الاثنين، 29 يوليو 2019

ايكهارت وديونيسوس اللاهوت السلبي

أيُّ عقلانيَّةٍ ممكنةٍ للدِّين؟
 نورَ العقلِ في الدِّينِ يفوقُ أهميَّةً قوَّةَ الإيمان وحرارته. فما يمثِّلُ خطرًا على الدِّينِ والمؤمنِ في نهايةِ الأمرِ هو غيابُ العقلِ أو المعرفةِ عن هذا المعتَقَد؛ إذ هذا الغيابُ يؤدّي إلى اضمحلالِ الدِّين

"إثنانِ أهلُ الأرضِ، ذو عَقلٍ بلا دِينٍ، وآخرُ دَيِّنٌ لا عَقلَ لَه"

 تسليمَ العقلِ الدينيّ باستحالةِ العقلِ البشريّ أنْ يلجَ الحقيقةَ الكاملة، وبالتالي عدم قدرتهِ على وصفها وصفًا موضوعيًّا – الأمرُ الذي يُبرزُ مركزيَّةَ الوحي في الإيمانِ وتفوّقَهُ على العقل- يمثّلُ مسلَّمةً لاعقلانيّة. يُضافُ إلى الناحيةِ العقائديَّةِ الإشكاليَّةِ هذه، أنَّ الخبرةَ الدينيَّةَ نفسَها بصفتها شعورًا أو حماسةً دينيَّة، تَخرجُ هي أيضًا عن معاييرِ المبادئِ المنطقيَّة، وتبدو بالتالي لاعقلانيَّة. نجدُ أنفسَنا إذًا، من جهة، إزاءَ عقلانيَّةٍ قائمةٍ على مبادئَ منطقيَّة؛ ومن جهةٍ ثانية، إزاءَ عقائدَ لا تتجاوزُ حدودَ اللاعقلانيّةِ، وخبرةٍ روحيَّةٍ لا تخضعُ لمقاييس العقل

أوَّلاً - بين اللاهوتِ العقائديّ واللاهوتِ الفلسفيّ

زمنَ اتّهاماتِ المفكّرينَ الوثنيّينَ العقائدَ المسيحيَّةَ باللاعقلانيّةِ وحتّى بالسخيفة، اتَّخذتْ كتاباتُ اللاهوتيِّين نزعةً دفاعيَّةً عقلانيَّة، ولكنَّها لم تتجاوز حدودَ اللاعقلانيَّة،

إتَّخذَ اللاهوتُ نزعةً جديدةً وُصِفَت بالسلبيَّةِ مع ديونيسيوس الأريوباغيّ المنتحِل (حوالى 650-725م)، الذي تأثَّر بشدَّة بالأفلاطونيَّة الجديدة. لقد اعتبرَ الأريوباغيّ المنتحِل أنَّ اللغةَ لا توفِّرُ معلوماتٍ عنِ الله، بل هي مجرَّدُ وسيلةٍ للحفاظِ على غيريَّتِه(5). وبالتالي، بدا وكأنَّ ثمَّةَ موانعَ تحولُ دونَ قدرةِ العقلِ البشريّ على التفكيرِ في الطبيعةِ الإلهيَّة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق