إذا كانت أسواق الأسهم الأوروبية استعادت بعض توازنها يومي الخميس والجمعة الماضيين، فإن بورصة وول ستريت مرت بأسوأ أسبوع في تاريخها، وكان لا بد للبنوك المركزية أن تعمل بشكل جماعي، وعلى وجه السرعة، لتجنب انهيار النظام المالي، في ظل تداعيات تفشي فيروس كورونا.
هذا الهبوط لم يحدث من قبل في مؤشرات سوق الأسهم في شهر واحد بهذه السرعة، حيث بلغ 32% في وول ستريت حسب مؤشر ستاندرد آند بورز 500، وبلغ 38.6% في باريس حسب مؤشر كاك 40.
وكعلامة على شدة الاضطراب الذي وقع في الأيام الأخيرة، تم الوصول عدة مرات عند افتتاح الجلسة هذا الأسبوع إلى الحد الأقصى البالغ 7% الذي يتوقف عنده التداول في وول ستريت.
على هامش الركود ورأت الكاتبة أن المستثمرين في الواقع غير قادرين على تقييم عواقب وباء فيروس كورونا على الاقتصاد العالمي، وأن الاقتصاديين أنفسهم ما زالوا يراجعون بالتخفيض توقعاتهم، وإن كان يبدو أن الركود أصبح أمرا لا مفر منه، حتى إن البعض بدأ إثارة شبح الكساد الكبير.
ظهور علامات التفكك على النظام المالي، حيث لم تعد الملاذات الآمنة تلعب دورها، وأصبح توليد النقد الشاغل الوحيد للمستثمرين، وبدأ الذهب والسندات الحكومية (الأصول الخالية من المخاطر عادة) الانخفاض بالموازاة مع أسهم وديون الشركات (الأصول الخطرة)، مما يتطلب ضخ مزيد من النقد.
وكلما زادت الخسائر طلب الوسطاء الذين يستدين منهم المستثمرون زيادة مستوى النقد المقدم كضمان للقروض، ومع ذلك، تبقى السندات الحكومية في هذه الأسواق المذعورة الأصول الوحيدة التي لا تزال قابلة للبيع بالسيولة.
وقال تقرير الإستراتيجيين في ولز فارغو إن "نصف المستثمرين الذين تحدثنا معهم يعتقدون أن الوضع أسوأ مما كان عليه عام 2008"، مما يثير بعض الذكريات السيئة، حيث يشبّه مستثمر الأمر بسقوط صندوق التحوط "لونغ تيرم كابيتال مانجمنت" عام 1998.
البنوك المركزية تعمل خوفا من انهيار النظام المالي، تدخلت البنوك المركزية بشكل جماعي في الأيام الأخيرة، في أغلب الأحيان في حالات الطوارئ، وقال تورستين سلوك كبير الاقتصاديين في دويتشه بنك إن "قرارات السياسة النقدية في منتصف الليل تعطي فكرة عن تصميمهم على استقرار الوضع".
وفي أسبوع واحد –حسب الكاتبة- خفض 31 بنكا مركزيا أسعار الفائدة؛ ونتيجة لذلك أصبحت معدلات الصفر المصحوبة بحقن السيولة هي القاعدة في الاقتصادات المتقدمة.
وبخطته البالغة 750 مليار يورو، قدم البنك المركزي الأوروبي من دون قيد أو شرط -تقريبا- الوسائل لإنقاذ الدول الأكثر هشاشة في المنطقة كإيطاليا، كما أن الاحتياطي الفدرالي الأميركي تدخل على جميع الجبهات، وأغرق العالم بالدولارات، وقدّم الدعم للبنوك والشركات وصناديق أسواق المال.
وبالفعل، انتعشت الأسواق الأوروبية يومي الخميس والجمعة، عندما رأت في البنك المركزي الأوروبي مقرض الملاذ الأخير، في حين أنهت وول ستريت الأسبوع بتراجع إضافي بنسبة 5% تقريبا، ولكن الأسابيع القادمة هي التي ستحدد إذا كانوا قد ربحوا رهانهم.
المصدر : ليزيكو
*
قنوات التأثير وجهود الدول.. كيف دمر فيروس كورونا الاقتصاد العالمي؟
منذ تفشيه لا يزال فيروس كورونا يعيث في الاقتصاد العالمي دمارا حتى أصابه بالشلل، فقد عرقل الإنتاج والإمداد والنقل الجوي عبر العالم، وأضعف الطلب العالمي، وعزل دولا ووضعها تحت الحجر الصحي، وأخرى تحت حظر التجول، وأصاب قطاعات المال والطيران والنقل والسياحة بخسائر فادحة.
قنوات التأثير
هناك عدة قنوات يؤثر من خلالها فيروس كورونا على الاقتصاد العالمي، وهي:
1- التبادل التجاري، إذ يؤدي إلى إعاقة الإنتاج وعرقلة الإمداد وإضعاف الطلب العالمي، ومنه الطلب على الطاقة.
2- الترابط المالي، وقد طال تأثيره المادي والمعنوي أسواق المال العالمية التي شهدت انهيارات وأسوأ أداء منذ اندلاع الأزمة المالية العالية عام 2008، وبهذا تعطي أسواق المال مؤشرا سلبيا على شعور المستثمرين بتوجهات تأثير الفيروس على الاقتصاد العالمي.
3- السياحة والنقل، إذ خفض معدل الرحلات وأغلق العديد من المطارات حول العالم، فهو يؤثر على العرض والطلب العالميين.
أما على مستوى الاقتصاد المحلي للدول فيؤثر الفيروس من خلال ثلاث قنوات:
1- إعاقة النشاط الاقتصادي، وذلك عبر إعاقة الإنتاج والخدمات والمواصلات والنقل والسياحة والتسوق، وإضعاف العرض والطلب.
وهناك مدن وضعت تحت حظر التجول وتحولت إلى مدن أشباح كما شهدنا في الصين وإيطاليا، والعدد آخذ في الازدياد حول العالم .
2- تكاليف التصدي والاحتواء، من إنقاذ ودعم وإجراءات احترازية لقطاع الصحة والقطاعات الاقتصادية والاجتماعية بتكاليف باهظة وآخذة في الارتفاع.
3- الثقة واليقين، فالارتباك وعدم اليقين يضعفان الثقة، ويؤدي ذلك إلى الإحجام عن الاستثمار والإنفاق والسياحة.
وبالمحصلة، سيصيب الفيروس الاقتصاد العالمي بالشلل، إذًا هناك توقعات بتراجع النمو في الصين وحدوث انكماش في اليابان وركود في فرنسا، كما أن هناك دعما ماليا ضخما في ألمانيا، وإغلاقا للمناطق الصناعية في شمال إيطاليا، وخفضا طارئا لأسعار الفائدة إلى حدود الصفر في بريطانيا وأميركا، مع ضخ سيولة هائلة لإنقاذ القطاعي المالي ودعم الاقتصاد في أميركا، وفي منطقة اليورو (750 مليار يورو).
ركود عالمييبدو أن الاقتصاد العالمي مقبل لا محالة على تراجع إن لم يكن انكماشا حادا، والتوقعات الأولية تشير إلى انخفاض النمو بحدود 0.9-0.5% إلى 1.5% هذا العام، وقد يصل إلى أدنى مستوى له منذ الأزمة المالية العالمية، بحسب منظمة التعاون.
وقد يشهد العالم أسوأ أزمة اقتصادية منذ الكساد العظيم في ثلاثينيات القرن الماضي، وستعتمد هذه الاحتمالات على مدى الانتشار الزماني والمكاني للفيروس، وعمق الأزمة التي سيتسبب فيها، ومتى تضع الحرب معه أوزارها.
لكن كلما طال أمد الصراع ضد كورونا أدى ذلك إلى ارتفاع حالات الإفلاس بين الشركات والبطالة بين المجتمعات، وستكون الفئات الأضعف و"ذوو الدخل الأقل" هم الأكثر عرضة، وستكون لذلك تبعات اجتماعية كبيرة وضغوط هائلة على الحكومات لتعزيز الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي من خلال برامج الإنقاذ والدعم المختلفة وخفض الضرائب.
تحديا كبيرا للدول التي تعاني من هشاشة أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية أساسا ولم تستفد من تجربة الربيع العربي بالمضي قدما في إصلاحات مقنعة، كالعراق ولبنان والجزائر ومصر.
الصين مثال واضح
أعطت الصين -وهي مهد تفشي الوباء- مثالا واضحا على كيفية إضرار الفيروس بالاقتصاد الصيني ومنه إلى الاقتصاد العالمي، فالصين هي صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم، بنسبة 17% من حجم الاقتصاد العالمي، وهي أكبر مصدر للبضائع حول العالم، وتعتبر مصنع العالم، إذ تمده بثلث احتياجاته من المنتجات الصناعية، وهي أكبر مستورد للنفط في العالم، وتشكل مصدرا كبير للطلب على السياحة العالمية.
لذلك عندما يصاب الاقتصاد الصيني بالشلل فلا بد أن يتأثر العالم، وبقاء العمال في بيوتهم وإغلاق المصانع أديا إلى هبوط المؤشر الصناعي لأدنى مستوى في تاريخه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق