كتابه «تفكيك العقل الأصولى..النزعات الجهادية فى الديانات الثلاث الإبراهيمية» صلاح سالم
بزوغ أفكار جديدة محفزة للتاريخ، سواء أكانت فلسفية كالحرية والنزعة الإنسانية، أم سياسية من قبيل القومية والعلمانية والديمقراطية، أم علمية حيث صارت التكنولوجيا رافعة الحياة المعاصرة، بينما تحركت الأفكار المحفزة الأخرى إلى ظل التاريخ.. هنا يرى الكاتب أن الأفكار الكبرى جميعها قد لعبت دورها المحفز فى التاريخ، لك
فالدين ظاهرة إنسانية كبرى، لكن وتحت ضغط الحداثة كان ممكنًا أو ربما مطلوبًا، أن ينزاح الدين من المجال العام السياسى إلى المجال الخاص الفردى، متنازلاً عن طموحه إلى تنظيم المجتمعات وبناء المؤسسات والوصاية على العلوم والمكتشفات، غير أنه فى المقابل لم يكن مطلوبًا أن يفقد الدين كل قيمته أو يعلن عن موته بقوة سيف العقلانية الراديكالية.. فى السياق نفسه يرى الكاتب أن النزعات المادية الكامنة فى تربة العالم الحديث / العقلانى / العلمانى، وما يصاحبها من نزعات شكوكية، وأحيانًا عدمية، أصابت الإنسان بتوتر نفسى لا محدود،
العقل الأصولى غالبًا ما يختزل الدين فى تفسير أحادى، رغم تاريخه الطويل الذى ينطوى على تجارب متعددة، ويستبطن تطبيقات متناقضة، لكل منها سياق ودلالة، تسعى القراءة الأصولية إلى محو كليهما ليسهل لها إعادة تفسير دينها فى الاتجاه الذى تريد.. والأصوليون وحدهم، يرى سالم، يدعون قدرتهم على استعادة الجوهر المؤسس لمعتقداتهم وإعادة تجسيد النموذج الأصلى للحياة الذى انطلق منه.ومن ثم بلوغ الغاية التى استهدفها، وهو الأصل الذى يتوجب دومًا العودة إليه كلما أراد أتباعه استعادة انطلاقتهم الفتية نحو غايتهم الرئيسة.وعين الأصولى، يقول الكاتب، على المستقبل، أما الماضى فهو مجرد وسيلة، مخزن لأفكار ومقولات جاهزة يستطيع الاستعارة من بينها، ومخبأ لسيوف ورماح يستطيع السحب منها ليرمى بها مخالفيه فى الاعتقاد والطائفة والمذهب.
-------------------
نحو أصولية معاصرة
الإسلام لم يعرف الأصولية كمنظومة فكرية عقائدية إلا بعد أكثر من مائتي عام على البعثة المحمدية؛ فقد كان المسلمون يمارسون الحياة في كافة مجالاتها وحقولها اللغوية والإدارية والسياسية والفكرية والدينية والاجتماعية والثقافية بدون أن تقيدهم أصول مؤطرة ومقيدة.
بعد هذه الفترة الطويلة بدأت المنظومة الفكرية العقائدية تتشكل بهدف الإجابة على الأسئلة الفيزيقية والميتافيزيقية التي طُرحت في كافة مناحي حياة المسلم الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتربوية والسياسية وغير ذلك. ولقد نشأت حاجة ضرورية لهذا التأصيل والتأطير لأن الدولة في تلك الفترة كانت أعظم إمبراطورية في العالم وكانت تحتاج لمثل تلك المنظومة الأصولية كإطار مرجعي، لتحكم وتقود العالم، ولتُرسي قواعدها الخاصة التي تتماشى مع روح العصر وآلياته ومعرفياته، ولتحقق مصالح الدولة العليا واستمرارها وازدهارها.
الأصولية ليست مقصورة على دين أو مذهب ولا على أمة دون سواها، وتاريخياً كانت الأصولية حركات إصلاح وتجديد؛ وبالتالي فهي ليست حكراً على من يُسمون أنفسهم «الصحوة» التي اختطفت هذه المفردة اللُّغوية، وعملت على تجريدها من مضامينها، وقوانينها، وشروط نموها وتطورها أو تراجعها وانحطاطها.
فنحن في حاجة ماسة إلى إعادة صياغة أصولية معاصرة منفصلة عن الأصولية التراثية التي قامت في العصر العباسي الأول. نحتاج أن نبني بناءً شاملاً للثقافة العربية والفكر العربي، ولن نستطيع القيام بذلك عن طريق المجانسة أو التوفيق بين التراث وبين الواقع، بل يجب الخروج من تلك الثنائية التي نعيشها ثنائية المعاصرة والتقليد؛ لأن التخطيط للمستقبل لا يكون حسب ما كان، بل حسب ما هو كائن، وحسب ما سوف يكون ونصير إليه.
+++++++++++++++++++++++++
زمن الأصولية
«زمن الأصولية.. رؤية للقرن العشرين هو عنوان كتاب للفيلسوف المصرى الكبير الدكتور مراد وهبة
أزمة المرأة، تناقضات العالم الإسلامى، أزمة العقل العربى، الإبداع، غاندى والأصولية، مفارقة ابن رشد،
ثلاثة أفكار، هى: الجهاد من أجل الدفاع عن الأصول، رفض النظريات العلمية التى تتناقض مع الإيمان بالوحى الإلهى، رفض آراء الليبراليين اللاهوتيين.
والأصولية عند وهبة هى «التفكير فى النسبى بما هو مطلق وليس بما هو نسبى»، ومن ثم فإن انفراد الأصوليات بالهيمنة يعنى استحالة الدعوة إلى السلام، لأن السلام لا يتحقق إلا بالمفاوضات على نحو ماهو وارد فى تاريخ الحروب، والمفاوضات تستلزم الانصياع لتنازلات من قبل الطرفين المتحاربين، والتنازلات تقتضى هز ما كان ثابتاً، وبالأدق ما كان يبدو أنه مُطلق، ويكمن خطر الأصوليات الدينية فى أنها مُطلقات، والمُطلقات بالضرورة فى حالة صراع إن لم تكن فى حالة حرب، لأن المُطلق بحكم تعريفه هو واحد بالضرورة، ومن ثم فهو لا يقبل التعدد، وإذا تعدد فإن مُطلقاً واحداً هو الذى يشتهى أن يسود، ومن شأن تحقيق هذه السيادة اشتعال الحروب.
ولأن التنوير يعنى الجرأة فى إعمال العقل، فإن التنوير على علاقة تناقض حاد مع الأصوليات بسبب رفضها إعمال العقل فى النص الدينى مما ترتب عليه رفض الأصوليات للحداثة، لأن الحداثة هى ثمرة التنوير، وحيث إن الحداثة معادلة للثورة العلمية والتكنولوجية التى هى ضمير القرن العشرين، فإن الأصوليات فى هذه الحالة يمكن اعتبارها نتوءاً فى مسار الحضارة الإنسانية، ويرى وهبة أن هناك علاقة بين الدين والاقتصاد، وأن الطبقة الاجتماعية المسايرة لهذا النتوء الثقافى هى طبقة رأسمالية غير مستنيرة ويُطلق عليها مصطلح «رأسمالية طفيلية»، لأنها تتصاعد ثراءً بطريقة صاروخية بسبب تعاملها مع كل ما هو طفيلى مثل: تجارة المخدرات، والسوق السوداء، وشركات توظيف الأموال، و«الرأسمالية الطفيلية» تدخل فى علاقة عضوية مع الأصوليات الدينية، بسبب أن كلاً منهما ضد المسار التنويرى للحضارة الإنسانية.
ويرى وهبة أن «الدوجماطيقية»، أى توهم امتلاك الحقيقة المُطلقة هى مركز الصراعات، ويقع الإنسان فى هذا الوهم بحكم طبيعة العقل الإنسانى الذى يشتهى اقتناص المُطلق حتى يشعر بالأمن والأمان، إلا أن هذا الاشتهاء ليس فى الإمكان تحقيقه لأن العقل بحكم أنه إنسانى الطابع فمعرفته نسبية بالضرورة، ومع ذلك فثمة فلسفات تتخذ من المُطلق نقطة البداية، وترتب عليه ما يطيب لها من أفكار، ويؤسس عليها رجال الحكم أنظمة سياسية تتسم بالقهر والطغيان، فيُقال عنها عندئذ إنها: إما نازية، إما فاشية، إما شيوعية، إما أصولية، وهى كلها تقع تحت بند «الدوجماطيقية»، التى تفرز التعصب بالضرورة.
ولذا بدون العلمانية فإن السلام لا يستقيم، والعلمانية يعرفها مراد وهبة.
ولو تعلم الأصوليون هذا الدرس وأدركوا أنه لا أحد يمكنه امتلاك الحقيقة المُطلقة، لكفوا عن التكفير والعنف، واستراح العالم من شرور الإرهاب وإراقة الدماء، ومن خطر مُلاك الحقيقة المُطلقة.
++++++++++++++
ذهنيّة الأصولي: الخطاب ومعالم الأزمة
لكلّ مجتمع ما يبرّر عودته إلى الوراء، أو إقامته في الماضي من أجل البحث عن المزيد من التّعويض عن إخفاقات الحاضر أو غموض المستقبل؛ هو الإنسان نفسُه في كلّ زمان ومكان من يشعر بهذا الحنين الوجودي إلى الاحتماء، وكأنّ قدرنا أنْ نعيش فرادى أو جماعات مرفوقين بالتردّد، واجترار الماضي، دون أنْ تكون لنا القدرة على اقتحام المجهول، والتخلّص من أعباء هذا الإرث الذي لم نعُد فيه سوى كائنات عاجزة عن الفهم والاستيعاب، نكون قادرين فيه على التّجاوز والانتقال. إنّه مجتمع ممزَّق بين الماضي والحاضر، وبين الأصالة والمعاصرة، وبين التّاريخ والمستقبل. أو لِنقُل إنّه: "مجتمع يعاني من جروح نرجسية اكتشف فيها أمام ثقافة الآخر بأنه بلا ثقافة. لهذا لا يمكن أنْ ينتج إلاّ قطيعتين: قطيعة عن الحاضر الغربي، وقطيعة عن ماضيه نفسه[1]"، وذلك سرّ قلقه الوجودي.
الإنسان المتخلّف يشبه المجتمع المتخلف، فهو سلفي تماما لا ينتهي عشقُه للماضي عند هذا الحدّ، كما تزداد سلفيته وتبرز بمقدار النّقص الذي يحياه في واقعه، أو بمقدار الحصار الذي تفرضه عليه الثّقافة المنغلقة،
توقيف حركة النّقد، وتعطيل آلية الفكر والتّفكير[2]
لأنّ التخلُّف في نهاية المطاف ليس قصوراً في العقل، ولكنَّه إطلاق العنان للنّقل،
الخطاب الأصولي وكلّ ما يدور في فلكه هو خطاب ماضويّ يبحث عن الفردوس المفقود، غير أنّه يقدِّم نفسه للإنسان على أنّه المالك لليقين، والقابض على الحقيقة وذلك مكمن خطورته. فالعودة إلى الأصول ليس فقط عودة تأمّلية، أو وقفة للاعتبار والتأسّي، بقدْر ما هي عودة إلى حيث النّقاء والصّفاء والطّهرانية التي تجعل الإنسان ضحيّة نزعة معيارية صنمية للتّراث،
ولا ضير ما دام الإنسان المتخلّف جزءاً من مجتمع له نفس التّوصيف السّابق يصرّ على استدامة "بنيات التخلّف والانطواء على الذّات ومواصلة تأكيد أوهام الامتياز والإصرار على الاكتفاء وتعليق العجز على مؤامرات الأعداء لتبقى الذات بريئة من الخطأ والتّقصير"[5].
الأصولية ووهم العودة:
لا يمكن أنْ نتحدّث عن ذهنية الأصولي بعيدا عن قوالب التفكير لديه، ولعلّ أهمها ذلك الالتصاق بالماضي، في تماهٍ واضحٍ يكرّس النّظرة الدّونية لكلّ ما هو حاضر ومستقبلي، ويمجّد الماضي بتعبيرات طوباوية لا تستقرّ إلا في ذهنية مثالية تقرأ التّاريخ بإطلاقية، اعتمادا على تأويلات ونصوص شاهدة على حجم التّزييف الذي يمكن أنْ يقع فيه إنسان يؤمن بحتمية أسطورة العود الأبدي، كما نظّر لها نتشه، وتعني أنّ مجموع الأحداث والظّواهر والأحداث سيتكرّر من جديد، بنفس النّظام والطريقة والمقدار الّذي وُجد فيه في الدّورة السّابقة على هذه الدّورة الثّانية. وهكذا تستمرّ الحال وتأتي دائما دورات جديدة لا نهائية ما دام الزّمان غير متناهٍ[6].
إنّ الاحتماء بالماضي بتعبير طارق حجي[7]، وهو يعدّد عيوب تفكير العقل العربي، يعيدنا إلى نقاش إشكالية التّراث، أو الموروث الدِّيني بشكل عام، إذ لكلّ باحث منطلقاته الفكرية. ومنذ أنْ توقّفتْ حركة الاجتهاد، ابتعد الموروث الدّيني عن عملية النّقد، والبحث، والتّنقيب، ونتجَ عن هذه العملية إعادة إنتاج للماضي،
كانت ولا تزال قضية التّراث من هواجس العقل التّجديدي في الفكر الديني، وكذا العقل السّلفي الذي ظلّ يقارب مشكلة التّراث، بوصفها إطاراً مقدّساً يصعب الاقتراب منه، حيث أنّ المعرفة لدى هذا العقل هي ما أنتجه الأسلاف، والمقدَّس هو ما تشكَّل في التّاريخ الماضي. فهواجس العقل السّلفي اقترنت بملامسة التّراث أو مقاربة مضامينه. وما الضّوابط، والقواعد، والسِّياجات المعرفية التي صنعها، إلاّ محاولة لتعزيز الحماية لشكْل هذا الموروث الإنساني، وضمان استمراريته لأجيال مقبلة.
وحينما يمسُّ التّراث يمسُّ الدِّين وفق الضّرورات المنطقية لهذا العقل.
الجابري
أ- ضرورة القطيعة مع الفهم التّراثي للتّراث: بما أنّ الفكر العربي المعاصر كلّه، ينتمي من ناحية المنهج والرؤية للاتّجاه السّلفي في التّفكير. لا يجب الاختيار بين هذا المنهج، أو ذاك من المناهج الجاهزة سلفاً ( القراءة السّلفية/ اللّيبرالية/ اليسارية )، بل فحْص العملية الذِّهنية التي سيتمّ بواسطتها، ومن خلالها استخدام المنهج؛ بمعنى آخر علينا نقْد العقل، لا استخدامه بهذه الطّريقة أو تلك[11].
يلفت الجابري أيضاً داخل هذا المنهج المقترح، الانتباه إلى مسألة القطيعة الإبستمولوجية؛ فتوظيفُها في هذا السِّياق لا يعني بالضّرورة التخلي الكلّي عن مسألة التراث. فهذه الرؤية نفسُها حسب الجابري، لا تنفكُّ عن القراءات السّلفية التي كانت نتيجة طبيعية لترسّبات الفكر التّراثي في عصر الانحطاط. فالقطيعة هنا تتجاوز المعنى الدّارج، لتصير في مفهومها: "التخلّي عن الفهم التّراثي للتّراث؛ أيْ التحرّر من الرّواسب التّراثية في عملية فهمنا للتّراث."[12].
الأصولية وتكريس الجهل المقدّس:
العقل الإنساني هو القوّة الوحيدة التي يحتاج تطوّرها إلى أفكارٍ مؤلمة تخترق حدود الصمت الممكنة، لا إلى مهدئات ومسكّنات تغرق الإنسان في التفاؤل حدّ تقديس الجهل. وهنا يمكننا أنْ نتحدّث عن هذا المصطلح الفريد والمنحوت بدقّة وعناية من طرف أوليفيه روا. فالجهل ليس دوماً مقابلا للعلم، بل قد يصبح هو العلم نفسه، أو هو القداسة نفسها حينما يحاط بهالةٍ تخرج به عن سلبيته، وتتوسّل بكلّ الإمكانيات المتاحة للمحافظة عليه. ولتوضيح المصطلح "الجهل المقدّس" يرى أوليفيه روا بأنّ العولمة ساهمت بشكل سلبي في بلورة المشروع الفكري للأصوليات، سواء كانت مسيحية أو يهودية أو إسلامية؛ لأنها استفادت من هذا الكمّ المتاح أمامها من التّقنيات لتنشر أفكارها على نطاق واسع[15].
حرب ناعمة تهدف إلى السّيطرة على عقول الناس ومقدّراتهم. لم تكن العولمة إلا ذلك المارد الذي يخفي في طيّاته خطرا وجوديا على الإنسان، وبدل أنْ يتحكم فيها، تحكّمتْ فيه.
علي حرب
ومهما فعَلْنا، فسنبقى خاضعين للتّقنية ومحرومين من الحريّة، سواء دافعنا عنها بانفعال أو أنكرناها[17].
إنّ العداء الّذي تفرضه الأصوليات اتّجاه الثّقافة كما يرى هاشم صالح، نابعٌ من كون الثّقافة بالنّسبة إليها منتوج وثني لا يضيف إلى الدّين أيّ شيء، أو إنّ الثقافة بإفرازاتها المتنوّعة تقف حائلاً ومانعا من تطبيق الدّين في المجتمع. وهكذا يتحوّل الجهل بقيمة الأشياء من فنّ ومسرح وموسيقى وسينما إلى غاية الغايات؛ أيْ الجهل الذي يحمينا من لوثة موزار وبيتهوفن ومايكل أنجلو وغيرهم كثير. والجهل الذي يحمينا من أفكار أرسطو وأفلاطون وأساطين الفكر الفلسفي القديم والمعاصر[18]. إنّها طبيعة الأصوليات وعلاقتها بالجهل حينما يرسِّخ قواعده في العقل الإنساني، ويتغوّل إلى الحدّ الذي يصيغ فيه العقول والعواطف. ومن هنا يمكننا فهْم دعوة إبراهيم البليهي إلى التّأسيس لعلم الجهل؛ أيْ ذلك العلم الذي يعرّي فظاعة الخرافة، ويكشف زيف كلّ الموروثات التي تتسلّط على الإنسان بدواعي مختلفة. وبما أنّ الجهل أصبح محمياً بفعل الثّورة التقنية، وبفعل البرامج التّعليمية التي تزكّيه وتنشره على نطاق واسع، أصبحت الحاجة ملحَّة إلى من يكشف الوهم، ويزيح السّتار عن المخبوء،
ولنستبين العلاقة بين الأصوليات والجهل المقدّس، أو الجهل المركّب، أو الدّعوة لتبنّي الخرافة وإخضاعها قسراً لقواعد العلم، لا بدّ لنا من التعرّف على مرتكزات الفكر الأصولي وأسُسه كما أشار إليها أحمد موصللي:
1- رفض الواقع: وذلك من خلال رفض نسبية التّفكير، والإيمان بمطلقيته، وكذلك رفض سلطة الشّعب، ورفض عرض الدّين على المكتشفات العلمية، ورفض دعوات التّجديد والاجتهاد.
2- تصحيح الواقع: إذا كان الواقع مرفوضا في العقل الأصولي، فإنّه يحتاج بالضّرورة إلى تصحيح، وهو العودة إلى الأصول الأولى حيث النّقاء والطّهارة والصّفاء، والابتعاد عن كلّ ما يبعد عن الفطرة الأصلية من شركٍ وبدع. كما أنّ الدّولة وفق هذا المنظور يجب أنْ تُساس بحاكمية الله وشريعته، وليس بالتشريعات الوضعية أو المكتسبات الإنسانية.
3- الثورة على الواقع: ويعتبرها الفكر الأصولي واجبٌ أخلاقي يضمن استمرارية الدّين الإسلامي، ويضمن تصحيح مسار المجتمع الإنساني، وحمايته من الانحراف عن القيم المثلى التي جاء لترسيخها[20].
تشريح العقل الأصولي: علي حرب مفكِّكاً
نحتاج لتشريح العقل الأصولي إلى المزيد من تفكيك بنياته ومرتكزاته لنكشف عن المخبوء وراء كل الأفعال والتصرّفات النّاشئة عن هذا العقل؛ لأنّ فِعل التّفكيك كما يرى علي حرب قد يكون في أبسط أشكاله وأفعاله فكٌّ للحرف لدركِ المعنى. وقد يكون اشتغالا على المعنى بتفكيك بنيته وأصوله، أو تعريف مُسبقاته أو محجوباته، أو تبيان خُدعه وألاعيبه، أو فضْح سلطته وتحكّماته، للكشف عمّا يمارسُه الكلام من الحجب والخداع والاعتباط، أو الادعاء والتحكُّم والمصادرة.[21]
- الهوية العنصرية أو وهْم الخيرية: وقوع الإنسان في مصيدة الاستثناء، أو الظن أنّه يمتلك ما لا يمتلكه غيره من خصائص ومميِّزات
قول الجبران: "لا قُبْح ولا سخرية أكثر من صلاة الفرقة الناجية. سبعون فرقة للنّار وواحدة ناجية. لكَمْ جعلوا الله قاسياً، حتَّى القاضي الدّنيء لا يقبل سبعين سجينا وبريئا واحدا...من يكسب عشيرة يخسر الله. فلا عشيرة لله، إنّه مشاعٌ كما الوجود.إذن كنْ بلا فرقة تكنْ ناجياً"[23].
الجرح الرمزي أو عقدة تفوّق الآخر
أشار إليه طرابيشي حين قال إنّ الذّات العربية تعاني من جرحٍ نرجسيٍّ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق