رجل الدين العصرى، اختلف كثيرًا عن رجل الدين التقليدى فى المراحل التأسيسية للأديان الكبرى السماوية أو الوضعية، تلك الأديان المفتوحة فى خطاباتها العقائدية والطقوسية والقيمية على مطلق الإنسان أيا كان، وتخاطبه فى وجوده وكينونته ومألاته وعدمه. رجل الدين التقليدى تشكل تكوينه من حفظ النصوص التأسيسية المقدسة سواء أكانت قداسة سماوية تنطق بأسم الله جل وعلا، أو قداسة وضعية
ارتبطت بمؤسسى الأديان الآخرى كالبوذية والهندوسية والبهائية وغيرها من الديانات الوضعية.
تعاليم الأنبياء وسيرهم وأحاديثهم، وشراحها، وتأصيلاتهم للقواعد المؤسسة للدين، وتطورها إلى علوم دينية حول العقائد والقيم والطقوس،
تطورت عمليات تكوين رجل الدين، فى إطار المؤسسات والسلطات الدينية التى فرضت أنظمة تكوينية/ تعليمية لتشكيل رجل الدين الخاص بكل ديانة،
فرض مجموعة من الشروط الأخلاقية والدينية وغيرها التى يمكن من خلالها لشخص ما أن يدخل إلى دائرة هذه السلطة الدينية أو تلك كى يتعلم ويتخرج من خلال نظام تعليمى وأخلاقى صارم ويغدو رجل دين ينتسب إلى هذه الديانة أو تلك. ثم تفرعت الديانات الكبرى إلى مذاهب على نحو ما شهدت المسيحية بالانقسام بعد مؤتمر خلقدونيا -القسم الشرقى من تركيا الآن- 451م، حول طبيعة السيد المسيح عليه السلام، إلى الأرثوذكسية - الكنائس الشرقية- والكاثوليكية، ثم ظهور المذهب البروتستانتى مع مارتن لوثر، مع الحركة الإصلاحية التى ظهرت فى القرن السادس عشر وهدفت إلى إصلاح
شكلت البروتستانتية نقلة إصلاحية كبرى، وساهمت فى تطور الرأسمالية الأوروبية. من ناحية آخرى ساهمت فى تجديد اللاهوت المسيحى، والعلوم الدينية وكسرت بعض السياجات الدوغمائية
البروتستانتية ساهمت فى تطوير وتشكيل وتحرير نسبى لرجل الدين المسيحى، وهو الأمر الذى أدى إلى تطوير وتجديد الدراسات والعلوم الدينية، وانفتاحها على العلوم الاجتماعية فى الفلسفة وعلم الاجتماع، والقانون، وعلم النفس، والتاريخ، والعلوم النفسية. من ناحية آخرى ثمة انفتاح من الكنيسة الكاثوليكية على العلوم الاجتماعية،
تجديد العلوم الدينية اللاهوتية، وأدى إلى أحداث نقلة نوعية فى الفكر الدينى واللاهوتى المسيحى، ومن ثم فى إنتاج نمط جديد من الشروح والتأويلات الجديدة لدى بعضهم، لتاريخ الديانة والسلطات التأسيسية، وشروح النص المقدس فى المسيحية سواء على المذهب الكاثوليكى أو البروتستانتى. لا شك أن هذا الانفتاح على العلوم الاجتماعية الحديثة أدى إلى حركية الفكر الدينى المسيحى فى كلا المذهبين، وعلى الرغم من بعض التحفظات والرفض من بعض الدوائر الدينية المحافظة، إلا أن انفتاح المجددين، أثر على مسار الكاثوليكية، وأدى إلى ما يشبه نقلة كبرى على مستوى البنية العقائدية فى الاعتراف والانفتاح الكبير على الأديان والمذاهب غير الكاثوليكية التى لم يكن ثمة اعتراف تاريخى بها
ما يساهم فى تجديد فكر رجل الدين العصرى، هو الانفتاح على القيم المشتركة بين الثقافات المختلفة. هذا التكوين لا يعنى تغيير رجل الدين لعقائده وطقوسه وقيمه الدينية الموروثة، وإنما تأصيلها وتعميقها ودعمها فى ضوء متغيرات عصرنا، خاصة فى ظل ثورة هادرة فى الرقميات والذكاء الصناعى، يتعين على رجل الدين مواكبتها بالانفتاح على معارفها حتى يمكنه الإجابة على أسئلة جديدة ومختلفة عن أسئلة العصور والمراحل التاريخية السابقة فى التطور الإنسانى.
نبيل عبد الفتاح
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق