الخميس، 4 يوليو 2019

الحقيقة والشريعة.. أسرار العلوم الروحية عند الصوفية

 علوم ظاهرية وباطنية، فعلوم الظاهر تختص بالعبادات والعقائد والأخلاق والآداب والسلوك وغيرها، وتسمى لديهم علوم الشريعة التي يحتاجها أهل الظاهر من العوام وهي عبارة عن نصوص الكتاب والسنة التي يعلمها الكبير والصغير، أما علم "الحقيقة"، فهو علم الخاصة، الذي يأتي عن طريق الوهب ويسمونه العلم اللدني الناشئ عن الكشف الرباني والفيض الرحماني، ويعبر أكثرهم عنه بأنه خاص بمن وصل إلى درجة الإحسان

 يأتي إليهم العلم الروحي مباشرة من الله دون الحاجة إلى واسطة

ن الوحي أقواما هم "الصفوة"، وهو عبارة عن "علم الحقيقة" أو العلوم اللدنية الباطنية

 الصوفية يعتبرونها أصل الدين ويقدمونها على الفرائض وأركان الإسلاموالإيمان باعتبار أنها لخاصة الخاصة من أهل "المعرفة" وهي عبارة  عن أسرار لا يعرفها إلا من ذاق لذة المعرفة.

ويعتبر الصوفية أن الناس يقفون من هذه العلوم على درجات، يمكن أن تراها في تقسيمهم إلى ثلاث مراتب تبدأ بمرحلة العُبّاد، وهم العوام الذين لم يسلكوا الطريق، ويسمونهم الفقراء لاعتمادهم فقط على علوم الشريعة الظاهرة، ثم مرتبة العارفين، ويفرق ابن سينا بين العابد والعارف فيقول في "الإشارات والتنبيهات": "المواظب على فعل العبادات من القيام والصيام ونحوهما يسمى العابد، والمنصرف بفكره إلى الله مستديما لشروق نور الحق في سره يخص باسم العارف.

ويحتفي الصوفية بمنزلة العارفين باعتبار أن لهم الولاية، ويشرح ابن عربي المعرفة في الفتوحات المكية فيقول:

'' فكل شرع ظهر وكل علم، إنما هو ميراث محمدي. أما نحن (أهل الكشف) إنما لنا علم وحكمة وفهم عن الله فيما شرعه الله... واللهِ ما كتبتُ من حرف إلا عن إملاء إلهي وإلقاء رباني ونفـْثٍ روحي في روعِ كياني... مع كوننا لسنا برسل مُشَرِّعِين ولا أنبياءَ مُكلفين، لأن التشريع والنبوة قد انقطعا عند رسول الله: وإنما هو علم وحكمة وفهم عن الله... فأهل الله معلومون بالمقام ومجهولون بالشهود".

يعتبر ابن عربي أن العلوم اللدنية شيء وهبي لمن سلك الطريق وهو عبارة عن وحي مباشر من الله تعالى يمليه عليه، ويؤكد أن جميع ما كتبه عبارة عن إملاء إلهي مباشر لأهل الله.

يعبرون عنها بألفاظ ذات معانٍ باطنية منها المشاهدة والحضرة القدسية والفيض ونحوها،
+++++++++++++++++++++++

أسطورة الشريعة

الشريعة: تعريف غامض
تعرّف الشريعة في أحد المراجع بأنها "قانون الشريعة الإسلامية الذي يحكم الحياة الدينية والسياسية والاجتماعية،
اعتبر ابن القيم الجوزية، وهو أحد كبار علماء الإسلام، أن "أساس الشريعة هو السلطة (السياسة) والحفاظ على مصالح الناس... ".
من جهة، فالنظر إلى الشريعة كقانون (إلهي) جعل كثيرا من المسلمين يعتبرون القانون الوضعي متعارضا مع الشريعة. إذ يعتبرون أنه من غير المعقول تفضيل قانون الإنسان على شريعة الله!
من جهة أخرى، فإن التعطش للسلطة والهوس بإنشاء "دولة إسلامية" من أجل "تطبيق الشريعة" يشغل عقول عدد من المسلمين، خاصة المتشددين منهم. ومع ذلك، فمن الواضح أن النماذج المختلفة لتطبيق الشريعة التي عرفها العالم الإسلامي قدمت غالبا صورة سيئة للدين وأحيان حولت الواقع إلى مأساة حقيقية .
إن التلازم بين الإسلام و"تطبيق الشريعة" أمر مصطنع وقضية لا أساس لها، بل ويتعارض مع روح الدين. وسيكون من المفيد تمحيص مفهوم الشريعة على ضوء ما جاء في المصادر الأصلية للإسلام.
معادلة الشريعة
لا حاجة للتذكير بأن مفهوم الشريعة، كما هو متعارف عليه اليوم، ليس له أثر في مصادر الإسلام، إذ ظهر مصطلح "الشريعة" في مؤلفات الفقهاء المسلمين بعد بضعة قرون من مجيء الإسلام. غير أن اسم "الشريعة" مشتق من فعل "شرّع" الذي ورد في القرآن الكريم.
إن الآية 13 من سورة الشورى صريحة للغاية، فقد جاء فيها " شرّع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه". الآية تقدم التعريف الصحيح والأصيل لكلمة "الشريعة"، والذي يمكن ترجمته إلى معادلة :
الــشــريــعــة = الــديــن
هذه المعادلة البسيطة تعيد الاعتبار لعدد من الحقائق الرئيسية :
أولاً، إن الدين هو مجموعة من المعتقدات والطقوس والقيم والممارسات التي تنظم علاقة الفرد بالخالق وبالطبيعة وبالآخرين. لذلك، فإن اعتبار الدين نصا ذي طبيعة قانونية هو نوع من العبث الفكري. كما أن ادعاء التعارض تلقائيًا بين القانون الوضعي والدين هو موقف غير منطقي. على العكس من ذلك، فإن القانون الذي يحفظ الحقوق الفردية والجماعية في مجتمع ما هو أمر يتماشى مع روح الدين الذي يحرص على تحقيق المصالح الإنسانية المشروعة.
ثانياً، الدين شأن فردي أساسا لأنه يتعلق بالقناعات العميقة لكل شخص. علاوة على ذلك، فإن وصايا القرآن موجهة إلى الإنسان، إلى الفرد ، وليس إلى منظومة سياسية أو إلى دولة. فوجود الدين ليس مشروطا بوجود دولة، كما الحال في عهد نوح مثلا. إن المطالبة بتطبيق الشريعة (الدين) من قبل الدولة أمر غريب. فإذا كان المسلم يسعى بصدق إلى تطبيق الشريعة، فما عليه إلا أن يمتثل هو شخصيا لتعاليم دينه.

ثالثًا ، الشريعة التي يدعو إليها كثيرون هي صورة كاريكاتورية للدين. فبالنسبة لهم، تطبيق الشريعة يعني إقرار العقوبات البدنية، وحظر المشروبات الكحولية والفوائد البكنية، وفرض الحجاب ، ونشر خطاب غامض عن العدالة والأخلاق الحميدة، وتبني تقاليد قديمة باعتبارها تعاليم دينية.
من ناحية أخرى، فإن الشريعة (أي الدين) في جوهرها تقتضي، فضلا عن الالتزام بالطقوس والعبادات، أن يقدم المسلم المثل الحسن. وذلك من خلال الالتزام بالقيم الإنسانية النبيلة، ورعاية الأسرة وخدمة المجتمع، والتزام التسامح، واحترام حقوق المرأة وحقوق الأطفال، والدفاع عن الحرية، واحترام كرامة الإنسان والحياة الإنسانية، وحب العمل والمعرفة...والتضحية في سبيل كل ذلك. مئات الآيات القرآنية والأحاديث النبوية تكرس تعاليم الدين بهذا المعنى، لكن الغريب ألا تجد أثرا لذلك في مطالب أنصار تطبيق الشريعة.
خلاصة
لتوضيح الصورة، ففكرة الشريعة الرائجة على نطاق واسع مجرد قصة مختلقة، لا أساس ديني أو عقلاني لها. غير أن هذه الفكرة باهظة الثمن بالنظر إلى كل الجهود العقيمة وأحيانا المدمرة التي تولدت منها في العالم الإسلامي على مدى قرون من الزمن.
في الأصل هناك دين وهو الإسلام، والدين ليس بقانون. أما تعاليم الدين، فهي موجهة للفرد الذي يتمتع بكامل الحرية في الانصياع لها أو تركها جانبا.
من جهة أخرى، فإن الدولة تمثل منظومة سياسية واجتماعية نابعة من الإرادة الجماعية لمجتمع إنساني ولقيمه. والدولة الحديثة تحكمها قوانين، وهذه القوانين تمثل تعاقدا بين مكونات المجتمع، ويفترض أن تعكس القوانين قيم المجتمع وأن تحدد حقوق وواجبات أفراده. ثم إن الدولة والقوانين ليست إلا اجتهادا بشريا جاء ليواكب تطور الحياة الإنسانية، وهو يروم تحقيق مصلحة الإنسان في مكان ما وزمن ما، وهذا يلتقي مع نظرية "مقاصد الشريعة (أو بالأحرى الدين)". وفي ظل هذا التصور، لا مكان ولا معنى للمفهوم التقليدي للشريعة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق