الاثنين، 8 يوليو 2019

قطار المشيب ***

لا نعلم من سيموت قبل الآخر.. الأب أم الابن.. العم أم الخال.. سليم البدن قوى الجسد يسقط قبل العليل المريض لحكمة لا يعلمها إلا الخالق.. لقد خلقنا الإنسان فى كبد

تجاهد وتكافح منذ ولدت وحتى تموت.. معظمنا لا يرضى عن تحقيق أهدافه الدنيوية.. قليل من ينظر للآخرة على أنها مكملة للحياة الدنيا.. الفرق بين هؤلاء وأؤلئك هو الصبر والإيمان.

كان ابن أحدهم مثالا للشاب الناجح الثرى المحبوب، وجاء الذى منه تجفل القلوب وتقشعر الأبدان.. كان اختباراً رهيباً لسبعينى يدفن ابنه، وأخواته فتيات وفيات يبكين وينتحبن.. والرجل لا ينطق إلا الحمد لله، ويضيف اللهم أْجرنا فى مصيبتنا.. بلغ من الإيمان الدرجة العليا.. لم ينزل مع الشاب للقبر سيارته الفاخرة وملابسه «البراندات».. خرج من الدنيا كيوم دخلها.. عاريا إلا من كفنه.. أهالوا عليه التراب بالجاروف وهو الذى كانت أمه تعطره وهو خارج صباحاً.. رأيتها ذاهلة شاحبة نسيت أن ترتدى حذاءً أو خفا وهى الحسناء الأنيقة المتعطرة.. هرعت حافية.. بالطبع كانت أقل ثباتا من زوجها الذى شعرت أنه حلق مع روح ابنه ولم يبق منه فى دنيانا إلا الجسد.
الأسرة قضت 35 عاما فى الخليج وعادت بثروة وأبناء، يحسدهم الجميع عليهم، ويتمنون مثقال ذرة منها.. رأيت الحاسدين والحاقدين عليهم فى المقابر وهم يدعون الله ألا يقفوا فى مثل هذا الموقف.. إنها اللحظة الوحيدة التى تحمد الله بصدق على ما أنت فيه حتى لو كنت فقيرا وعليلا وقانطاً.. لا نتمنى أن يزورنا الموت لأسباب شتى كلها دنيوية.. إما طمعا فى مناصب أو سعيا لأموال لتركها للأولاد والأحفاد.. أو لأننا أسرفنا على أنفسنا ونطمع فى أن تتاح لنا فرصة أخرى للتوبة والاستغفار.
. لا تصدق أن أحداً سيحزن عليك أبد الدهر سوى أولادك إن أحسنت تربيتهم.
الحزن- إذا كان موجودا- سينحصر فى ثلاثة أنواع 1- الذين عرفوك معرفة سطحية سيقولون هذا حال الدنيا رحمه الله وأبدل سيئاته حسنات.. والنوع الثانى هم أصدقاؤك وهؤلاء سيحزنون ساعات أو أياما ثم يعودون لحكاياتهم ونوادرهم وربما تكون أنت محور إحداها، والنوع الثالث هو الحزن العميق فى منزلك شهورا أو سنوات.. وكالعادة ستنسحب من محور الاهتمام إلى خلفية الصورة.. ربما يعلقون لك صورة متشحة بالسواد فى مكان بارز فى شقتك أو قصرك أو كوخك.
 «يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم».. احرص على الفروض والنوافل وصدقة السر وخبيئة عمل صالح وصلاة الليل.. لعلك تنجو.. الصدقة مفتاح الجنة فى رأيى ويقينى كما علمنى والدى رحمة الله عليه.. وعظمتها تتجلى فى القرآن الكريم
حيث يختار الميت «الصدقة» لو رجع للدنيا فيقول «رب لولا أخرتنى إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين» صدق الله العظيم.. 
لم يقل الميت لأعتمر.. أو لأصلى.. أو لأصوم.. أو لأحج.. يقول ابن كثير وغيره من العلماء «ما ذكر الميت الصدقة إلا لعظم ما رأى من أثرها بعد موته»
حساب العمر الذي لا يحسب الا بالعطاء بالمادة والفعل والذكري 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق