفكرين إلى ضرورة الإصلاح التربوى والفكرى قبل الإصلاح السياسى، كما أشار الباحث إلى التحولات العنيفة، التى كانت تعصف بأوروبا آنذاك وتزلزل التجربة الليبرالية مع صعود الفاشية فى إيطاليا والنازية فى ألمانيا، وانعكاسات ذلك على الأوضاع السياسية والفكرية فى مصر.

وقام الباحث بإجراء دراسة تحليلية لمعظم الكتابات فى الإسلاميات لطه حسين وهيكل، وخرج الباحث بنتائج هامة، لعل فى مقدمتها أن ولوج طه حسين وهيكل إلى الإسلاميات لم يكن رِدة ولا تراجعًا، ولا خوفًا من الرأى العام، ولكن على العكس من ذلك كان محاولة لجذب أكبر قطاع من الرأى العام إلى صفهما، وتعويد الجمهور على استقبال الإسلاميات من المفكرين الليبراليين وليس علماء الدين من الأزهر، كما كان الحال من قبل.
يُضاف إلى ذلك التأثر الشديد بحركة النقد، لا سيما حركة نقد الكتاب المقدس فى أوروبا، وبالتالى كانت الكتابة فى الإسلاميات هى تحول تكتيكى فى إطار مشروعهم الليبرالى.

وربما نُضيف إلى ما انتهى إليه الباحث تأسيس الجامعة المصرية الحكومية عام ١٩٢٥ بعد تأسيس الجامعة الأهلية عام ١٩٠٨، وإنشاء أقسام التاريخ والفلسفة والأدب العربى، وبالتالى أصبحت الجامعة هى المسئولة عن التراث الإسلامى وليست فقط المؤسسات الدينية التقليدية، وربما سيتضح هذا الأمر جليًا بعد ذلك فى أعمال أحمد أمين «فجر الإسلام» و«ضحى الإسلام».

وهكذا يتبين أن تحول المفكرين الليبراليين إلى الكتابة فى الإسلاميات لم يكن رِدة أو تراجعًا فى مشروعهم الفكرى، إنما محاولة لكسر احتكار التراث، وجذب قطاعات واسعة من الرأى العام إلى مشروعهم.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق