وليست العقيدة حفظا لبعض المتون واستظهارا لها، ثم ترى كثيرا ممن يحفظ ويستظهر لا يطبق العقيدة في أفعاله وتصرفاته وولائه وبرائه
وليست العقيدة إجازات علمية يجمعها بعض الناس لمجموعة قيمة من المتون والشروح كالطحاوية والواسطية والتدمرية والحموية وكتاب التوحيد وغيرها، ثم تجد بعض حامليها إما عميلا للطواغيت، أو عنيفا على المؤمنين والعلماء والدعاة والمجاهدين
وليست العقيدة إجازات علمية يجمعها بعض الناس لمجموعة قيمة من المتون والشروح كالطحاوية والواسطية والتدمرية والحموية وكتاب التوحيد وغيرها، ثم تجد بعض حامليها إما عميلا للطواغيت، أو عنيفا على المؤمنين والعلماء والدعاة والمجاهدين
سمعنا الكثير عن نماذج مشوهة من حملة كتب ومتون العقيدة –ولا أقول حملة العقيدة- يقدمون أسوأ مثال لما قرؤوه وتعلموه، ويجعلون كثيراً من الناس يبغضون ويكرهون العقيدة السلفية الناصعة الجميلة بسبب تلك التصرفات الرعناء.
أليس لب العقيدة يقوم على الولاء والبراء، أن يوالي الإنسان المسلمين –كل المسلمين- ويتبرأ من الكافرين؛ كل الكافرين
سهام النقد والبراءة منهم، ولم يوجهوا مثل تلك السهام ولا معشارها تجاه الكفار الذين يستحقون فعلا البراءة.
أين العقيدة إذا؟ العقيدة كتطبيق ومبدأ ينطق في الواقع، أين الفائدة المرجوة من تلك الكتب العظيمة التي ورثها لنا سلفنا الصالح رضي الله عنهم؟ أين نجد الولاء والبراء حقا؟ ونجد مظاهر الإيمان الحقيقي: الإيمان الذي قرره أهل السنة والجماعة؛ وأنه قول واعتقاد وعمل، والعمل هو دليله الذي لا يصح بدونه؟ أين هم أولئك القوم الذين يسطرون العقيدة بدمائهم في ساحات الولاء والبراء، وفي مواطن نصرة الدين و الأمة؟
إن أساتذة العقيدة الحقيقيين هم أولئك الذين يدرسونها واقعا ملموسا بمواقف عقدية حقيقية، الذين يمتثلون الإسلام في تعاملهم ومواقفهم ومبادئهم،
أحمد بن حنبل الإمام العظيم ضرب مثالا من أروع أمثلة الثبات على العقيدة، بصبره وثباته على المبدأ وقت الفتنة.
وشيخ الإسلام ابن تيمية قدم دروسا عظيمة في العقيدة، ما كان لكتبه –والعلم عند الله- أن تظهر وتنتشر كل ذلك الانتشار؛ إلا بثباته العظيم ذاك، درس مواجهة التتار في شقحب وسواها، درس قتال النصيرية، درس الردود على النصارى والمبتدعين والمتجبرين حينذاك.
قدم الصديق درسه الأول في العقيدة يوم وفاة النبي _صلى الله عليه وسلم_، حين كان بعض الصحابة لا يكادون يصدقون ما حدث، وحين قام عمر رضي الله عنه –تحت هول الفاجعة- يحذر من دعوى موت النبي، حينذاك قام أبو بكر الصديق والناس في كرب وهول، والرؤوس مئرئبة، والعيون متطلعة، فألقى عليهم كلمات قليلة في عددها عظيمة في أثرها، قال: (يا أيها الناس من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فأن الله حي لا يموت) وقرأ قوله _تعالى_: "وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ" (آل عمران: من الآية144). فاستوعب الناس الدرس، وتيقنوا الأمر، وخرجوا يقرأون الآية ويعجبون، وكأنها نزلت في هذا اليوم وليس من قبل.
واستمرت دروس الصديق العقدية العظيمة، فلما ظهرت بوادر التمرد والارتداد العربي عن الدين والعقيدة،
فمن أولئك المدرسين للعقيدة الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب النجدي الذي جاء في زمن انتشار الضلالات والبدع، فسعى إلى مواجهتها وتحديها بالوسائل المتعددة، ولم يكتف بما اكتفى به الجبناء والخوافون من الوقوف عند حد الإنكار باللسان عند إمكانية غيره، فقاتل أولئك المشركين ونابذهم، ولم يلتفت للمخذلين والمحذرين الذين عاشوا أعمارا مديدة في ذل الخوف، وداخلتهم بعض عقائد المرجئة، وقد خسر ابن عبدالوهاب في منهجه العظيم ذاك أقرب المقربين إليه –حينا من الدهر- ومنهم أبوه وأخوه الأكبر الذين كانوا من ذلك المجتمع الذي اعتاد على ألا يتجاوز إنكاره الكلام الخافت والنصيحة المؤدبة.
لله درك يا ابن عبد الوهاب يوم كفرت أولئك المشركين في زمن الإرجاء، حين اعتاد بعض الناس المجاملة، وظنوا أن كل من تشهد بالشهادتين مسلم؛ وإن سجد للقبر، أو سب الرب تعالى، أو سأل الحاجات -التي لا يقدر عليها إلا الخالق- من المخلوقين، ما فعله ابن عبدالوهاب هو العقيدة، وهناك تظهر الأستاذية.
وفي أيامنا هذه –أيام هيمنة اليهود والنصارى، وأيام سيطرة المنافقين- فإن للعقيدة –أيضا- رجالها وأبطالها، يدرسون بمواقفهم وثباتهم العالم أجمع: أن هذه الأمة أمة منصورة مرحومة، وأن الخير فيها من أولها إلى آخرها.
مدرسو العقيدة –هؤلاء- إن نصبت لهم المشانق، أو أغلقت عليهم أبواب السجون، أو سيموا شيئا من العذاب، فلا تراهم إلا صابرين ثابتين، يعلمون بمواقفهم، ويدرسون بتضحياتهم، فيتخرج على نهجهم ثلة بعد ثلة من شباب الأمة ونسائها، وإن رغمت أنوف المنافقين، وتكاثر مكر الكافرين بسعيهم لتجفيف المنابع، والتضييق على الدعوات المباركات، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.
أحمد وبقية الأئمة، وصلاح الدين الأيوبي وبقية المجاهدين، وابن تيمية وبقية العلماء، وابن عبدالوهاب وبقية المصلحين.
إنهم يدرسون الأمة عقيدة الولاء والبراء، والتضحية من أجل الدين، والموت لإعلاء كلمة الله، ورفض تحريف الدين وتحكيم القوانين الوضعية، وهم إذ يدرسون تلك العقيدة السلفية الناصعة لا يدرسونها على منهج المرجئة، وأصحاب المصالح المادية والدنيوية، وعملاء السلاطين، وعلماء التسول، إنما يدرسونها على منهج أبي بكر في إصراره، وابن حنبل في ثباته، وابن عبدالوهاب في وضوح الفكرة لديه، وقبل كل ذلك على منهج محمد بن عبدالله في هديه وسيرته؛ _صلى الله عليه وسلم
++++++++++++
ما هي عقيدة الولاء والبراء؟ ولمن تكون؟
أولًا: لا يوجد في علم التوحيد وعلم الكلام والعلوم التي درست العقائد الإيمانية للمسلمين والفِرَق ما يسمى بـ"عقيدة الولاء والبراء".
ثانيًا: الولاء والبراء من الأعمال القلبية في الأساس، التي تكون من آثار عقيدة الإيمان، فإن المؤمن الذي آمن بالله ورسله وكتبه وملائكته واليوم الآخر والقدر خيره وشره، يثمر ذلك الإيمانُ في قلبه حبًّا وموالاةً وميلًا ونصرةً لكافة المؤمنين بالحق، كما يثمر في قلبه براءة من العقائد والأفكار التي تناقض ما يؤمن به.
ثالثًا: المظهر السلوكي للولاء هو النصرة والتأييد، والمظهر السلوكي للبراء هو المعاداة وعدم
التأييد، وتتجلى مظاهر الولاء والبراء عندما يقرر من يكفر بعقيدتك وإيمانك وهويتك أن يظلمك ويحارب وطنك، فإن الولاء يقتضي الوقوف بجوار وطنك وقومك وهويتك، والبراءة من العدو الذي يريد هدم هويتك وأمنك ووطنك.
لذا، فإن الولاء والبراء لا بد أن يُستحضر دائمًا في منظومة تعايش المسلم مع غيره، فعلى المسلم أن ينتمي للإسلام ويحافظ على هويته الإسلامية من غير الإخلال بمبدأ التعايش السلمي بين الناس وهذا هو الولاء، والبراء هو أن يحافظ المسلم على عدم التباس عقيدته بما قد يشوبها من الشبهات ونحوها دون الدخول في التكفير أو الاعتداء على نفس معصومة.
رابعًا: عدم موالاة غير المسلمين من المواطنين وغيرهم ممن لا يكونون في حالة حرب مع المسلمين بمعنى معاداة أشخاصهم وإيذائهم مخالفٌ لصريح نصوص القرآن والسنة؛ فالمسلم مأمور بقول الحسنى لكل الناس دون تفريق؛ قال تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ [البقرة: 83]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ﴾ [النحل: 90]، كما أن الله لم ينهَنا عن بر غير المسلمين ووصلهم وإهدائهم وقبول الهدية منهم وما إلى ذلك من أشكال البر بهم؛ قال تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوَهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ﴾ [الممتحنة: 8].
والله سبحانه وتعالى أعلم.
********
الولاء والبراء من لوازم لا إله إلا الله
يجب على كل مسلم يدين بهذه العقيدة أن يوالي أهلها ويعادي أعداءها، وألا يتخذ الكافرين أولياء يحبهم ويتولاهم ويصافيهم، بل الواجب عليه أن يُبغضهم ويتخذهم أعداءً؛ لأنهم أعداء لله عز وجل، فلا يجتمع إيمان بالله وحب لأعدائه في قلب العبد.
شرط المحبة أن توافق من *** تحب على محبته بلا عصيان
فإذا دعيت له المحبة مع *** خلافك ما يحب فأنت ذو بهتان
أتحب أعداء الحبيب وتدعي *** حباً له ما ذاك في إمكان
ليس العبادة غير توحيد المحبة *** مع خضوع القلب والأركان
﴿ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾
ومِن أعظم مقتضيات الكفر بالطاغوت: البراءة منه ومن أوليائه، فلا يمكن أن يكون الإنسان مؤمنًا موحدًا، وفي نفس الوقت يكون محبًّا للكافرين والمشركين مواليًا لهم، معتقدًا صحة ما هم عليه من الباطل أو مسوغًا له، هذا لا يوجد أصلًا؛ قال الله تعالى: ﴿ لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ﴾
الولاء والبراء سبب في ذوق حلاوة الإيمان
عن أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن أحب عبدًا لا يحبه إلا لله، ومن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله كما يكره أن يلقى في النار
خطورة الجهل بتطبيق عقيدة الولاء والبراء
إن أمور العقيدة وأصولها مما لا يجوز أن يتطرق إليها الجهل أو التشكيل، وهذا أمر حتمي لا يقبل المساومة، ومن ذلك أصل الولاء والبراء {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين
كما أن بغض الكفر وعداوته بعداوة أهله، جاءت بها شريعتنا في نصوص القرآن والسُنَّة وأحوال النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته وحال أصحابه بين ذلك قوله تعالى {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة}.
وفي قوله سبحانه في سورة المجادلة في آخرها: {لا تجد قوماً يؤمنون بالله وباليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه}.
وفي سورة الممتحنة يقول عزَّ وجلّ: {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده}.
إلى أمثال هذه الآيات وكثير من الأحاديث المتواترة، قولية وفعلية وتقريرية لعقيدة الولاء والبراء، لا تخفى من طالع الموضوع في كتب العقيدة ومدونات السُنَّة. ولكني ألاحظ خلطاً وغفلة في فهم هذه العقيدة: الولاء والبراء، ثم يستطيل ذلك في تطبيقها والعمل بها. لا سيما فيما قرأته من تعقيبات على فضيلة الشيخ صالح الفوزان ومن ذلك ربط البراءة بين الكفر والكافرين بالإرهاب والغلو والتطرف.
أيضاً تصور أن هذه العقيدة معناها الاعتداء على الكفار في أنفسهم وأعراضهم وأموالهم، وهذا خطأ فادح وجهل ذريع بعقيدة الولاء والبراء، فبغض الكفر والكافرين، وهو ليس بغض وعداوة لشحمه ولحمه، بل لما قام فيه من الكفر والشرك، ولهذا بمجرد ما يقول الكافر أن لا إله إلا الله ومحمد رسول الله، تنقلب عداوة كفره إلى حب له ومودة لعقيدته ودينه.
أما الاعتداء عليه في دمه وعرضه وماله وأهله فهو ظلم أجمعت الشرائع على تحريمه.
ومن الخطأ في فهم وتطبيق عقيدة الولاء والبراء ما لحظته على بعض المناقشات عدم التفريق بين بغض الكافر لأجل كفره، وموضوع التعامل معه بيعاً وشراء ومحاورة ونكاحاً ووفاء بالعهد والعقود والصدق بالتعامل.. إلخ. فالبغض لأجل الدين عقيدة، والصدق والوفاء بالمعاملة معهم أيضاً دين وواجب.
ومن ذلك أيضاً ما جنح له البعض في موضوع الحب وعلاقته بالولاء والبراء، فمن المعلوم قطعاً في باب العقيدة الفرق بين الحب الطبيعي وله صور كثيرة، كحب الشهوة للطعام والشراب، وحب الألفة وحب الزوجين والصديقين بعضهما بعضاً، وحب الشفقة كحب الوالد لابنه، وحب الاجلال كحب الوالد الكبير.
ومن هذا حب الرجل لزوجته الكتابية، إذا تزوجها بشرطين
أن تكون كتابية منتسبة إلى إحدى الملتين الكتابيتين: اليهودية والنصرانية
أن تكون محصنة أي عفيفة، غير فاجرة.
فإذا أحب الرجل زوجته الكافرة بهذا الاعتبار فحبه لذاتها هو حب طبيعي، لكن الواجب عليه بغض كفرها الذي تدين به وتعتقده
وهناك حب العبادة، ومنه حب الله وحب رسوله صلى الله عليه وسلم وحب دينه، وهذا كله يحتم علينا العناية بتعلم ودراسة موضوع الولاء والبراء دراسة إيضاح وبيان، وازالة اللبس، وكشف للشبهة والخلط وهو ما يجب أن يكون في مناهجنا الدراسية لا يحذف منها.
*******
كل تعامل مع غير المسلم يمثل شكلاً من أشكال المداهنة والتنازلات في دين الله بدعاوى سماحة الإسلام
ومن هنا برزت دعوات تلك التيارات المتشددة على ضرورة :جهر الفرد بمعاداة أعداء الله وإظهار بغضهم ومنابذتهم بالسنان واللسان والجنان ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وعدم التعاون معهم، ولا المشاركة بأعيادهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق