حسن حنفي مفكر عظيم
فأنت وأنت تمسك بهاتفك الذكي الذي اخترعه الطرف الآخر من العالم تعرف في كل لحظة ما وصل إليه العالم من تقدم، تعرف آخر منتج تكنولوجي، وآخر تطور معماري، وآخر فيلم وأكثر أغنية انتشارا وأفكس لعبة إلكترونية وآخر علاج تم اكتشافه لعلاج مرض معين حتى على مستوى الإنتاج الفكري والفلسفي، فكل يوم هناك كتاب جديد يحقق مبيعات عالمية ويترجم لعشرات اللغات لإضافته للفكر الإنساني، وآخر مقال لكتاب كبار تترجم مقالاتهم باستمرار، حتى زعماء السياسة المحترفين وتحليلاتهم للوضع القائم.
كل لحظة تشعر بتقدمهم وعلى الطرف الآخر من العالم حيث يقبع العالم الثالث، ترى التراجع والتفتت والانكشاف رغم الوفورات المالية الموجودة لدى مناطق في هذا الجانب.
معركتنا الفكرية التي نخوضها من 200 سنة هي لماذا تقدموا ولماذا تأخرنا؟ ويظل السؤال يتكرر لماذا ما زالوا يتقدمون وما زلنا نتراجع؟
استعرض حسن حنفي أقوالا مثل قول ابن خلدون بأن العالم الإسلامي في حاجة إلى نبوة أو ولاية، بما يعني قائد وزعيم ديني يحرك طاقتها، ولكن حنفي استعرض كتابات مهمة لمفكرين عرب ومسلمين.
«الثابت والمتحول» لأدونيس لدراسة أصول الاتباع والإبداع، و«تحديث العقل العربى» لحسن صعب، و«نقد العقل العربى» للجابرى، و«نقد العقل الإسلامى» لمحمد أركون، و«الشخصانية الإسلامية» لمحمد عزيز لحبابى، و«من التراث إلى الثورة» للطيب تيزينى، و«التراث والتجديد» لحسن حنفى، مما يدل على أن دورة حضارية ثانية قادمة، تبدأ هذه المرة بالمفكرين الأحرار وليس بالضباط الأحرار.
حتى الإجابات الأكليشيهية مثل الديمقراطية هي الحل التي يختم بها الأديب الكبير علاء الأسواني مقالاته عليها ردود، فلم يكن بيونج يانج الصيني ديمقراطيا، وروسيا بوتين الآن ليست ديمقراطية حقيقية، ومن قال إن التاريخ الفرعوني القديم الذي كان يؤله الحاكم أو في أقل تقدير يجعله نصف إله كان ديمقراطيا، فكل هذا الإنجاز الحضاري الضخم قام على أيدي أنظمة مستبدة.
حتى محمد نور فرحات الذي كتب العلاقات المدنية والعسكرية والتحول الديمقراطي، بعد ترسخ قناعات لدى قطاعات معارضة أن الحكم العسكري أو تدخل المؤسسة العسكرية في الحكم أو الخلفية العسكرية للرئيس هي أهم مشكلة في التحول الديمقراطي.
فقد تولّى رئاسة أمريكا ثلاثة وثلاثون رئيسا من أصول عسكرية. وكان ديجول وتشرشل من أصول عسكرية. ولكن هؤلاء أتوا برؤية سياسية واضحة -بتعبير فرحات- ففكرة الرئيس ذي الخلفية العسكرية ليست جازمة ومطلقة ويمكن دحضها بتجارب من الحاضر والتاريخ.
ولكن يظل السؤال هل سنظل مخيرين بين السيئ والأسوأ؟ لماذا لا نستطيع الجمع بين الحرية والمساواة في آن واحد؟
ربما نكون قادرين على معرفة ما نريد، ولكننا غير قادرين على تحديد ما نريد، حتى معايير الدولة الناجحة غير قادرين على توصيفه والتوافق عليه، هل مستويات الرفاهية للمواطنين هي معيار كاف، فالدول الملكية في الخليج بفضل وفورات النفط تحقق مستويات رفاهية غير مسبوقة، وقطر الدخل الأعلى عالميا، ولكن هل هذا دليل تقدم؟ التقدم الحضاري على الأرض طرق وناطحات سحاب ومدن عالمية حققته دول الخليج بشكل عام والإمارات بشكل خاص، ولكن هل هذا كاف لبقاء واستمرار وديمومة تلك المجتمعات؟ أما الأزمات والطائفية فكفيلة بإنهاء كل هذا في سنوات قليلة، وهل هذا الإنجاز قائم على أسس فكرية ثابتة ووعي اجتماعي عام؟ كل هذا محل شك.
المشكلة ليست في وجود حلول وكتالوج للتحولات السياسية والاجتماعية، ولكن الأهم هو أن يكون هناك توافق عام على أي تحول، وأي رفض ومقاومة اجتماعية كفيلة بإجهاض أي مشروع للتقدم والتحول حتى لو كان لدى النظام السياسي الجرأة على فرض إرادته في المستقبل القريب والمتوسط.
حتى لو اعتمدنا مقولة إدموند باركي الشيء الوحيد الضروري لهزيمة الشر هو امتناع الصالحين عن الفعل، وبعيدا عن فكرة أنه لا يوجد صلاح مطلق، ولكن على اعتبار أن هناك مفكرين أحرارا فهناك خلاف على المعركة ذات الأولوية، ففي الوقت الذي يخوض فيه البعض معركة التنوير وفكرة الدولة المدنية بديلاً عن الدولة الدينية، فلا يوجد نموذج ملهم في الشرق، فما نموذج الدولة المدنية التي ثرنا من أجلها في 2013 رافضين للوصاية باسم الدين، وبدأ يتنازعنا معركتان في آن واحد غير قادرين على الحسم بينهما، معركة التنوير والدولة المدنية والدولة الدينية، ومعركة السلطوية والديمقراطية مرة أخرى، أو بين الاستبداد والحرية مرة أخرى، وهذا الوضع يضع المفكر الحر لو افترضنا وجوده في حالة اضطراب، لأن التفكير الحر يحتاج إلى رعاة وإلى مؤسسات تحميه وتكفله، وإلا يفقد التفكير حريته ويصبح عرضة للاستقطاب السلطوي.
رغم الاضطراب سنظل نخوض المعارك الفكرية التي تمثل قناعاتنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق