: هل ننتمي إلى أنفسنا أم إلى الإنسانية؟
طبقا لتقارير الأمم المتحدة فان مليون مسلم صيني من طائفة الإيغور قد تم القبض عليهم ووضعهم في معسكرت اعتقال يتعرضون فيها إلى قمع وحشي. تقول الحكومة الصينية إن اعتقال الإيغور جزء من حربها ضد الارهاب لكن ذلك لا يبرر انتهاك انسانية مليون مسلم.
أثار قمع الإيغور غضبا بالغا في العالم العربي والإسلامي وانتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي دعوة إلى مقاطعة كل المنتجات الصينية. ان الحكومة الصينية ترتكب قطعا جريمة ضد الانسانية بقمع الإيغور ويجب أن نشترك جميعا في حملة مقاطعة المنتجات الصينية لكننا في نفس الوقت يجب أن نسأل أنفسنا:
"هل نحن متعاطفون مع طائفة الإيغور لأنهم بشر أبرياء يتعرضون للقمع أم اننا نتعاطف معهم فقط لأنهم مسلمون مثلنا؟...ماذا لو كان الإيغور بوذيين أو هندوس وتعرضوا لنفس التمييز والقمع هل كنا سنتعاطف معهم بنفس القدر؟"
أعتقد أن السبب الرئيسي في تعاطفنا مع افيغور انهم مسلمون بدليل ان الصين قد سبق وقمعت مواطنيها من غير المسلمين فلم نغضب ولم نكترث اطلاقا .. هذا الكلام يقودنا إلى سؤال آخر.
"لو كانت الصين بلدا إسلاميا يحكمه رئيس مسلم وقام بقمع مواطنيه الإيغور هل كنا سنتعاطف معهم بنفس قدر تعاطفنا معهم الآن؟
اظن الاجابة بالنفي لأن من يدينون بشدة قمع الإيغور لم يحركوا ساكنا مثلا وهم يرون حكومتي السعودية والامارات تنفق الملايين في شراء الطائرات والأسلحة لكي تقصف المساكن والمدارس والمستشفيات في اليمن مما أدى إلى قتل آلاف اليمنيين الأبرياء.
اننا نحن العرب والمسلمين غالبا ما نغضب بشدة اذا قامت سلطة غير مسلمة بالاعتداء على المسلمين أما اذا اعتدت حكومة مسلمة على مواطنيها المسلمين فان غضبنا يكون أقل بكثير.. اننا نغضب وندين بشدة - عن حق - الجرائم التي ارتكبها الجيش الأمريكي في العراق ضد المدنيين الأبرياء، لكننا قلما نذكر أن الجرائم التي ارتكبها صدام حسين في حق العراقيين لا تقل بشاعة عن جرائم المحتل الأمريكي، بل ان بعضنا للأسف قد غفر لصدام حسين جرائمه باعتبارها "مجرد أخطاء" وبعضنا لازال يعتبره "أسد العرب" وبطلا قوميا.
لازال بيننا من يؤيد السيسي برغم القمع الوحشي الذي يمارسه ضد المصريين ولا زال بيننا من يعتبر حكاما سفاحين مثل بشار وحافظ الأسد والقذافي أبطالا قوميين.
ان كثيرين منا - نحن العرب والمسلمين - ليسوا ضد الاستبداد من ناحية المبدأ. انهم لا يمانعون في أن يحكمهم الديكتاتور إلى الأبد مادام سيوفر لهم لقمة العيش وفرص التعليم والعلاج. انهم سيعارضون الديكتاتور فقط اذا ساءت أحوالهم المعيشية أما اذا تحسنت حياتهم فلسوف يؤيدونه ويهتفون باسمه حتى لو قمع آلاف الأبرياء مادام القمع يطال الآخرين ...
هنا سنجد أنفسنا أمام حقيقة مؤسفة: اننا غالبا لا ندافع عن حقوق الانسان كقيمة مستقلة عن أي سياق. اننا ندافع عن حقوق الانسان أحيانا ونتجاهل انتهاكها أحيانا على حسب الظروف. اذا انتهك الاحتلال الأجنبي حقوق الانسان فاننا نعتبر الانتهاكات جرائم وحشية واذا انتهكها الديكتاتور الوطني فاننا نعتبر جرائمه مجرد أخطاء تقابلها انجازات عظيمة.. اذا تم انتهاك حقوق الانسان لمسلمين مثلنا فاننا نغضب بشدة أما اذا انتهكت حقوق الاقليات غير المسلمة في بلادنا فنادرا ما نغضب وقد ننكر وجود الانتهاكات أساسا.
اذا كنا مؤمنين بحقوق الانسان فيجب ان ندافع عنها بغض النظر عن ظروف انتهاكها. يجب ان ندافع عن ضحايا القمع جميعا بغض النظر عن جنسياتهم أو أديانهم أو أفكارهم أو انتمائهم السياسي .. يجب ان نغضب بنفس القدر اذا تم قمع أي انسان لمجرد أنه انسان لأن قيمته كانسان هي أعظم قيمة. لايوجد فضل عظيم في أن يدافع المسلمون عن حقوق المسلمين ويدافع الأقباط عن حقوق الاقباط واليهود عن حقوق اليهود. مثل هذا الدفاع لا ينتمي إلى الانسانية بقدر ما ينتمي إلى الثقافة القبلية التي تفرض على أبناء القبيلة ان يدافعوا عن بعضهم البعض سواء كانوا ظالمين أو مظلومين. عندما يدافع يهودي عن حقوق الفلسطينيين أويدافع مسلم عن حقوق الاقباط أو يفضح صحفي أمريكي جرائم الجيش الأمريكي.
هذا التجرد في الدفاع عن حقوق الانسان هو أعلى درجات الانسانية. يجب أن ندرك ان واجبنا نحو الوطن والدين لايمكن ان يتحقق الا داخل القيم الانسانية وليس بمعزل عنها. ان حبك للوطن لايجب ان يدفعك للدفاع عن الجرائم اذا ارتكبها جيش بلادك وايمانك بدين ما لايجب ان يدفعك إلى تجاهل الجرائم اذا ارتكبها أبناء دينك.
الدفاع عن مسلمي الصين واجب علينا، ولكننا ايضا يجب أن ندافع عن كل من انتهكت حقوقه الانسانية سواء كان مسلما أو مسيحيا أو يهوديا أو حتى بلا دين. عندئذ فقط سنستحق انسانيتنا ونثبت اننا متحضرون
الديمقراطية هي الحل
***********************
هل يحتاج الإسلام إلى سيوف وأسود؟!
"العلمانية معناها أن تحب الفاحشة وتكره الاحتشام والفضيلة وتدافع عن العري والزنا واللواط وأن تشكك في الدين وتطعن في الامام البخاري وتحاول هدم ثوابت الأمة".
هذه اللغة في تمجيد شيوخ الاسلاميين وتحقير من يخالفهم أصبحت الآن منتشرة وعادية وسوف تجد على يوتيوب عشرات المناظرات من هذا النوع وعادة ما يكون العنوان
"الشيخ فلان أسد الاسلام يمسح الأرض بالعلمانيين ويكشف انحلالهم وعداءهم للدين".
الدين لا يحتاج إلى أي حرب أو قتال وانما هو يحتاج إلى الاقناع بأسلوب متحضر هادئ ويحتاج إلى قدوة حسنة تلخص مبادئ الدين على هيئة سلوك اخلاقي راق يشكل نموذجا يحتذى به. الاسلام كدين، اذن، لا يحتاج إلى أسود وسيوف، لكن الاسلام السياسي يحتاج إلى أسود وسيوف. الاسلام دين والاسلام السياسي عقيدة سياسية. الاسلام السياسي يقدم لأتباعه تصورا ثابتا للعالم يقوم على الافتراضات التالية:
أولا: أن الاسلام يتعرض إلى مؤامرة كونية كبرى تشترك فيها الدول الغربية والحركات الصهيونية والماسونية وأطراف أخرى خفية تحكم العالم وتتحكم في الأحداث من خلف الستار. هذه المؤامرة تستهدف أساسا هدم الاسلام ونشر الفسوق والمجون بين المسلمين.
ثانيا: لن يعود مجد الاسلام الا باستعادة الخلافة الاسلامية التي انتهت بسقوط الدولة العثمانية عام 1924.
ثالثا: العلمانيون منحرفون فكريا ومنحلون جنسيا وهم ينفذون مخططا لهدم الاسلام بالاتفاق مع الصليبيين والصهاينة.
هذه الافتراضات الثلاثة مجرد أوهام وخزعبلات كما أوضحنا من قبل في أكثر من مقال، فالدول الغربية لا تعبأ بالإسلام ولا بأي دين آخر، وانما تهتم فقط بمصالحها والاحتلال العثماني لمصر ارتكب جرائم بشعة في حق المصريين ولم يعبأ اطلاقا بمبادئ الاسلام والخلافة الإسلامية، بمعنى نظام الحكم القائم على الدين لم توجد في التاريخ أساسا والامبراطورية الإسلامية (برغم تقدمها في العلوم والفنون) لم تقم على مبادئ الدين وانما قامت مثل كل الامبراطوريات القديمة على المؤامرات والمذابح.
كل هذه حقائق تاريخية قاطعة لكنها لا تقنع أتباع الاسلام السياسي لأن شيوخهم غسلوا أدمغتهم باستعمال عواطفهم الدينية. على مدى أربعين عاما انتشر الفكر الوهابي في كل أنحاء العالم باستعمال أموال النفط، وقد صرح محمد بن سلمان مؤخرا لصحيفة الواشنطن بوست أن السعودية قد نشرت الوهابية في إطار الحرب الباردة بطلب من الولايات المتحدة (وهذا دليل آخر على أن الدول الغربية لا تعبأ الا بمصالحها).
أصبحنا الآن أمام طريقتين مختلفتين لفهم الاسلام: دين الاسلام الأصلي وهو تجسيد للقيم الانسانية كالعدل والحرية والمساواة والتسامح، والاسلام السياسي وهو عقيدة حرب فاشية تعادي العلمانيين وغير المسلمين وتعتبر محاربتهم واجبا دينيا.
الاسلام السياسي (الاخوان المسلمون والسلفيون) خانوا ثورة يناير وتحالفوا مع المجلس العسكري وأيدوا المذابح العديدة التي ارتكبها ضد شباب الثورة.
بفضل العلمانية يعيش المسلمون في الدول الغربية تحت حماية القانون ويتمكنون من بناء المساجد وممارسة عقيدتهم بكل حرية واحترام. ان الاسلام دين نستمد منه القيم الإنسانية، لكنه لم يقدم تاريخيا قط ولا يجوز له أن يقدم نموذجا لبناء الدولة. تطبيق العلمانية أول شروط الديمقراطية.
*********
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق