الاثنين، 13 مايو 2019

هل الحق في الاعتقاد مسألة شخصية؟ وحرية الاعتقاد

قد تسمع كثيرًا عبارة مثل: «من حقي الاعتقاد في ما أشاء، وأنا أعتقد أن تغيُّر المناخ أكذوبة مهما يقل الآخرون».
نحن لا نتمتع بحق مطلق في الاعتقاد في ما نشاء، فهناك قيود تحجم هذا الحق لأن آراءنا لا 
تخصنا وحدنا،

فمن حقك مثلًا أن تعرف الشروط الوظيفية التي تخضع لها، أو تشخيص الطبيب لحالتك، أو درجاتك في المواد الدراسية، أو اسم من يتَّهمك، وطبيعة الاتهامات التي يوجهها إليك. لكن المعتقَد يختلف عن المعرفة.
الاعتقاد في شيء يفترض أنه حقيقة، فاعتقادك في شيء يعني أنك تراه صحيحًا.
فإنه من السخف أن تقول مثلًا: «إنها تمطر، ولكنني لا أعتقد أنها تمطر».
المعتقدات محاولة للوصول إلى الحقيقة، ولكنها لا تكرسها. يمكن أن يكون المعتقد خطأ، لا تثبته الأدلة أو التفكير المنطقي.
بعض المعتقدات، مثل القيم الشخصية، لا نختارها بإرادتنا، فقد «ورثناها» من آبائنا، و«اكتسبناها» من أقراننا، أو التقطناها دون قصد، أو غرستها فينا مؤسسات وسلطات الدولة، أو افترضناها من شيوعها. لهذا السبب يرى كاتب المقال أن تبنيك لمعتقد معين ليس المشكلة دائمًا، ولكن استمرارك في الاعتقاد فيه، ورفضك التخلص منه بإرادتك، هو ما قد يكون غير أخلاقي.

الاعتقاد مسألة تحكمها علاقة العقل بالعالم، وفق الفلاسفة. معتقداتنا تعكس العالم الحقيقي من حولنا، ومن هنا تحدث المشكلة، فهناك معتقدات غير مسؤولة، أو بقول آخر، معتقدات نكتسبها ونحتفظ بها بطريقة غير مسؤولة، ويحدث هذا حين نتجاهل أدلة، أو نقبل إشاعات أو شهادات من مصادر مشكوك فيها، أو نتجاهل عدم اتساق الأفكار مع معتقداتنا الأخرى، أو نتبنى تفكيرًا يغلبه التمني أو تفضيلًا شخصيًّا لنظريات المؤامرة.
كافية». كان «كليفورد» يحاول أن يحد من«الاعتقاد الزائد عن الحد» غير المسؤول، الذي لا يدفعه سوى التمني الساذج، أو الإيمان الأعمى، أو العاطفة. ولكن هذه قيود بالغة الشدة.
ردًّا على هذا، ينقل لنا المقال عن عالم النفس والفيلسوف الأمريكي «ويليام جيمس» أن بعض أهم معتقداتنا عن العالم والبشر يتحتم أن تتشكل دون إمكانية وجود أدلة كافية. في مثل هذه الظروف، فإن «رغبتنا في الاعتقاد»  تُحتم علينا أن نختار الاعتقاد في البديل الذي يَعِد بخلق حياة أفضل.
الأديان التي تتطلب معتقدات ثابتة أو عقيدة قد تدفعنا إلى القهر والظلم في حالة غياب الاعتراف بوجود حق «متبادَل» في الاعتقاد ولكن حتى في سياق كهذا، فإن المعتقدات المبالَغ في عدم تسامحها لا يمكن التسامح معها. الحقوق لها حدود، ويترتب عليها مسؤوليات.
المؤسف أن كثيرًا من الناس اليوم يسيؤون استخدام الحق في الاعتقاد، فلا يعبؤون بجانب المسؤولية. هذا الجهل المتعمَّد والمعرفة الخاطئة الذي تبرزه جملة «من حقي أن أعتقد في ما أريد» لا يتوافق مع المتطلبات التي حددها جيمس. فكِّر في من يُصرون على أن باراك أوباما مسلم، أو أن الأرض مسطحة، أو أن تغير المناخ أكذوبة، في هذه الحالات يكون الحق في الاعتقاد سلبيًّا، فالهدف منه إجهاض الحوار، وصرف التحديات، وحظر الآخرين عن التدخل في معتقدك. يكون العقل بهذه الطريقة مغلقًا، غير مفتوح للتعلم.
الاعتقاد، مثل الإرادة، يبدو أساسيًّا لتحقيق الاستقلالية التي تؤسس لبلوغ الحرية. ولكن كليفورد يُذكِّرنا بأن معتقداتك ليست مسألة شخصية تخصك وحدك، فمعتقداتنا تشكل مواقفنا ودوافعنا، وترشد اختياراتنا وأفعالنا.
الاعتقاد والمعرفة يتشكلان في مجتمع يتحمل تأثيرات هذه الاختيارات. هناك أخلاقيات تحكم مسألة الاعتقاد، واكتسابها، والاحتفاظ بها، والتخلص منها، وهذه الأخلاقيات تخلق، وكذلك تحدد، حقنا في الاعتقاد. فإذا كانت بعض المعتقدات خاطئة أو منفرة أخلاقيًّا، أو غير مسؤولة، فإن بعضها خطير كذلك، ولا يملك أحد الحق فيه.

+++++++++++++++

دستور الإسلام.. أول من أقـر حرية الاعتقاد


  إقرار الحرية الدينية يعني الاعتراف بالتعددية الدينية، وقد جاء ذلك تطبيقاً عملياً حين أقر النبي صلى الله عليه وسلم الحرية الدينية في أول دستور للمدينة المنورة عقب الهجرة إليها.

‏ (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ...)، «سورة البقرة: الآية 256»، وفي قوله‏: (... فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ...)، «سورة الكهف: الآية 29»، فإكراه الناس على الإيمان بدين من الأديان، من شأنه أن يولد منافقين لا مؤمنين‏، وقد لفت القرآن الكريم نظر النبي صلي الله عليه وسلم إلى أن مهمته تنحصر في التبليغ فقط: «فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد».‏

ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ..)، «سورة النحل: الآية 125»، ولم يلجأ الإسلام إطلاقا إلى إجبار الآخرين من أصحاب الديانات الأخرى علي الدخول في الإسلام.

(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)، «سورة الأنبياء: الآية 107».

 (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)، «سورة الكافرون: الآية 6»


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق