عظم الناس، عبر الثقافات وبغض النظر عن الظروف، غير سعداء في شبابهم ويصبحون أكثر سعادة في منتصف العمر. فلماذا نتلقى باستمرار رسائل كاذبة بشكل واضح؟ أعتقد، في أعقاب ادعاء كانط في “ما هو التنوير؟”، أن الحكومات لا تريد حقاً مواطنين بالغين، لأن السيطرة على الأطفال الصغار أسهل.
تزدهر الرأسمالية النيوليبرالية على خلق احتياجات جديدة سيارة وموبيل
ما يفشل في إدراك أن هناك إنجازات حقيقية جاءت من الستينيات: لقد حققت المعارك ضد العنصرية والتمييز الجنسي والتمييز بين مجتمعي المثليين انتصارات حقيقية، حتى لو كانت هناك انتصارات حقيقية. ولا تزال هناك معارك كثيرة يتعين خوضها. لكن الأمر الأكثر أهمية هو ضد هذه النيوليبرالية التي تحول حتى علامات التحرر إلى سلع.
نتذكره هو أننا نعيش في ثقافة لا تريدنا أن نكبر، وهناك سبب لذلك. تفضل الحكومات والشركات أن نبقى أطفالا، منبهرين ومشتتين بمجموعة لا حصر لها من الألعاب. إذا كنت غارقًا في القرارات بشأن ما سأشتريه، فليس لدي سوى القليل من الوقت للتركيز على حقيقة أن القرارات الأكثر أهمية ليست في يدي، بل في نظام معقد لا أعرف حتى كيفية الوصول إليه (خذ القرار العسكري – المجمع الصناعي مثلا). إن تذكير أنفسنا بأن النمو هو عمل تخريبي ضد أولئك الذين يريدون أن نبقى ضعفاء هو وسيلة جيدة لتدريب أنفسنا. ومن المهم قراءة الكتب الحقيقية بدلاً من النقر باستمرار على الروابط. لقد أظهر علم الأعصاب أيضًا ما نختبره يوميًا: الإنترنت يعطل التفكير الجاد، الأمر الذي يتطلب الاهتمام. إن تعلم اللغات أمر بالغ الأهمية، لأنه يسمح لنا بمواصلة فحص افتراضاتنا حول العالم من خلال مقارنتها بافتراضات الآخرين. قراءة الفلسفة يمكن أن تفعل الشيء نفسه.
*
أنظمتنا تمعن في طائفيتها ومذهبيتها وقبليتها المقيتة؟ وبالتالي فإن الانفصاليين والمتمردين على الدولة المركزية العربية لا يستحقون دائماً أبداً تهمة الخيانة، فالخائن الحقيقي ليس الذي يطالب بالانفصال كصرخة ضد التهميش والعزل والإهمال والظلم والغبن والمحاباة والأبارتيد العرقي والطائفي والمناطقي، بل أولئك الذين دفعوه إلى الكفر بالوحدة الوطنية المزعومة.
فالزمن ليس زمن الدويلات والكانتونات العرقية والطائفية والمذهبية، بل زمن التجمعات والتكتلات الكبرى. فالقوى التي تهيمن على العالم كلها اتحادات وليست دويلات. الاتحاد الأوروبي، الولايات المتحدة الأمريكية، الصين، الهند كلها تجمعات كبرى مكونة من أعراق ومذاهب وأديان مختلفة. ولا تنسوا أنه حتى القوى الكبرى الأخرى في العالم تتحد ضمن تجمعات عملاقة، كما يحدث اليوم في مجموعة «بريكس» التي تضم عمالقة العالم. فهل يعقل إذاً أن تنحو بعض الجماعات الصغيرة في بلادنا في اتجاه الانفصال عن دولها الصغيرة في وقت يتحد فيها الكبار ضمن تكتلات عظمى؟
جنوب السودان منذ استقلاله الحديث مثالاً للصراعات القبلية والسياسية والجهوية والدولة الفاشلة؟
استقل عنه، أم إنه أيضاً يحمل كل أمراضه السياسية والسلطوية بشكل مصغر
ماذا يستفيد الشعب إذا انتقل من تحت الديكتاتور الأكبر إلى تحت الديكتاتور الفرعي الأصغر
فعندما يشعر الجميع بأنهم مواطنون، بغض النظر عن أديانهم وطوائفهم وأعراقهم، لن يفكر أحد منهم أبداً بالانفصال أو الاستقلال، بل سيدافعون جميعاً عن الوطن يداً واحدة.
تعالوا نبني أوطاناً لكل أبنائها! تعالوا نتقاسم السلطات والثروات بدل تقاسم الأوطان!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق