الأحد، 9 أغسطس 2020

البنوك وقيادتها لدفة النمو الاقتصادي في ظل جائحة كورونا

التحليل الاقتصادي

 بتنشيط الاقتصاد ومنح المزيد من القروض بعض النظر عن الجدارة الائتمانية للمقترضين

توقعات صندوق النقد الدولي في ركود اقتصادي عالمي اعمق خلال العام الحالي، وتعاف ابطأ بالعام 2021، ومازالت توقعات الصندوق متشائمة، حيث انه ولأول مرة منذ الكساد الكبير ستكون الاقتصادات المتقدمة واقتصادات الاسواق الصاعدة في حالة ركود متزامن وذلك نتيجة لما سمته غيتا غوبيناث (مدير ادارة البحوث بصندوق النقد الدولي) بالاغلاق العام الكبير. ومن غير المتوقع ان يتحقق اي انتعاش اقتصادي حتى يتم احتواء الفيروس، ومن المتوقع ان ينخفض حجم الانفاق اضافة الى تراجع الاوضاع المالية للشركات، ومن المتوقع ان تعلن عدد من الشركات افلاسها خلال الستة شهور المقبلة خاصة المؤسسات المتوسطة والصغيرة، وذلك في معظمه ناتج عن السلوك التحوطي الناتج من حالة عدم اليقين لمسار الجائحة الذي سيدفعهم الى زيادة الادخار.

وسوف تؤثر الجانحة ايضا في العديد من الانشطة التي تتضمن احتكاكا اجتماعيا واتصالا بشريا وستستمر قي احداث تغييرات كبيرة في انماط الاستهلاك والانتاج، حيث وبسبب انخفاض الطلب الاستهلاكي سيعاني مثلا قطاع الخدمات (مثل الضيافة والسفر والسياحة بشكل عام) 

اقتراب اسعار الفائدة الى الصفر فان السياسة النقدية لن تستطيع تحفيز الاقتصاد او اصلاح مشاكل الملاءة المالية. وفي الوقت ذاته ازداد حجم السيولة لدى البنوك وقد يقع الاقتصاد في مصيدة السيولة نظرا لارتفاع حجم ودائع العملاء لديها وفي الوقت ذاته عدم توفر مقترضين ذوي جدارة ائتمانية مرتفعة. والخوف من احتمال حصول مضاربات بالاسواق المالية. علما ان البنوك الاميركية مثلا ارتفع حجم الودائع لديها بنحو 2 تريليون دولار أميركي منذ بداية الازمة لنهاية حزيران.

في ظل هذه الظروف الاقتصادية الحساسة تقوم البنوك ،التي اصبحت اقوى بسبب الاصلاحات الرقابية بعد الازمة العالمية 2008 الصادرة عن مجموعة العشرين، بدور مهم في تخفيف اثارها من خلال استمرار عملية الاقراض للنشاط الاقتصادي وخاصة للمتضررين من هذه الازمة، الا انه من المتوقع ان تزداد حالات التعثر وبالتالي التأثير في الملاءة المالية للبنوك، وقد وضع خبراء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي أخيراً مذكره تحليلية جاء بها تسع توصيات ارشادية لاجهزة الرقابة المصرفية في استجابتها للجائحة.

على البنوك ان توقف توزيع دفع الارباح وعمليات اعادة شراء الاسهم ما دامت الأزمة قائمة، للمساعدة في دعم هوامش أمان رأس المال. 

ينبغي ان تتخذ أجهزة الرقابة المصرفية إجراءات موجهة، ومنها ان تطلب الى البنوك تقديم خطط ذات مصداقية لتعويض راس المال . وطوال هذه العملية، سيكون من المهم مراعاة الافصاح عن المخاطر بشفافية وتقديم ارشادات واضحة من الأجهزة الرقابية. وفي الوقت ذاته دعت شركة ماكنزي البنوك الى دعم المجتمعات التي تعمل ضمنها وان تبني عقدا اجتماعيا جديدا مع عملائها، بحيث تقوم البنوك في هذه الاوضاع بمساعدة العملاء مجانا في عملية وضع الموازنات التقديرية، ومنح التبرعات للفئات التي تأثرت بالوباء اضافة الى توجيه قنواتهم الاعلاميه والتسويقية تجاه نشر معلومات العناية الصحية، وفي حال كان هناك امكانية ان تكون فروع البنوك لعمل الفحوصات للوباء، وخاصة للبلدان التي تعاني انشطتها معاناة شديدة، فيكون الدعم لمواطنيها من خلال تأمينات البطالة، دعم الاجور، التحويلات النقدية، دعم الشركات المتضررة من خلال تأجيل الضرائب وتقديم لقروض ومنح ضمانات الائتمان وتوفير المنح. وان يتم استخدام المدفوعات الرقمية للوصول الى القطاعات غير الرسمية، وان يكملها الدعم العيني والادوية وغيرها من السلع الاستهلاكية الاساسية من الحكومات والمنظمات المجتمعية، اما الدول التي شرعت في اعادة فتح اقتصاداتها وبدات تتعافى يتعين تحويل دعم السياسات بالتدريج نحو الافراد على العودة للعمل، وتسهيل اعادة توزيع العاملين على القطاعات التي يتزايد الطلب فيها بعيدا عن القطاعات التي تشهد تقليصاً. ويمكن ان تاخذ ذلك شكل نفقات تدريب العاملين ودعم التوظيف وتوجيهها الى العاملين الذين يواجهون مخاطر اكبر من البطالة طويلة المدى. ووضع اطر قوية للاعسار واليات لاعادة هيكلة الديون والتخلص من الديون المتعثرة. ومن اجل حماية اضعف فئات السكان يتعين التوسع في الانفاق من شبكات الامان الاجتماعية لبعض الوقت، وسوف تحتاج البلدان الى اطر مالية سليمة لضبط الاوضاع على المدى المتوسط من خلال تخفيض الانفاق المهدر للموارد وتوسيع الوعاء الضريبي وتقليص التحايل الضريبي الى ادنى حد وزيادة الطبيعة التصاعدية للضرائب المفروضة في بعض البلدان.

ذكر جوزيف ستيغلتس في مقالته في Project Syndicate في7/1/ 2020 انه لا يمكن ان يتحقق اي انتعاش اقتصادي حتى يتم احتواء الفيروس، وفي الوقت ذاته من الضروري تطبيق سياسات لحماية الاشخاص الاكثر احتياجاً، وتوفير السيولة لمنع حدوث حالات افلاس والحفاظ على الروابط بين العمال وشركاتهم وذلك لضمان سرعة اعادة التشغيل عندما يحين الوقت. واضاف انه لا ينبغي ان يتم انقاذ الشركات التي كانت بالفعل في حالة تراجع قبل الازمة مثل بائعي التجزئة الذين يعملون على الطريقة القديمة. لان هذا لن يؤدي سوى الى خلق مجموعة من ” الموتى الاحياء” ، مما يحد في النهاية من حيوية ونمو الاقتصاد، ولا ينبغي لنا ان ننقذ الشركات التي كانت مثقلة بالديون بحيث كانت أصلاً لا تستطيع ان تتحمل اي صدمة.

ان تقوم الحكومة بتقديم مثلا تقديم الضمانات انه في حال قام احد الاشخاص بشراء سيارة واستمر المنحنى الوبائي للستة شهور المقبلة، فان الاقساط الشهرية تتم ايقافها، كذلك يمكن الحث على منح القروض لتشجيع شراء السلع المعمرة والمنازل، وكذلك يمكن دعم الاستثمارات الحقيقية للمؤسسات.
كما يمكن ان تقوم الحكومات باصدار كوبونات digital coupons للانفاق لتحفيز الاستهلاك وهو مطبق فعليا في الصين لشراء العديد من السلع والخدمات ضمن اطار زمني محدد، وبحيث تنتهي مدتها في زمن محدد يشجع على زيادة حجم الاستهلاك.

محلل مالي



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق