الثلاثاء، 8 أبريل 2025

“نهم الكفاءة” يتحول إلى مشكلة في المجتمعات الغربية لازلنا في العالم العربي ***** الولاء ام الكفاءة

Mar 5, 2021 Sep 7, 2021 May 6, 2022 Jun 9, 2022 25‏/08‏/2022

 أو في معظمه، نفتقر إلى أدنى مستويات الكفاءة، ما يسبب لنا أزمة معقدة وعلى مستويات متعددة.

 حسن إسميك اردني

كيف وقع اختياري على مفهوم “الكفاءة”! لقد عودتهم الابتعاد في العموم عن المواضيع التقليدية، والخوض في غمار المسائل والأفكار الجدلية.

 لا نتوقف عند الانطباع الأول للمصطلح، ولنتجاهل معانيه المألوفة التي تبلورت ضمن سياقاتنا المعرفية وخبراتنا السابقة عنه، ومفادها أنه ضرورة لا جدال حولها، وأنه يجب أن يتمتع بها الجميع أثناء تأديتهم للعمل. باختصار، لنتركْ السهل في تعاطينا مع المفهوم ونتصدَّ للممتنع فيه، أي “نهم” الكفاءة.

نهم الكفاءة هو المحرك الخفي للنشاط البشري منذ فجر الخليقة، ومع تقدم مجتمعاتنا صرنا مهووسين بالإنجاز. وأوضح دليل على ذلك هو كمّ النصائح والتوجيهات المنتشرة على صفحات الكتب والمجلات ومواقع الإنترنت التي تقدم أطناناً من الأفكار و”الحيل والأسرار” التي تساعدنا على إنجاز المزيد.

في القرية الكونية التي نعيش فيها، ورغم أن الاقتصاد يوفر لبعض الدول القوة الناعمة التي تتيح لها السيطرة على دول أخرى دون إراقة قطرة دم واحدة، مازلنا نبحث عن المزيد من الكفاءة على صعيد صناعة الأسلحة الفتاكة

كمّ التطبيقات الذكية التي تعيننا على تنظيم مواعيدنا وإتمام مهامنا واستثمار وقتنا بالكامل. تشكل هذه البرمجيات الإنتاجية (Productivity Apps) صناعة قائمة بذاتها تتنامى بوتيرة سريعة، حتى أن قيمتها باتت تُقدر بحوالي 90 مليار دولار في العام الحالي في الولايات المتحدة وحدها، وفقاً لأرقام صادرة عن آيبس وورلد، التي تعتبر أكبر قاعدة بيانات لأبحاث الصناعة والسوق.

 آدم سميث الذي قال، خلافاً لمن سبقوه، إن العمل المنتج هو المقياس الحقيقي لثروة الأمم، ودعا إلى التخصص في الإنتاج على المستوى الدولي بحسب الميزات النسبية والمطلقة، من أجل زيادة الكفاءة ومعها كمّ السلع المنتَجة، وبالتالي رفع مستوى الرفاهية في العالم.

في مجتمع التكنولوجيا، التي بدأت بالظهور بالتزامن مع الثورة الصناعية، واستبدال معظم طرق الإنتاج اليدوية التقليدية بأخرى مُمكننة ومُؤتمتة صارت الكفاءة أولوية قصوى. لقد أنتجت هذه الثورة أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر حالة من “الجنون” لإنتاج المزيد بسرعة أكبر. والمجتمعات الرقمية التي تعتمد تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في كل مناحي الحياة هي بالأساس وليدة “نهم الكفاءة”.

 لا يمكننا أن نغفل أن لنهم الكفاءة وجههُ المظلم، فالإنسان الذي بحث عن الكفاءة يوماً والتمتع بفترات أطول من الراحة بات اليوم يستهلك من وقته ليشبع نهمه إلى الكفاءة، فتحول العمل بحد ذاته إلى قيمة انفصلت عن هدفه الأسمى منه وهو تحقيق النفع الخاص والعام.

رغم أن القرن العشرين قد عانى من حربين عالميتين بالإضافة إلى الكساد العظيم ظلت “الكفاءة” ذات أهمية محورية حين يتصل الأمر بتصنيع السلاح والسلع اللازمة لدعم الجهود العسكرية، وذلك قبل تصنيع أي من الحاجات البشرية المتزايدة.

 ونتيجة “نهمنا إلى الكفاءة”، نكاد ننقل “حرب النجوم” من عالم الأفلام إلى أرض الواقع، فقد بدأت بالفعل عسكرة الفضاء منذ أيام الحرب الباردة.

القوة الناعمة التي تتيح لها السيطرة على دول أخرى دون إراقة قطرة دم واحدة،

صناعة الأسلحة الفتاكة، الأمر الذي يؤكد وجود جانب عدواني لـ”نهم الكفاءة” في المجتمعات المتقدمة رقمياً، يقابل الجانب العدواني للبشر. وليس من المبالغة القول إن الجنس البشري في المجتمعات الرقمية يسعى لاختراع أكفأ الأدوات لإبادة نفسه، بدلاً من أن يسعى لتحقيق السعادة التي ينشدها!

لكن ماذا عن المجتمعات غير الرقمية، التي لم تلحق بعد بركب التقدم، في سباق التطور التكنولوجي؟ ماذا عنّا نحن العرب؟

 بات “نهم الكفاءة” يتحول إلى مشكلة في المجتمعات الغربية لازلنا في العالم العربي، أو في معظمه، نفتقر إلى أدنى مستويات الكفاءة، ما يسبب لنا أزمة معقدة وعلى مستويات متعددة. يزخر العالم العربي بأصحاب الكفاءة العالية، لكن معظم هؤلاء يقعون ضحايا للبيروقراطية والنزعة التقليدية في مجتمعات تشكو عدم الاستقرار وترزح تحت سيطرة أنظمة متسلطة، فيستسلمون لها أو يهاجرون.

ليست خسارة “الأكفاء” هي الوجه الوحيد لمشكلتنا في العالم العربي، بل نحن نعاني أيضاً جراء وقوعنا ضحية لـ”نهم الآخر للكفاءة” في الغرب على وجه التحديد. هكذا نقضي ساعات طويلة في مشاهدة برامجهم التلفزيونية وأفلامهم المذهلة، ونصرف معظم يومنا على وسائل التواصل الاجتماعي، وهي أبرز نتاجات المجتمعات الرقمية، ونسارع لشراء أحدث الأجهزة الذكية والكمبيوترات وحتى الألعاب المتطورة تكنولوجياً، ولعل بعضنا يعطيها أولوية حتى على الطعام والشراب

أننا لم نأخذ من التقانة إلا قشورها ولم تخلصنا الثورة التكنولوجية من مشكلاتنا ومن فقرنا، بل حولت أغلبنا إلى فقراء يمتلكون هواتف ذكية!

لا نمتلك كعرب اليوم ترف التفكير بالأوجه السلبية للسعي المحموم إلى تحقيق الكفاءة، فنحن لم نحقق بعد أدنى مستوياتها، بل نحتاج أن نعمل ونجدّ ونبذل قصارى الجهد ونستثمر الوقت كله، فالزمن لن يقف لانتظارنا. وخلافاً للغرب، علينا أن نزيد سرعتنا على الصعيد الفردي، لأن متطلبات الحياة تفرض علينا ذلك ولأن الله عز وجل كلفنا بالعمل في كتابه قائلاً “وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ”، كما أن رسول الله عليه الصّلاة والسّلام قال “إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ إذا عمِلَ أحدُكمْ عملًا أنْ يُتقِنَهُ” فكأنه يوصينا بالكفاءة.

أما على مستوى الدول والحكومات فيجب أن نسرع في تحقيق السلام في منطقتنا، لأن الاستقرار وبالتالي الإنجاز دون سلام هما من رابع المستحيلات. كما نحتاج إلى الاستثمار في مواهب الشباب العربي وقدرته على خدمة الأوطان، وإلى الانفتاح على الآخر، سياسيا واجتماعيا، لنشاركه معرفته ونوطنها في بلداننا قدر الإمكان ونعمل على تطويرها بما يناسب احتياجاتنا، لأن السباق الحضاري محموم وقاسٍ لا يسمح بالتقاعس ولا يعطي الكثير من الفرص.

*

Apr 23, 2021


لماذا أفل نجم الأيديولوجيات العربية؟


التخلي عن الأيديولوجيا أو على الأقل عن الجوانب المتحجرة فيها هو ضرورة ملحة، بسبب حجم العطب الذي أحدثته في بنية مجتمعاتنا وبالتالي تقع عليها مسؤولية تاريخية في أن تتجاوز فكرها الماضوي الذي أثبت أنه لا يخدم الناس.

"من لا يتطور ينقرض" عبارة افتتح بها مقالي هذا للنظر في أسباب فشل الأيديولوجيات العربية في إحداث التغيير الذي تنشده مجتمعاتنا؛ حيث رفعت عقائد هذه الأيديولوجيات شعارات التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية في مختلف مجتمعاتنا، 

 أوحال الفقر والتطرف والحروب والأزمات التي حولت حياتها إلى جحيم لا يطاق، وتعطلت لغة العقل والحوار وتكلست الأفهام وساد منطق الرأي الواحد الذي ينفي الآخرين ويستبعدهم، حتى قال البعض “إذا أردت أن تحاور أيديولوجياً عربياً فعليك أن تثبت له أولاً وجود العالم”!

قد كان لجميع الأيديولوجيات على الساحة العربية، من اشتراكية وقومية وإسلاموية وليبرالية، يد في ذلك السقوط المدوي لمشروع التنمية الشاملة؛ بعدما نالت أغلب هذه الأيديولوجيات حظها من السلطة والتمكين، ولكنها لم تحقق إلا القليل على صعيد تحسين ظروف وواقع مجتمعاتنا التي صدّقت شعاراتها في بادئ الأمر، لينكشف لها لاحقاً بأن هذه العقائد السياسية قد باعت مواطنيها الوهم، وسرقت منهم أحلامهم عندما تاجرت بها ومن ثم هشمتها في صراعات وحروب صفرية لا تبقي ولا تذر، ولا ترعى في أحد إلّا ولا ذمة!

وحتى لو افترضنا حسن النية والنبالة عند بعض سدنة ومريدي هذه الأيديولوجيات، إلا أن العبرة بالنتائج ومعرفة الأمور بخواتيمها؛ إذ دفعت مجتمعاتنا ضريبة فادحة نتيجة عقم طرائق التفكير عند هذه الأطروحات التي لم تزد الإنسان في منطقتنا إلا تعصباً وانغلاقاً؛ بحيث إنها فشلت في بناء شخصية الفرد ليكون سوياً من حيث المزاج والرؤية الفكرية تجاه الذات والعالم.

 يكمن الخلل في بنية تفكير هذه التيارات المتأدلجة التي لم تمتلك برامج واقعية تمس مطالب وحاجات الناس في منطقتنا الموبوءة بالتخلف بكافة أشكاله؛ حيث اكتفت بوعود وشعارات لم تضعها موضع التنفيذ، بل انقلبت على مبادئها وشعاراتها حين أصبح أكبر همها الاستحواذ على السلطة والانشغال بكيفية الحفاظ عليها، والرغبة في الهيمنة على كل مفاصل المجتمع.

في رأيي فإن هذا أحد الأسباب الحقيقية التي أدت إلى أفول نجم هذه الأيديولوجيات ومشاريعها الحالمة التي استنزفت طاقات وخيرات مجتمعاتنا، هي ظاهرة العولمة التي فتحت الأبواب على كل الجهات، واكتسحت بقوتها أغلب البنى التقليدية للمجتمعات المحلية، الأمر الذي أدى إلى زيادة فقدان الثقة في الأيديولوجيات الصغرى واضمحلال تأثيرها تحت ضربات العولمة الموجعة، فانهارت وتهاوت شعارات وبرامج الأيديولوجيات العربية الواحدة تلو الأخرى كأحجار الدومينو.

كذلك أحدثت الثورة التكنولوجية تحولاً هائلاً في حياة البشرية من خلال مساهمتها في سهولة تداول الأفكار والمعلومات، مما حرر وعي الأفراد في منطقتنا وجعلهم ينبذون طوباوية الأيديولوجيا بمختلف طبعاتها وألوانها. واتفق مع بعض المفكرين الذين شككوا في أهلية الكثير ممن انتسب لهذه الأيديولوجيات وجعلهم يتساءلون هل حقاً كان عندنا رجال وقادة أيديولوجيات؟ أو عقائديون ذوو وعي بما يطرحونه على الناس؟

ويبدو لي بأن عالم الاجتماع العراقي الراحل علي الوردي قد أصاب كبد الحقيقة عندما أرجع بعض مظاهر القسوة والتعصب التي سادت المجتمع العراقي الحديث – وهذا ينطبق على العديد من مجتمعاتنا- بما فيه النخبة المؤدلجة أو السياسية إلى أنه كان خليطاً من ثقافة “المتريفين” وقيم البداوة البعيدة عن أجواء المدينة وتنظيماتها وفعالياتها التي أنتجتها المدنية الحديثة، مما أفرز عنفاً دموياً بين ساسته من جهة وبين مجتمعهم من جهة ثانية.

وهذا يجعلنا هنا نطرح السؤال التالي: هل سقطت الأيديولوجيا حقاً أم أنها ما زالت تحرك الأفراد والمجتمعات في منطقتنا؟

والحق أن أغلب الأيديولوجيات قد أفل نجمها وبريقها باستثناء الأيديولوجيا الإسلاموية التي انتعشت في بعض مجتمعاتنا بسبب توافر عوامل موضوعية خدمتها؛ منها استغلال الدين كأداة لتحريض الناس على الحكومات، أو كمشروع للتكسب من خلال اللعب بالدين والزج به في ملاعب الدنيا وذلك للاستيلاء على السلطة؛ إلا أنه ورغم هذا الانتعاش الظاهري – حاليا- فإن مآلها لم يكن أفضل من أخواتها التي زعمت الحديث باسم العلمنة، حيث أدخل الإسلاميون مجتمعاتنا في سوق المزايدات الأليمة والدولية وزجوا بها في جحيم الحروب الأهلية التي أهلكت الحرث والنسل، وهو ما ساهم في تراجع بريق أيديولوجيتهم التي جذبت بعضاً من شبابنا الذين انبهروا بأطروحاتها الخلاصية وشعاراتها التقَوية، خاصة بعد أن اختطفت الدين وادعت الحديث بلسانه؛ ولكن وبعد تجاربها وممارساتها الدموية التي شاهدها القاصي والداني، تراجع وهجها وأفل نجمها الذي شيّدته على أنقاض ودمار مجتمعاتها.

أرى جلياً أنه لا سبيل للأحزاب في منطقتنا العربية، وخاصة تلك التي تنتمي في أطروحاتها إلى عالم الأيديولوجيا، إلا بأن تراجع مسيرتها السابقة وتتخلى عن الشعارات الرنانة التي أطاحت بمجتمعاتنا؛ من خلال وضع برامج واقعية ومفصّلة ومرحلية تلبي حاجات الناس الاقتصادية والاجتماعية، مع ضرورة التخلّي عن الأحلام الأيديولوجية والمشاريع غير الواقعية. كما يتوجب عليها إعادة النظر في مسألة امتلاك الحقيقة المطلقة؛ من خلال ترسيخ مفاهيم: التعدّدية الفكرية، والتسامح، واحترام الرأي المخالف ونسبية الحقيقة.

إنّ التخلي عن الأيديولوجيا – أو على الأقل عن الجوانب المتحجرة فيها – هو ضرورة واقعية ملحة، وذلك بسبب حجم العطب الذي أحدثته في بنية مجتمعاتنا وبالتالي تقع عليها مسؤولية تاريخية في أن تتجاوز فكرها الماضوي، الذي أثبت الواقع أنه لا يخدم مصالح الناس وتطلعاتهم في العيش بحرية ورضا وكرامة.


*

من "العظمى" إلى "العالمية".. رحلة بريطانيّة فريدة


6/4/2021

تنتهج بريطانيا، القوة العظمى التي تمتلك استخبارات بالغة الأهمية، دبلوماسية ذكية تقربها من الشعوب، ولعل تصرّف السفير البريطاني في بغداد الذي يصنف في خانة “دبلوماسية الأكلات الشعبية”، والذي لاقى تفاعلا كبيرا من متابعيه، خير دليل على أن بريطانيا تمتلك قوة ناعمة ودبلوماسية ذكية قادرة على تحقيق الكثير من أهدافها الاستراتيجية.

بمشاهدة فيديو السفير البريطاني في العراق ستيفن هيكي على تويتر، وهو يحاول إعداد “الدولمة” الأكلة العراقية الشهيرة. ولم يكتفِ السفير بطبخ الدولمة بل رد مفتخرا على المعلقين الساخرين بأنه يعد البامية والكباب والخبز العراقي أيضا.

الدبلوماسية الذكية، ولتكن “إتكيت دبلوماسية الأكلات الشعبية”، التي تندرج في إطار القوة الناعمة البريطانية، والعقل الإنجليزي الاستراتيجي، الذي عمل تاريخيا ولا يزال يعمل ويخطط بدقة متناهية ونفس طويل، ليحقق مصالح بريطانيا ويزيد من مكانتها في العالم.

“لا تغرب الشمس أبدا فوق الإمبراطورية البريطانية”.. المقولة التي وصفت “بريطانيا العظمى”، والتي ما زالت صحيحة من الناحية التقنية، جاءت من سيطرة التاج البريطاني سابقا على أكثر من 170 بلدا، ما بين دول ذات سيادة تتبع للمملكة ومستعمرات ومحميات ودول تحت الانتداب وغيرها. ولا أقول هنا بالطبع أن الاحتلال أمر جيد، خاصة بالنسبة لنا نحن الدول التي وقعت يوما تحت نيره، لكني لا أستطيع إلا أن أحترم قوة هذه الدولة، والعقل الإنجليزي الجبار الذي استطاع أن يحتل الكرة الأرضية، بأقل قدر من الدماء، ودون أن تقع بريطانيا تحت احتلال أي دولة.

ويختلف البريطانيون أنفسهم حول دور بريطانيا في الخارج، بين من يرى فيه قوة للخير ونشرا للقيم، وبين من يرى فيه إمبريالية أثّرت سلبا على نظرة العالم إلى بريطانيا، وعلى التنمية المحلية فيها، فرغم ما حققه “الاستعمار” من مكاسب إلا أنه رتّب تكاليف باهظة ومنهكة على بريطانيا.

لكن في المقابل، لا يستطيع أحد أن ينفي أن الاقتصاد العالمي الأول كان بريطانيا، وأن العولمة وإطلاق العنان للقوى العابرة للوطنية، والتي خلقت روابط بين الأجزاء النائية من العالم، كان نتيجة اتساع رقعة سيطرة المملكة، وأن

إنجلترا أم البرلمانات” ونظامها التشريعي كان نموذجا لمعظم الأنظمة البرلمانية والقانونية في العالم. ومن بريطانيا وكنتيجة بعيدة للاستعمار نفسه انطلقت الثورة الصناعية، التي ما زالت موجاتها تَحدُث دوريا حتى يومنا هذا، فتحمل التطور والتقدم للعالم كله

يخطئ من يظن أن قوة بريطانيا تاريخيا جاءت من قوة أسطولها وحسب، فلا يمكن لأسطول أو جيش مهما كان عديده، السيطرة على الهند والصين، ومعها أميركا الشمالية وأستراليا، ودول أخرى كثيرة وفي وقت واحد.. فالنموذج البريطاني لم يُبنَ على الحروب الدامية، بل على المعرفة قبل كل شيء آخر، عملا بقول رجل الدولة والفيلسوف الإنجليزي فرانسيس بيكون “المعرفة قوة”.

لقد قدمت بريطانيا للبشرية الكثير على المستوى المعرفي، وما زالت تقدم، من نيوتن وفلمنج إلى آلان تورنغ وستيفن هوكينغ في العلوم، من شكسبير وديكنز إلى فرجينيا وولف وج.ك. رولينغ في الأدب، وجون لوك الفيلسوف والسياسي، وآدم سميث أبوالاقتصاد الحديث، ومن جون كونستابل وتشابلن إلى البيتلز وكوين في الموسيقى والفن. ومن غراهام بيل مخترع الهاتف إلى هيئة الإذاعة البريطانية بي.بي.سي التي انطلقت عام 1922، وصارت واحدة من أهم وسائل الإعلام العالمية، وما زالت بشبكة قنواتها الغنية تلعب دورا محوريا في الحياة العامة البريطانية، وتؤثر ثقافيا في العالم كله، لتكون أداة فعّالة في قوة بريطانيا الناعمة.

في هذا السياق لا يفوتنا الحديث أيضا عن الجمعية الملكية في لندن وهي أقدم مؤسسة علمية وطنية في العالم، تأسست في 28 نوفمبر 1660 ولا تزال قائمة حتى يومنا هذا، وهي عبارة عن مجتمع أكاديمي، يعمل على تعزيز العلم وفوائده، وتقديم المشورة العلمية اللازمة لصنع السياسات، وتعزيز التعاون الدولي. وكذلك، لا بد من التطرق إلى المجلس الثقافي البريطاني الذي تأسس عام 1934، والمكون من شبكة معاهد ثقافية ولغوية، منتشرة في أكثر من مئة دولة في العالم، مهمتها “بناء العلاقات والتفاهم والثقة بين الناس في المملكة المتحدة والبلدان الأخرى، من خلال الفنون والثقافة والتعليم واللغة الإنجليزية”.

ويطول الحديث عن القوة الناعمة البريطانية، وعن ركيزتها الأساسية التي تقول بأن “بريطانيا تملك محتوى عظيما تقدمه للبشرية”، وأن كل ما يرتبط بالتاج البريطاني هو فخم وذو جلالة وسمو، من جامعاتها وعلى رأسها أوكسفورد وكامبريدج، وما تنتجه من أبحاث رائدة، إلى شركاتها ومصانعها، إلى سيارات مكلارين ورولز رويس وبنتلي، إلى الأفلام والموسيقى والأزياء، وكل ما يرتبط بها من نشاطات إبداعية، إلى صحفها الكبرى الغارديان والإندبندنت والإيكونوميست… ومراكز أبحاثها وفي مقدمتها تشاثام هاوس، وقاعدته تشاتام هاوس رول التي صارت نظاما عالميا لعقد النقاشات وحلقات العصف الذهني حول الموضوعات المثيرة للجدل. حتى دوري كرة القدم الإنجليزي “البريميرليغ” العريق هو واحد من أدوات القوة الناعمة البريطانية.

وما زالت هذه المؤسسات وغيرها الكثير قائمة وتؤدي أدوارها الحضارية، رغم انحسار دور بريطانيا العالمي في القرن العشرين. وما زالت المملكة المتحدة قوة اقتصادية وعسكرية يحسب لها حساب، حليفة للولايات المتحدة ومن الدول المؤسسة للناتو، لها بعد أوروبي فعال، وعلاقات دولية جيدة ورثتها عن الإمبراطورية كصلاتها الوثيقة مع دول الخليج العربي. بالإضافة إلى زعامتها لدول الكومنولث. وبالتالي صحيح أن المملكة لم تعد “بريطانيا العظمى”، إلا أنه يبقى لـ”بريطانيا العالمية” ذات الدور والمكانة على كل الصعد وفي مختلف أنحاء العالم.

وموازاة للقوة الناعمة كانت الاستخبارات البريطانية أداة بالغة الأهمية في تحقيق الأهداف السياسية للإمبراطورية وللمملكة المتحدة في العالم، ولا يستطيع أحد أن ينفي قدرة هذا الجهاز في بريطانيا، ومهارة وحنكة القادة البريطانيين في توظيفه في ما يخدم أهداف دولتهم ويحقق مصالحها في الخارج. لطالما تصرف معظم القادة الإنجليز كرجال دولة بكل ما للكلمة من معنى، ويقول السياسي البريطاني الأشهر ونستون تشرشل “يتلخص تاريخ العالم كله في حقيقة أنه عندما تكون الدول قوية فهي ليست عادلة دائما، وعندما ترغب في أن تكون عادلة، فإنها غالبا ما تكون غير قوية”.

أما آن لنا نحن كعرب أن نتعلم كيف تُتخذ القرارات المصيرية وكيف تدار الدول وتقاد نحو بر القوة والنفوذ والتأثير وتحقيق المصالح، أما آن لأغلب قادتنا أن يقفوا بكل جرأة في وجه ما يتهدد بلادهم من مطامع ومشاريع هيمنة وسلب سيادة، فتكون قراراتهم وتحالفاتهم وعلاقاتهم مبنية فقط على مصلحة دولهم؟ هذا الطريق هو أفضل الطرق وأكثرها أمنا، مرة أخرى كما يقول تشرشل “هناك واجب واحد فقط، مسار واحد آمن، وهو أن تحاول أن تكون على حق وألا تخشى فعل أو قول ما تعتقد أنه صواب”.

*Jul 10, 2021

هجرة الكفاءات لأعمالها داخل مصر تهدد بضرب مكونات الدولة والمجتمع

استسهال التخصص في مجالات ذات عائد مادي سريع يكرس هيمنة المال على الكوادر.

الوجاهة الاجتماعية لم تعد تقاس بنوعية الوظيفة

ظاهرة هجرة الكثير من الكفاءات في مهن مختلفة وظائفها والدخول في مجالات جديدة بغاية تحقيق الكسب السريع، نموذجا صارخا في مصر لاستسهال شريحة كبيرة من الشباب ترك أعمالها والتخصص في مجالات وظيفية بعيدة تماما عن التخصص الدراسي، حيث لم تعد الوجاهة الاجتماعية تقاس بنوعية الوظيفة بقدر ما ترتبط بالتحصيل المالي منها.

معروفا وسط زملائه بأنه من المحترفين في صناعة المحتوى الإخباري بطريقة تميزه عن كثيرين حتى وصلت علاقته بالصحافة حد الكراهية.

وجد عمر أن روتين العمل اليومي في مهنة حلم كثيرا بالعمل فيها أصبح مثيرا للملل والإحباط في ظل تدهور أوضاع الصحافة، ومع استمرار المطبوعة في تخفيض الرواتب لسد عجز الموارد تقدم باستقالته ودخل مجال الاستثمار في الأوراق المالية والبورصة حتى حقق مراده في الثراء السريع.

الكثير من الكفاءات في مهن مختلفة اضطروا إلى هجرة الوظائف ودخلوا مجالات جديدة لتحقيق الكسب السريع، خاصة أن جائحة كورونا أثرت سلبا على الكثير من القطاعات، وصارت لقمة العيش صعبة، وأصبحت الوجاهة الاجتماعية لا تقاس بنوعية الوظيفة أو قيمتها بقدر ما ترتبط بالتحصيل المالي منها.

أصبح عمر خلال فترة قصيرة يمتلك وحدة سكنية فاخرة وعملا حرا لا يجعله مرتبطا ببيئة وظيفية تشترط الحضور والانصراف في مواعيد محددة ويتم تقييمه بناء على معايير وآليات تلعب فيها الوساطات والمعارف عاملا هاما في الترقي والحصول على رواتب أعلى.

الكثير من الوظائف أصبحت تعاني شحا في اليد العاملة بعدما اختلت معايير اختيار مهنة المستقبل، ولم يعد سوى المال هو الباب السحري لبلوغ السعادة المادية

شباب اليوم أكثر تجاوبا مع هجرة الوظائف المرتبطة بالتخصص الجامعي لأنها بلا جدوى”.

هناك أمثلة عديدة في مصر باتت نموذجا صارخا لاستسهال شريحة كبيرة من الشباب ترك أعمالها والتخصص في مجالات وظيفية بعيدة تماما عن التخصص الدراسي، المهم أن يكون عائدها المادي سريعا، بغض النظر عن مستواها الاجتماعي، فلم يعد الكثير من الشباب يعيرون لنظرة الآخرين اهتماما كبيرا، فالمهم الربح المناسب.

قد يرى البعض طبيبا يترك مهنته بعد سنوات من الكفاح والجهد لبلوغ الحلم ليدخل مجال التجارة الحرة أو قطاع الفنون، ومن أشهر هؤلاء المخرج بيتر ميمي الذي قدم أعمالا فنية تركت بصمة واضحة في الدراما المصرية مؤخرا، فهو بالأساس طبيب، لكنه ترك المهنة إلى الأبد.

الكثير من أصحاب الحرف اليدوية يهجرونها لاقتحام قطاعات أخرى أكثر حيوية وربحا بعدما سيطرت فكرة الربح السريع على فئات عديدة، ما يعكس حجم التغيرات الجذرية لنظرة الناس إلى الوظيفة بعد عقود طويلة من الاهتمام بالوجاهة الاجتماعية والعمل وفق حسابات ضيقة مثل التباهي بالعمل في مهن معينة.

الانضمام إلى القطاعات الحيوية

ظل المجتمع المصري حتى وقت قريب يتعامل مع خريجي كليات القمة، مثل الطب والصيدلة والهندسة والألسن والاقتصاد والعلوم السياسية والإعلام بنوع من التوقير والتقدير، ويعتبر هؤلاء على رأس النخبة العلمية، لكن هذه القيمة تراجعت عند أغلب خريجي هذه الكليات أنفسهم وصاروا يعملون في وظائف بعيدة عن تخصصاتهم.

وضاعفت تداعيات جائحة كورونا من هجرة الكفاءات لبعض التخصصات المهمة حتى أنه صار يمكن أن يتقدم ضابط باستقالته من العمل في جهاز الشرطة ليقتحم مجالا مغايرا تماما للوظيفة الأمنية لمجرد أنه سوف يتمكن من تحقيق حلم الثراء، والابتعاد عن الضغوط والحياة الروتينية والتحرر من القيود التي وضعته فيها الوظيفة الرسمية.

ومن هؤلاء عادل (ح)، وهو اسم مستعار لضابط التحق للعمل بجهاز الشرطة، وتخصص في أمن السياحة وكان معروفا بجدارته وفطنته الأمنية، لكن بعد سنوات قليلة وجد أنه لم يحقق شيئا من أحلامه في أن يكون لديه وفرة مالية أو استثمار يؤمن به مستقبله ويستمتع وأولاده بعيدا عن الروتين الأمني والقيود المفروضة على تحركاته وعلاقاته الاجتماعية فتقدم باستقالته.

الوجاهة لم تعد مرتبطة بالوظيفة، ولا نظرة الناس إلى قيمتها المعنوية، وأصبحت ضغوط الحياة أكبر من أي منصب، لذلك أصبح من السهل الاستغناء عن الوظيفة مقابل الراحة النفسية وإسقاط الأعباء اليومية للعمل في بيئة حرة بعيدا عن الالتزام الحرفي والخضوع لتقييم دوري من المسؤولين.

عادل السيد: خطورة هجرة الكفاءات لوظائفها تهدر قدرات بشرية هائلة

يصعب فصل هذا الواقع عن اتساع الفوارق المادية بين أصحاب الوظائف المرموقة اجتماعيا، مثل المعلمين والأطباء والمهندسين والعسكريين والإعلاميين، وأقرانهم في الوظائف الحرة، حيث صار لافتا أن أبناء الشريحة الأخيرة لديهم نمط حياة قائم على الرفاهية والاستمتاع والوفرة المالية، بينما تبدو فئات الشريحة الأولى ظروفها بائسة.

فالمُعلم أشرف ربيع، الذي كان يصنف بين زملائه باعتباره من أفضل مدرسي اللغة الإنجليزية لم يستطع أن يعيش حياته براتب شهري لا يتجاوز ثلاثة آلاف جنيه (مئتي دولار)، حتى تقدم باستقالته ويلتحق بشركة استثمار عقاري كبرى بقسم العلاقات العامة، حيث كانت الوظيفة تتطلب أن يكون المتقدم لها متمكنا من الإنجليزية، ونجح عن طريق أحد الوسطاء أن يتم توظيفه بها.

ولا ينكر ربيع أنه أخذ وقتا طويلا ليتأقلم مع الوظيفة الجديدة، رغم حبه الشديد لمهنة التدريس، لكن أمام حصوله على سبعة أضعاف الراتب الذي كان يتحصل عليه من وزارة التعليم اضطر للتركيز في العمل الذي يجلب إليه حياة بها قدر من الرفاهية، والاختلاط بشرائح اجتماعية جديدة من الأغنياء والأجانب وشخصيات صاحبة نفوذ.

وظيفة مرموقة وعائد ضعيف

 المعضلة ليست في تفريغ الكثير من القطاعات من الخبرات بقدر ما تكمن في أنهم يصبحون قدوة ومثلا أعلى لغيرهم، فالذي يعمل بوظيفة مرموقة وعائدها المادي ضعيف

ويرى أحد زملائه قد تغيرت حياته إلى الأفضل بعد الالتحاق بمجال آخر يفكر بنفس الطريقة وينتهز الفرصة لتكرار نفس التصرف.

ويشير هؤلاء إلى أن استمرار تفريغ القطاعات الحيوية من الكفاءات بحثا عن المكسب السريع من شأنه إحداث تغيرات متسارعة في المجتمع، لأن سيطرة المال على العقول سوف يؤدي إلى أن تكون أغلب المؤسسات قائمة على الفئات من الدرجة الثانية والثالث، من حيث المستوى والخبرة، مقابل غياب الخبرات التي تستحق أن تكون مسؤولة عن التخطيط واتخاذ القرار.

خطورة هجرة الكفاءات لوظائفها بحثا عن المال تهدد مستقبل الكثير من القطاعات الحيوية وتهدر قدرات بشرية هائلة وتغذي الفكر المادي وتضرب مفاهيم التميز عبر الجهد والمثابرة، وكل ذلك يرتبط بعدم تقدير القطاعين الحكومي والخاص لأصحاب الخبرات بشكل يحفزهم على الهرب من التخصص.

زيادة الضغوط الاجتماعية على وقع ارتفاع الأسعار وندرة الموارد وكثرة تحميل الحكومة على جيوب المواطنين دفعت فئات عديدة في وظائف مرموقة إلى التنازل عن الوجاهة التي لم تحقق لهم سوى التقدير المعنوي ويقتحمون مجالات أقل لمجرد أن عوائدها أكبر، وقد يأتي وقت تختفي فيه الكفاءات.

سهير لطفي: الوظيفة التقليدية فقدت قيمتها وأصبح البيزنس هو المسيطر

أصبح واضحا أن الكثير من مواقع العمل الحكومية والخاصة تدار بعقليات تفتقد إلى أصحاب الحنكة والخبرة لأن هذه الشريحة هربت إلى قطاعات أخرى ذات عوائد مالية أعلى لتحقيق وفرة مالية، في حين تنظر كل كفاءة إلى نفسها بأن منصبها ووظيفتها الحالية لم تحقق لها الحد الأدنى من الرضا والقناعة.

بررت سهير لطفي رئيسة المركز القومي للبحوث الاجتماعية سابقا هجرة بعض الكفاءات لوظائفها بأن هناك جرأة مجتمعية بالتمرد على كل القيود، وصار من السهل على الشباب الذهاب إلى الوظيفة التي تحترم قدراتهم وإمكانياتهم وتمنحهم الوفرة المالية بعيدا عن تحكمات الأهل ونظرة المجتمع، بعدما سقطت هالة الخوف من المحيطين.

الوظيفة التقليدية فقدت قيمتها وأصبح البيزنس هو المسيطر على عقول الأغلبية، والتفكير خارج الصندوق بات سمة غالبة، ولم تعد الأغلبية تستطيع تحمل العمل في تخصص بعينه طوال حياتها حتى الخروج على المعاش، وهذا أمر بالغ الصعوبة في بيئات عمل أصبحت مثيرة للإحباط، والمتعلم الذي يدخل البيزنس أفضل بكثير من الجاهل، وهكذا تفكر الشريحة الأكبر.

ويصعب فصل هذا الواقع عن ابتعاد التخصصات الجامعية عن احتياجات سوق العمل، فالذي يتخرج في كلية الإعلام قد يعمل سكرتيرا في شركة، والذي يتخرج في كلية التربية قد يجد نفسه موظفا إداريا في مؤسسة بعيدة عن مجاله، بمعنى أن الجامعات صارت مصدرا للبطالة أكثر من كونها مصدرا للكفاءات حيث تمد الشاب بما تحتاجه بيئة العمل وفق تخصصه الدراسي

وتُتهم الأسر في مصر بأنها تحتكر قرار التحاق الابن بتخصص جامعي بعينه، حتى لو كان يبغضه ولديه أحلام أخرى تستلزم دخوله كلية بعينها، وتبرر موقفها بأنها الأكثر فهما وحرصا على مستقبل أولادها لذلك تتحكم في المسار التعليمي دون منح الفرصة للشاب (أو الفتاة) لتحديد التخصص الذي من خلاله يحقق حلمه ويصل إلى المكانة التي ينشدها.

الشاب يتخرج في كلية الطب مثلا، لكنه لا يستكمل عمله كطبيب ثم يختار مجالا مختلفا تماما، والذي يعمل ضابطا يلزم ابنه بأن يكون مثله، وهذه معضلة تطورت بشكل متسارع لتصبح ظاهرة تنعكس سلبا على استمرار الكفاءات في تخصصاتها الوظيفية لأنها لم تخترها، بل فُرضت عليها من جانب الأسرة.

 هجرة الكفاءات في مصر ليست ظاهرة فيكفي أن أغلب سائقي التوك توك، كانوا يعملون في وظائف وخريجي كليات كبرى، لكنهم وجدوا في امتلاك هذه المركبة الشعبية البسيطة وسيلة لتحقيق دخل يومي معقول بعيدا عن الحصول على رواتب هزيلة بقطاعات حكومية أو خاصة لا توفر لهم الحد الأدنى من الأمان المعيشي ولا متطلبات الحياة اليومية.

وانعكس هذا الواقع بشكل واضح على المهن اليدوية والحرفية، فصار الشباب يعتبرونها لا تناسب العصر ولا تلبي طموحاتهم، ومع الوقت أصبحت الكثير من الحرف والوظائف تعاني شحا في اليد العاملة بعدما اختلت معايير اختيار مهنة المستقبل، ولم يعد سوى المال هو المسيطر على أغلب العقول والباب السحري لبلوغ الراحة والسعادة المادية.

  • تغير نظرة المجتمع حيث أصبح المال هو معيار النجاح بدلاً من الوجاهة الاجتماعية.

مادي سريع (مثل البورصة أو العقارات)
 الكفاءة مرغوبة لتقليل التكاليف والبيروقراطية، إلا أنها ليست الهدف الوحيد للحكومة.
الدولة ليست مجرد شركة: تخدم الدولة أغراضًا أوسع من مجرد تقديم الخدمات بكفاءة؛ إنها تتعلق بالهوية الجماعية والتماسك الاجتماعي.
الكفاءة كذريعة لتقويض الديمقراطية: تاريخيًا وعالميًا، غالبًا ما تستخدم الكفاءة كغطاء لتركيز السلطة وتقويض العمليات الديمقراطية.
التركيز التاريخي على الكفاءة: منذ الستينيات، أصبح التركيز على الكفاءة هدفًا مهيمنًا في السياسة العامة، مما أدى إلى تهميش قيم أخرى مثل المساواة والديمقراطية.
المساومة الديمقراطية تتطلب "عدم كفاءة" أحيانًا: العملية الديمقراطية، بما في ذلك المفاوضات بين المصالح المختلفة، قد تبدو غير فعالة ولكنها ضرورية للحفاظ على الحريات والاستقرار الاجتماعي.
الكفاءة قد تؤدي إلى حكم شخصي: التركيز المفرط على الكفاءة يسمح للقادة بالادعاء بأنهم مصدر الخدمات، مما يقوض المساءلة ويعزز الحكم الفردي.
بدائل ديمقراطية لتحسين الأداء: هناك طرق أخرى لتحسين أداء الدولة دون التضحية بالديمقراطية، مثل تجارب الديمقراطية الرقمية والميزنة التشاركية.
قيم أخرى مهمة: بالإضافة إلى الكفاءة، يجب على الحكومات أن تولي اهتمامًا لقيم مثل العدالة والاستجابة والمساءلة.
 إعادة تقييم قيمة الكفاءة كهدف وحيد للدولة، والتركيز بدلًا من ذلك على بناء علاقات ثقة بين الدولة والمواطنين وتعزيز القيم الديمقراطية في تقديم الخدمات.


*


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق