السبت، 11 مايو 2019

الخطاب الديني والمسلك الأخلاقي

يمكن اعتبار الشعوب الإسلامية من أكثر الشعوب تديّنا ظاهريا على مستوى العالم، كما أن كثافة المادة الدينية التي يتعرّض لها الفرد في المجتمع المسلم لا تنافسها أي مادة دينية يتعرض لها الفرد في الأديان الأخرى من حيث المؤشر العام لمجمل الحالات. المواعظ الدينية بكل تنويعاتها، من "دروس علمية"، و"محاضرات توعوية"، و"مواعظ منبرية"، و"برامج إفتاء ونصح وإرشاد"، و"إذاعات وقنوات لبث القرآن والحديث النبوي...إلخ"، كلها تضخ مادة دينية مكثفة، عمادها "الأخلاق الفاضلة/ الأخلاق الإنسانية" في معظم الأحوال.

في المقابل، وكنوع من المفارقة المؤلمة، يبدو أن المسلك الأخلاقي للأغلب الأعم من الجماهير المستهدفة بهذا الخطاب الديني في حالة تضاد/ تناقض شبه تمام مع مجمل المبادئ والقيم التي يحاول هذا الخطاب تثبيتها وترسيخها في عقول وقلوب أبتاعه. فكأنه إذ يُوصي بالأمانة ويعظم مكانتها؛ إنما يُوصي بعدم الأمانة ويعزز من قيمة السرقة والاحتيال، وكأنه إذ يُوصي بالصدق ويجعله معمار البناء الأخلاقي للفرد المسلم كما للمجتمع المسلم؛ إنما يُوصي بالكذب والخداع، ويدرجهما في باب الذكاء والدهاء، وكأنه إذ يُوصي بالتسامح والعفو والرفق مع القريب والبعيد؛ إنما يوصي بالتشاحن والكيد والانتقام...إلخ المفارقات التي تُظهر الخطاب الديني في تنظيراته الجميلة وكأنه يُنتج ـ عن عمد ـ نقائضه على مستوى الواقع الأخلاقي.
لاحظ نوتوهارا أن للرجل العربي شخصيتان: شخصية الرجل المحافظ، وربما المتزمت، على مستوى بيته/ علاقته بأفراد عائلته وقرابته، بينما له شخصية أخرى على مستوى رفقائه وأصدقائه/ خارج بيته، حيث شخصية الإنسان المتحرر من كل القيود التي يفرضها على عائلته أو تفرضها هي عليه. ومن ثم، لا تدري أيهما هي شخصيته الحقيقية التي يجب عليك أن تأخذها على محمل الجد عند التعامل معه، خاصة في المجالات التي قد لا تكون واضحة من حيث تصنيفها في هذا المسلك الأخلاقي أو ذاك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق