29 مارس 2020
كيف تمكنت دولة مثل الصين التي يصفها البعض بأنها استبدادية وغير شفافة من امتصاص الصدمة الأولى لتفشي الفيروس ومحاصرته وتحجيمه في أقل من ثلاثة أشهر. بينما يواجه النظام الصحي في دول أوروبا وأمريكا التي، توصف بأنها ديمقراطية وعادلة وشفافة وحامية حقوق الإنسان، تهديداً بالانهيار الكامل. وهل حقاً ثمة عدالة اجتماعية ودولة مؤسسات؟
فالحداثة الغربية أنتجت الفردانية التي ولدت روح الانعزال الاجتماعي والأنانية وحب الذات والبراغماتية الشخصية. وزادت العزلة الذاتية مع وسائل التواصل الاجتماعي التي انغلق فيها الفرد عن التواصل حتى مع من يشاركونه الغرفة. وأفرزت الحداثة كذلك العولمة التي بددت هوية المرء وفتحت له المجال لاختيار من يكون كونيا حتى وإن انفصل عن محيطة.
والاتجاه الخطير الذي انزلقت إليه الكرة الأرضية بتبني الليبرالية الجديدة، بل وفرضها من قبل منظمات كونية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، أعاد البشرية إلى صيغة محدثة من صيغ الإقطاع. حيث يمتلك الأقلية «الأوليغارش» أغلب ما في الكرة الأرضية. ويعيش باقي الأغلبية ما بين الطبقة الوسطى المسحوقة وتحت خط الفقر. وذلك نتيجة سياسات السوق المفتوحة وتحرير التجارة، وخفض الأجور وتقليل العمالة، واستغلال الفقراء والأطفال والعمالة المهاجرة، وتجارة الرقيق الأبيض، وزيادة الضرائب على عامة الناس، وإعفاء كبار التجار وكبرى الشركات من الضرائب بدواعي الاستثمار. وكانت الورطة التي أدت ببعض البلدان إلى انهيار اقتصادها وإعلان إفلاسها تبني سياسيات السوق المفتوحة بتنازل الدولة عن إشرافها عن الخدمات العامة وإدارة الاقتصاد. وتحويل كل ذلك إلى عمليات الخصخصة وإدارة رجال الأعمال أو الشركات الاقتصادية المتخصصة في الإدارة العامة.
سعيد الشحات يكتب: هل أعادت كورونا الاعتبار لسيطرة الدولة؟ اللجوء للدولة الآن يؤكد أن النظام الرأسمالي بشكله الحالي لم يعد صالحا.. والعالم بحاجة لصياغة نظام جديد يعيد للدولة اعتبارها ويحافظ على شرائح المجتمع كله
حين يعم العالم كل هذا الهلع بسبب أزمة كرونا، يصبح السؤال المنطقي :ماذا حققت الرأسمالية من وسائل لضمان رفاهية الإنسان؟..وماذا حققت لمواجهة أزمة لم يكن أحد يتوقعها
أطرح هذه الأسئلة بعد أن سبق وان طرحنا سؤالا في مطلع التسعينيات من القرن الماضي وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وانهيار جدار برلين يوم 9 نوفمبر 1989 الذي أعاد توحيد ألمانيا .
كان السؤال :"هل انتهت سيطرة الدولة كنظام سياسي واقتصادي حكم نصف الكرة الأرضية منذ بداية منتصف القرن العشرين ؟.
هؤلاء الذين عاشوا عمرهم يبشرون ويناضلون من أجل تحقيق النموذج الذي يضمن عدالة توزيع الثروة، وفي هذا الفترة ساد نوع من مراجعة الذات والأفكار لقطاعات من اليسار، وفيما كان بعضهم مشغولا بكيفية تجديد الفكرة ،هجر آخرون اشتراكيتهم ،وبعضهم أصبح علي النقيض تماما مما آمن به وناضل من أجله وأصبح من عتاة الرأسماليين ،وبعضهم ذهب إلي تمويلات الغرب تحت يافطة جمعيات حقوق الإنسان، وبعضهم ارتمي في أحضان الإرهاب فكرا وتنظيما، وبعضهم أصبح من رجال الطرق الصوفية، وبعضهم جلس في بيته، وفي ظني أن رصد هذه التحولات في هذه المرحلة يحتاج إلي بحث منفصل.
أعقب هذا السقوط لسيطرة الدولة، دخول الغرب إلي مرحلة "الليبرالية الجديدة " التي حولت كل شيء إلي تجارة في التعليم والصحة والخدمة، وأضافت ملايين إلي رصيف البطالة، وفي مصر ارتفعت أصواتا تطالب بالأخذ بهذا النهج، وذلك ببيع كل شيء وأي شيء، واختار نظام مبارك الوصفة الأسهل.. اختار البيع باسم الخصخصة حتي أصبح بيع المصانع والشركات هو "البرنامج القومي "، بدلا من تشييد قلاع صناعية جديدة .
كان برنامج البيع في حقيقته تخريبا لمصر بامتياز، ويمكننا أن ندلل بعشرات الأمثلة، لكن أفدحها مانراه الآن ، فالذين تراكمت ثرواتهم بفضل هذه السياسة هم الذين يبيعون جهود الدولة في مواجهة وباء كرونا ، كما باعوها من قبل في أزمات أخري ،وذلك خوفا علي ثرواتهم، وتلك مسألة تفرض أسئلة من نوع :" هل لدينا طبقة رأسمالية تحمل قيم التكاتف الاجتماعي بصورته الصحيحة ؟.. هل لدينا طبقة رأسمالية تعد ظهيرا قويا للدولة في وقت الأزمات؟..هل لدينا طبقة رأسمالية تقبل التضحية بجزء كبير من ثرواتها لصالح برامج الدولة في قضايا التكافل الاجتماعي ؟
هذه الأسئلة هي جزء من مجموع أسئلة كبيرة من المؤكد أنها ستطرح نفسها محليا وعالميا بعد انتهاء هذه الأزمة..ويمكن إجمالها في قضية رئيسية هي :
هل نحن بصدد سقوط للرأسمالية في ثوبها الحالي، بعد أن شاهدنا كل هذا الهلع في أكبر قلاعها أمام أزمة كورونا؟..وهل نحن بصدد إحياء جديد لنظم اقتصادي تعيد دور الدولة متزينا بالديمقراطية؟..وهل سنشهد عندنا موجة هجرة من فكرة إلي فكرة ،كتلك التي حدثت بعد انهيار الاشتراكية وسقوط جدار برلين؟.
الرأسمالية تعمم الخسائر وتخصص الأرباح.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق