2020/11 . Mar 11, 2021 Jan 17, 2022 26/05/2022
رأس المال والأيديولوجيا يقع المؤلَّف في 1024 صفحة، بحث خلالها بيكيتي تاريخ الفقر والثورة والاقتصاد عالميّا
قانعا بألّا مخرج من الرأسمالية سوى رأسمالية أخرى أقلّ توحشا
جائحة الفيروس تعيث خرابا بالعالم وتكشف اختلالا وظيفيا كامنا في ديمقراطيات الرأسمالية الغربية
انتقاد حافز الرّبح من انتشار
البعض يريد تعديل المداخيل وفقا لحال السوق (أنصار إعادة التوزيع)، البعض الآخر يريد التأثير في نتائج السوق (أنصار إعادة التوزيع السابق)، وهناك أولئك الذين يريدون رفع الحد الأدنى من الأجور وتغيير قوانين الاحتكار، أو إدخال إصلاحات على حكم الشركات الكبرى وإعادة قطاع الأدوية إلى عهدة الحكومة، ومن ثمّ هناك الاقتصادي الفرنسي توماس بكيتي، الذي يريد إصلاح الرأسمالية بما يتخطّى نقطة تعريفها عبر القضاء على الملكية الخاصة الدائمة قولا واحدا.
"رأس المال والأيديولوجيا" هو مؤلَّف توسّعي لاحق لأحد أفضل مبيعات بكيتي "رأس المال في القرن الحادي والعشرين". إن أي مؤلِّف يعتزم إلحاق كتاب يتألف من 800 صفحة بمؤلَّف آخر على القدر ذاته من الكثافة والطول إمّا أنه مفرط الثقة بنفسه أو أن لديه إيمانا استثنائيا بجَلَد قرّائه،
*
ماكس فيبر، في أن المال يُوجَّه لكسب مزيد من المال ولا تنحصر وظيفته في تحصيل الطيبات التي يحتاجها الإنسان للبقاء أو للتنعم، ويمكن أن نضيف محركًا آخر للنظام الرأسمالي يتمثَّل في سعي الأفراد لمراكمة الثروات بهدف توريثها لأقربائهم، لكن هذا الهدف الثاني الذي يحفز الناس على الكسب قد يتحول إلى معطِّل للنظام الرأسمالي بأكمله لأنه يكنز الثروات ويشجعها على ترك المشاريع الإنتاجية التي تعد النشاط الرئيسي لكل نظام اقتصادي فعال.
تلعب مراكمة الثروات إذًا دورين متعارضين؛ فهي من جهة تدفع الناس للعمل والكسب، فتنشِّط النظام الاقتصادي الرأسمالي لكنها تشجِّع في نفس الوقت على اكتناز الثروات وإبعادها عن الاستثمار المنتج الذي يصيب النشاط الاقتصادي بالركود.
معضلة التعارض بين الدخل الريعي والدخل الإنتاجي
كتابه "رأس المال في القرن العشرين"، وهو كتاب ضخم،
حظي برواج واسع، جعله ينافس كتب القصص، من أمثال هاري بوتر الخيالية، ودار حوله نقاش عريض، بين معجب يعتبره فتحًا في البحث الاقتصادي يزاحم رأس المال لكارل ماركس، ومنتقد يعتبره لا يأتي بجديد لأن الباحثين في الاقتصاد درسوا منذ زمن بعيد التفاوت في المداخيل وآثاره السلبية على الاقتصاد، وساخر من خلْطه بين رأس المال باعتباره سيطرة للمالك على العامل ورأس المال باعتباره ثروة.
1- يحرص الناس بشدة على أن يورِّثوا بعد مماتهم أملاكًا تضمن رزق أهلهم، فيتسع القطاع الرِّيعي الذي يُدرُّ مداخيل دون وظيفة إنتاجية.
2- ما دام الموت يجعل الناس يقلقون على أقربائهم من بعدهم فإنه يدفعهم إلى تفضيل حيازة ممتلكات تدر مداخيل دون عمل (وهو معنى الريع) بدلًا من العمل والإنتاج والمخاطرة، وبذلك تظل مداخيل الممتلكات أعلى من مداخيل العمل.
3- يشجع ارتفاع مداخيل الممتلكات، الاستثمارَ على ترك العمل المنتِج، فيتدنَّى النمو، فيقل الطلب على العمال، وتتدنى الرواتب، وتنخفض مداخيل الدولة من الضرائب. وتندرج الأزمة المالية في 2008 في هذا السياق، لأنها نتجت من عجز الأفراد عن دفع ديونهم التي اقترضوها من أجل الحصول على سكن. ولم يضطروا للاقتراض إلا لأن رواتبهم التي ظلت راكدة منذ سنوات، لم تمكِّنهم من شراء منازل تؤويهم وتؤوي عوائلهم من بعدهم.
4- عزوف رأس المال عن الاستثمار المنتج وتفضيله الممتلكات، يخفض الطلب على العمل، فتتدنى الأجور، فتضعف قدرة الناس على شراء الطيبات، فتصير المنتجات كاسدة، فتصاب الشركات بخسائر تضطرها إلى خفض نشاطها -بل قد توقفه- وتسريح جزء من عُمَّالها أو كلهم، فيركد النشاط الاقتصاد. تعد أزمة 1929 نموذجًا لذلك، لأن سببها لم يكن تدني الإنتاج بل عجز الناس عن الشراء لأن رواتبهم كانت متدنية، فنصح الاقتصادي البريطاني، مينار كينز، برفع رواتب العمال لتشجيعهم على شراء البضائع، فتربح الشركات، وترغب في توسيع نشاطها، فتحتاج إلى توظيف عمال جدد، فتتحرك عجلة الاقتصاد مجددًا.
وقد أخذ الرئيس الأميركي، فرانكلين روزفلت، بهذه السياسة؛ حيث وجَّه الدولة إلى الاستثمار في مشاريع البنى التحتية، كالطرقات وشبكات المياه والكهرباء، لتوظف عمالة كثيفة، فازداد عدد العمال الأجراء، فارتفع الطلب على البضائع، فحققت الشركات أرباحًا، جعلتها تتوسع في أنشطتها، فازداد الطلب على العمال، فقلَّت البطالة.
5- يؤدي انخفاض النشاط الإنتاجي إلى تدني مداخيل الدولة من الضرائب، فتضطر إلى خفض مصروفاتها في قطاعات حيوية مثل المؤسسة العسكرية، ومهمة للنشاط الاقتصادي والسياسي مثل قطاع التربية.
6- تضطر الدولة إلى الاستدانة لتعويض تناقص مداخيلها من الضرائب، فترتفع المديونية العامة إلى مستويات قد تجعلها تفقد سيادتها جزئيًّا أو تخسر استقلالها بالكامل وتقع تحت احتلال بلد آخر. وأمثلة ذلك كثيرة، تناولها المؤرِّخ، نيال فيرغسون، في كتابه عن "صعود المال"؛ حيث وضح أن سقوط الإمبراطوريات يرتبط بشكل وثيق بعجز الدولة عن سداد الديون.
اعتبر بيكتي في كتابه "رأس المال في القرن العشرين" تغلب مداخيل الريع على الانتاج تهديدا لاستقرار النظام الرأسمالي برمته، قد تنتج عنه حروب أو ثورات، ما لم نفرض ضريبة على مداخيل الريع، تعالج مشكلة التفاوات بين الملاّك والعمال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق