Mar 10, 2019
09/01/2022
منذ نشأتها تضمنت الأديان دائماً ثنائية الخير والشر والصراع بينهما كميكانيزم أساسي لعمل الكون، ففوق كل الكائنات الأرضية هناك كائنان يمثلان الخير والشر يتصارعان وتتوالى الأحداث على الأرض بين النوائب والرخاء كنتيجة لهذا الصراع.
بابل فقد كان هناك صراع دائم بين قوى الخير والشر منذ بداية قصة الخلق البابلية، والحرب بين الإله "مردوخ" وإلـٰهة الشر "تعامات" التي انتصر فيها مردوخ في النهاية.
وعند المصريين القدماء سمي إله الشر "ست"، ووصفت الأساطير الصراعات بينه وبين أخيه "أوزوريس" الذي يمثل الخير والعدل.
وفي الزرادشتية سمي إله الشر "أهرامان" وإله الخير "أهورامازدا"، ورغم أنها تعتبر أول الديانات التوحيدية لكنه توحيد بمنظور ثنائي.
يقول الباحث فراس السواح في كتاب "الرحمن والشيطان": [إن فكرة الشيطان كمبدأ شمولي بدأت بشكلها الجنيني في الديانة المصرية القديمة ولكن من دون أن تصل بها إلى غايتها وتضعها في إطار أيدولوجي متسق ومتكامل. لكن الفكرة الكاملة ظهرت فيما بعد في تعاليم زرادشت ودخلت في صميم مُعتقدات أديان مُختلفة يَدين بها اليوم أكثر من نصف سكان العالم.]
وكأنه لم يتخلص بالكامل من قصة إله الشر الذي يشترك مع إله الخير في صراع ثنائي حتى رغم جعله شيطاناً مخلوقاً من أحد مخلوقات الإله الواحد التي هي الجن. نسرد هنا بعض الأمثلة لتلك الصفات من آيات القرآن:
١- الكبر: يصف القرآنُ الشيطانَ بالكبر، بل إنّ الكبر هو أكبر خطاياه التي أخرجته من رضا اللّه ورحمته، وأخرجت كذلك آدم وحواء من جنته. "إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ"(١)
لكنّ القرآن يصف الله نفسه بنفس الصفة، فيقول عنه "الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ"(٢)
٢- التخويف: في وصف يكاد يتطابق تماماً في آيتين مختلفتين يقول القرآن عن الشيطان "إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ"
ثم يقول عن اللّه "ذلك يخوف الله به عباده"
٣- الإضلال: رغم أن الإضلال من الصفات التي يُفترَض أن ترتبط بالشر، لكن القرآن يخبرنا أن كلّاً من اللّه والشيطان يشتركان في القدرة على إضلال بعض البشر بل وتواجد الإرادة والمشيئة للإضلال عند كلّ منهما، فيقول القرآن عن الشيطان "وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا"(٥)
ويقول عن إضلال الله للبشر "وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا"(٦) و "يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ"(٧)
٤- االأمر بالمنكر: يأمر الشيطان البشر بفعل المنكرات ليؤدي ذلك إلى غضب الله عليهم وتعذيبهم "وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ"(٨)
ويأمر الله أيضاً بعض البشر بفعل المنكرات لاستخدامها كمبرر لإلحاق العذاب والدمار بهم "وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا"(٩)
٥- تزيين المنكر: يزيّن الشيطان الأعمال المنكرة للبشر "وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ"
ويزين الله لهم نفس الأعمال "إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زينا لهم أعمالهم فهم يعمهون"
٦- الفتنة: يلقي الشيطان الفتنة في القلوب "لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ"
واللّه أيضاً في القرآن يشترك مع الشيطان في فتنة الناس فيقول عن نفسه "وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ"(١٣) و "وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً"(١٤)
ونختم بتلك الآية التي تعبر ببساطة ووضوح عن ثنائية الخير والشر في القرآن ووضع الشيطان ووعوده لأتباعه في مواجهة الله ووعوده: "الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ"(١٥)
*
لماذا يوجد الشّرّ في الكون؟
المعتزلة - مثلاً - في الفلسفة الإسلاميّة تفسير سبب خلق الله تعالى للحيوانات الضّارّة، وأقرّوا أنّ لكلّ ما خلقه الله حكمة وإن لم تنفذ إليها عقولنا البشريّة المحدودة. وتساءل نيتشه - حديثا - في كتابه: «ما وراء الخير والشّر»- عن مفهومي الخير والشّرّ وكيفيّة تشكّلهما في الوجود.
فكلّ ما هو إيجابيّ من منظور شخص مّا (أو جماعة مّا) هو بالضّرورة سلبيّ من منظور شخص آخر أو جماعة آخرين. وبعبارة أخرى، فإنّ الحكم بالخير والشّرّ على المواضيع جميعها نسبيّ يختلف وفق وجهة نظر الحاكم أو القائم بالحكم من حيث ما يحمله من انتماء ثقافيّ واجتماعيّ ودينيّ إلخ...
«مسلما معتدلا» يعتبر أنّ اغتصاب النّساء في الحروب شرّ وقد تجد «مسلما داعشيّا» يعتبر أنّ اغتصاب النّساء في الحروب هو السّبي الّذي تبيحه بعض آيات القرآن حتّى بالنّسبة إلى النّساء المتزوّجات وفق بعض المفسّرين القدامى، ومن ثمّ فإنّ هذا المسلم يعتبر أنّ ما يسمّيه البعض اغتصابا هو خير1
كلّ الحروب والصّراعات في التّاريخ منطلقها هذا الحكم النّسبيّ على الخير والشّرّ.
والمحرقة اليهوديّة شرّ من منظور ضحاياها ولكنّها خير من منظور النّازيّين الّذين كانوا يمارسونها. وقتْل عثمان بن عفّان وعليّ بن أبي طالب، رضي الله عنهما، هو خير من منظور القائمين بالقتل ولكنّه شرّ من منظور مساندي عثمان بن عفّان أو عليّ بن أبي طالب، وهو شرّ من منظور المؤمنين بأنّ من قتل نفسا فكأنّما قتل النّاس جميعا إلخ...
وإذا ما غضضنا الطّرف جدلا عن المعتقدات والثّقافات الجماعيّة، فإنّنا سنجد أنّ الحكم بالخير والشّرّ على ما هو كائن هو أيضا حكم نسبيٌّ أيضا وفق الأفراد في ذاتهم. بل لعلّنا نجرؤ على الإقرار بأنّه من هذا المنظور النّسبيّ فإنّ كلّ «خير» لشخص هو بشكل من الأشكال «شرّ» لآخر وأنّ كلّ «شرّ» لشخص هو «خير» لآخر.
نجاح الفرد الواحد هو شرّ بالنّسبة إلى الآخرين وهو خير بالنّسبة إليه. وضمن مجال آخر، فإنّ مرض بعض النّاس هو شرّ بالنّسبة إليهم لكنّه خير بالنّسبة إلى الأطبّاء الّذين لا يمكن أن يستقيم معاشهم إلاّ بمرض الآخرين.
فالفيروس الّذي ينشئ المرض خيره في بقائه في جسم المريض، وفي مقابل ذلك فإنّ في خير المريض بالشّفاء قضاء على الفيروس، ومن ثمّ شرّا لهذا الفيروس.
«مصائب قوم عند قوم فوائد» ليس إلاّ تأكيدا لنسبيّة الخير والشّرّ إن من المنظور الجماعيّ أو من المنظور الفرديّ.
فلولا وجود اللّون الأسود لما تبيّنّا اللّون الأبيض، ولولا وجود المرض لما شعرنا بنعمة الصّحّة، ولولا وجود مفهوم الشّرّ لما أمكن الحديث عن مفهوم الخير.
كيف سيكون في مقدور الإنسان أن يتمتّع بالرّاحة وهو الّذي لا يعرف سواها؟ إنّ التّمتّع بالرّاحة وتذوّق حلاوتها مستحيلان إذا لم يكن الإنسان يعرف معنى العذاب.
ويمكن أن نضرب مثالا ثانيا: إذا افترضنا عالما هو ظاهريّا «خير مطلق» تتحقّق فيه كلّ رغبات الإنسان ما أن يفكّر فيها، فإنّ ذلك العالم نفسه سيقتل في المرء مفهوم الشّوق أو الرّغبة. وهذا ما توضّحه الحكاية التّالية الّتي تنقلها كتب الحكمة القديمة إذ يحكى أنّ رجلا توفّي فوجد نفسه في دار رائعة الجمال هندسة ومعمارا وأثاثا. وجاءه كائن قدّم له نفسه على أنّه ملاك وطلب منه أن يتمنّى ما يشاء. فطلب الرّجل زوجة حسناء خلقا وخُلقا، وكان له ما أراد. ثمّ طلب الرّجل طعاما شهيّا فجيء له بطعام يفوق ما صوّره له خياله لذّة. ثمّ طلب الرّجل جواهر نفيسة وألبسة فاخرة. فتحقّق طلبه في لحظة. وتواصلت رغباته يُستجاب لها ما أن يعبّر عنها بل قبل أن يعبّر عنها، وما أن تخطر بباله أحيانا. وبعد مدّة، شعر ذلك الرّجل بالسّأم والملل. فنادى الملاك الّذي يحقّق له رغباته، وقال له: لقد مللت. ما كنت أتصوّر أنّ الجنّة مملّة إلى هذا الحدّ. فنظر إليه الملاك نظرة عميقة وقال له: الجنّة؟ من قال لك إنّك في الجنّة. هذا هو الجحيم يا سيّدي، وأنت فيه.
إنّ الجحيم وفق هذه الحكاية هو أن لا يكون للشّيء نقيض ممكن، ومن هنا يفقد كلّ شيء قيمته ويغدو خلوا من أيّ دلالة إيجابيّة بسبب غياب الدّلالة السّلبيّة. وهذا يثبت أنّ المقولة الشّائعة: «بضدّها تتميّز الأشياء»، ليست مجرّد تراث فكريّ متناقل عن الأجداد، وإنّما هي تحمل حكمة عميقة لا ينفذ إليها المتسرّع والعَجِل. ذلك أنّ كلّ موضوع في الكون لا يمكن أن يوجد إلاّ بوجود ضدّه. وربّما يمكن أن نفهم في هذا المقام قول الله تعالى: «سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ» (يس 36) (2).
فكلّ شيء لا يمكن أن يثبت وجوده إلاّ بوجود ضدّه.
الخطأ طريق إلى الصّواب
المتأمّل في تاريخ العلوم يجد أنّ تطوّر العلم قائم على سلسلة من الأخطاء.
يقوم البحث العلميّ في مراحله الكلاسيكيّة على الملاحظة فالافتراض فالتّجربة فالنّتيجة. والتّجربة قد تنفي الفرضيّة مرّات كثيرة، وكلّما نُفيت الفرضيّة بالتّجربة، كان ذلك إقرارا بخطإ، ولكنّه الخطأ الّذي يتقدّم بالتّجربة الموالية على أساس أنّ تضييق احتمال الفشل يرفع احتمال النّجاح.
تاريخ العلم لا يعدو أن يكون تاريخ الأخطاء. فالفيزياء الكوانطيّة مثلا تجاوز لفيزياء النّسبيّة وفيزياء النّسبيّة تجاوز للفيزياء النّيوتنيّة إلخ. وكم شخص عبر التّاريخ توفّي نتيجة الأوبئة والأمراض المستعصية حتّى تمكّن الأطبّاء من إيجاد أدوية وأمصال واقية ساهمت في وضع صحّي أفضل للبشر.
ومن هنا نتبيّن أنّ الخطأ الّذي يُصنّف مبدئيّا ضمن السّلبيّ (أو ضمن الشّرّ فلسفيّا) لازم لتقدّم العلم. ولذلك نجد غاستون باشلار يقول: «الحقيقة هي كذبة تمّ إصلاحها»، ونجد طاغور يقول: «الأخطاء في تاريخ العلوم هي الّتي بها يتقدّم العلم، ومع ذلك، فإنّه لا وجود لمن يرى أن هدف العلم هو نشر الأخطاء».
وما ينطبق على العلم فيزياء والطب وسواهما يمكن أن ينطبق أيضا على حياة الأفراد. فنحن نتعلّم الحياة من الصّغر انطلاقا من تتالي الأخطاء. ويمكن أن نعوّض عبارة «تتالي الأخطاء» بعبارة «التّجارب».
وأليست مختلف «السّلبيّات» الّتي تمرّ بنا في حياتنا هي الّتي تجعل اكتساب الحكمة متّصلا بالتّقدّم في السّنّ أي نظريّا على الأقلّ بعدد التّجارب الّتي مررنا بها في حياتنا. ولعلّ هذه القراءة نفسها قابلة لأن تشمل تجربة إبراهيم عليه السّلام في بحثه عن الله تعالى. فقد تصوّر بدءا أنّ الكوكب هو ربّه، ثمّ تصوّر أنّ القمر هو ربّه، ثمّ تصوّر أنّ الشّمس هي ربّه. وهذه التّجارب هي الّتي فتحت الباب لإبراهيم عليه السّلام حتّى يتبيّن أنّ الكوكب والشّمس والقمر كلّها آفلة، وحتّى يحوّل وجهه لعبادة من فطر السّماوات والأرض حنيفا (3).
الألم طريق إلى النّجاح
كثيرة هي الكتابات الّتي تعرض لدور الآلام والجراح في نجاح العظماء وفي بروز العباقرة. والميثولوجيا تعجّ بالصّعوبات الّتي مرّ بها أبطال الأساطير حتّى يبلغوا ما بلغوه من شأو ومكانة مرموقة. فما قيمة «أوليس» لولا كلّ المخاطر والعوائق الّتي مرّ بها في رحلته وانتصر فيها؟ وما رمز «برومثيوس» سارق النّار إن لم تكن مختلف الآلام الّتي عاناها من أجل أن يتحصّل البشر على المعرفة؟
وليس الأنبياء بصفتهم المصطفون بمعزل عن الآلام والصّعوبات ممّا يمكن أن يُتصوّر للوهلة الأولى أنّه شرّ، ولكنّها في واقع الأمر آلام كانت طريقا إلى النّجاح. فيوسف عليه السّلام مثلا عانى ظلم إخوته وافتراء امرأة العزيز وتجربة السّجن. ولكن لولا تجربة السّجن تلك وما حفّ بها من تأويل للرّؤى لما تحقّقت رؤيا يوسف بفوزه بحكم مصر: «وإذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشّمس والقمر رأيتهم لي ساجدين» (يوسف 12، 4) (4). ويمكن أن نذكر عذابات الرّسول محمّد عليه الصّلاة والسّلام في مكّة في أوّل الدّعوة، ولكن لولا هذه العذابات لما فكّر الرّسول في الهجرة إلى المدينة ولما عاد بعد ذلك ظافرا ليفتح مكّة ولينتشر الدّين الجديد في كلّ أصقاع العالم.
الأثر أو الدّور الزّمانيّ للشّرّ
استمرار الحياة
إن وجود الشّر والخير معا هو سبيل استمرار الحياة. لو سلّمنا بما يقرّ به المخيال العامّ من أنّ الحياة خير والموت شرّ. ولو تصوّرنا عالما لا يموت فيه أحد، لا البشر ولا الحيوان ولا النّبات، فكيف سيكون شكل هذا العالم؟ ألن تغصّ الأرض، وربّما الكواكب الأخرى، بالكائنات؟ ألن يتهجّم النّاس بعضهم على بعض حتّى يجدوا إلى البقاء سبيلا؟ أليس الموت الّذي يعدّه البعض شرّا هو السّبيل الوحيد إلى استمرار الحياة؟
لقد حاول هذا المقال أن يفسّر أسباب وجود الشّرّ ممّا تساءل عنه كثيرون. وحاول أن يبيّن أنّ الشرّ والخير نسبيّان وأنّ وجودهما معا ضروريّ أنطولوجيّا ووظيفيّا. إنّ الخير والشّرّ هما أيضا من الأزواج الّتي خلقها الله تعالى، ولا يمكن أن تستمرّ الحياة إلاّ بوجودهما معا في الآن نفسه. فمن خلال الجدليّة بينهما تكون الحياة، ومن خلال تفاعلهما يتحقّق الوجود ومن خلال تشابكهما تنبجس الكينونة. وليس من الصّدفة أن يكون كلّ شيء في الكون منشطرا قائما على زوجيّة ممكنة (أبيض/ أسود، طويل/ قصير، ليل/ نهار، خير/ شرّ...)، ولا يخرج عن هذا الخضوع للزّوجيّ إلاّ الموضع الّذي منه تنبثق هذه الأزواج كلّها أي موضع الأصل الواحد. إنّ هذا الموضع هو الوحيد الّذي لا يمكن أن يكون زوجا لأنّه نبع الأزواج المتنوّعة المختلفة. وهذا الموضع هو ما نسمّيه الله الواحد الأحد.
سُنّة الله في خَلقِه
الخير والشّرّ هما أيضاً من الأزواج الّتي خلقها الله تعالى، ولا يمكن أن تستمرّ الحياة إلاّ بوجودهما معا في الآن نفسه. فمن خلال الجدليّة بينهما تكون الحياة، ومن خلال تفاعلهما يتحقّق الوجود، ومن خلال تشابكهما تنبجس الكينونة.
*
دانيال سبيك في كتابه "مشكلة الشر" لعدد من المشكلات الوجودية التي تعرض لها، هو وبعض من أقربائه ومعارفه، ويبيّن كيف أن تلك المشكلات قد تفتح أبواباً لا حصر لها من التساؤلات التي لا يستطيع الإنسان أن يجيب عليها.
مشكلة تشكّلت من التوتر الواضح بين الالتزام الإيماني التقليدي من جهة، والإدراك الواعي لحالات المعاناة التي لا تُحصى وتبدو غير مبررة من جهة أخرى".
التحديات الفلسفية للمعتقدات الإيمانية،
المحاولات التاريخية التي عملت على الإجابة على إشكالية الشر وكيفية ظهورها، وتناول الفلاسفة ورجال الدين لها،
جب أن نلاحظ أن خلفية دانيال سبيك اللاهوتية المسيحية، قد جعلته يتجاوز – من دون قصد-الاستعانة بنظريات وأطروحات علماء الدين المسلمين، الذين قدموا ردوداً قوية على إشكالية وجود الشر في العالم وتعارضه مع العدالة الإلهية، عبر التاريخ الإسلامي.
*Dec 6, 2021
مَنْ قال عنا إننا نكرة وعباد شيطان... اشدعوه هناك مسرحيات قدمت أدوار الشيطان، وهذا فن أنا فنانة ماكياج
(make up artist)، وأقوم بعمل هذا (اللوك) للكبار والصغار ويقومون بتصويره. مَنْ يهاجمنا يريد الشهرة على قفانا أرجو مسح هذه الأمور وشكراً للعقول الراقية التي تفهم».
*
المفكر الماركسي تيري إيغلتون في كتابه “عن الشر” يشرح بشكل متقن مفهوم الشر من وجهات نظر نفسية ولاهوتية وأدبية وفلسفية وسياسية.
تفسير الأعمال الشريرة وأسبابها التي من الممكن أن نطلق عليها أفعالا سيئة بدلا من شريرة؛ الاتجاه الأول هو الذي تبناه البنيويون الليبراليون، ويعزو سبب الشر إلى الدوافع البيئية المتمثلة في الظروف الاجتماعية، أما الثاني الذي تبناه السلوكيون المعتدلون فينص على أن هناك مؤثرات في الشخصية تتحكم في سلوك الفرد، ولها تأثير كبير في شخصيته، وتؤدي إلى أعمال سيئة لا تنضوي تحت لواء الشر.
يعتقد إيغلتون أن الحالتين كافيتان لتبرئة من قام بالعمل، لهذا توصل إلى أن أصحاب الشر أبرياء، وذلك لأن الشر يكمن في أسباب بيئية أو شخصية نفسية ليس لفعل الشر ذنب فيها.
الشرير هو شرير بمحض إرادته الحرة، مستشهدا بروايات مثل رواية “بينتشر مارتن” ورواية “السقوط الحر” لوليام غولدينغ ورواية “صخرة برايتون” لغراهام غرين ومسرحيات شكسبير مثل “عطيل” و”ماكبث” و”ريتشارد الثالث” و”كتاب الضحك والنسيان” لميلان كونديرا، وبالشيطان في “الفردوس المفقود” لملتون، وكذلك غوتز في مسرحية جان بول سارتر “اللورد والشيطان” وغيرها.
*
كتاب "الدين في حدود مجرّد العقل" (1763) لا يُعامَل القانون الأخلاقي كقاعدة مطلقة، بل كأمر يمكن تبريره أو التنازل عنه تبعاً للظروف والمصالح الشخصية.
جوهر الاختلاف بين "تفاهة الشرّ" و"الشرّ الجذري"؛ فالأول يرتكبه الأفراد نتيجة للسطحية وانعدام التفكير والنزعة إلى الطاعة العمياء، في حين أن الشر الجذري يشير إلى فساد أخلاقي عميق حيث يختار الأفراد الشر بوعي عبر تفضيل مصلحتهم الشخصية على القانون الأخلاقي، ما يجعل الشر خياراً مقصوداً بدلاً من مجرد امتثال.
فرض الطاعة العمياء وإلغاء القدرة على التفكير النقدي كتاب علم نفس السياسي
وكتاب دديني لنفس ودين الناس
استخدام التكنولوجيا الاسواء لم ياتي بعد القتل يقلل من الإحساس بالذنب والمراجعة الإنسانية".
فالشر، في هذا السياق، لا ينبع من دوافع قوية أو أهداف لا بد منها، بل من قرارات تعسفية أو طاعة عمياء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق