الخميس، 4 يوليو 2019

الشريعة والشعور بالذنب ! احمد القبانجي

يقول القرآن: ( ياعبادي الذين اسرفوا على انفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعا..)- الزمر 53.

 الآية القرآنية نافع جدا على المستوى النفساني للانسان ويحول دون تراكم الشعور بالذنب وبالتالي لا يتحول الى عقدة الذنب التي تدمر حياة الانسان وسعادته وتساهم في ابتعاد الانسان اكثر عن الله والفضيلة,

 علماء الاسلام وتبعا للنصوص الواردة في القرآن والسنة يستثنون منها الذنوب المتعلقة بحق الناس, اي الذنوب الاخلاقية كالغيبة والغش والسرقة والظلم وامثال ذلك, فيجب على هذا الشخص الاستغفار وطلب العفو من الناس في مثل هذه الذنوب, وتبقى الذنوب الشرعية الاعتبارية من حق الله كترك الصلاة والصيام وشرب الخمر وامثالها, وهذا يعني اجهاض هذه الآية من مضمونها العميق وحصر الذنوب التي يغفرها الله بالذنوب الشرعية التي هو السبب فيها. فلولا تشريع هذه الواجبات والمحرمات الاعتبارية لا يبقى معنى للمعصية وبالتالي لا يشعر الانسان بالذنب .

 التمييز بين الذنب الحقيقي من الوهمي, فالواجبات والمحرمات على نوعين: واجبات ومحرمات اخلاقية حقيقية واخرى واجبات ومحرمات وهمية واعتبارية,

 فالذنوب الحقيقية هي الذنوب الاخلاقية التي تخدش انسانية الانسان وكرامته ويشعر الانسان بأنه لا ينبغي له كانسان ان يرتكب هذا العمل كالكذب والغش والسرقة والعدوان على حقوق الاخرين وامثال ذلك, وهذا الشعور بالذنب فطري في كل انسان, ولذلك فهو حقيقي وان كان قد يتغير ويقل ويزداد بفعل التربية والثقافة الاجتماعية او بسبب الاكثار من ارتكاب هذه الاعمال حتى يموت هذا الوازع الاخلاقي في نفسه ويعتاد على المخالفة والجريمة, وبذلك يتبين ان الشعور بالذنب الذي يعقب هذه الذنوب الحقيقية هو شعور صادق اذا لم يكن لغرض آخر سوى الخجل من نفسه.. اما الذنوب الاعتبارية فتنشأ من مخالفة العرف او الشرع من قبيل ترك الصلاة والصوم او ترك المرأة للحجاب وامثال ذلك, لان هذه الذنوب وهمية والشعور بالذنب منها هو شعور كاذب ايضا, كل ذلك بسبب الشريعة التي اضافت كما هائلا من الواجبات والمحرمات الاعتبارية الى الواجبات والمحرمات الحقيقية الاخلاقية حتى اختلط الحابل بالنابل واخذ المتدينون يهتمون بالواجبات والمحرمات الاعتبارية اكثر من اهتمامهم بالاخلاقية منها, فتراه يكذب ويغش ويعيش الحسد والحقد ولكنه لا يأكل لحم الخنزير مثلا لانه حرام شرعا..

والشاهد على ان احكام الشريعة وهمية ماأنزل الله بها من سلطان ان النبي محمد نفسه قبل النبوة وبعدها في مكة وكذلك جميع الانبياء والمصلحين الذين وصلوا الى مراتب عالية في الكمال المعنوي والانساني لم يكونوا ملتزمين بهذه الاحكام الشرعية بل لم يكونوا يعلمون بها وانما جاء بها النبي بعد الهجرة الى المدينة وشرع هذه التشريعات لمصلحة يراها لمجتمعه لا انها من الله, فهو قد وصل الى مرتبة النبوة بدون هذه الصلاة والصوم والحج وغيرها من احكام الفقه, بل لمراعاته الواجبات والمحرمات الاخلاقية فقط وكان يأمر المسلمين في مكة بهذه الواجبات والمحرمات الاخلاقية..

وللاختصار نقول: ان الشريعة تعتبر اكبر جريمة بحق الانسان والانسانية والاخلاق, ومانراه من ارهاب وقتل الابرياء وظلم واستبداد الحكام المسلمين هي ثمرة من ثمرات الشريعة ,

1)ان الشعور بالذنب بسبب الشريعة من شأنه ان يغطي على الشعور بالذنب الاخلاقي فلا يهتم المرء لاصلاح الخلل في اخلاقه فتبقى في نفسه جذور الخطيئة من الحسد والحقد والبخل وغيرها تجره الى ارتكاب الرذائل الاخلاقية كما نراه بشكل ملموس في حياة المتدينين.

2)ان الشعور بالذنوب الاعتبارية من شأنه ان يبعد الانسان عن الله اكثر بحجة انه تارك للصلاة مثلا او أن البنت تاركة للحجاب, فيتوغل هذا الشخص في ذنوب اخلاقية لانه يشعر ان الله غير راض عنه بتركه للصلاة وقد قيل له ان الصلاة عمود الدين ان قبلت قبل ماسواها وان ردت رد ماسواها, وهو تارك للصلاة لانها ثقيلة, فلا داعي لان يعمل الخير لانه لا يقبل منه, واذا كانت الصلاة اهم شئ عند الله وقد تركها فيسهل عنده ترك سائر الفضائل وارتكاب الرذائل, وهكذا حال البنت التي تركت الحجاب لضروف قاهرة او لعدم قناعتها به فيسهل عندها الانجرار نحو الرذيلة لانها تشعر بأن الله غير راض عنها سواء التزمت بالعفة ام لم تلتزم.. وكما يقول المثل: المبلل لا يهمه المطر.

3)ان الكثير من احكام الشريعة تتعارض مع احكام الاخلاق مما يؤدي الى خلق تعارض في نفس المتدين, فيرجح احكام الشريعة الاعتبارية على احكام الاخلاق الحقيقية, مثلا صلة الرحم وبر الوالدين من الاحكام الاخلاقية, ولكن في مقابلها نجد حرمة المودة والمحبة معهم فيما لو كانوا غير متدينين كما تقول الاية (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الاخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم واخوانهم وعشيرتهم و...), وهذا ما يجده كل مثقف علماني من اقربائه المتدينين.. اضف الى ذلك الارهاب وقتل الابرياء وبث الفرقة والكراهية بين الناس بأمر الشريعة والتي تتقاطع مع الاخلاق مما لا حاجة لبيانه.

4)ان كثرة الاحكام الشرعية من واجبات ومحرمات كالوضوء والصلاة خمس مرات في اليوم والصيام والحج والخمس واحكام النجاسة والطهارة والحجاب وأغسال المستحاضة مضافا الى المستحبات والمكروهات والمحرمات وتدخل الشريعة في جميع شؤون حياة الانسان مما جعلها ثقيلة على المكلف, فلو اراد الالتزام بها فانها تمتص جميع طاقاته وامكاناته المادية والمعنوية ولا تبقي له شيئا ليهتم بالواجبات الاخلاقية الحقيقية.

5)ان الشعور بالذنب الناشئ من مخالفة الشريعة لا يؤدي الى اصلاح الانسان من الناحية الاخلاقية لأنه ناشئ من الخوف من النار في الآخرة ولا ينبع من شعور انساني في حالات التقصير الاخلاقي تجاه الناس,مثلا عندما يدفع الخمس والزكاة للفقير فهو لا يدفعها حبا له بل لانقاذ نفسه من العقاب الالهي,وهكذا الحال في الصلاة والصيام وغيرها, وعندما يترك هذا التكاليف الشرعية ويشعر بالذنب, فمثل هذا الشعور لا ينفعه لاصلاح نفسه وتهذيبها من الرذائل الاخلاقية لانه اساسا شعور اناني فقط.

وهكذا يتبين مدى الدمار الذي خلفته هذه الشريعة بروح الانسان المسلم وعقله واخلاقه مما هو مشهود للقاصي والداني .. فمتى نتخلص من أسر هذه الشريعة الشيطانية ونعيش الحياة الاخلاقية النقية بعيدا عن اوهام الشرع وتخريفات وكلاء الله على الارض ونواب الامام الغائب ؟؟ .............. والامر اليكم.

+++++++++++++++++++++

الدين وسعادة الانسان !


يقول القرآن: ( ومن اعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة اعمى)-طه 124-
ويقول ايضا: (الا بذكر الله تطمئن القلوب)- الرعد 28-

اقول: الآية الثانية هي عكس النقيض للآية الاولى ولا يعني انهما متفقان في النتيجة كما يتوهم البعض ولكنهما متلازمتان, اي ان القرآن يقرر هذه الحقيقة, وهي ان المعرض عن ذكر الله سوف يعيش حياة بائسة في الدنيا والآخرة بعكس الشخص الذي يذكرالله فانه يعيش بقلب مطمئن بعيدا عن حالات القلق والتوتر في الحياة مما يعني الحياة المريحة والطيبة, واضاف المشايخ والاسلاميون ان الالتزام بالاسلام يكفل للانسان سعادة الدنيا والآخرة وان المعرض عن الله والدين يعيش حياة صعبة وبتعبير الاية اعلاه: معيشة ضنكا في الدنيا والاخرة..

1) ان الواقع يكذب هذه المقولة, فالكثير من المتدينين في مجتمعاتنا الاسلامية بعيشون حياة بائسة وصعبة من جميع الجهات والكثير منهم مصاب بامراض وعقد نفسية وازمات حادة مع انهم يصلون ويذكرون الله كثيرا, وفي المقابل نجد ان الكثير من الناس اللادينيين في الغرب وخاصة في الدول الاسكندنافية يعيشون بسعادة كما اثبتت الدراسات والاحصاءات, وهذا يعني عدم وجود ملازمة بين عدم ذكر الله والشقاء في الحياة كما تصرح به الاية المذكورة, ولا بين اعتناق الاسلام والسعادة في الحياة كما يدعي مشايخ الدين.. هذا في الدنيا, اما في الآخرة فالآية تقول بانه سيحشر اعمى, ونسأل: اذا كان مصيره الى النار فسواء كان اعمى ام مبصرا فحاله واحد, ومن يعذب بالنار ماذا ينفعه البصر؟

2) على فرض ان الدين يجلب السعادة للانسان فربما تكون سعادة موهومة كما يشعر المدمن بنشوة عند تناوله للمخدرات, ولا احد من العقلاء يقبل بهذه السعادة الزائفة كما يقال مثلا للطفل اليتيم بأن اباك قد سافر الى الصين وسيأتي لك بهدية عندما يعود, فربما يقبل الطفل بهذه الخدعة ويرتاح مؤقتا, وربما وعود الدين بالجنة وحور العين من هذا القبيل, اي ان الدين قد ينفع في بث الصبر والسكينة في نفس المتدين الذي يواجه مصاعب ومصائب في حياته وقد يمنحه السعادة ايضا ولكن ليس كل سعادة مقبولة ومحبذة ولو كانت من طريق الخداع لا سيما وان الدين قد وعد الناس وعودا كثيرة ولكنه اخلف وعده كوعده بالاستجابة للداعي (ادعوني استجب لكم) وكذلك (صلة الرحم تطيل العمر), والمسلمون اكثر من الغربيين في صلة الرحم ومع ذلك اقل عمرا منهم حسب تقارير الاحصاء, وكذلك (ان تنصروا الله ينصركم),وقد نصروا الله والدين ولم ينتصروا على اسرائيل وامريكا ولا حتى على صدام والقذافي الا بعد ان نصرهم الغرب الكفار ولازالوا يطلبون النصر من الله في سوريا ضد الحكومة العلمانية اكثر من ثلاث سنوات ولا من مجيب رغم التضحيات الجسيمة والدمار الهائل الذي حل بسوريا, وكذلك (الصدقة تدفع البلاء) وحوادث السير في البلدان الاسلامية والامراض اكثر من بلاد الغرب رغم تصدق المسلمين قبل الحوادث وبعدها, وقال(ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا), واليوم نرى عكس ذلك, وكذلك ماورد في الاية اعلاه من هذا القبيل و.. والقائمة تطول, فاذا اخلف الدين وعوده للمسلمين في هذه الحياة فربما يخلف وعده ايضا في الحياة الاخرى ونذهب الى هناك ولا نجد شيئا.. اي ان هذه الوعود ذات فائدة نفسية فقط كما يعطي الطبيب احيانا بعض اقراص الفيتامين للمريض بمرض نفسي كالعصاب وربما تؤثر هذه الاقراص الوهمية في التخفيف من مرضه... المصيبة ان المتدينين يعلمون بهذه الحقيقة ولكنهم مع ذلك غير مستعدين للتخلي عن وعود القرآن لانهم يتصورون ان اله القرآن هو الله الحقيقي, ومعلوم ان الله الحقيقي لا يكذب ولا يخلف وعده, ولكن لو علموا ان اله القرآن هو اله محمد الشخصي لا الله الحقيقي لانحلت المشكلة.

3) نسأل: ماالمقصود من طمأنينة القلب الذي يترتب على ذكر الله, ومنه يعلم الشقاء المترتب على عدمه؟ اذا كان القصد راحة البال والنفس فالبهائم ايضا تعيش راحة البال وسكينة النفس ولا أظن ان القرآن يدعو المسلمين ليكونوا كالبهائم, او يكون القصد راحة البال مع الرقي في الانسانية, ونحن نرى ان الانسان كلما ازداد انسانية وسار في طريق الكمال المعنوي والاخلاقي قلت سعادته وازداد شقاؤه كما هو حال المصلحين.. هل كان الامام علي سعيدا ومرتاح البال وهو يرى عشرات الالوف من الارامل واليتامى الذين فقدوا معيلهم في حرب الجمل وصفين وهو الذي يقول بعد ان أغار جند الشام على قرية من قرى العراق وسلبوا سوارا من امرأة كتابية:.. ولو ان امرأ مات من بعد هذا اسفا لما كان عندي ملوما !!.. او يكون المقصود بطمأنينة القلب قوة الايمان واليقين الذي لا يشوبه شك وتردد في ايمانه, فالارهابيون والسلفيون يعيشون هذه الحالة ايضا بحيث انه مستعد لتفجير نفسه وقتل من حوله لشدة ايمانه بدينه, ولا أظن ان القرآن يدعونا لذكر الله حتى نكون مثلهم..

4) في تقديري ان السعادة التي ينشدها كل انسان في الحياة على نوعين: سعادة مجازية ومؤقتة, وسعادة حقيقية ودائمة, فربما يشعر اغلب الناس بسعادة عندما تسير معيشتهم كما يرام وعند توفر الحاجات الاولية من الطعام والمسكن والصحة والامن والزواج وامثال ذلك, او يشعر العاشق بسعادة اذا تزوج بمعشوقته, او حصل المرء على ثروة كبيرة من ميراث ويتمكن بواسطته ان يوفر لنفسه كل مايحتاجه في حياته, ولكل مثل هذه السعادة مهزوزة ولا تدوم فربما يقوم حاكم جائر بزجه مع الملايين من الناس في حروب طاحنة او يتعرض هذا الشخص او ابنه لمرض عضال او يخسر ثروته او تفقد معشوقته جمالها الساحر او تتركه بعد فترة و.. من هنا كانت هذه السعادة غير مطلوبة لاصحاب العقل والوجدان..

5) اما السعادة الحقيقية كما يراها العرفاء وبعض علماء النفس الانسانويين كأميل فرانكل وجوردن بورت وآيزيا برلين, فتتحقق فقط عندما يحقق الانسان المعنى لحياته ويحقق بذلك ذاته الحقيقية ويرضي وجدانه( طبعا تحقيق المعنى يختلف عن تحقق الذات ولكنهما متلازمان), فيعيش البهجة والراحة الباطنية باستمرار رغم وجود تحديات وظروف صعبة في الحياة, وهذه المرتبة من تحقق الذات ورضى الوجدان لا تتحقق بذكر الله كما يتوهم المتدينون, فلا معنى لأن تطلب من صديقك ان يضحك بدون ان تحكي له نكتة او طرفة لأنه لو ضحك بدونها فسيكون ضحكه مجازيا ولا يعبر عن انشراح نفسي, ومع حكاية نكتة سيضحك حقيقة دون حاجة لأن تطلب منه ذلك.. وهكذا حال من يطلب من الانسان ان يذكر الله من دون الشعور بالارتباط القلبي معه والعشق له كما تطلب الآية ذلك, ومع وجود الحب لله لا داعي لأن يطالب بالذكر لأن حبه لله يكفي لأن يذكره دوما, وهل تحتاج الام لمن يذكرها بطفلها؟ بمعنى ان الذكر الصادق مترتب على وجود الحب ومعلول له لا انه علة للحب فيما بعد, فالحب لله لا يكون من خلال الذكر اللساني, وربما يكون مثل هذا الذكر بدافع من الانا والنفس الامارة للحصول على الثواب او لاقناع صاحبها انه مؤمن ومتدين, ولذلك نرى السلفيين هم اكثر الناس لذكر الله وتلاوة القران والصلاة مع انهم لا يفهمون معنى الحب اطلاقا.

هذا احد الطرق لتحقيق الذات ونيل السعادة في الحياة وهو طريق الحب لله, ولكن طريق السعادة الحقيقية وتحقيق الذات واضفاء المعنى للحياة لا ينحصر بذلك.. فبوذا مثلا لم يكن يعتقد باله ولكنه وصل الى قمة الكمال المعنوي والسعادة الحقيقية من طريق التأمل وتهذيب النفس من رغبات الانا, وهكذا حال المصلحين الانسانويين في البلدان المتقدمة..القاسم المشترك بينهم الخلاص من الانا والانانية وتكريس الشعور بالحب للانسانية والفضيلة حتى تتغلب على مصالحه الشخصية بأن يهتم المرء بتأسيس ميتم او مدرسة وروضة للاطفال الفقراء او يبني مشفى او يشترك في احدى المؤسسات الخيرية ويصرف بعض ماله ووقته على الامور الانسانية والخيرية او يناضل ضد قوى الهيمنة والمافيات الموجودة في بلده او يعمل على تثقيف الناس وتنوير عقولهم دون طمع شخصي من كل ذلك, او يساهم في الاختراعات والاكتشافات العلمية التي تخدم البشرية مثل اديسون ونيوتن وانشتاين وغيرهم من عمالقة العلم والحضارة, او يبدع في احد الفنون اذا كان يملك الحس الفني كالرسم والنحت والموسيقى والقصة وغيرها.. مانريد قوله ان الطرق لتحقيق الذات واضفاء المعنى للحياة وبالتالي نيل السعادة الحقيقية الوجدانية متعددة وكل انسان يملك طريق او اكثر للوصول اليها ولكن اكثر الناس عن هذا غافلون... ........... وشكرا لكم.

+++++++++++++++++++++++

لماذا يجب ان نكون اخلاقيين؟



قالوا وقلنا:.......

قال القرآن؛( ان الله يأمر بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي.. )-النحل 90-

أقول: هذه الآية القرآنية تشير الى مسألة مهمة من مسائل فلسفة الاخلاق وهي مسألة مصدر الاخلاق ومن هي الجهة التي توجب علينا الالتزام بالقيم الاخلاقية, وفي هذه المسألة ثمة مذاهب متعددة نستعرضها باختصار:

1) الله , وهومذهب الاشاعرة(اهل السنة) وغالبية المسيحيين, والآية اعلاه تقرر هذه الرؤية وان الله هو الذي يأمر الناس بالاخلاق الحسنة والفضائل وينهاهم عن الرذائل, ويرى المسيحيون ان المسيح دعا الناس للاخلاق ولولا ذلك لما كنا ملزمين بها, والمشكلة في هذه الرؤية لدى المسلمين ان مثل هذه الاخلاق لا تنبع من حب الخير للناس بقدر ما ترسخ الانانية في الانسان الذي يقوم بالفعل الاخلاقي للحصول على الثواب, مضافا الى ان الاحكام الشرعية كثيرا ما تتقاطع مع الاخلاق ومنها الارهاب والعداوة والكراهية للآخر المخالف.

3) المجتمع, وهو مذهب علماء النفس والاجتماع,وذلك من خلال الانا الاعلى-حسب فرويد- او روح المجتمع-حسب دوركايم- فالمجتمع هو الذي يفرض على الفرد الالتزام بالاخلاق حفاظا على تماسكه ولتقوية روح التعاون بين افراده, وهنا ايضا يمكن القول بأن هذا المصدر للاخلاق متغير ونسبي في المجتمعات البشرية, مضافا الى ان المجتمع قد يدعو افراده لارتكاب الرذيلة احيانا وبخاصة تجاه الشعوب والمجتمعات الاخرى كما في الاستعمار والنازية والاخلاق القبلية وما الى ذلك.

4) الوجدان,وهو مذهب كانت في الاخلاق حيث يرى ان اصل الفعل الاخلاقي نابع من الوجدان فقط, فالوجدان هو الذي يوجب على الانسان سلوك طريق الاخلاق بدون اي توقع للثواب من المجتمع او الله او مصلحة شخصية وما عدا ذلك فهو ليس من الاخلاق.. ونواجه في هذا الاصل للاخلاق ان جميع الناس لا يملكون مثل هذا الوجدان القوي الذي يستطيع ادراك الخير الاخلاقي وإلزام صاحبه بالسير وفق اوامر الوجدان وبخاصة اذا كان الفعل الاخلاقي مخالفا لمصالحه الشخصية ومنافعه الذاتية.

5) النفع, وهو مذهب الماديين والبراجماتيين الذين يعتقدون بأن الاصل في جميع سلوكيات الانسان ومنها الاخلاق هو النفع الشخصي,فكل انسان يتحرك في حياته بدافع حب الذات ويريد جلب الخير الى نفسه ودفع الضرر عنها حتى في موارد خدمة الآخرين والايثار ومراعاة العدالة والانصاف والصدق ولو اقترن ذلك بضرر مؤقت على نفسه فانه على المدى الطويل يعود بالنفع عليه..مثلا عندما يخدم الآخرين فسوف يساهم في اشاعة روح المحبة والتعاون بين الناس وسوف يمد الناس يد العون اليه فيما بعد.. وهذا الاصل للاخلاق يواجه ايضا مشكلة النفعية وبخاصة فيما لو تعارضت الاخلاق مع مصالح المرء ومنافعه الفورية,اي ان الانسان لا يجد في كل الحالات مثل هذه الرؤية البعيدة لترجيح المصلحة العامة على المصلحة الخاصة لانها تعود عليه فيما بعد بالنفع,وماذا لو لم تعد عليه بالنفع؟

6) العشق. وهو مذهب بعض العرفاء وفلاسفة الاخلاق,حيث يرون ان الدافع الاصل للفعل الاخلاقي يجب ان يكون صادرا من العشق للفضيلة او الحب للانسانية لا من أجل شئ آخر والا فلا يعد من الاخلاق... وهذه الرؤية هي الاخلاق بالمعنى الحقيقي للكلمة, ولكن كما تقدم في معيار الوجدان,ان كل الناس لا يتمتعون بمثل هذا العشق للخير والفضيلة ويبقى الامر محصورا على القلة من الذين وصلوا الى مراتب عالية من الكمال الانساني والمعنوي.

ونرى ان جميع هذه المذاهب الاخلاقية تحمل بعض الصحة في رؤيتها لمصدر الاخلاق في سلوك الانسان, فليس جميع الافراد على مستوى واحد من حيث الالتزام بالاخلاق, فمنهم-وهم الغالبية من الناس-يلتزمون بالاخلاق لأن المجتمع او العرف يفرض عليهم ان يكونوا اخلاقيين,وبعضهم-المتدينين-يلتزمون بالاخلاق لان الله طلب منهم ذلك ولولا أمر الله والدين لما وجدوا دافعا نفسيا للالتزام بالاخلاق,ومنهم من يعيش الوجدان القوي فيرى ضرورة الالتزام بالاخلاق بدافع من وجدانه.. وهناك قلة من الناس من اهل العشق يجدون لذة في خدمة الناس والايثار لمجرد الحب فقط, وهذا اعلى مستوى يصل اليه الانسان في حياته المعنوية والاخلاقية............ وشكرا لكم.

++++++++++++

الله في العقل الوجداني !


( قالت لهم رسلهم أفي الله شك فاطر السموات والارض .. ) ابراهيم - 10.

هذا الكلام للرسل يعكس حقيقة ان الناس في ذلك الزمان كانوا بسطاء وسطحيين الى حد كبير, فحتى المشركين كانوا يؤمنون بالله من فكرة البعرة تدل على البعير, اي كان قانون العلية هو الحاكم على الذهنية العامة ومن ذلك مايتصل بخلق العالم والانسان, ولهذا كانت المسألة الاساسية التي يواجهها الانبياء ليست وجود الله بل نفي الشريك واثبات النبوة,

 اي اثبات انهم مرسلون من قبل الله الى الناس, ولكن بعد نمو العقل وانفتاح المسلمين على العلوم والفلسفات الاخرى وتعدد الفرق والمذاهب بدأت الحقائق الدينية بالاهتزاز وخالطها اللبس والغموض, فبدأ الفلاسفة المسلمون وعلماء الكلام باستخدام الادلة لاثبات القضايا الدينية ومنها قضية وجود الله, وكلما جاؤوا بأدلة اكثر ازداد الشك وقل اليقين بهذه المسألة حتى ان الكثير من الفقهاء حرموا المنطق والفلسفة والكلام لانها تثير الشكوك في اذهان الناس دون ان تعطي اجوبة حاسمة...

وفي هذه المسألة انقسم علماء الاسلام الى ثلاثة اقسام: فقهاء, فلاسفة وعلماء كلام, عرفاء, وتبعا لذلك هناك:(عقل بياني) و(عقل برهاني) و(عقل وجداني) -حسب تعبير عابد الجابري- :

1) الفقهاء, وقد سلكوا منهج النص(القرآن والسنة), فكل ماورد في النصوص هو حقائق حاسمة لا ينبغي الشك فيها, ومن يشك فيها فهو كافر زنديق ويتبع الاهواء والشهوات والى جهنم وبئس المصير.. ولكن بعد ثورة المعلومات في العصر الحديث ووجود الانترنيت والفضائيات والجامعات اصبح من الصعب بمكان القناعة بذلك الايمان الساذج والقائم على اساس التخويف من النار والطمع بالجنة حيث ازدحمت الاسئلة والشبهات في عقل الانسان المعاصر واختفت الحقيقة في زحمة التيارات الفكرية الكثيرة وصار الشك هو الاصل بدل الايمان الا عند المشايخ ومن يتبعهم من العوام الذين يخافون ان يواجهوا هذه الحقيقة..فلو بعث نبي في هذا العصر وقال: أفي الله شك؟ لقال غالبية الناس المتعلمين: نعم لدينا شك..

2)الفلاسفة وعلماء الكلام, وقد سلك هؤلاء منهج(العقل), ولكن بما ان القضايا الدينية, من قبيل الله وصفاته والآخرة والنبوة تتحدث عن امور غيبية وراء الزمان والمكان وخارج عن دائرة العقل كما اثبت كانت, لم يتوصل هؤلاء الى نتيجة حاسمة. والامر الآخر ان الله الذي يثبت وجوده بالعقل والبرهان لا علاقة له باخلاق الانسان كما كان المشركون يؤمنون بوجود خالق للكائنات, اي انه إله مفارق بينما الله الذي يحتاجه الانسان هو إله الاخلاق والقيم والمحبة وهذا مما لا يثبت بالعقل.. مضافا الى ان العقل يخضع غالبا للعواطف والمزاج والتربية والمحيط الاجتماعي في مثل هذه القضايا, ولهذا تجد عقل المسلم يدافع عن اله الاسلام وعقل المسيحي يدافع عن إله المسيحية وهكذا بالنسبة لعقل الشيعي والسني والبوذي وغير ذلك, اي ان العقل هنا لا يقف على الحياد كما في القضايا العلمية والرياضية..

3)العرفاء, وقد سلكوا منهج (الوجدان) في فهم الله والحقائق الدينية, ويتميز عن المنهجين السابقين بمايلي:
1- هذا المنهج يركز على الشعور والايمان القلبي لا على النص ولا العقل, وبذلك يجتمع مع الشك الذهني, فالايمان من مقولة العاطفة لا العقل ولا النص, فقد يشك بوجود الله في ذهنه ولكن قلبه يحدثه بان الله موجود, والايمان نابع من حاجة الانسان الروحية الى الله كمن يشعر بالعطش ويشك في وجود الماء فيتحرك للبحث عنه حتى يجده, وهكذا وجود الله لدى العرفاء فهو يبدأ من احساس قلبي بوجوده والحاجة اليه ثم يتحرك في طلبه (من طلبني وجدني),كما في مثال الطيور المهاجرة التي تطير مسافات بعيدة طلبا للمناطق الدافئة بدافع غريزي. وهذا يعني حسب الوجودية, ان الانسان صيرورة وفي حال التغير والتكامل دائما وتبعا لذلك يتكامل عقله ودينه وشخصيته لا انه وجود كامل فعلا..

2-ويترتب على ذلك ان الله في هذا المنهج يرتبط بتهذيب الانسان لنفسه وتطهير قلبه من شوائب الانانية والنفعية والرذائل الاخلاقية كيما يجد الله في قلبه ووجدانه ويكون ايمانه حقيقيا لا ذهنيا كما في المنهج العقلي ولا ايمانا تلقينيا كما في المنهج النصي.

3-ان هذا المنهج بامكانه ان يوحد الناس على اساس حب الخير والفضيلة والانسانية لانها من لوازم السلوك الى الله, بينما نرى ان النصوص هي سبب الفرقة والكراهية فيما بينهم, والعقل بدوره عاجز عن توحيد الاديان والمذاهب كما تقدم, وربما يبقى الناس على اديانهم ومذاهبهم ولكنها تبقى في الهامش ولا تلعب دورا رئيسيا في حياة الفرد وعلاقته مع الآخرين كما هو الحال في البلدان المتقدمة.

4-ان لغة الدين او الخطاب الالهي للانسان تختلف عن لغة الفلسفة والفقه ويجب ان تكون اللغة متناسبة مع الموضوع, فموضوع الفقة التكاليف الشرعية والعمل بما ورد في النصوص فتكون اللغة المستخدمة بيانية, اما في الفلسفة فلكونها تبحث في مسائل عقلية فان لغتها برهانية وليس كذلك لغة الخطاب الالهي, لان المطلوب هو الايمان القلبي وهو من جنس الاخلاق, اي انه يلامس العاطفة والروح الانسانية, ولذلك لزم ان تكون لغته وجدانية تخاطب وجدان الانسان لا عقله المحض البعيد عن العواطف..

5-عندما نقول بان الخطاب الالهي في قضايا الدين هو خطاب وجداني وعاطفي فهذا لا يعني الاستغناء عن العقل كما هو مذهب الصوفية والفقهاء, بل يتم الاستعانة بالعقل دائما لا في اثبات الحقائق بل في كشف الباطل في قضايا الدين فيما لو كانت متعارضة مع ثوابت العقل النظري والعقل العملي, فالعقل هنا بمنزلة مصابيح السيارة التي تكشف عثرات الطريق وعلامات المرور للسائق, والوجدان هو المحرك للسيارة, ولا يمكن الاستغناء عنهما في مواصلة السلوك الى الله والكمال المعنوي, مثلا عندما نقرأ في بعض النصوص ما يؤيد مقولة الجبر او الارهاب او ما يخالف العدالة وحقوق الانسان او مايثبت وجود جهنم والعذاب الابدي و.. هنا يتدخل العقل ويلغي هذه الافكار الخاطئة ويصحح المسار في خط الايمان والمعنوية, ويبقى للوجدان والعاطفة دور المحرك والا لتوقفت السيارة ولم ينفع العقل ولا النص, ولذلك نرى غالبية الفقهاء وعلماء الكلام هم ابعد مايكون عن الله والمعنوية, لانهم اكتفوا بالنصوص او العقل في قضايا الدين ولذلك لم يلامس الخطاب الالهي قلوبهم ووجدانهم..


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق