الجمعة، 27 ديسمبر 2024

زمن الاستبداد الوطني ليغرق في الزّمن الميليشياوي حُكّامنا.. وصناعة الفوضى!

 لا أحد مسؤول عن وجود "الإخوان المسلمين" كبديل وحيد جاهز ومنظّم لوراثة حكْم حسني مبارك بعد 2011 إلّا حسني مبارك نفسه، الذي حاصر السّياسة والسّياسيّين وأدار الأحزاب من المقرّات الأمنيّة وأحبط كلّ تحرّك جادّ لبناء بديلٍ آمن، ليترك فزّاعة "الإخوان" وحدها ظنًّا منه أنّ النّاس ستستمر في تجرّع كؤوسِه حتى لا تذهب للمجهول، لم يظنّ لحظةً أنّ المصريّين سيختارون المجهول يومًا في مقابل الخلاص منه، وحتى لو دفعوا الثّمن لاحقًا.

ما زالت صناعة البدائل الآمنة راكدة تمامًا، وما زال التّخويف من المجهول قائمًا.

في العراق، جلب صدّام الغُزاة، وترك للاحتلال مهمّة صوْغ مستقبل البلاد وهندسته طائفيًّا، قَتَل البدائل ليبقى الاحتلال بديلًا واحدًا ومحتّمًا. وفي ليبيا، كانت الفوضى هي البديل الوحيد للزّعيم الأوحد وملك ملوك أفريقيا غير المتوّج، 4 عقود من السّلطة لم يَبْنِ فيها "العقيد" نظامًا قادرًا على الانتقال والتّداول الآمن. وما جرى في السّودان بعض من حصاد عمر البشير ونظامه، انقسام للجنوب ومزيد من الانقسام في الشّمال.

لا يمكن الحديث عن عالمٍ عربي مستقرّ وناهض وقادر على مجابهة التّحدّيات من دون أن يُجيبَ حكّامه عن سؤال الخروج

لم يكن بشّار الأسد بدعًا من المُستبدّين العرب، اختار رهانهم وسار على دربهم... "أنا أو الفوضى"، لكنّ تميّزه أنّه بقي لعقدٍ كامل هو والفوضى معًا (بواو وليس أو)، وفي هذا العقد الفائت في حكمه لم يجتهد ليؤمّن للسّوريّين انتقالًا آمنًا وملائمًا. اختار أن يكون السّلاح هو الاختيار، والرّابح في لعبة السّلاح هو البديل الحتمي.

الميليشيا اختيار المستبدّين لأنّها في الأصل زرْع سياساتهم وحصاد انحيازاتهم.

 الشّخصانيّة التي اختزلت الدّولة في الشّخص، فإذا سقط الشّخص سقطت الدّولة، وبالتّالي تكون محاولة التّباكي على السّاقطين، ولو من باب أنّهم السّيء الأنسب من الأسوأ، تتجاهل أنّ الأسوأ من إنتاج السّيء ومن صُنعِه، ولولا سوء السّيّء واستبداده وعدم اكتراثه بمستقبل الأمّة ما ظهر الأسْوأ.

 يُجيبَ حكّامه عن سؤال الخروج قبل الإجابة عن سؤال التطلّعات.

لا حلّ أمام العالم العربي إلّا بِبناء نظام قادر على إدارة التّنوع والانتقال والتّداول وبناء البدائل

يأتي الحاكم في عالمنا العربي وارثًا السّلطة من عائلته البيولوجيّة، أو عائلته المؤسّسيّة، أو مغامرته الانقلابيّة، يحاول إقناعنا بأنّه استثناء ولا يشبه غيره، لكنّه حين يُطالَب بالإجابة على سؤال خروجه من السّلطة يصبح نسخةً من غيره أو أسوأ، لا يُطيق أن نسألَه متى ستُغادر وكيف؟ يُفضّل أن يَترك الإجابة للمجهول كسابقيه ويجتهد في صِناعة هذا المجهول وجعله حتميًّا ولا بديل غيره. يُحبّ أن تغرَقَ بلادُه بعدَه في الفوضى ربّما ليُرسّخ في أذهان النّاس حنينًا زائفًا لزمنٍ مهّد الطّريق لهذه الفوضى ودفع إليها بجدّية وإصرار.

لا حلّ أمام العالم العربي إلّا بِطَيّ صفحة هذا النّموذج من الحُكّام والأنظمة، وبناء نموذج جديد قادر على مجابهة الأنظمة الميليشياويّة وثقافاتها وانحيازاتها، نظام قادر على إدارة التّنوع والانتقال والتّداول وبناء البدائل، نظام يعرف كلّ رأس فيه متى وكيف سيصير سابقًا، قبل أن يدخل من الباب. ويعرف حدود حقوقه وواجباته وصلاحيّاته والتزاماته عندما يدخل... وكل من يؤخّر بناء هذا النظام خائن لهذه الأمّة ومستقبل أجيالها.



السبت، 7 ديسمبر 2024

إرادتيهما (الدولتين) اجتمعتا على عدم السعي إلى انسحاب إسرائيل من غزة مصر تعيش أجواء هزيمة 1967؟

 موقف الصمت، الذي يقارب الخرس، لا يمكن أن يُفهم إلا على أنه قبول ورضى وترحيب وتوافق، فالصمت عند البعض مثل الكلام له معانيه ومدلولاته، وربما فلاتره.

فلاتر السيسي 

صاغها السيسي: التوازن والاعتدال والإيجابية، فيمكن بسهولة فهم لماذا لا تريد مصر أن تنسحب إسرائيل من غزة

في يناير 2012 قال “ثورة 25 يناير قادها شباب مخلصون متطلعون لمستقبل أفضل“، وفي ديسمبر من العام نفسه قال: “البلد كانت هتضيع مننا.. دا كان خراب ودمار

سلسلة الأسباب جاهزة: كورونا، الحرب الروسية الأوكرانية، الإرهاب، تأثر دخل قناة السويس

 اعتراف بالمسئولية عنها، هكذا قال جمال عبد الناصر في خطابه الذي اشتهر بـ “خطاب التنحي”، في 9 يونيه 1967: “وبرغم أية عوامل قد أكون بنيت عليها موقفى فى الأزمة- فإننى على استعداد لتحمل المسؤولية”، وأقل ما نخرج به من كلام عبد الناصر “استعداد”.

 أما السيسي فليس على استعداد، عبد الناصر حاول التأثير عاطفيا على المصريين، لكن السيسي لا يتكترث بمثل هذه الألعيب، وهو يقول للمصريين بصراحة بالغة: تصرفت كما يحلو لي، وحسبما أراه، وعليكم (كما قال للطلاب العسكريين): “تصمد وتستحمل معايا ..لما ظروفك الاقتصادية تبقى صعبة حستحمل”، والمشابهة يمكن أن تتطلب أيضا تذكر أن العسكرية المصرية كلها تعرضت لمستويات متعددة من المحاكمة والعقاب، لكن نكسة السيسي بلا استعداد وبلا عقاب، بل تفرض على المصريين العقاب وتطلب منهم الصمت وتحمل الصعاب، أو في مخرج فلتر الحق والأمانة والصدق: الإذعان.

التحديات بعد الثورة: بعد سقوط الأنظمة الأوتوقراطية، تبقى تحديات مثل الفساد والبيروقراطية، مما يتطلب استراتيجيات واضحة لتفعيل الديمقراطية.

أهمية التحرك المنظم والمقاومة المدنية كوسائل لمواجهة التسلط وتعزيز الديمقراطية، مع ضرورة الحذر من الاعتماد على الدعم الخارجي الذي قد يعيق الاستقلالية. كما يشدد على أهمية المجتمع المدني في تحقيق التغيير السياسي المستدام.

الجمعة، 6 ديسمبر 2024

الصفوة و الأوليغارشية

Feb 28, 2022

   القلة التي لديها إمكانات كثيرة، وهي الأقلية التي تمتلك الثروة والقوة والسيطرة والمكانة الاجتماعية،

 لماذا هناك أشخاص لديهم كل شيء بدون مجهود يذكر، فيها تعاني الأغلبية من صعوبة المعيشة أو المهانة؟ ولماذا هناك من لديهم سلطة ويصدرون الأوامر فيما هناك آخرون عليهم أطاعتها؟ ولماذا هناك من يحتكر مصادر القوة فيما آخرون محرومون منها؟ منذ قديم الأزل

 أفلاطون إلى فكرة حكم الأقلية في كتاب الجمهورية، حيث أطلق مصطلح الأوليغارشية، واعتبرها الشكل والمثال السيئ للحكم. أما أرسطو فقدّم تفاصيل أكثر، واعتبر أن دائما هناك أقلية تحتكر الثروة، ما يؤدّي إلى احتكار السلطة ومصادر القوة، ويحاولون منع الآخرين من الترقي والدخول في طبقة الصفوة، وهذا يؤدي إلى الطغيان والفساد الذي يعجّل بالانهيار.

تختلف طبيعة الصفوة أو الفئة المحتكرة للسلطة من مكان إلى آخر أو زمان وآخر، ولكن تبقى فكرة الديمقراطية الإجراء الذي يحجّم الأوليغارشية

طبقة الأقلية بمميزاتٍ تجعلها قادرة على الوصول إلى مصادر القوة أو الثروة او السلطة، أما الأغلبية فيفتقرون لتلك المميزات. وتتميز الأقلية الحاكمة كذلك بالقدرة على التنظيم الجيد والدفاع عن مصالحها، بينما تفتقر الأغلبية لتلك المَلكات.

فكرة الديمقراطية، في حد ذاتها، مثالية رومانسية غير قابلة للتحقيق في الواقع، وربما أدّت التجربة الديمقراطية التمثيلية لوصول مجموعة تغلق الباب أمام الآخرين، كما حدث في وصول هتلر إلى السلطة في ألمانيا قبل الحرب العالمية الثانية.

 التنشئة الديمقراطية قد تساهم كثيرا في الحد من الميول إلى السلطوية. وفي حديثه عن الأسود والثعالب بالصفوة الحاكمة، يرى باريتو أن الصفوة تحافظ على مكتسباتها، عن طريق دغدغة المشاعر واستخدام الشعارات وخداع الجماهير، وإن من وسائلها للحفاظ على مكانتها عدم إطلاع الجماهير على الحقائق، وإبقاء المحكومين في صراع داخلي دائم، وأن الصفوة تصل إلى تلك المكانة بسبب امتلاكها مميزات كثيرة، وبالتالي عليهم ضم مزيد من النبهاء لطبقة الصفوة من أجل تجديد الدم واستمرار الحفاظ على تلك المكتسبات.

حتى القيادات الثورية أو المعارضة للحكومات يكون فيها قلة تسيطر على الأمور

 لم تخرج الصفوة في مجتمعاتنا العربية منذ الخمسينيات عن أصحاب البزّات العسكرية وحلفائهم من رجال أعمال وأصحاب الثروات، ليس للمثقفين والعلماء مكانة كبيرة ضمن الصفوة الحاكمة، إلا من هو مضمون ولاؤه للحكام، ويستطيع تطويع علمه أو مؤهلاته لخدمة أصحاب النفوذ.

رجال السلطة السابقة التلون بلون الثورة الجديدة حتى يكون لهم مكان في النظام الجديد إن نجحت الثورات.

لدى الإنسان ميل إلى السلطوية والتحكّم في شيء ما، فما أن يصل إلى السلطة أو شيء من القوة أو الثروة أو الامتيازات، حتى يرغب في مزيد منها

تختلف طبيعة الصفوة أو الفئة المحتكرة للسلطة من مكان إلى آخر أو زمان وآخر، ولكن تبقى فكرة الديمقراطية، وإن كانت مثالية، الإجراء الذي يحجم الأوليغاركية، ويضمن مزيدا من تكافؤ الفرص أمام الجميع، وإمكانية الترقي والانتقال بين طبقات المجتمع بشكل سلمي ومشروع. فعلى الرغم من وجود مفهوم الأوليغارشية في الغرب من طبقات رجال المال والأعمال وأصحاب النفوذ ولوبيّات السلاح، لكن الممارسات الديمقراطية العتيقة تسمح بدخول آخرين في طبقة الصفوة الحاكمة بدون تلك الصراعات وحروب تكسير العظام أو الحروب العنيفة التي نراها في بلادنا العربية، كما أن تداول السلطة الدوري يقلل كثيرا من حدّة الصراع، فمن الممكن أن نرى هناك رئيس وزراء شاباً استطاع الترقي والدخول في الصفوة، ولديه في الوقت نفسه، مؤهلات حقيقية غير شروط القبول التي نراها في بلادنا، ونرى أيضا إمكانية لترقي الأكاديميين والعلماء والمثقفين، وإمكانية انضمامهم للصفوة الحاكمة بدون ذلك الكمّ الكبير من النفاق والتطبيل والموالسة التي يحتاجها المرء في بلادنا.

*

03‏/06‏/2022


  • أسباب صعود الأوليغارشية: يرجع النص صعود الأوليغارشية إلى عدة عوامل، منها:
    • شراء الولاءات: تقوم الأوليغارشية بشراء ولاء بعض المعارضين، مما يضعف المعارضة ويقوي نفوذها.
    • قمع المعارضة: تلجأ الأوليغارشية إلى قمع التظاهرات والمظاهرات السلمية.
    • احتكار الثروات: تسعى الأوليغارشية إلى احتكار الثروات والخيرات الطبيعية للبلاد.
  • أخطار الأوليغارشية: يشير النص إلى العديد من الأخطار التي تشكلها الأوليغارشية على المجتمع والمؤسسات، من أهمها:
    • إبطاء التفاعل الاجتماعي: تعمل الأوليغارشية على إبطاء التقدم الاجتماعي من خلال بث ثقافة الريع وشراء الولاءات.
    • تهديد الحرية: تهدد الأوليغارشية الحريات الأساسية كحرية التعبير والتظاهر من خلال سن قوانين تقيد هذه الحريات.
    • تهديد الاستقرار: قد تهدد الأوليغارشية استقرار النظام السياسي، حيث يحذر النص من إمكانية تحول الأوليغارشية إلى تهديد للحاكم نفسه كما ذكر ميكيافيلي.


    يانيس فاروفاكيس: الاقتصاد في متناول العامّة . الأوليغارشية

    Mar 20, 2021 Jan 6, 2022 Feb 25, 2022 Jun 20, 2022

     على الرغم من تدخّل الاقتصاد في تكوين مساراتهم ورسم مديات طموحاتهم، لعب الناس دور المتفاعل مع الواقع الاقتصادي أو المتفرّج، لا الفاعل والمؤثّر، في حين كان لزاماً عليهم المشاركة في نقد الممارسات الاقتصادية. إلا أنّ تفرّد الاقتصاديين برسم مسارات الدولة الاقتصاديّة أو نقدها، حال دون تحقّق الانخراط الجماهيري في هذا الميدان. من هنا كان فهم الاقتصاد وممارساته

    وتجلّياته ضرورة تحتّم على كلّ فرد الإلمام بهذا العلم. وهذا ما دفع يانيس فاروفاكيس ــــ وزير المالية الذي انتخبه اليونانيون بعد الانهيار الاقتصادي، لإدارة الأزمة في مواجهة أوليغارشية عالمية ـــ إلى كتابة مؤلّفه «الاقتصاد كما أشرحه لابنتي» (2017) الذي تُرجم أخيراً إلى العربية (دار الساقي)، من أجل «التحدّث إلى الشبيبة عن الاقتصاد»، موجّهاً خطابه إلى ابنته، من أجل الإجابة على تساؤلاتها المتعلّقة بالمسائل الاقتصاديّة، وتسهيل مهمّة الإحاطة بالمفاهيم الاقتصاديّة وتبسيطها، كونها ضرورة محتّمة على كلّ أفراد المجتمع، وبمن فيهم ابنته.

    جاء الكتاب تمظهراً لقناعة فاروفاكيس بأنّ «الاقتصاد أكثر أهميّة من أن يُترك للاقتصاديّيين» وأنّ الكتب التي تبسّط العلم شديدة الأهميّة «في عالم يشنّ فيه رئيس الولايات المتّحدة حرباً مفتوحة عليه، ويتجنّب فيه أولادنا المقرّرات العلميّ» كما يصرّح في مستهلّ كتابه. يزخر كتاب فاروفاكيس بالتمثيل من دون أن يصبح القارئ حبيس الأمثلة، ويعجّ بالقصص المستلهمة من المسرحيات والروايات التي خُطّت بالتوازي مع تشكّل مجتمعات السوق، لما تحويه من دلالات تتعلّق بقراءة الكُتّاب للتحوّل العالميّ الذي اختبروه وتخوّفاتهم من عواقب هذه الانعطافة. هذا إلى جانب قدرة فاروفاكيس «البروكرستيّة» (أسطورة بروكرست تحكي قصّة إنسان كان يعمد إلى تقصير البشر عبر تقطيع أطرافهم أو تمديدها من أجل التناسب مع حجم سريره) في توظيف موسوعيّة إلمامه بالميثولوجيا اليونانيّة، في خدمة تبسيط المطالب الاقتصادية العويصة، وتصوير اقتصاداتنا تصويراً تراجيديّاً بوصفها قوى سلبيّة تفتّت المجتمعات، وتعمد إلى تفكيك الروابط التي تكوّنها.


    لعلّ الكلمة المفتاح التي ترد كثيراً في مثل هذا النوع من الكتب، هي كلمة «الاقتصاد». ولهذا كان فاروفاكيس حريصاً كلّ الحرص على إزاحة الغباش عما هو عليه بالفعل هذا العلم، ونقد صورته كما يظهر ويراه الجميع، لأن اقتصاداتنا، وبفعل تستّرها وراء آليّات إيديولوجيّة خرافيّة معقّدة لإخفاء خداعها، فقدت كلّ شيء إلّا اسمها، وقُدّمت للجمهور على أنّها ليست هي. لذلك أجبرت خدعة الاستيلاب، التي أخفت حقيقة المسائل الاقتصادية، «فاروفاكيس» على الحفر في تاريخ هذه المسائل وكيفيّات نشوئها ونشوء طرائق طمس جوهرها، الّتي ولدت بالتزامن معها، لإعادتها إلى مساراتها الصحيحة، وتبيان الشقوق التي تشوب هذا النّسق، ما جعل الكتاب مزيجاً من التّأريخ، والتحليل السجالاتي لهذا المسار التاريخي الذي أنتج عالماً لا يجيد خلق المتعة والسعادة، أي مجتمع السوق.

    بدأ هذا «العالم الكئيب» بالظهور من وجهة نظر فاروفاكيس، عندما اختبرت بريطانيا أقسى التحوّلات وأكثرها بشاعة في التاريخ، في حين ازدهرت تجارة الصّوف والحرير وغيرهما من السلع عالميّاً، وقرّر ملّاك الأراضي طرد الأقنان واستبدالهم بقطعان الخراف التي يمكن استثمار صوفها في الأسواق العالميّة. أمر دفع الأقنان المشرّدين لتسوّل قوتهم مقابل خدمات يمكنهم تقديمها، فتكوّنت بذلك أسواق بيع قوّة العمل، وتكوّنت أسواق الأراضي بعدما جنح ملّاك الأراضي إلى تأجير أراضيهم بدلاً من الإشراف المرهق على عمليّة الإنتاج. هكذا كان الانتقال، من مجتمع بأسواق إلى مجتمع سوق يتمّ فيه تسليع كلّ شيء، تقوده رغبة الربح التي ولّدها الجشع بما هو جزء من الطبيعة البشرية، وانتصار القيمة التبادليّة على القيمة الاستعمالية، مرسياً بذلك أنماط إنتاج جديدة. ساقت أنماط الإنتاج المستحدثة الحرفيين والعمّال الرّاغبين في استئجار الأراضي، لخوض غمار السوق وتقلّباتها إلى الاستدانة من أصحاب الثروات الذين وجدوا فرصة لمراكمة الأرباح عبر الفوائد، بدون عناء يُذكر، فكان الدَّين بذلك الرّوح الّتي تحرّك الاقتصاد، «فلا ربح من دون دين، ومن دون ربح لا يوجد فائض» بتعبير فاروفاكيس. وهنا اكتسبت المصارف جوهريّة اقتصاديّة لم تحظ بها قبل هذه الانعطافة.

    تسهيل المفاهيم الاقتصاديّة وتبسيطها كونها ضرورة محتّمة على كلّ أفراد المجتمع

    يصوّر فاروفاكيس المصرفي كمسافر عبر الزمن، يجلب المال من مرحلة زمنيّة متقدّمة، متأمّلاً من السيرورة الاقتصاديّة الانتحاء بالمشاريع الربحيّة نحو النجاح، من أجل سداد القيمة المقترضة وتحقيق الربح، وهذا ما يجعل من ضرورة توافر الأموال المقدّمة كقروض مسألةً هامشيّةً وعرضية، حيث يمكن خلق المال من العدم واكتسابه بعد مدّة زمنيّة معيّنة. وهنا تكمن قدرة المصرفيين على ممارسة «السّحر الأسود» أي قدرتهم على إيجاد المال من لا شيء. إلّا أنّ هذه «العمليّة الّتي تولّد الربح والثروة، هي ذاتها التي تولّد الانهيارات الماليّة والأزمات» بتعبير فاروفاكيس نفسه.

    فسرعان ما يؤدّي انفلاش أعداد القروض المجلوبة من المستقبل، الناتج عن حالة الازدهار، إلى عدم القدرة على تحقيق الأرباح الكافية لتسديدها، «وعند هذه النّقطة، يبزغ إدراك أنّ المستقبل الذي يتّكل عليه الجميع، لن يأتي إلى الوجود. وعندما تعجز تلك المقادير الكبيرة من القيمة المقترضة من المستقبل عن التحقّق، ينهار الاقتصاد» كما يقول فاروفاكيس.
    لا يسمح المقام بالتوقّف الطويل عند المفاتيح التي يقدّمها فاروفاكيس في كتابه، إلّا أنّ أهميّتها تكمن في إتاحة الفرصة للجماهير لممارسة الاقتصاد في يوميّاتها، بعيداً عن اختزال إناطة هذه الممارسة بالاقتصاديين. هكذا نصبح في حالة من التماهي بين الممارسة اليومية العادية وممارسة الاقتصاد، تتجاوز البتر الحاصل بين النظرية والواقع. ولعلّ هذا ما دفع سلافوي جيجك، الفيلسوف المتشائم، الذي يجد في ضوء الأمل المنبعث من نهاية النّفق قطاراً يتّجه نحوك ليدهسك، إلى التأمّل بحبّ النّاس لفاروفاكيس، فيقول، كما ستجد على الغلاف الخلفيّ للكتاب: «واحد من أبطالي القلائل، ما دام النّاس يحبّون فاروفاكيس، سيبقى هناك أمل».

    *

    القلّة تحكم الأكثرية


    الأوليغاركية Oligarchy أو الأوليغارشية، مشتقّة من اليونانية، وهي سلطة الأقليّة، بحيث يكون النفوذ محصوراً بفئة صغيرة تستند إلى عصبوية عائلية أو طبقية أو سياسية أو عسكرية. إنها مجموعة قليلة من الناس تحكم دولة أو منظمة أو حزباً أو شركة.

    وقد عُرِّفَتْ الأوليغارشية بأنَّها: «النظام السياسي الذي يمارس السلطة من قِبل مجموعة صغيرة من الأفراد، مؤلّفة من النخبة المثقّفة (الأرستقراطية) أو الأقليَّة المالكة (النخبة الثرية)، أو زمرة عسكرية أو ميليشيوية، ويتم الخلط بينهم في كثير من الأحيان لتشكل الطبقة الحاكمة».
    يعتبر أفلاطون أوَّل مفكِّر سياسي ذكر الأوليغارشية التي تعني حكم القلّة، وذلك في كتابه «الجمهورية». وجاء أرسطو من بعده، ليعتبر أنَّ الأوليغاركية مسخ للأرستقراطية، وتنتهي دائماً بحكم الطغيان والاستئثار بالسلطة.

    يلخّص ميكيافيللي المصطلح الألوليغارشي في كتابه «المطارحات»، بأنّ الأرستقراطية إذا فسدت تحوّلت إلى الأوليغارشية. ويُستخدم هذا التعبير في العصر الحديث، لوصف الحكومات التي ليس لها رصيد جماهيري، بحيث تعتمد على دوائر التأثير في السلطة، مثل رجال المال والعسكر والعائلات. تتشكّل قيادتها من فئة صغيرة تحتكر أدوات النفوذ، وتحصرها في شلّة متماسكة تتحكم بالقرار لكي تحافظ على وجودها وديمومتها.

    من جهة أخرى، تُعتبر الزمرة الحاكمة في الشركات التجارية والمالية، هي نوع من الأوليغارشية العابرة للأوطان ومتعدّدة الجنسيات، لتأمين المصالح... حيث يتركّز القسم الأكبر من الثروة بأيدي قلّة تسيطر على السلطة الاقتصادية في بلد أو أكثر.

    الجماهير لا تلبّي الدعوات النقابية والحزبية بشكل واسع، ما يؤدي إلى «هيمنة جماهير المدن في التنظيم على جماهير الأرياف المبعثرة... كما أنّ الجماهير الغفيرة لا تستجيب للدعوة إلى الاجتماعات، إلّا إذا عرفت مسبقاً بوجود خطيب مشهور... أو كلمة سر عنيفة (ليسقط الحكم الشخصي )... أو كلّ ما يبهر العين (عرض سينمائي مسرحي، رسوم وفانوس سحري)»...
    يستخلص المؤلف أنّ الجماهير «تشعر بحاجة ماسة إلى من يديرها ويرشدها، وأن يكون للشعب شخص يرسم له الطريق ويمنحه كلمة السر.

    وتترافق هذه الحاجة مع احترام حقيقي للقادة الذين يُنظر إليهم على أنّهم أبطال. وتشكّل هذه الصفة أرضية نفسية لبروز هيمنة قيادية قادرة». وهذا دليل على أنّ لدى الجماهير «استعداد نفسي للطاعة، وشعور عميق بالانضباط... وبعدٌ عن الحس النقدي». وهذا يؤدي إلى «اعتراف الحشود الشعبية بفضل الشخصيات التي تتحدّث وتكتب باسمها. وهذا دليل على عبادة الجماهير لقادتها...». ومن الذين يبهرون الجماهير «أصحاب الموهبة الخطابية، الذين يمتلكون السلطة الجمالية والعاطفية للكلمة، المتحدثون اللبقون، المناضل العجوز ومن يملك سحر الشهرة، والعمّال الموهوبون من الناحية الفكرية والثقافية...». ومع ولادة قيادة محترفة، يتوسّع الفارق القائم بين القادة والجماهير... والوقوف على رأس الجماهير.

    التنظيم

     سلاح نضال ضد الأقوياء. لا يمكن أن يكتسب البروليتاريون قدرة المقاومة السياسية والكرامة الاجتماعية في الوقت نفسه، إلّا إذا تجمّعوا.

    الوقاية من الفوضوية
    يعود الفضل للفوضويين، بأنهم كانوا أول من شدّد بقوة على العواقب التراتبية والأوليغارشية للتنظيمات الحزبية. فلِلفوضويين رؤية واضحة لأخطاء التنظيم، أكثر من الاشتراكيين والنقابيين. وهم يحاربون السلطة على أنها، على الأقل، مصدر كل تبعية وعبودية، إن لم نقل كل أمراض العالم، وإن كل إكراه بالنسبة إليهم «مرادف للسجن والشرطة». رفض الفوضويون تشكيل حزب، ذلك أنّ أتباعهم غير منظَّمين تحت أيّ شكل مستقرّ، ولا يوحّدهم أيّ انضباط. لكن يعترف الفوضويون بضرورة قيادة تقنية فقط للجماهير، وتقليص عمل القادة إلى مجرّد موظفين إداريين، للقضاء على كل الانشقاقات الخطيرة جداً على التنظيم.

    تفاخر الفوضويون بـ«العمل المباشر» لتحسين مصير العمّال، وتحرير البروليتاريا من الرأسمالية والمركزية السياسية، بواسطة العمل الشخصي والفوري للعمّال أنفسهم».

    الفوضوية حركة تدعو إلى الحرية المطلقة، وقد وعدت العالم برؤية مثالية للمستقبل وبنظام يُستبعد فيه كلّ تركيز للسلطة، إلّا أنها لم تعرف كيف تقدّم، في نظريتها، العناصر المنطقية لهذا النظام.

    أكثر الأنظمة الانتخابية حرية لا يمكن إلّا أن يكون وهماً. «مَن يقول سلطة، يقول هيمنة. وكل هيمنة تفترض وجود جمهور مهيمَن عليه». لذلك، هدف الفوضويين «تدمير الدولة لضرب البورجوازية»، كما كان يقول بريان. لكن عملياً، تمّ رفض إمكانية قيام دولة من دون طبقات، لأن المجتمع لا يمكن أن يكون من دون طبقة «مهيمنة».

    الديموقراطية أهون الشرور
    إنّ وجود القادة ظاهرة ملازمة لكلّ أشكال الحياة الاجتماعية. وعملياً، لا يمكن الاستغناء عن القادة من الناحية التقنية. التنظيم هو المصدر الذي تولد منه هيمنة المنتَخَبين على الناخبين، المفوَّضين على المفوِّضين، المندوبين على الذين انتدبوهم. من يقول تنظيم، يقول أوليغارشية. إنّ فكرة تمثيل مصالح الشعب، الفكرة التي تتشبّث بها غالبية الديموقراطيين بعناد وثقة صادقة، وبنوع خاص الجماهير العمالية الواسعة، ليست سوى وهم. الجماهير، بذاتها، ضعيفة الشخصية وبحاجة إلى تقسيم العمل والتخصّص والإدارة. «الجنس البشري يريد أن يكون محكوماً، وسيكون له ذلك. إنّي أخجل من جنسي»، كما كتب برودون من سجنه في عام 1830، فالإنسان الفرد هو بطبيعته محكوم بأن يكون محكوماً.

    يطرح المؤلّف، في ختام كتابه، مجموعة أسئلة ما زالت من دون جواب. ويستنتج أنّه يستحيل إيجاد نظام اجتماعي يجعل التحقيق الكامل لمفهوم السيادة الشعبية أمراً ممكناً. لذلك، يطرح الحلّ «التشاؤمي» الذي يقدّمه لنا التاريخ لهذه المشكلة، ويتساءل عمّا إذا كانت الديموقراطية الحقيقية ممكنة.

    أمّا بالنسبة إلى وسائل اتّقاء الأوليغارشية، فقد كشف لنا التاريخ بشكل كبير عجزها وعدم فعاليتها. فكلما أردنا مواجهة هيمنة القادة بواسطة قوانين، فإن هذه الأخيرة هي التي تنتهي بالانصياع والاستسلام وليس القادة. وبالتالي، فإنّ على كاهل التربية الاجتماعية تقع مسؤولية المهمّة الكبرى المتمثلة في رفع مستوى الجماهير، بهدف وضعها، ضمن حدود الممكن، في مواجهة النزعات الأوليغارشية التي تهدّدها.

    استناداً إلى عدم أهلية الجماهير، كما يستخلص الكاتب، فإنّ الديموقراطية في أيامنا هذه، وبالنسبة إلى المثالي، مصدر خيبات أمل مريرة وحزن محبط، والأخطاء الملازمة للديموقراطية أكيدة جداً للأسف، لكنّها لا تزال تشكّل أهون الشرور. كما أنّ الأوليغارشية وريثٌ طبيعي للديموقراطية الفاشلة، لأنّ كل تنظيم يحمل بذرة الأوليغارشية، فيتحوّل الالتزام إلى إلزام و«الزعيم إلى إله أو عرّاب أو ديكتاتور».

    هذا الكتاب تأسيسي، وكأنه كُتب بالأمس القريب، يحاكي أزمات راهنة ويحمل أجوبة لأسئلة مزمنة، كما يساعد على فهم أزمة الأحزاب العربية عامّة، واللبنانية بشكل خاص. كذلك، هو يفضح وهم إقامة ديموقراطية حقيقية، ويدلّل على أنّ هدف الفوضوية بتدمير الدولة يعزّز اللاستقرار، فيستنتج أنّ الأوليغارشية تبقى الممكن الواقعي الوحيد.

    باختصار: وهمُ الديموقراطية هو أفضل الآمال، ولن تكون الجماهير سيّدة إلّا بطريقة مجرّدة. والسؤال الملح الذي يطرح نفسه: كيف يمكن تحقيق ديموقراطية مثالية؟ أما الجواب، فمؤجّل.
    يقول جان جاك روسو، في «العقد الاجتماعي»: «لم توجد ديموقراطية حقيقية على الإطلاق. ولن توجد على الإطلاق». كما أن الفوضوية حلمٌ مثاليٌ غير ممكن تحقيقه، لذلك الأوليغارشية هي السائدة الوحيدة بأشكال وأساليب مختلفة. أمّا جماهير هذه الخيارات، فتعاني من حالة خيبة وحيرة وتنتظر 

    *

     أوليغارشية أميركا والغرب

     الولايات المتحدة، ومعها كندا، من مجتمع صناعي صاحب طبقة وسطى، إلى مجتمع خدماتي ريعي تحكمه أوليغارشية مالية لا تكترث إلى مصير الأكثرية.

    الاحتكار هو سمة الرأسمالية الريعية المالية التي استطاعت تسخير المشاركة الشعبية سياسياً في نظام سياسي يُسمّى بالديموقراطية يقوم على أن المال يختار المرشح ويوصله إلى المسؤولية التنفيذية والتشريعية. في الواقع أصبحت ثقافة الاستدانة والريع الطريق الفعلي للعبودية لأن معظم العمليات المالية والهندسات كانت تستند إلى الدين كوسيلة وكرافعة للمردود على الرأس المال. فالتفكيك الصناعي في الولايات المتحدة نتج من أمولة رأس المال، أي تحويل وظيفة رأس المال في الطاقات الإنتاجية، إلى استثمارات في الأسواق والأوراق المالية حيث الربحية أكبر وأسهل. لذا، تعاظم الانفصام بين السوق المالية، والسوق الفعلية للسلع والخدمات، علماً بأن هذا النوع من الاستثمار في الأوراق المالية والهندسات المالية هو ممارسة افتراسية، أي تشريع لغزو الشركات وفرض الاندماج القسري بحجة «عقلنة» النشاط أو القطاع. وتزامن ذلك، مع الهجوم على المؤسّسات العامة التي كانت تنتج خدمات عامة، مثل الكهرباء والماء وسواها بحجّة أنها الطريق إلى العبودية كما نظّر لها فريدريش فون هايك في مؤلفه الشهير «الطريق إلى العبودية» الذي نُشر عام 1947.

    فنتيجة هذا المسار، ظهر التمركز الشركاتي في معظم القطاعات في الولايات المتحدة. الإعلام المكتوب والسمعي والمرئي بما فيه التلفزيون والسينما على سبيل المثال، أصبح مملوكاً بنسبة 90% من ستّ شركات هي: كومكاست (Comcast)، أي تي أند تي (AT&T)، بارامونت غلوبال (Paramount Global)، سوني (Sony)، ديزني (Disney)، نيوزكورب (Newscorp). أما في القطاع المالي فهناك خمسة مصارف تسيطر على أكثر من 75% من الأصول المالية المتداولة في القطاع المالي، وهي: بنك أوف أميركا (Bank of America)، مجموعة غولدمان ساكس (Goldman Sachs Group)، ويلز فارغو (Wells Fargo)، سيتي غروب (Citigroup)، وجي بي مورغن (JP Morgan). وهذه المصارف الخمسة مملوكة أو تسيطر عليها، أربع شركات مالية تحدّد السياسة النقدية للولايات المتحدة وليس مصرف الاحتياط الاتحادي، علماً بأن هذا الأخير مملوك أيضاً من مصارف خاصة. أما الشركات الأربعة فهي: فيدليتي انفستمنتس (Fidelity Investments)، فانغارد غروب (Vanguard Group)، باكستريت (Backstreet)، وبلاك روك (Black Rock). وفي قطاع الطيران، تسيطر خمس شركات على 71% من سوق الطيران التجاري المدني، وهي: أميركان إيرلاينز (American Airlines)، ٍسوثويست (Southwest)، يونايتد (United)، دلتا (Delta)، وألاسكا (Alaska).

    هذه بعض الأمثلة عن التمركز في القطاعات الاقتصادية في الولايات المتحدة. وهناك دراسات عديدة وتقارير رسمية صادرة عن الإدارة الأميركية إضافة إلى أبحاث أكاديمية تؤكّد أن الميل نحو التمركز (economic concentration) واتّباع سلوك احتكاري يؤدّي إلى تراجع التنافسية والإنتاجية والإبداع. 

    سمة الاقتصاد الأميركي هو الميل نحو التمركز ما يعزّز الاقتصاد الريعي على حساب الاقتصاد الإنتاجي. والاقتصاد الريعي المتفاقم في الغرب بشكل عام، وفي الولايات المتحدة بشكل خاص، يخوض معركة تغيير وجه النظام السياسي. فالريع بحاجة إلى حماية لا توفّرها إلا الدولة، وبالتالي لا بدّ من السيطرة على الدولة! المسؤولون في الدولة، سواء كانوا «منتخبين» أو «معيّنين»، مدينون لمن أوصلهم إلى موقع المسؤولية. ليس الناخب من أوصل «المسؤول» بل من موّل المرشّح وأعطاه القدرة لإقصاء منافسيه. أما المسؤول «المعيّن» فبطبيعة الحال ولاؤه لمن أوصله. وبالتالي تمّت السيطرة على الدولة عبر إيصال شخصيات ضعيفة، رديئة في المعرفة والخبرة والأخلاق ولا رأي خاص لها إلاّ ما تمليه الجهات التي تقف وراءها.

    بروز طبقة سياسية مرتبطة بمراكز المال، أسهم في تحويل المؤسّسات الدستورية إلى مؤسّسات تحمي الطبقة الحاكمة على حساب الطبقة الوسطى والمواطن. سيطرة المال لم تقتصر على السلطة التنفيذية والتشريعية، بل وصلت إلى السلطة القضائية؛ هناك قرار شهير للمحكمة الدستورية العليا في الولايات المتحدة صدر في عام 2010 يعتبر أن الإنفاق المالي في الحملات الانتخابية نوع من التعبير عن الرأي. وبما أن الدستور يصون حرّية التعبير فيصبح الإنفاق المالي حقّاً دستورياً! لذا أصبحت العملية الانتخابية تعبيراً عمن يستطيع أن ينفق ويحرم المرشّح الذي يمتلك وسائل التمويل من إمكانية الوصول إلى الموقع المطلوب.

    الطبقة الريعية الحاكمة، وهي الأوليغارشية المالية طغت أيضاً على الجامعة والعالم الجامعي. فهي تموّل الجامعات ومراكز الأبحاث التابعة لها بهدف إنتاج متعلّمين وحاملي شهادات عالية جدّاً، إنما فاقدين للحسّ و/ أو العقل النقدي، ما يجعلها أقرب للقطيع بدلاً من روّاد المساءلة والمحاسبة. هذا التحوّل ينتج طبقة حريصة على عدم تغيير الواقع. الاقتصاد الريعي لا يمكن أن يتساكن مع العقل النقدي بل مع العقل (أو الغياب المطلق للعقل) التقليدي والنقدي. هذا ما يحصل في الغرب عموماً، وفي الولايات المتحدة أيضاً.

    من تداعيات الانضباط ضمن الأنماط الفكرية والذهنية التي لا تعارض السلطة، تدمير المهارات المبدعة والمنتجة. هكذا، تخلق الشركات الكبرى وظائف لا تعطي أي قيمة مضافة للإنتاج، بل لصورتها الدعائية. فهناك طواقم مهتمة بـ«التنوّع» العرقي، و«العدالة» بين الأقليّات العرقية والجنسية والدينية، وهي لا تقارب الإنتاجية الفعلية لا من قريب ولا من بعيد. هي طبقة لا تنتج إلّا الصورة النمطية التي تريدها المنظومة الحاكمة. والجامعات تعرض برامج تعليمية وشهادات في «اختصاصات» لا وظيفة إنتاجية لها.
     كذلك ظهرت وظائف لم تكن مألوفة مثل «المؤُثّر»
    (influencer) الذي يحدّد معايير اللباس والأكل... ووسائل التواصل الاجتماعي هي أداة فاعلة في هذا المجال، إذ خلقت حاجات لم تكن موجودة وليست ضرورية بل تعكس اللحظة والموضة فقط!
    ومع ازدياد الفجوة الاقتصادية بين قلّة لا تُجاوز 1% تستحوذ على معظم مقدّرات البلاد، وبين سائر المواطنين الذين يتقاسمون الفتات، كان لا بدّ من اكتمال «عدّة الشغل» ومنع المساءلة أو المحاسبة، ومنع التفكير في القضايا الأساسية سواء في السياسة أو الاقتصاد أو التربية أو البيئة. نصرة البيئة تشكّل القاعدة الفكرية لإلغاء الاقتصاد الإنتاجي، وبالتالي إلغاء الطبقة الوسطى. فالمجموعات البيئية تريد إلغاء القاعدة الإنتاجية المبنية على الوقود الكربونية واستبدالها بمصادر طاقة «نظيفة» ولكنها غير فاعلة ومناسبة لحاجات التصنيع. والحركات البيئية في الغرب أشدّ تطرّفاً للعقيدة وإن كانت على حساب مصالح الشعب.

    هكذا استبدلت المفاهيم السياسية، كالديموقراطية، بمفاهيم «قيمية» و«ثقافية» تلغي مكوّنات المجتمع كالأسرة والدين والأمة. فمكان الديموقراطية حلّ مفهوم مكافحة التمييز حتى في التمييز الطبيعي بين الذكر والأنثى. «الثقافة الجديدة» أو ثقافة الوك (woke culture) تعتبر التمايز بين الذكر والأنثى نوعاً من التمييز لا يختلف عن التمييز العنصري، فتسعى إلى إلغاء هذا التمييز. لذا، فإن المدارس في الولايات المتحدة تشجع التلاميذ في الحضانة والابتدائي والمرحلة الإعدادية على التنكّر للتمييز بين الذكر والأنثى.

    سمة الاقتصاد الأميركي هو الميل نحو التمركز ما يعزّز الاقتصاد الريعي على حساب الاقتصاد الإنتاجي

     نزعة العولمة المسيطرة على عقول النخب الليبرالية والنيوليبرالية ترى أن الأمة عائقاً أمام تطوّر المجتمعات. بعض المتموّلين أنشؤوا مؤسّسات تدعو إلى المجتمع المفتوح (open society)، أي المجتمع الذي أشار إليه الفيلسوف الفرنسي هنري برغسون في الثلاثينيات معتبراً أن المجتمع المفتوح تقوده الشمولية الأخلاقية بدلاً من القيم المحدودة والضيّقة في الدين وفي «المجتمعات المغلقة».

    *
    مقال لأوليجارشيات العربية
    https://www.omandaily.om/أعمدة/na/الأوليجارشيات-العربية

    الاقتصادي توماس بيكيتي: "ما وجدناه هو أن الشرق الأوسط هو المنطقة الأكثر معاناة مع اللامساواة في العالم. لديك تركّز لا يصدق في الثروات والموارد.. هذا يخلق مستوى عاليا جدا من عدم المساواة على صعيد المنطقة"، ويقول: "إن الحكومات في الغرب تحمي هذه النماذج الاقتصادية غير المتكافئة في الشرق الأوسط، ولا تدفع للوصول إلى نماذج أكثر عدالة".

    والأوليجارشيون هم سبب زيادة البطالة وانتشار الفقر، والإفراط في استخدام اليد العاملة الرخيصة المهاجرة على حساب الأمن الوطني، فهم ضد سياسات التوطين، وفي كل الأحوال يستطيعون البحث لأموالهم عن ملاذات ضريبية آمنة، ولا يساهمون في التنمية الحقيقية للبلاد بمشاريع تلبي حاجات المجتمع والأوطان رغم ضغوطاتهم المستمرة على الحكومات للانصياع إلى مطالبهم المنحازة.

    29‏/08‏/2022



    الخميس، 5 ديسمبر 2024

    التعلق هو مصدر الألم

    العالم مرآة القلب: كيف نتخلص من المعاناة ونصل إلى السعادة؟

     ما نتعلق به هو في الواقع ليس سوى مجرد مفاهيم وأوهام، كذلك علينا أن ندرك أن كل شيء أمام أعيننا سيختفي في النهاية، وأن ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا سيتحول إلى  ذكريات يبتلعها فم كبير يسمى النسيان، وأن الشيء الوحيد الذي يمكننا السيطرة عليه هو عقلنا، فهو الذي يحدد حاضرنا، والشيء الوحيد الذي نستطيع أن نسيطر عليه هو حاضرنا. كما يقر الكاتب هنا أن جوهر العالم هو المعاناة، ولأن الحياة معاناة فنحن بحاجة إلى روح تستطيع أن تجعلنا نحيا في «نعيم»، مشيرا إلى أن نعيم العالم الدنيوي مشروط، بينما نعيم العالم الآخر غير مشروط، ونعيم هذا الأخير هو التخلص من التعلق والوصول إلى التسامي، بعد اكتشاف الحقيقة التي هي مضمون هذا الكتاب الذي يرى فيه أن التغيير شرط أساسي لاستمرارية الحياة، وأن العالم لا يتوقف عندما نكون سعداء، ولن يتوقف كذلك للحظة بسبب معاناتنا، كما يقول إن الخوف من المجهول يرجع تحديدا إلى مقاومة التغيير،

    البشر مثيرون للدهشة، لأن معظمهم يرغبون فقط في قبول الجانب الممتع من الأشياء، ودائما ما يتجنبون الجانب غير السار بشكل لا شعوري، لذلك فهم دوما لا يرغبون في تحمّل عواقب اختياراتهم. كذلك يدعو الكاتب قارئ كتابه إلى أن يستشعر العالم والعيش والحياة بقلبه، وعليه أن يتحدث إلى روحه، أن يستخلص أبسط الحقائق من مختلف ظواهر الميلاد والموت

     الحب، هي السعادة، وأن كثيرين ممن يعتقدون أنهم يعرفون كيف يكونون سعداء، لا يعرفون ما هي السعادة الحقيقية، إذ يرون أن المتعة التي يشعرون بها عندما تتحقق رغباتهم على أنها سعادة حقيقية، مؤكدا دوما، أنه لا يريد تغيير العالم، ما يشريده هو تغيير نفسه فقط، ولا يريد أن ينير العالم، هو فقط يريد أن ينير نفسه، ولا يريد استخدام الأدب لجعل العالم يستمع إليه، ولا يريد استخدام الكتابة للترويج لشيء ما، هو فقط يتحدث مع نفسه في عالم الكلمات، وكل أهدافه أن يحصل على الحرية والسعادة ليس أكثر.

    الكاتب الذي يعتنق مبدأ أن كل شيء يمر، وأنه لا شيء يظل إلى الأبد

    عندما نتقبل كل أقدارنا برضا، بما فيها تلك الأشياء التي لا يرغب معظمنا في قبولها، سنجد أنه مهما كان حجم الشيء فهو مجرد ذكرى، سواء أكان ذلك هو الشيء نفسه، أم مشاعر الألم والخسارة، فكلها ستمر في النهاية ولن تدوم إلى الأبد، مثلما يطرح هنا عددا من التساؤلات منها، ما هي السعادة الحقيقية؟

    أجسامنا تتغير باستمرار، وأيضا أفكارنا وعاداتنا بسبب التجارب المختلفة، فنحن لسنا الشخص نفسه الذي كنا عليه أمس، ولا الذي كنا عليه قبل ثانية واحدة، ربما سئمنا من الأشياء التي أحببناها العام الماضي، أو حتى الأشخاص الذين أحببناهم من قبل، سئمنا من طريقة معينة في الحياة، وجهات نظرنا تشبه السحب في السماء يتغير مظهرها باستمرار، مشيرا إلى أن كثيرا من الناس يعيشون تحت تأثير خداع الوهم، لكنهم غالبا لا يعرفون أنهم كذلك، لافتا نظرنا إلى أن الأشخاص المهووسين بالمكاسب والخسائر الشخصية، دائما ما يكونون عُرضة للمشاكل والآلام أكثر من غير الأنانيين، لأن لديهم الكثير من الرغبات التي لا يمكن إشباعها، كما أنهم يهتمون بنظرة الآخرين لهم، وموقف العالم تجاههم، وما إذا كانت جهودهم ستحظى بالتقدير أم لا، كما توصل هنا إلى أن حياتنا وهمٌ عظيم، ومن يدرك هذه النقطة يواجه كل ما في حياته بهدوء، دون أن يحكم عليه بالخير أو بالسوء، ولا بالإعجاب أو الكره، وبعدها سيتذوق كل شيء في حياته، وسيعيش في سلام وسعادة، أو يمكن أن نفعل مثلما فعل الكاتب بأن نعثر على طريقة لخلق قيمة لا تُمحى بمرور الوقت، وإنشاء خلود نسبي وسط الوهم المتغير، متسائلا أليست هذه الحياة سعيدة بما فيه الكفاية؟

     العطاء هو أعظم الفضائل، والأعمال الصالحة هي سر كسب المال، فهي كالزراعة يجب أن تزرع البذور في الحقل لتُزهر وتؤتي ثمارها، ناصحا قارئه ألا يندم على الماضي، ألا يقلق بشأن المستقبل، أن يتمسك باللحظة الحالية، أن يبذل قصارى جهده لفعل ما يتعين عليه فعله، أن يجلب بعض الأشياء المفيدة للعالم، وما بقي يتركه يجري حسبما قُدّر له،

    في العالم الخارجي يمكن أن يغير شيئا يتعلق بك بشكل جذري، لكن ما يُغيرك هو قلبك الذي حينما يتغير يتغير معه كل شيء، وحينما لا يتغير لا يتغير أي شيء.



    الأربعاء، 4 ديسمبر 2024

    "الإنسانية" (Humanism) عصر "ما بعد الإنسان" (Posthumanism)

    "تجاوز الإنسانية" (Transhumanism)، و"الفوق إنسانية" (Meta-Humanism)

    "السايبورغ" (الروبوتات الإنسانية أو الشبيهة بالإنسان)، ناهيك عن المفاهيم المرتبطة بتطور التكنولوجيا البيولوجية، إضافة إلى زيادة اندماج الإنسان بالبيئة وصعود عصر "الإنثروبوسين"

     عصر النهضة في القرن السابع عشر

    نقلت ثقل التركيز من "اللاهوتية" إلى "الإنسان"

    تلبية الاحتياجات والرغبات بدلاً من الاعتماد على الآلهة والمعتقدات الغيبية التي سادت أوروبا خلال العصور الوسطى. فكانت فلسفة الإنسانية هي رد فعل ضد الاستبداد الديني في أوروبا في العصور الوسطى وانتشار الأساطير الدينية وتفسير العالم مصائر البشر بناءً عليها. فوفقاً للكتابات الغربية، انتزعت حركة "الإنسانية" السيطرة على مصير الإنسان من الإله ووضعته في أيدي أفراد عقلانيين، وكان المقصود بالعقلانيين في ذلك الوقت "الرجال البيض". وعلى الرغم من ارتباط هذه الفلسفة بعصر التنوير وتحرير الإنسان؛ فإنها في واقع الأمر اعترفت فقط بعقلانية "الرجل الأبيض"، وكان البشر من دون البيض "أقل إنسانية".

    ارتكزت حركة "الإنسانية" على معتقداتها الراسخة بالقيمة الفريدة والوكالة والتفوق الأخلاقي للبشر على كافة الكائنات الأخرى

    مركزية الإنسانية" (humancentric)

     

    الجمعة، 22 نوفمبر 2024

    ترجيح مطالب الجماعة على حقوق الفرد

      سائد بدرجة أكبر في المجتمعات التقليدية، التي تميل لإعلاء الرابطة الاجتماعية، ولو أدى إلى خرق حقوق الأفراد.

    كانط، الذي يُعد أبرز آباء الفلسفة المعاصرة، قد طالب كثيراً باحترام كرامة الإنسان الفرد، وعدم اتخاذه أداة أو وسيلة. الإنسان - وفقاً لهذه الرؤية - غاية في ذاته. وكل ما يفعله هو أو غيره ينبغي أن يستهدف إسعاد هذا الكائن العاقل ورفعته. يمكن للفرد أن يعمل على إسعاد غيره، في الوقت الذي يعمل لسعادته الخاصة أيضاً. لكن لا يصح استغلاله أو التضحية به في سبيل إسعاد الغير.

    يجيب كانط بأن ملاحظة انعكاس الفعل - ولو بصورة افتراضية - على الذات هو الذي يكشف لنا عن حقيقته.

    الميل العام لترجيح مصالح وحقوق الجماعة على مصالح الفرد وحقوقه قد ينطلق من مبررات معقولة، في حالات كثيرة، لكنه ينطوي على مشكلة أخلاقية واضحة. فالمسألة هنا لا تتعلق بعدد المستفيدين، بل بالفعل نفسه: إذا قبلنا بفعل خطأ؛ لأنه يخدم أكثرية الناس، فقد وضعنا تشريعاً يجعل الخطأ مقبولاً وقابلاً للتطبيق. وإذا كان ضحيته، اليوم، شخصاً واحداً، فقد يكون ضحيته غداً آلاف الناس. المسألة إذن تتعلق بالفعل نفسه، وليس بعدد الذين يقع عليهم.

    *


    فهمي جدعان تحويل الإسلام إلى أيديولوجيا

    ‏/06‏/2020
    تحويل الإسلام إلى أيديولوجيا  تغرق الدين في السياسي
     مكيافيلية سياسية غير أخلاقية
    هوية دين الإسلام الحقيقية تكمن في مقاصده

    للخروج بالأمة العربية إلى الحداثة

    حيثما ظهرالعدل فثمّ شرع الله

    *

    محنة التقدم بين شرط الإلحاد وبين لاهوت التحرير

    خلل معرفي
    الحداثة المتأخرة

    الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية وحقوق الإنسان

     شطحات العقل المأزوم

    (خصاء منهجي) 
    القطيعة مع التراث‎ التاريخي (عبدالله العروي)، نقد التراث (عصابة ‎تکوين)، تجديد الخطاب الديني، وامتهان المدونة الحديثة والفقهية (إسلام البحيري)، تحقير وسب المقدمات والرموز الإسلامية (يوسف زيدان)، التنكر والامتهان للقضايا القومية الصميمية، وبوجه خاص للقضية الفلسطينية (إبراهيم عيسى والميديا/ الغوغائية المتواطئة)، الجراءة المسرفة في الجهر الفج بالإلحاد وتحقير عقائد المؤمنين (فراس السواح، الذي عرج إلى السماء وتحقق بأم عينه من أنه لا وجود للجنة وللنار!)، وزعم مغالطيّ جانح أن «الإلحاد شرط للنهضة» (أدونيس وآخرون).

    مثقفي «الحداثة الراديكالية»
    «فعل الإيمان» لا/ ارتكاسه الإلحاد، هو حاكم هذا التقدم
    المعاني الحقيقية للحداثة والتنوير تظل غائبةً
    الاستمتاع اللّاذّ والاستفزاز القبيح بمديح الإلحاد في ذاته، «نكايةً» في المؤمنين، يخفي عيوبًا قد تكون عند بعضهم تكوينيةً أو «جِينية».

    وبدءًا، ما الإلحاد؟ بكل بساطة ووضوح هو، فلسفيًّا، إنكار وجود «علة شخصية» فاعلة، مستقلة عن العالم، عاقلة، مبدعة أو خالقة لهذا العالم. حين تكون هذه العلة «مُفارِقة»، أي ليست هي العالم، تكون في حدود: «فلسفة في الخلق»، وحين تكون هذه العلة «محايثة» أو «باطنة» في العالم تكون في حدود فلسفة في «وحدة الوجود»، مباينة كل المباينة لمبدأ الخلق، أي الخلق من العدم، ونكون في الآن نفسه خارج حدود ديانات الوحي، التي تعلّق «الإيمان» على عقيدة الخلق أو الإبداع لا على عقيدة المحايثة ووحدة الوجود. وذلك يعني أن «فعل الإيمان» الديني الذي هو النقيض الجذري للإلحاد، يستند إلى مبدأ تعليق وجود العالم على إرادة «شخصية» مفارقة، عاقلة، فاعلة، خالقة، لها بالإنسان علاقة. حين تتدخل هذه العلة المفارقة في العالم المباشر، الشاهد، أي بالإنسان، يتبلور الدين بما هو «طريق للحياة».

    الخيار العملي الأخلاقي، أي في مقولة الفعل. أبرز هذه الأشكال اثنان.
    الأول عقليّ وعمليّ منخرط في العالم، الثاني صوفيّ منحصر في الذات، ارتكاسيّ. يتبلور الأول في شكل إيجابيّ فاعل للدين، ويتشخص الثاني في شكل للدين سالب، طارد، انعزالي «ميثيّ». 

    التمييز بين الدين بما هو حافز على النهضة والتقدم، وبين الدين بما هو مضاد للنهضة والتقدم.

    «لاهوت تحرير» إنساني شامل انطوى معنى الألوهية فيه لا على خالص الحياة الروحية المعلقة في فضاء الميتافيزيقا للصوفية المتمترسة في أحوال المؤمن الذاتية الخلاصية، وإنما على عملية «غزو حضاريّ» وتحرير من أوهام الوثنية والأهواء والخرافة والسلطات الزائفة، أي نزع غلائل السحر عن العالم وبناء نظام العلم والعقل والقانون والإبداع والخلق والفعل والحرية، أي تفجير الطاقات النظرية والعملية للمؤمنين الجدد، وإعداد هؤلاء المؤمنين لبناء عالم حضاريّ جديد مثّل غزوًا روحيًّا وماديًّا وتمدينيًّا كونيًّا وأدرك مداه في العصر العباسي الثاني مرسلًا وجوهه وظلاله إلى جميع العوالم التي عرفها الكون المعمور.

    مثّلات للدين مضادة للإبداع والفعل والحرية. وهذه التمثلات هي التي تحكم في زمننا الحديث «الوضع الديني»

    «رؤية سحرية» يتمظهر فيها الدين بما هو نشاط تعبدي شكلاني طارد يستكين فيه المؤمن إلى المهانة والاستبداد والذل وغياب الكرامة والنبل، ولا يطلب إلا الفوز بحُسْنيَيِ النفع الدنيوي والجنة. بذلك كفّ الدين عن أن يكون مبدأ حرية وتحرر من القيود والأوضاع التي خرج عليها في مبدأ زمنه التأسيسي؛ أي أنه كفّ عن أن يكون «لاهوت تحرير».

    لا يعني أن هذا الوضع مطلق قطعيّ

    الدين مناهض للتقدم أو بأن الإلحاد شرط للنهضة، وبأن النهضة مستحيلة أو غير ممكنة في فضاء الإيمان، وأن الحداثة والتنوير تقضيان باختيار الخروج من الإيمان وتمثّل الإلحاد للنهوض والتقدم.

    الدين بما هو «لاهوت تحرير» وبين الدين بما هو أيديولوجيا «ميثية»، سكونية، سالبة، سحرية، عدمية، يشي بوضوح بأن مقالة الإلحاد، بما هو شرط للتقدم، لا تستقيم إلا في حدود تصورات سالبة عدمية للدين لا في حدود الدين بما هو لاهوت تحرير.

    رؤية تحصر وجود الإنسان بواقعه الزمنيّ المباشر، الواقع العابر الزائل الذي لا يملك المرء شيئًا آخر سواه، وليس أمامه إلا ما يمكن لهذا الواقع أن يقدمه من معاني الرضا والسعادة والاكتفاء والمتعة الذاتية الخالصة التي يمكن أن تحفز على الفعل والإنجاز والإثمار والتحسين الدنيوي الخاص، أي أن الإلحاد يقترن اقترانًا عضويًّا بمبدأ اللذة الأبيقوريّ، وهو مبدأ ذاتي فرداني يطلب سعادة الفرد وخلاصه، لا سعادة المجتمع أو الوطن.

    من هذه الجهة، لا يطلب «تقدمًا اجتماعيًّا» أو «نهضة» شاملة، وإنما هو يطلب «تقدمًا ذاتيًّا». وبهذا المعنى هو لن يكون مبدأ لما جرينا على أن ننعته بالنهضة أو التقدم، وإنما هو مبدأ للسعادة الدنيوية الذاتية الخالصة. وأعظم من ذلك وأجلّ أن التقدم أو النهضة أو الإصلاح معانٍ ومواقف وأفعال، وكل ذلك يطلب الإقدام والتعلق بمبدأ إنكار الذات والجنوح العميق، بل الجذري، إلى «التضحية».

     إذا أقدم هذا الشخص الملحد أو ذاك على «فعل تضحية» -وذلك ما تشهد به أحوال كثيرة- فإن معنى الإلحاد هنا لن يكون هو المعنى الذي يثوي خلف هذا الفعل، وإنما معنى آخر يمكن تفسيره في فضاء الكينونة العميقة لذات الفاعل.

    خروج الإنسان من قصوره

    «خروج الإنسان من قصوره الراجع إليه هو ذاته»
    غياب العزم والجرأة في استخدامه دون قيادة الآخرين، أي أن مَرَدَّ ذلك كله إلى الكسل والجبن وغياب الجرأة والانقياد إلى سلطة خارجية والاستسلام إلى قيود تعزز القصور الدائم. لكن التنوير الذاتي والخروج من القصور ممكنان، بل إنهما مُحَتمّان إذا كان المرء متمتعًا بالحرية، يفكر اعتمادًا على نفسه لا على أوصياء عليه. والحرية الضرورية هنا، القمينة بتحقيق إصلاح حقيقي هي «الحرية الأقل ضررًا»، وهي استعمال العقل في كل الميادين بروية ودون الخضوع إلى «الطاعة» المقيدة للحرية؛ لأن تقييد الحرية يعوق التقدم في التنوير (كتابي: «معنى الأشياء»).

    معنى التنوير هو أنه يتقوّم بثلاثة مبادئ أساسية: العقل والاستقلال الذاتي والحرية. هذا هو الوجه الحقيقي للتنوير. لا شيء من هذه المبادئ الثلاثة يفرض القول بالإلحاد. لا العقل، ضرورةً، ولا الاستقلال الذاتي فعلًا، ولا الحرية إطلاقًا؛ إذ كل مبدأ من هذه المبادئ يفتح بواباته على الإيمان، مثلما يفتحها على اللاأدرية، أو على الإنكار، 
    كانط مؤمن

    «العقل النظري» لم يساعده على إدراك يقين الإيمان، لكن «العقل العملي»، زوّده بهذا اليقين وأنار له وجه الحق في المسألة

    مفاتيح الحداثة التسعة

    لفيلسوف جان مارك بيوت في كتابه «مفاتيح الحداثة التسعة».
    الحرية الفردية، المساواة بين الأفراد، العقل في خدمة الهوى، أسبقية أو أولية العمل على الحكمة، والنبل على الدعاء (الصلاة)، أولية الحب على الإنجاب، أولية السوق على الجماعة، الديمقراطية التمثيلية نموذجًا جديدًا للنظام السياسي، أولية الأمة على الدين، الدين قضية شخصية. لا شيء من أي من هذه المفاتيح ينطوي من قريب أو بعيد على معنى الإلحاد. أي أن الحداثة نفسها غير ذات صلة جوهرية بواقعة الإلحاد.

    لإلحاد وبالإيمان هو تقديم الدنيوي على الديني، وردّ الدينيّ إلى حدود الفضاء الشخصيّ أي إلى العلمانية، لكن العلمانية في ذاتها -وبما هي استقلال للعقل الإنساني في وضع النظم والشرائع الاجتماعية والسياسية، وإقامةُ علاقة فصل أو حياد بين الدين والدولة ومؤسساتها القانونية- لا تعني إطلاقًا الإلحاد بما هو إنكار للألوهية والدين. ثمة بكل تأكيد علمانيون فاقدون للإيمان، لكنْ ثمة أيضًا علمانيون مؤمنون، لكن تمثّلهم للإيمان يظل تمثلًا شخصيًّا ولا يتجاوز ذلك إلى التدخل في طبيعة النظم السياسية والاجتماعية والتشريعية للدولة.

    الحداثة لا تطلب، إثباتًا أو نفيًا، هذا المعنى أو هذا الموقف الذي هو الإلحاد. من أين تأتي إذن الدعوى العريضة، المغالِطة، دعوى تعليق النهضة أو التقدم على ضرورة الإلحاد؟ هي ليست، في حقيقة الأمر، دعوى عقلية- ميتافيزيقية أو فلسفية أو عُمرانية- وهي ليست دعوى مؤسسة على حس نقدي وضعي، أو على محاكمة منطقية ذات علاقة بالواقع الشاخص. وتعليقُها على التنوير وعلى الحداثة محض تضليل وخداع. وكذلك هي ليست تمثلًا ضاربًا في العلمانية الغربية نفسها أو في مطلق التحليل العلمي.

     «قول كاذب»، «استِهامِيّ» وهوائيّ.

    لا ينبغي للشعراء والروائيين وأضرابهم أن يتحولوا، بأهوائهم وأوهامهم واستيهاماتهم، إلى مفكرين وفلاسفة، ويخوضوا في قضايا تعجز أحلامهم ومداركهم عن رؤيتها بوضوح وحكمة ونزاهة وحُسْن طوية.



    السبت، 16 نوفمبر 2024

    تأثير زيجارنيك

    حلقات دماغية مفتوحة محتاجة اغلاق 

     جمع كل المهام غير المكتملة في صفحة 

     التنظيم حذف ام دقة وتحديد 

    الامور القابلة لتنفيذ تركها يوم لتختمر بالعقل ام احذفها 

    الكثير من المهام التي نخشاها والتي تستغرق بضع دقائق فقط. قد لا يبدو تحديد موعد مع طبيب الأسنان أو تنظيف سجادتك بالمكنسة الكهربائية أمراً سيجلب لك السعادة، لكن العلم يُظهر أن تنفيذ هذه الأمور يؤثر حقاً في راحتنا النفسية.

    *

    نشعر بتحسن من خلال مدح شخص آخر

    أخبر شخصاً غريباً بأنك تحب حذاءه أو حقيبته. اكشف لزميل أنك تعتقد أنه قام بعمل جيد، أو ذكّر صديقاً بمدى تقديرك له

    قد تعزز هذه المجاملة السريعة مزاجك لفترة أطول مما تعتقد


    الخميس، 24 أكتوبر 2024

    أولوية الدولة على المجتمع

     أسئلة وقضايا زائفة ومزيفة من قبيل الأصالة والمعاصرة، التراث والحداثة، الهُوية والتغريب

     عصر أضحت تُدار فيه الدول كما تُدار الشركات الدولية، وانقرضت فيه السياسة، وتحول فيه المجتمع إلى حمل ثقيل يتوجب على كل إدارة للأزمة أن تسعى إلى حصاره وترويضه أو حتى تهجيره.

    هذا التراجع للفكر النقدي على مستوى العالم، والذي يعود بالأساس إلى نوع الثقافة التي تسوق لها النيوليبرالية، وأشكال المعارضة التي تخلقها لتعطيل كل معارضة حقيقية، لا تكتفي بنقد الفاشية أو نقد الشعبوية أو نقد الأصولية، ولكنها تربط كل ذلك بالمنطق الداخلي للنظام الرأسماليّ.

    الاكتفاء بالتفرج على العالم وإدانة كل محاولة لتغييره، ومضى آخرون للتغني بأمجاد سحرية لا نعيشها إلا على مستوى الخيال. أما "الكهنة الصغار" للواقعية السياسية، فسيحذفون من معجمنا السياسي كل مفردات المقاومة والتحرر.

    لا يمكن لأشدنا تفاؤلًا أن يصف عالم اليوم بكلمة أكثر دقة من كلمة "سيئ"، بل قد تكون هذه الكلمة متسامحة إلى حد كبير مع واقعنا، إذا ما انتقلنا من العالم الأول إلى العالم الثالث، أو إلى ذلك العالم الذي أضحى موضوعًا – ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية – للحروب الرأسمالية.

     أزمات المركز تزداد استفحالًا في دول الأطراف

    المجتمعات العربية اليوم: حروب استعمارية ونيواستعمارية، استفحال للطائفية والمذهبية والقبلية، استحكام لقبضة الاستبداد، هيمنة مطلقة للمنطق النيوليبرالي، انفصال للدولة عن المجتمع، ضياع جيل بأكمله في أحلام الهجرة والهروب، سيطرة لأنظمة رجعية على الثقافة العربية، وتحديدها أيضًا لما يجب على الإسلام أن يقوله وما لا يجب.

    ما التفكير في عالم سيئ؟". وهو ما يعني أنه ليس بالإمكان أن نفكر من خارج السؤال السياسي وأولويته، وما يرتبط بذلك من ضرورة إعادة النظر بالمؤسسات العلمية القائمة وعلاقاتها بالسلطة.

    مجتمع زائف حتمًا، يتعارض مع مصالح أفراده، فإن أي معرفة تخضع للقواعد الثابتة لعلم هذا المجتمع تشارك في زيفه". وفي لغة هوركهايمر: "لا يتمثل هدف التفكير في مراكمة للمعرفة كما هي، ولكن في تحرير الإنسان من أشكال الاستعباد التي تقبع فوقه".

     ظل عالم سيئ، يتوجب التشكيك بدعاوى الحياد العلمي أو استقلال الحقل العلمي. إن المعرفة لا تكتمل إلا حين تنتقل من نقد العقل إلى نقد العقل الاجتماعي. الضحية وحدها من تقول الحقيقة.


    الثلاثاء، 15 أكتوبر 2024

    النوم

     تصورنا للنوم، وحالتنا المزاجية عند تقييم شعورنا بالتعب وما نفعله في ذلك الوقت يمكن أن يحدث فرقا.

     الحالة النفسية في الواقع هي الدافع الرئيسي وراء الشعور بالأرق، ويتقطع النوم عندما نعاني من شيء يحفز حالتنا النفسية، وهي غالبا مجموعة أفكارنا ومعتقداتنا وطريقة تركيز انتباهنا.

    الأشخاص في مجتمعات الصيد ينامون في الليل مدة تتراوح بين 5.7 و7.1 ساعة مقارنة بالمجتمعات الصناعية، كما أن نومهم أكثر تقطعا.

    يقول الباحثون: "يجب اعتبار الحاجة إلى النوم ديناميكية، مع إمكانية التكيف والاستجابة للظروف البيئية، وهذا يعني أنه لا يوجد عدد ساعات مثالية من النوم للفرد في كل المواقف والأوقات. إن ساعات النوم تتفاوت بين الأشخاص كما تتأثر بالعوامل البيئية والثقافية والنفسية والفسيولوجية، ويجب أن تكون متوازنة مع الاحتياجات والاحتمالات المختلفة للسلوكيات".

    الشعور بالرضا عن النوم، حتى لو لم يكن جيدا بشكل موضوعي، لا يؤثر فقط على مدى شعورنا بالتعب، بل قد يؤثر أيضا على مدى أدائنا الجيد طوال اليوم.

     

    الأربعاء، 9 أكتوبر 2024

    المدارس الكلامية والفلسفية والصوفية في الإسلام

    مع الشيعة وكتّاب الحقبة البويهية (الشيخ المفيد، وأبو جعفر الطوسي، وغيرهما)، ومع السنّة (أبو حامد الغزالي، وفخر الدين الرازي)، ومع التصوف (الجنيد، وأبو طالب المكي، وابن عربي)، ومع المعتزلة (القاضي عبد الجبار، وابن أبي الحديد).

     

    البكتاشية.. خلطة من التصوف والتشيع والمسيحية

      ديفيد روبرتسون في كتابه الغنوصية وتاريخ الأديان- ما يسمونه المعرفة الباطنية الروحية الشخصية ويقدمونها على التعاليم والتقاليد والأوامر الدينية، وهي معرفة بالنسبة لهم محصورة في فئة معينة، ترتقي فوق عامة الناس الذين لا يعرفون إلا ظاهر الأمور.

     2001 بعنوان "الصوفيون والبدو والزنادقة تاريخ انتشار المذهب الصوفي الإسلامي في آسيا الوسطى وتركيا" فإن البكتاشية طريقة تمزج بين التصوف والتشيع، متساهلة لدرجة أنها لا تلزم أتباعها بكل واجبات الإسلام، كما أنها منفتحة على الديانات والفلسفات الأخرى لدرجة الاقتباس منها.

     الكاتب البريطاني سينكلير أن الطريقة البكتاشية هي الأكثر ليبرالية من بين الطرق الصوفية، حيث تقوم على مبادئ روحانية فضفاضة وتنبذ ما تسميه العقيدة الجامدة.

    "وحدة الوجود" الذي وضعه محيي الدين ابن عربي، ويعتبره أغلب علماء المسلمين مفهوما باطلا، لأنه لا يفرق بين الخالق والمخلوق.

     التقديس المفرط لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، باعتباره المفسر الوحيد للمعنى الباطني للقرآن الكريم والوريث الشرعي للنبي محمد صلى الله عليه وسلم والأحق بالخلافة من بعده.

     البكتاشية تؤمن بما يؤمن به علماء الدين الشيعة من أن عليا هو البوابة الوحيدة للتفسير الروحي للقرآن، في حين يعتبر النبي محمد صلى الله عليه وسلم ناطقا بالرسالة، أي بالقرآن.

     تتلخص هذه العقيدة في اعتبار محمد صلى الله عليه وسلم الوسيلة التي تجلى بها القرآن في مستواه الظاهر (الحرفي) للبشرية، في حين يجسد علي رضي الله عنه المعرفة الباطنية (الخفية) للقرآن.

    يحتفل البكتاشيون بعيد النوروز الفارسي باعتباره عيد ميلاد الإمام علي، ولديهم إيمان يما يسميه الشيعة الأئمة الاثني عشر، كما أنهم حريصون على تخليد عاشوراء إحياء لذكرى مقتل الحسين رضي الله عنه في كربلاء، ولديهم طقوس خاصة في هذه المناسبة، حيث يصومون ما يسمونه المأتم التذكاري ويمتنعون عن شرب الماء لمدة عشرة أيام متتالية.

     التثليث عند المسيحيين، لكن ثالوثهم هو الله ومحمد وعلي، ويرون أن "محمدا وعليا كيان موحد واحد".

     وجبة مقدسة تشبه وجبة العشاء الأخير عند المسيحيين، والاعتراف سنويا بخطاياهم أمام البابا لتغفر ذنوبهم، في ما يشبه صكوك الغفران المسيحية.

    • العاشق: ويُطلق على أعضاء المستوى الأول اسم "عشاق" وهم المبتدئون.
    • المحب: بعد الانخراط في نظام البكتاشية والانجذاب إليه يصبح المرء محبًا.
    • الدرويش: يطلق على من أصبح متمكنا من طقوس الطريقة البابا، وهو الذي يتولى رئاسة التكية أو الزاوية، والمؤهل لتقديم التوجيه الروحي.
    • الخليفة بابا: ويلقب بالجد أيضا، ويمثل أعلى سلطة في النظام البكتاشي، ويسمى مقر إقامته بيت القديس، وكان يقع بجانب ضريح مؤسس الطريقة الحاج بكتاش ولي في مدينة هاجيبكتاش في تركيا قبل أن يتم نقله إلى تيرانا عاصمة ألبانيا.
    بعد الشيوعية 1991 جماعة البكتاشيين لم تتقبل هذا التوجه الجديد الداعي إلى إعادة إحياء الإسلام السني في ألبانيا، فالبكتاشية حققت انتشارًا واسعًا في البلد بسبب مزجها بين التعاليم الدينية الإسلامية والمسيحية، وسماحها لأتباعها بجميع المُتع واعتمادها منهجًا ليبراليًا متساهلا تجاه الواجبات الدينية، ويتوافق هذا مع طبيعة المجتمع المحلي من سكان الجبال والقرى الذين يميلون إلى عدم الالتزام عمومًا.

    على إثر ذلك، أعلنت الطائفة البكتاشية انفصالها عن جماعة المسلمين في ألبانيا التي يغلب عليها الطابع السني، وهو انفصال شرعته السلطات الألبانية، وباتت البكتاشية منذ 2001 تتمتع باستقلالية كاملة كمؤسسة دينية رابعة بعد الجماعة المسلمة في ألبانيا التي تمثل المسلمين السنة وأتباع الكنيسة الأرثوذكسية ومنتسبي الكنيسة الكاثوليكية.

    في مارس/آذار 2021 قام الصحفي اليهودي بيني زيفر بزيارة لمقر الطائفة البكتاشية في ألبانيا والتقى زعيمها، ونشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية مقالا لزيفر، تحدث فيه عن تلك الزيارة وعبر تقديره لتقاليد الحركة وتصوفها وطقوسها واعتبر أنها تشبه طقوس حركة يهودية تسمى طائفة السبتيين الذين وصفهم بأنهم متدينون في المظهر الخارجي فقط، وأنهم يمارسون فيما بينهم أنواع الفجور.