الجمعة، 17 يوليو 2020

القوانين السودانية الجديدة... نذر مواجهة بين الإسلاميين والثوار

لا تزال بصمات جماعة الإخوان المسلمين أمراً يؤرق السودانيين رغم الإطاحة بنظام الرئيس عمر البشير في ثورة شعبية اندلعت قبل عام، ويرون أن طي صفحتهم لن يتم إلا عبر إزالة كل القوانين التي أدخلوها عبر التسلل إلى المنظومة القضائية في البلاد وليس فقط إزالة بعض القوانين.

وكانت من أبرز التعديلات أيضاً تلك التي طالت القانون الجنائي الذي فُرض على الشعب من قبل جماعة الإخوان بعد انقلابهم في 1989، واحتوى على نصوص فضفاضة حول العلاقات غير الشرعية ومعاقبة غير المسلمين على شرب الخمر ومعاقبة النساء بتهم مثل الزي الفاضح وغيرها من القوانين غير الدستورية والجائرة.

المحامي والقانوني معز حضرة، أكد أن أزمة السودان بدأت حين أعلن الرئيس الأسبق جعفر نميري، قوانين سبتمبر في عام 1983، واصفاً قوانينه بـ«تلفيقات» جاءت عبر قضاة لا علم فقهياً لهم. وأنها قوانين ذات اجتهادات متطرفة لا تمت بصلة للدين الإسلامي ووجدت لقهر السياسيين.

وقال إن القوانين التي طبقها نميري تختلف قليلاً عن القوانين التي سنها المخلوع البشير وإن كان الدكتور حسن الترابي زعيم الإخوان في السودان قاسماً مشتركاً بين الاثنين.

وأضاف «إن قوانين الترابي ليس لها أصل في الشريعة الإسلامية، فأتى بقانون النظام العام القاهر للشعب»، على حد قوله، مشيراً إلى أن التعديلات التي تمت مؤخراً على هذه القوانين بداية طيبة، وتوقع المزيد من التعديلات لأن النظام القانوني تم العبث به من قبل البشير.
وكان الرئيس الأسبق جعفر نميري أعلن قوانين أسماها (قوانين الشريعة الإسلامية) وعلى إثرها اندلع تمرد في جنوب السودان، وأسست معه الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة (جون قرنق) الذي رفض قوانين نميري، مع طائفة من السياسيين، قائلين إنها تميز بين السودانيين على أساس الدين.
ويرى الكاتب والسياسي الراحل منصور خالد في كتابه (قصة بلدين) أن قوانين سبتمبر التي فرضها نميري بإيعاز من الإخوان المسلمين، ثم انقلابهم في 1989 كانا السبب الرئيسي لتفاقم أزمة الجنوب ثم انفصاله فيما بعد.
من جهتها، تؤكد المحامية حنان حسن حسين، أن أغلب التعديلات ألغت قوانين مقيدة للحريات ومنتهكة لحقوق الإنسان وهددت الوحدة الوطنية وأدت لانفصال الجنوب.
كما فككت القوانين العديد من الأسر وأساءت لسمعتها عبر اتهام الأفراد بتهم مثل الدعارة لمجرد التواجد في أي مكان لأي احتفال يجمع بين رجال ونساء.
وأضافت أن قوانين الإخوان كانت منتهكة لحقوق الإنسان الأساسية والتي تتمثل في تقييد الحركة والحرية الشخصية في الملبس المعتقد وفي كل جوانب الحياة الشخصية.
وأوضحت أن التعديلات تضمنت نقاطاً مهمة مثل إنصاف المرأة والطفل.. حيث جرمت تشويه الأعضاء التناسلية (الختان).. كما اعترفت بحق المرأة في اصطحاب أطفالها خارج السودان.
وأضافت أن هذه التعديلات ستساهم في تعريف السودان كبلد يحترم حقوق الإنسان، ما يمهد لاسترجاع مكانته في الأسرة الدولية.
من جهته، قال المحلل السياسي محمد عبدالعزيز إن القوانين الجنائية الإخوانية صممت في الأساس لتركيع المجتمع السوداني وإخضاعه عبر إرهاب الدولة والقانون، لذلك أتت منافية لقيم حقوق الإنسان وجوهر الأديان السماوية، على حد قوله.
من جانبه، يؤكد المحلل السياسي هشام فضل الله، أن ردة الفعل المجتمعية تجاه التعديلات لم تكن سيئة كما تصورها الجميع «بمن فيهم رئيس الوزراء عبدالله حمدوك» الذي ألمح إلى ذلك خلال خطابه في 29 يونيو الماضي، حين قال: (ستتوالى على مسامعكم في الأيام المقبلة عدداً من القرارات الحاسمة في مسار الفترة الانتقالية، وقد يكون لبعضها أثرا كبير - سياسياً واقتصادياً واجتماعياً - وستحاول بعض الجهات عرقلتها.


اعتبروها نكوصا عن الشريعة الإسلامية.. مظاهرات بالسودان ضد تعديلات جديدة في القوانين الجنائية



للتنديد بتعديلات طالت القوانين المتعلقة بالخمور والردة عن الدين وغيرها.

واعتبر المتظاهرون هذه التعديلات نكوصا عن حدود الشريعة الإسلامية، وتماهيا مع الدعوات التي وصفوها بالعلمانية، وطالبوا السلطات بالتراجع عما سموه إلغاء قوانين الشريعة الإسلامية.

وردد المتظاهرون شعارات "لا تبديل لشرع ولا رجوع عن حدود الله"، و"الإسلام دستور الأمة"، و"هذا الشعب شعب مسلم"، كما رفعوا لافتات كتب عليها "دين الله وأحكام الشريعة خط أحمر".

وكان التعديل الذي طال القوانين المتعلقة بالدعارة والخمر والردة قد وجدت رفضا شعبيا واسعا، وقد أصدر عدد من القوى السياسية بيانات ترفض التعديل، وتطلب إرجاء القوانين ذات الطابع الجدلي إلى سلطة سياسية منتخبة.

نشرت في الجريدة الرسمية، منح غير المسلمين حرية صنع وشرب الخمر.

كما سمحت للنساء باصطحاب أطفالهن إلى خارج البلاد دون مشاورة الزوج، وهو ما كان غير متاح سابقا.

وألغت الحكومة أيضا مادة الردة، المثيرة للجدل والتي يُحكم بموجبها على المتخلي عن الدين الإسلامي بالإعدام، واستبدلت بها مادة جديدة تجرم التكفير وتعاقب مرتكبه بالسجن 10 سنوات.

وأثارت هذه التعديلات حالة من الرفض والغضب، خاصة في صفوف القوى والتيارات السياسية الإسلامية بالبلاد.
ولم تعلق الحكومة على المواقف الرافضة للتعديلات ودعوات التظاهر، إلا أن المتحدث باسمها فيصل محمد صالح قال في تصريحات سابقة، إن التعديلات القانونية تهدف لإزالة المواد المتعلقة بالقيود على الحريات.

وكانت السلطات قد أغلقت المساجد الكبرى بمدن العاصمة الثلاث الخرطوم والخرطوم بحري وأم درمان، قبل أن تتراجع وتعيد فتحها قبيل صلاة الجمعة، كما أغلقت منذ الأمس الجسور التي تربط بين مدن العاصمة السودانية الثلاث أيضا تحسبا لهذه المظاهرات.
+++++++++++

إلغاء مادة "الردة" من القانون الجنائي لعام 1991، واستبدالها بمادة تجرّم التكفير وتعاقب مرتكبها بالسجن 10 سنوات، كما أباحت شرب الخمر لغير المسلمين فيما بينهم، بينما أبقت على تعريض المسلم للعقاب حال تعاطيها.

منح الأم حق السفر مع أطفالها دون الحاجة للحصول على موافقة والدهم،
حدوث مشاكل أسرية لا حصر لها، ولا سيما بين الأزواج المنفصلين.

 ملايين المسلمين في الغرب الذي يبيح الدعارة والخمور ويعيشون حياة المسلم، وبحسب الشريعة الإسلامية فلا خوف على الشريعة كما أن ليس كل ما يسمح به القانون وجب العمل به كرها.

 يرى المطالبون بالحكم المدني، أن التعديلات أبقت على بعض القوانين ذات الطابع الديني، يرفضها الإسلاميون والمتطرفون، ويعتبرونها نهاية لمشروعهم السياسي القائم على «استغلال الدين».

يرجع أصل القوانين الدينية في السودان إلى سبتمبر (أيلول) 1983 عندما أصدر الرئيس السوداني الأسبق جعفر النميري، حزمة قوانين أطلق عليها اسم قوانين «الشريعة الإسلامية»، ونصّب نفسه بموجبها «أميراً للمؤمنين». ومن ثم، نكّل عن طريقها بمعارضيه، بعدما ساعده على صياغتها وتنفيذها عدد من الإسلاميين، على رأسهم زعيم الإخوان السودانيين الدكتور حسن الترابي.

طالبوا بإلغائها عقب الانتفاضة الشعبية التي أطاحت النميري في أبريل (نيسان) 1985، إلا أن حكومة رئيس الوزراء الصادق المهدي المنتخبة، والتي خلفت النميري لم تسارع إلى إلغائها، رغم تصريحه الشهير قوانين سبتمبر لا تساوي الحبر الذي كتبت به

وعندما انقلب الإسلاميون بقيادة حركة الإخوان «الحركة الإسلامية»، على النظام الديمقراطي في 30 يونيو (حزيران) 1989، سارعوا إلى إدخال تلك القوانين تحت ما أطلقوا عليه اسم «القانون الجنائي لسنة 1991»، وأضافوا إليها سلسلة قوانين قيدت الحريات، وحطت من شأن المرأة، وكفّرت الخصوم السياسيين.

وتعد التعديلات على القوانين والقوانين التي أصدرها وزير العدل السوداني نصر الدين عبد الباري وصادق عليها رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، إلغاءً فعلياً لبعض «قوانين سبتمبر»، وهو الأمر الذي لقي ارتياحاً شعبياً واسعاً. لكن الإسلاميين والمتطرفين وأتباع النظام المعزول، أثاروا ضجة كبيرة، وحاولوا استغلال الحس الديني عند المواطنين لتحويل موقفهم من القوانين إلى «معركة دينية»، وإلغاء لـ«شريعة الله»، وفتح المجال أمام الفجور والخلاعة.

 إلغاء «قوانين الديكتاتورية» وإتاحة الحريات، وإنصافاً للكثيرين الذين تعرضوا للظلم باسم تلك القوانين السيئة الصيت، والسيئة التطبيق.

واشتمل «قانون التعديلات المتعددة» أيضاً على عدد من التعديلات في قوانين أخرى، مثل قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1991، والقانون الجنائي لسنة 1991، وقانون الأحزاب السياسية لسنة 2007، وقانون الأمن الوطني لسنة 2010، وقانون المرور لسنة 2010، وقانون جوازات السفر والهجرة لسنة 2015، وقانون النيابة العامة لسنة 2017.

وتضمنت التعديلات المادة (27)، وتتعلق بتنفيذ حكم الإعدام، ولقد حُذفت منها عبارة «أو بمثل ما قتل به الجاني»، ومنعت إعدام من لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره، والذي بلغ السبعين من العمر، ما عدا جرائم الحدود والقصاص والجرائم الموجهة ضد الدولة والجرائم الواقعة على المال العام.

أيضاً، أزيلت من القانون الجنائي المادتان (78 و79) على التوالي وتتعلقان بشرب الخمر والإزعاج، عبارة «أو يحوزها أو يصنعها»، وقصرت التعامل في الخمر على غير المسلمين، وأبقت على تجريم التعامل بالخمور على المسلمين.

وجرمت المادة المعدلة (125) إهانة العقائد الدينية، وأضيف لها «كريم المعتقدات» وألغت عقوبة الجلد غير الحدّي، بينما ألغت المادة 126 تماماً، وهي تتحدث عن «عقوبة الردة»، وأدخلت بديلاً لها مادة تجرّم تكفير الأشخاص والطوائف ورميهم بـ«الردة».

ويعد التعديل على المادة (141) من القانون الجنائي وتتعلق بـ«تشويه أعضاء الأنثى»، المعروف بـ«ختان الإناث»، في حين ألغت المادة (148) وتتعلق بالشذوذ، عقوبة الجلد والإعدام، وأقرت عقوبة السجن بما لا يتجاوز سبع سنوات، وألغت عقوبة الجلد عن المادة (151)، وتتعلق بالأفعال الفاحشة، في حين ألغت المادة (152) وتتعلق بالأفعال الفاضحة والمخلة بالآداب، تجريم الزي، وحصرت العقوبة على الأفعال الجنسية التي تضايق الشعور والحياء العام، مثلما استثنت المادة (153) المواد ذات القيمة الأدبية والفنية والعلمية والثقافية والتراثية، من عقوبة الأفعال الجنسية التي تضايق الشعور العام، وألغت الفقرة التي تعاقب على احتمال ممارسة الدعارة والتكسب وتقديم الخدمات الواردة في المادة (154) من القانون الجنائي.

وألغى التعديل المواد (50، و51، و52، و53) من قانون الأمن الوطني لسنة 2010، وهي مواد كانت تعطي الجهاز صلاحيات واسعة، في القبض والاحتجاز للأشخاص، وتعطي حصانة لأعضاء الجهاز والمتعاونين معه، وتمنع مصادرة ممتلكاته، في حين قصرت المادة (25) المعدلة سلطات الجهاز على طلب المعلومات أو البيانات أو الوثائق أو الأشياء من أي شخص، والاطلاع عليها أو الاحتفاظ بها.

وحذفت التعديلات المادتين (12 و13) في قانون الجوازات والهجرة والجنسية، وتمنعان الزوجات أو النساء المطلقات من اصطحاب أطفالهن لخارج البلاد، إلا بموافقة الزوج أو الوصي الشرعي، وسمحت لهن باستصحاب أطفالهن دون حاجة إلى إذن. كذلك ألغت «تأشيرة الخروج» من البلاد، أو شهادة الاستيفاء، في حين تم تشديد العقوبات على جرائم المعلوماتية في تعديلات قانون جرائم المعلوماتية، إضافة إلى قانون مفوضية إصلاح المنظومة الحقوقية والعدلية، والذي يمكن من إعادة إصلاح النظام الحقوقي والعدلي، وإزالة تمكين الإسلاميين في الأجهزة القضائية والعدلية.

«إلغاءً لشرع الله وهددوا تبعاً لذلك بإسقاط الحكومة الانتقالية واعتبارها حكومة «كافرة»، ووعدوا بتنظيم اعتصامات واحتجاجات ضدها،
«ختان الإناث» عادة وليس حكماً شرعياً، وهو ما جعل بلداناً إسلامية كثيرة لا تمارسه، إضافة إلى أضراره الصحية على النساء، واستندت في ذلك إلى فتوى دار الإفتاء المصرية التي اعتبرته «حراماً شرعاً».

ورأى عربي، أن إلغاء جريمة الردة والجرائم التي تحاكم الضمير والمعتقدات في الحياة، واعتماد نص بديل يجرّم التكفير، تقدما مهما في طريق رعاية الحقوق الإنسانية، وإقرار بحق الإنسان في الاعتقاد دون وصاية ودون خوف من محاكم التفتيش.

+++++++++++++++

هوية السودان الجديد تائهة في فوضى المفاهيم

هواجس من تكرار تجربتي عمر البشير وجعفر نميري في توظيف الدين خدمة للسياسة.


شعارات للمتاجرة

لا تنفك النّخب السياسية والحركات المسلحة في السودان عن إثارة مسألة الهوية، ويصر جزء منها على ضرورة حسم العلاقة الملتبسة بين الدين والدولة، في ظل مخاوف متصاعدة من حدوث انتكاسات وارتدادات قد تعصف بما تحقق منذ إسقاط منظومة الرئيس عمر حسن البشير في أبريل من العام 2019.

ولم تبدد الوثيقة الدستورية التي تشكّلت على قاعدتها السلطة الانتقالية هواجس جزء عريض  من السودانيين لاسيما من التيار المدني حيال المسألة الهوياتية، رغم أن الوثيقة شددت على أن “السودان جمهورية مستقلة، ذات سيادة، مدنية، ديمقراطية، تعددية، لا مركزية، تقوم فيها الحقوق والواجبات على أساس المواطنة دون تمييز بسبب الدين والعرق والنوع والوضع الاجتماعي”.

وفي محاولة لتطمين المتوجسين أقرت الحكومة الانتقالية جملة من التعديلات القانونية، كإلغاء مادة الردة المثيرة للجدل، وعدم تعريض شاربي الخمر من غير المسلمين لأيّ عقوبات، ومنح المرأة الحق في اصطحاب أطفالها خارج البلاد دون موافقة الزوج، وهو ما كان ممنوعا في السابق.

وأكد الإعلان على “ضمان حماية حرية المُعتقد وحرية العبادة وحرية الفكر والممارسة الدينية، وألا يقوم أيّ حزب على أساس ديني، وإلغاء جميع القوانين التي تقوم على أسس دينية والرجوع للعمل بقوانين 1974 إلى حين التوافق على الدستور الدائم”.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق