الأحد، 16 أغسطس 2020

الصراع السياسي بين قطر والسعودية

 صراع عقائدي وحقوقي بين البلدين، بحيث تقدم نفسها في صيغة مزدوجة لهويتها السياسية: فتارة تظهر بصيغة الدولة العقائدية التي تحرس العقيدة وتحمل لواء الدفاع عن عقائد المسلمين ونصرة قضاياهم، وتارة أخرى تبدو في صورة الدولة الراعية لحقوق وحريات الإنسان المدنية والعلمانية، وبالمقابل تبرز الدولة السعودية على النقيض كلياً من تلك النماذج والصور المثالية المزيفة. وعند إنتاج وتكرار هذه الصورة الذهنية المزيفة في مختلف القنوات المرئية والصحف المقروءة، وشبكات العالم الافتراضي المدعومة قطرياً يبدو للمراقب البسيط بأنَّ الصراع يدور حقاً حول الدين وليس حول السياسة، وبأنَّ السياسة القطرية مسخّرة لخدمة الدين بدلاً من خدمة الدين للسياسة. بيد أنَّه في حال باشر الباحث المختص في العلوم السياسية توظيف بعض من النظريات المعتبرة في تراثه العلمي من أجل تحليل الأزمة بين البلدين سيدرك بأنَّ جوهر المشكلة وقاعدة الأزمة الحقيقية هي سياسية بامتياز، وترتبط ارتباطاً وثيقاً بنظرية توازن القوى من دون أنْ تمتَّ بأي صلة ممكنة للتعاليم الإسلامية أو النسق الآيديولوجي للصراع، والذي توظفه قطر كقميص عثمان في جهازها الدعائي أو كأداة من أدوات السياسة الخارجية ضد دول المقاطعة بشكل عام، وضد السعودية بشكل خاص. ولن يغالي هذا الباحث في حال افتراضه بأنَّ دعم قطر لـ«الإخوان المسلمين» واستضافتها لقادتها ورموزها الكبار بالدوحة، فضلاً عن صياغة شبكة واسعة من التحالفات الدولية تصبُّ بمجملها في صالح الإطار النظري العام لمقاربة توازن القوى في نظريات الفكر السياسي والعلاقات الدولية.

تعقيدات النظام الإقليمي والدولي بنظريات المؤامرة أو الماسونية العالمية.

وللخروج من عشوائية التحليل السياسي غير المنضبط بالمعايير العلمية والمقاربات النظرية، فإنَّه يتوجب على من يباشر تحليل الظواهر السياسية الاستعانة بأهل الخبرة والدراية في هذا التخصص الدقيق،

حركة «الإخوان المسلمين» هي مجرد حركة وظيفية براغماتية تقدم خدمات ومنافع سياسية ذات طبيعة استراتيجية لصالح كفلائها من الفاعلين السياسيين، الذين يستغلّون في الغالب مقدرات هذه الحركة من أجل تعظيم مكاسبهم، وتنويع مصادر القوة لديهم، وتغيير قواعد اللعبة السياسية أو الحفاظ عليها داخل بنية النظام الإقليمي بما يخدم مصالحهم. وبالتالي ووفق هذا المنطق الاستغلالي، من الممكن فهم العلاقة القطرية بحركة «الإخوان» في ضوء نظرة الأولى للأخيرة بأنَّها مجرد ورقة ضغط تكتيكية قابلة للتوظيف والاستغلال بما يعود بتحقيق المصلحة الوطنية، وإضفاء شكل من أشكال الشرعية الدينية لقادتها السياسيين. وبموجب هذه الصفقة السياسية الانتهازية أو التواطؤ الضمني بين الطرفين، فإنَّه يمكن النظر إلى جماعة «الإخوان»، كأي جماعة ضغط أخرى، بوصفها منظومة زبائنية تقدم خدماتها ومواردها الحركية والشرعية للحكومة القطرية، شريطة حماية نظام الدوحة لمصالح الجماعة ومنافعها.

باحث في قسم العلوم السياسية - جامعة الملك سعود


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق