السبت، 14 مارس 2020

«موت الحقيقة».. في هجاء زمن ترامب

«أخبار زائفة»، «حقائق بديلة»، متابعون وهميون على مواقع التواصل وإعجابات «مبرمجة».. هل هذا هو ما يعدنا به عصر ديموقراطية المعلومات والشفافية، هل هناك من هم مسؤولون عن تحويل حلم شفافية المعرفة، ووحدة اللغة الإنسانية والتواصل بين الشعوب والثقافات إلى مجرد فقاعة دعائية، بل إلى ما هو أسوأ: عودة العنصرية والتهميش والعنف، وإفراغ السياسية والإدارة الاجتماعية من التعقل والعلم الرصين والخبرة، هل هذا هو ما نسميه «عصر ترامب»؛ حيث الغلبة للأكاذيب والدعاية الشعبوية؟

في كتابها «موت الحقيقة.. ملاحظات حول البهتان في عصر ترامب»، الصادر في ترجمة عربية لسيف سهيل عن «دار مسعى»، تفتح ميتشيكو كاكوتاني قوسين كبيرين للتساؤل حول طبيعة اللحظة التي نعيشها، والمخاطر التي تهدّد إدارة الحياة وسياسات الدول على السواء من جراء ما يسمى عصر «ما بعد الحقيقة»، حيث سيطرت الميديا، ووسائل التواصل الحديثة على المجال العام وصياغته، وارتبطت بيقظة الشعبوية، والشعارات والآراء المتسمة بالطابع الدعائي، وإقصاء الخبرة والتخصص العلمي من مجال صنعة القرار.
إنه عالم من الفوضى، تنفصل فيه الإدارة السياسية عن الناخبين، ويتم تجاوز قواعد كانت تعد من أصول الدولة القومية، ألا وهي استقلال القرار الوطني عن أي تبعية أو تأثير خارجي.
وجاهة ظاهرية
تتحرّك كاكوتاني على مسطرة واسعة إذن؛ تبدأ من إشكال ضياع أو فقدان الحقيقية، وتنتهي بالتأثير الروسي في القرار الأميركي والأوروبي، من خلال المواقع والصفحات الوهمية على مواقع التواصل الاجتماعي، وتصل اتهامات كاكوتاني للإدارة الأميريكية الحالية إلى ما يقترب من التفريط في السيادة.
لكن كتاب كاكوتاني، على الرغم من الوجاهة الظاهرية لقضاياه، إشكالي أكثر مما يبدو عليه. وهو يفيد كثيرا من الحماسة، والتركيز على قضايا أخلاقية، تعد من قبيل «الصوابية السياسية»؛ مثل الشفافية وضمان تداول السلطة ونقد الميل الشعبوي المفضي إلى حكم أوتوقراطي، والعودة إلى تثمين دور العقلنة في صياغة المؤسسات الاجتماعية والسياسية على السواء.
من الفلسفة إلى الحياة العامة
إمعانا في تأسيس حجتها على قاعدة متينة تلجأ مؤلفة «موت الحقيقة» إلى نقد فلاسفة ما بعد الحداثة، أو على الأقل تشير إلى بعض أفكارهم التي وجدت طريقها إلى الحياة العامة مؤثّرة فيها بشكل سلبي.
إحدى هذه الأفكار التي شاعت عن «ما بعد الحداثة» هي النسبوية التي نفت أن تكون ثمة حقيقة موضوعية، واستبدلت بها المنظورية والمواقعية (أي ارتباط المعرفة بالموقع الذي ننطلق منه). المدهش أن التيار «ما بعد الحداثي» كان يجد أنصاره بين صفوف الأكاديميين واليساريين على وجه الخصوص. وها هو ترامب يتبنّى وجهة النظر نفسها، وكأنه يسرق حجته من خصمه بالذات، في مفارقة تاريخية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق