Jan 27, 2021 Aug 19, 2021
حدود حرية التعبير بين الإطلاق والتقييد
النموذج الغربي: انتُقدت الدعوة المطلقة لحرية التعبير (كما في موقف الرئيس الفرنسي ماكرون دفاعًا عن الرسوم المسيئة) لعدم مراعاتها حرمة الأديان أو حقوق الآخرين.
النموذج الأمريكي: أحداث اقتحام الكابيتول (يناير 2021) أظهرت خطر ترك حرية التعبير دون ضوابط، خاصةً عندما تحرض على العنف، كما في حالة منشورات ترامب التي حذفتها منصات التواصل.
دعا ترامب، في تدوينةٍ له يوم 22 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، إلى "مظاهرة عظيمة" في العاصمة يوم 6 يناير، زاعمًا أنّ نتيجة الانتخابات الرئاسية تعرّضت للاحتيال والخداع، وأنّ الفوز بالانتخابات من نصيبه، قائلاً: "سنكون متوحشين" مرّت التغريدة مثل مئات تغريدات ترامب الأخرى التي ألِفناها في السنوات الأربع الماضية، حتى جاء يوم الأربعاء 6 يناير/ كانون الثاني الجاري بالفعل، وشاهدنا مشهد الحشود المتظاهرة أمام "الكابيتول"، واقتحمه أنصار ترامب الغاضبون، و"المتوحشون" على حدّ تعبيره. تحولت كلمات ترامب إلى أحداث شغب وعنف أسفرت في نهاية اليوم عن مقتل خمسة أشخاص، منهم ضابط بوليس وأربعة آخرون من المتظاهرين من مؤيدي ترامب. وقد قرّر بعدها مارك زوكيربرغ، الرئيس التنفيذي لموقع فيسبوك، استخدام سلطته لمسح منشور ترامب الذي أنكر فيه نتيجة الانتخابات ودعا فيه إلى التظاهر، قائلاً إنّه أزال منشورات ترامب، لتقديره أنّ تأثيرها يمكن أن يثير العنف، ثمّ تلته شركة تويتر التي لم تكتفِ بإزالة تغريدة ترامب، بل علّقت حسابه.
ترامب لم يدعُ مباشرةً إلى العنف، بل دعا أنصاره إلى التظاهر اعتراضًا على نتيجة الانتخابات، وفي تقدير شركات التواصل الاجتماعي الشهيرة فإنّ تعبيره عن الرأي هذا لم يكن مجرّد كلمات، بل صاحبته أفعالٌ غير محسوبة، وكانت حصيلة اليوم مقتل خمسة أشخاص نتيجة شغب وعشوائية.
رأي الفلاسفة:
الفرنسي مونتسكيو (1689 – 1755) كتابه "روح القوانين"، دعا فيه إلى حرية تعبيرٍ لا تتجاوز مجرّد التلفظ بالكلمات، واشترط ألاّ تصاحبها أفعال من أيّ نوع. يقول مونتسكيو: "الرجل الذي سيذهب إلى السوق العام لإثارة الجماهير للثورة يتحمّل وزر الخيانة العظمى، لأنّ الكلمات هنا اتصلت بالأفعال، وهنا فإن الأفعال المصاحبة للكلمات هي التي تُعاقَب، وليست الكلمات نفسها". تدلّ كلمات مونتسكيو بوضوح أنّه لا يرى حرية الرأي المطلقة، بل إنّ هذه الحرية يجب ألاّ تعدو كونها مجرّد كلماتٍ لا تؤثر في الواقع مطلقًا؛ بل يرى مونتسكيو أنّ التحريض على الثورة فعل مجرّم يستحق العقاب. أي أنّ حرية الرأي من الجهة التشريعية نشأت نشأة مقيدة لا مطلقة. يكتب القاضي الأميركي، أوليفر ويندل هولمز، عام 1919 "تقييد الرأي مشروع فقط إذا شكّل خطرًا واضحًا وحاضرًا، وهو ما يعني خطرًا وتهديدًا للأمن وللمصالح العامّة".
حالات استثنائية: في الدستور الأمريكي، تُستثنى من حماية حرية التعبير: الفحش، التحريض على الجريمة، التهديدات المباشرة، والأفلام الإباحية.
حرية الرأي والتعبير من الجهة القانونية والتاريخية محدّدة سلفًا، ولا يمكن تركها مطلقة من دون تقييد يمنع الإساءات والعنف، ويحترم قواعد العيش المشترك وقواعد السياسة معًا.
Apr 12, 2021
مساعي الحكومة لتعزيز حرية التعبير لا تقنع
إيجابيات: منحت منصات مثل تويتر مساحة للتعبير للجميع، وكسرت احتكار النخب للخطاب.
سلبيات:
تحولت إلى أدوات للشعبوية والخطاب الفارغ، حيث يُقدَّم الرأي دون معرفة أو بحث.
استُخدمت للهجوم على الأفراد أو نشر الأخبار الكاذبة تحت غطاء "الحرية".
أزمة ازدواجية المعايير (مثل حذف منشورات ترامب بينما تُترك انتهاكات أخرى).
التشهير والخصوصية: تمييز بين الرأي النقدي المشروع (مثل نقد الحكومة) وبين انتهاك الخصوصيات أو نشر أخبار كاذبة.
النموذج العربي: القوانين العربية تحظر الإساءة للمقدسات الدينية أو الذات الحاكمة أو الدعوة لقلب النظام، مع عقوبات تصل إلى السجن (مثل حالات في الكويت).
التحديات الثقافية في العالم العربي
المقدسات والتابوهات: أي نقد للمقدسات الدينية أو السياسية يواجه اتهامات بالخيانة أو التكفير (مثل اغتيال فرج فودة أو محاولة اغتيال نجيب محفوظ). اغتاله لم يقرأ كتبه، وقرّر أنّه يجب أن يُقتل لأنّ آخرين كفّروه. وكذلك محاولة اغتيال الروائي نجيب محفوظ مع تكفيره بسبب روايته "أولاد حارتنا" فالذي طعنه في رقبته أقرَّ في التحقيق بأنّه لم يقرأ الكتاب. وهذا لا يعني أنّ قراءتيهما تجعل جريمتيهما أقل من اللتين وقعتا.
ثقافة الإلغاء: يُتهم المختلفون بالعمالة أو العبث بالقيم، مما يُسكت الأصوات الناقدة.
مثال: اتهام أي رأي مخالف للإجماع الوطني بـ"خدمة الأجندات الخارجية". تصبح حرية التعبير حقاً لي فقط في إخراس الآخرين، عندما لا تُعجبني آراؤهم أو عندما أختلف معهم
غياب النقاش الجاد: الخوف من التعبير يخلق "ساحة ثقافية جبانة" تفتقد إلى الجرأة في مناقشة القضايا الجوهرية.
حرية التعبير حقّ للمنشقين عن الإجماع
والجانب الثاني يتعلق بالمصالح المحمية من الاعتداء عليها من خلال الرأي، كالمقدسات، والنظم الأساسية،
إذاً متى نقول إن هذه العبارات تؤدي إلى بلبلة الأفكار عن الوضع الاقتصادي، ومتى نقول إنها تحليل اقتصادي يقوم على معطيات؟ ومتى نقول إن هذا المقال مهين للمشاعر القومية، ومتى نقول إنه يناقش ظاهرة اجتماعية بأسلوب حاد؟ ومتى نقول إن هذه الكتابة من شأنها زعزعة الثقة في المؤسسات؟ ومتى نقول إنها مجرد مغالاة في النقد لا
ولا تواجهنا صعوبة في معرفة الإساءة من عدمها حين تكون العبارات مباحة أو غير مباحة بشكل واضح، لكننا نواجه عسراً أمام اللون الرمادي إذا كان لا بد من وصفه بالسواد أو البياض، إذ ليس في التجريم منطقة رمادية، ولا يكون الفعل الواحد مباحاً
في المنطقة الرمادية الواسعة من التعبير عن الرأي نعود إلى المحكمة التي هي المرجع الأول والأخير الذي يبين الخيط الأبيض من الأسود في المسألة، ومنها نعرف المقاس الحقيقي للأفعال والمصالح التي صاغتها القوانين بشكل فضفاض، ولا يفعل القضاء ذلك بشكل مسبق، وإنما وهو بصدد إصدار الحكم في واقعة معينة. ورغم أن الفقه القانوني يلعب هذا الدور بشكل استباقي من خلال شرح القوانين والتعليق عليها، إلا أن القضاء غير ملزم بالأخذ بتفسيرات الشرّاح، وإنما قد يستأنس القاضي بها ويستند إليها.
والنتيجة التي ننتهي إليها هي أن الفرد يخفّض بنفسه من سقف حريته في الرأي لأنها الضمان لئلا يقع في المحظور الواسع الفضفاض الذي لا يمكنه معرفة أين يبدأ وأين ينتهي بشكل مسبق.
لماذا يصعب على البشر تقبل حرية التعبير؟
النفاق في الدفاع عنها:
معظم الناس يدعمون حرية التعبير لأنفسهم فقط، وليس لخصومهم.
اليمين يريد حرية التعبير عندما يكون في المعارضة، لكنه يقيدها عند الوصول للسلطة.
اليسار كان يدافع عنها في الستينيات، لكنه أصبح اليوم أكثر تقييدًا لها.
الطبيعة البشرية تميل للرقابة:
دراسة علم الأعصاب تظهر أن الدماغ يتعامل مع الأفكار المخالفة كتهديد،
المجتمعات البدائية كانت تعاقب المخالفين بالإقصاء أو الموت، وهذا ما يفسر ميل البشر الحديثين للرقابة.
حرية التعبير انتصار حديث وهش:
حتى 1960، كانت رواية "عشيق الليدي تشاترلي" ممنوعة في بريطانيا لـ"فحشها".
ازدهرت حرية التعبير بعد الحرب الباردة كـ**"قيمة غربية"**، لكنها اليوم تواجه تحديات مع صعود الشعبوية والرقابة الرقمية.
هل تستحق حرية التعبير الدفاع عنها؟
نعم، رغم أنها مبدأ صعب في عصر التضليل الإلكتروني وخطاب الكراهية، إلا أنها تبقى انتصارًا على الطبيعة العدوانية للإنسان. فبدونها، لن يكون هناك إبداع، تقدم، أو حتى ديمقراطية حقيقية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق