انك كادح الي ربك كدح فملاقيه
لنبلوكم ايكم احسن عمل
في غمرة البحث عن القوت، والانشغال بالذات والأولاد، واللهث خلف الطموح والأمل، يجد الإنسان نفسه مقروعًا بآية قرآنية، ومستبشرًا بأخرى؛ تحركه بواعث الخير لتطبيق آية، ويمنعه صراحة النهي عن الإقدام في أخرى، فالمسلم إذن محظوظ بالقرآن؛ إذ يأخذك هذا الكتاب الرباني العظيم إلى عوالم أكبر وأعمق من مجرد التفاصيل التافهة التي نشغل أنفسنا بها في هذه الحياة اللاهية.
تفسير القرآن العظيم لابن كثير، ثم تفسير الكشاف للزمخشري، ثم تفسير الماوردي، ثم تفسير الفخر الرازي، ثم تأنيت مع إمامنا شمس الدين القرطبي (ت 671هـ) في تفسيره الباهر (الجامع لأحكام القرآن)، والتفسير وإن كان مهتمًّا بجمع الأحكام الفقهية المستقاة والمستنبطة من الآيات القرآنية، إلا أنك ترى فيه نور العلم، وبركة الفهم التي أنعم الله U على عبده القرطبي، فماذا قال القرطبي عن تفسير هذه الآية؟
ا: أول ما يكابد (أي الإنسان) قطعَ سُرّته، ثم إذا قمط قماطًا[1]، وشدَّ رباطًا، يُكابدُ الضيق والتعب، ثم يكابدُ الارتضاع، ولو فاته لضاع، ثم يكابد نَبْت أسنانه، وتحرّك لسانه، ثم يكابد الفِطام، الذي هو أشد من اللطام، ثم يكابد الختان، والأوجاع والأحزان، ثم يكابد المعلِّم وصولته، والمؤدِّب وسياسته، والأستاذ وهيبته، ثم يكابد شغل التزويج والتعجيل فيه، ثم يكابد شغل الأولاد، والخدم والأجناد، ثم يكابد شُغل الدور، وبناء القصور، ثم الكِبر والهرم، وضعف الركبة والقدم، في مصائب يكثر تعدادها، ونوائب يطول إيرادها، من صداع الرأس، ووجع الأضراس، ورمد العين، وغم الدَّين، ووجع السن، وألم الأُذن. ويكابد مِحَنًا في المال والنفس، مثل الضرب والحبس، ولا يمضي عليه يوم إلا يُقاسي فيه شدة، ولا يُكابد إلا مشقة، ثم الموت بعد ذلك كله، ثم مسألة المَلَك، وضغطة القبر وظلمته، ثم البعث والعرض على الله، إلى أن يستقرَّ به القرار، إما في الجنة وإما في النار، قال الله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسانَ فِي كَبَدٍ} [البلد: 4]، فلو كان الأمر إليه لما اختار هذه الشدائد. ودلَّ هذا على أن له خالقًا دبّره، وقضى عليه بهذه الأحوال، فليمتثل أمره"[2].
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق