الاثنين، 27 يوليو 2020

بمناسبة سدّ النهضة.. جناية كهنة الدولة والدين

التهديد إلى مياه النيل فهو أكبر خطر على مصر منذ فجر التاريخ، وإلى جواره تهون أي كارثة، ولو كانت استعمارا عابرا، أو هزيمة في معركة، ما دام النهر يجري. وأمام هذه الأزمة الكبرى يشغلنا كهنة الدين، وصبيانهم من مشاريع الكهنة، بمعارك جانبية في فنون الإلهاء، عنوانها حرب البكيني والبوركيني في شواطئ قرى سياحية يسمع عنها الشعب ولا يحلم برؤيتها، فيستفز هؤلاء غيرة البسطاء على دينهم. وفي الوقت نفسه يطمئننا، بسذاجة، كهنة الدولة على مستقبل المياه، من دون أن يقدموا دليلا مقنعا يرد على صلف إثيوبي رسمي يقول إن نهر النيل صار بحيرة إثيوبية.

فليس الشعب المؤرق بالاستبداد والمحاصر بأزمات اقتصادية وضعف الرعاية الصحية مهموما بمن تسبح، في مكان مغلق، بالمايوه أو بغيره. ولكن الكهنة وصبيانهم يوحون إلى جمهورهم بأن زيّ البحر مقدّم على أركان الإسلام الخمسة، فترتبك الأولويات. كما يجيد كهنة الدولة رجّ القلوب، فتتغير خرائط المنافع والمضارّ، وفي هذا الترتيب يتراجع خطر إسرائيل، عدوّنا الصريح، الأول والاستراتيجي، ويمحو محرك البحث غوغل اسم فلسطين من خرائطه، ونحن نخوض معارك أخرى يقررها “الصنم الجديد”، وهو وصف منحه نيتشه للدولة.

الدولة تكذب على كل لسان للشر وللخير: وبأي كلام نطقت فهي تكذب. وكل ما في يدها، إنما هو مما سرقته. مزيف كل شيء لديها

 التنازل الطوعي عن جزيرتي تيران وصنافير المصريتين.
“الكهانة الوطنية” ساحقة وباطشة، تجرف في طريقها أي أمل في كفاءة التفاوض حول قضية مصيرية، بعد الاستخفاف بالكرامة الوطنية، والرفض الشعبي، واللامبالاة بأحكام قضائية تدعم الموقف السياسي والتفاوضي لو حسنت النية، بعيدا عن منطق “لا أريكم إلا ما أرى”، في اقتراب مما قاله موبوتو سيسي سيكو رئيس زائير بعد نوبة دماء: “تعلموا أن تطيعوا، وأن تغلقوا أفواهكم”.

 دستور 2014 لم يقنع بالإبقاء على المادة الثانية العنصرية، وإنما أضاف المادة السابعة، وبها يبدأ الباب الخاص بالمقومات الأساسية للمجتمع، وتقول “الأزهر الشريف هيئة إسلامية مستقلة، يختص دون غيره بالقيام على كافة شؤونه، وهو المرجع الأساسي في العلوم الدينية والشؤون الإسلامية، ويتولى مسؤولية الدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية في مصر والعالم.. وشيخ الأزهر غير قابل للعزل.. “. فماذا لو انتهى أمر الأزهر إلى خلفاء عمر عبدالرحمن وعبدالرحمن البر، أو تولاه يوسف القرضاوي المتحمس لمشروع أردوغان، بل يراه جديرا بقيادة الأمة الإسلامية؟

الوصاية الوطنية لا تعترف بنضج الشعب، فتسارع إلى مصادرة حقوقه في الاجتهاد والنقاش والمحاسبة. كما تحتكر الوصاية الدينية حقوق الاجتهاد في علوم الدين، وتتجاهل حقيقة أن الدين إلهي ومطلق، وأن الاجتهاد بشري ونسبي.

العلاقة عكسية بين ارتقاء الوعي والانهيار الذاتي لهذين الصنمين. صنم احتكار الوطنية وصنم التدين. أكرر: التدين لا الدين؛ فالدين من الله ولا يملك أحد تبديله أو تحريفه أو الإضافة إليه، وأما التدين فهو سلوك بشري. ويكون المواطن أكثر انتماء وإنسانية كلما اغتنت نفسه بالله، واطمأن بالإيمان الذي محله القلب، وليس بالتدين كسلوك ظاهري يحتمل شبهة النفاق الاجتماعي. وكلما اختل سلوكه، زاد حرصه على مظاهر التدين. فهل يكون اختلال الأداء السياسي وفساده سببا للتظاهر بالوطنية؟


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق