عن تاريخ الصلاة في الإسلام وتطوّرها إلى شكلها الحالي
لو سألت أي مسلم كان عن صلاته : كيف فرضت عليه ؟ كان جوابه في الأغلب: لا
أدري، لقد فرضها الله علينا، وكفي. ولو سألت اليهودي أو النصراني هذا السؤال، كان جوابه ذلك الجواب أيضا : إنه يصلي، لأنه وجد آباءه يصلون، فهو يصلي بصلاتهم، وقد تعلمها منهم.
لو سألت أي مسلم كان عن صلاته : كيف فرضت عليه ؟ كان جوابه في الأغلب: لا
أدري، لقد فرضها الله علينا، وكفي. ولو سألت اليهودي أو النصراني هذا السؤال، كان جوابه ذلك الجواب أيضا : إنه يصلي، لأنه وجد آباءه يصلون، فهو يصلي بصلاتهم، وقد تعلمها منهم.
كيف تطورت، ليقف القارئ على منشأ عبادة هي ركن من أركان الإسلام، وقد قارن المؤلف بين الصلاة في الإسلام والصلاة في الديانتين اليهودية والنصرانية، كاشفا الصلوات المشابهة في الديانتين المذكورتين.
ثم يبدأ في تناول لفظ ( الصلاة ) معناه ودلالته، ثم يتطرق بشكل منفصل متصل إلى كل ما يتعلق بالصلاة شكلها وأوقاتها، الأذان، الطهارة والوضوء، القبلة، التيمم، الفاتحة في الصلاة، الكلام في الصلاة، صلاة الجمعة، صلاة العيدين، إلى آخره. يرى د.جواد علي في مقدمته أن القرآن الكريم الذي أمر بالصلاة، لا يتعرض للشروح والجزئيات، لذلك لزمت الاستعانة بكتب الحديث والتفسير وأسباب النزول ثم بكتب السير والأخبار.
ويضيف: إن علماء التدوين أخذوا مادتهم من علماء آخرين استقوا رواياتهم ممن سبقهم من أفواههم، شفاهاً وسماعاً، إذ قل منهم من دوّن وسجّل
وقد أنفقوا جهداً في التعديل والجرح للتأكد من صدق الرواة، ولكنهم لم ينفقوا الجهد عينه في نقد الروايات والأخبار، أي مضمون الرواية ومادتها، علماً أنها هي الأساس فأصبحنا اليوم أمام روايات كثيرة ذات سند، قد ترجع إلى رجل واحد.
ولكن إذا درست جيداً، وجدنا بعضها يناقض بعضاً؛ وان الرجل ليقول قولاً، في بعض الأحيان، ثم يروي قولاً آخر يناقض قوله السابق، والنتيجة، في نظر المؤلف أننا بتنا أمام مشكلة عويصة جداً تتمثل في تدقيق الخبر ونقده من حيث المضمون. وإذا أخذنا موضوع زمن فرض الصلوات الخمس، وزمن فرض الوضوء، نجد أن الراوي يفيد بأنهما فرضتا بنزول الوحي على الرسول (صلى الله عليه وسلم)، أي في اليوم الأول من النبوة. ثم نرى أن الراوي يعود وكأنه نسي ما قال، فيذكر أن الصلوات الخمس والوضوء فرضا ليلة الإسراء.
وينطبق هذا الأمر على صلاة الجمعة، أو صلاة الخوف، أو أي من المسائل الأخرى التي ينطوي عليها هذا البحث. سنجد، في هذا السياق أننا أمام روايات متعددة يناقض بعضها بعضاً. ومرد ذلك إلى وثوق الرواة بالرواية وثوقاً واعتمادهم على الراوي، لا على الخبر الذي يرويه. ثمة سبب آخر يدرجه المؤلف في حيثيات هذا المنهج التحليلي، هو أن ذاكرة الرواة الحفاظ وان تمكنت من المحافظة على مضمون الخبر وجوهره، إلا أنها لا تستطيع المحافظة على جزئياته، وتفاصيله، لاسيما تلك المتعلقة بالتأريخ، أي بالأيام، والشهور والسنين.
لذلك يؤكد د. علي أن الروايات تتباين وتتصارع في ما بينها، فنجد راوية يروي تأريخاً، ثم نجد راوية آخر يروي تأريخاً آخر، وهكذا دواليك. وقد حصل ذلك لآفة طبيعية لدى الإنسان، هي النسيان. فالإنسان ينسى ويزداد نسيانه كلما ابتعد زمن الحادث عنه. ولأن التدوين لم يكن شائعاً في أيام الرسول، وجدت هذه الآفة مجالاً واسعاً للعبث في الأخبار.
بعد يبدأ د. جواد في تعريف معنى ودلالة وأصل كلمة الصلاة فيقول: كلمة (صلاة) آرامية في الأصل أخذت من أصل (ص ل ا) (صلا) ومعناها ركع وانحنى، ثم استعملت في التعبير عن الصلاة بالمعنى الديني المعروف، ثم استعملها اليهود فأصبحت لفظة عبرانية، دخلت العربية قبل الإسلام عن طريق أهل الكتاب.
والصلاة في أغلب الأديان صلاتان: صلاة مفروض على الإنسان أن يؤديها لخالقه، لأن الرب فرضها عليه، وصلاة غير مفروضة يستحب القيام بها، ولا يؤنب العبد على تركها، يقوم بها من يريد زيادة التقرب إلى ربه، وقد أهمل اليهود والنصارى بعض الصلوات التي كان يؤديها أجدادهم وأسلافهم في الماضي، ولذلك قل عددها اليوم عما كانت عليه، كما تساهلوا في أوقاتها. والصلاة في الإسلام صلاتان كذلك، صلاة مفروضة هي الصلوات الخمس التي يجب على الإنسان أداؤها في أوقاتها وصلاة غير مفروضة، تقسم إلى سنة ومستحب وتطوع.
ويشير د. جواد علي إلى أن الأمر بالصلاة في الإسلام لم ينزل دفعة واحدة، بل نزل الأمر بها بالتدريج، وذلك في مكة أولا، ثم في المدينة ثانيا، فكملت وتمت بعد هجرة الرسول إلى يثرب، وسوف نرى أن الصلاة بمكة كانت صلاة ذات ركعتين، أما صلاته في المدينة، فقد زيد عليها، فصارت صلاتين: صلاة حضر وصلاة سفر، كما أقيمت في المدينة صلوات لم يكن الأمر قد نزل بها بمكة، وقد حدث كل ذلك بسبب طبيعة النبوة، فإنها لم تكمل ولم تتم إلا في المدينة وبالتدريج، والصلاة هي ركن من أهم أركان الإسلام، وقد تطورت بتطوره.
ويضيف د. جواد: المشهور بين العلماء أن افتراض الصلاة كان في ليلة الإسراء، ففي هذه الليلة فرضت عليه الصلوات الخمس، وقد اختلفوا في وقت وقوع تلك الليلة، فذهب بعضهم إلى أنه كان قبل الهجرة بثلاث سنوات، وذهب بعض آخر إلى أنه كان قبل سنة واحدة، وقيل: وله من العمر إحدى وخمسون سنة وتسعة أشهر، وقيل: كان الإسراء بين بيعتي الأنصار في العقبة، وقيل: كان بعد المبعث بخمسة عشر شهرا إلى غير ذلك من الأقوال. ومعنى هذا أن نزول الأمر بافتراض الصلوات اليومية الخمس إنما كان في خلال هذه المدد المتنازع عليها.
وقد ذهب لما تقدم من حديث الإسراء جمع إلى أنه لم يكن قبل الإسراء صلاة مفروضة، لا عليه ولا على أمته، إلا ما كان يفعله الرسول من التهجد أثناء الليل، وقد نسخ قيام الليل بالصلوات الخمس ليلة الإسراء، وقال ابن حجر الهيتمي: لم يكلف الناس إلا بالتوحيد فقط، ثم استمر مدة مديدة، ثم فرض عليهم من الصلاة ما ذكر في سورة المزمل، ثم نسخ كله بالصلوات الخمس، ثم لم تكثر الفرائض وتتابع إلا بالمدينة. ولما ظهر الإسلام وتمكن في القلوب وكان كلما زاد ظهورا وتمكن، ازدادت الفرائض وتتابعت.
أما القرآن الكريم فقد ورد فيه أمر بالصلاة وحث عليها وتقريع لمن لا يقوم بواجبه في أدائها، غير أننا لا نجد فيه للصلوات الخمس اليومية المفروضة ذكرا صريحا، ولهذا صعب علينا تعيين الزمن الذي فرضت فيه استنادا إلى أسباب النزول، كذلك لا نجد فيه كيفية الصلاة وعدد ركع كل واحدة منها، فصار كل اعتمادنا في دراسة هذا الموضوع على كتب الحديث وكتب أهل الأخبار. ولم يتمكن المفسرون على الرغم من الجهود التي بذلوها، من تعيين آية صريحة في القرآن الكريم تذكر بصراحة الصلوات اليومية الخمس وتذكر عدّاً دون تفسير ولا تأويل.
ويقول د. جواد علي: وليس لدينا من شك في أن الأمر بالصلاة كان قد نزل على الرسول وهو بمكة وذلك قبل الهجرة لورود (الصلاة) في سورة مكية مثل سورة المدثر وسورة الكوثر وهي السورة الثانية عشرة من السور بحسب ترتيب النزول، وقد نزلت كلها في مكة، وورد فيها (فصلّ لربك وانحر) وفي سورة مكية أخرى.
ويؤيد هذا الرأي ما نراه في كتب السير والأخبار من أن الرسول كان يصلي بخديجة وذلك حتى وفاتها، وكانت وفاتها قبل الإسراء، ومن أنه كان يخرج مع علي بن أبي طالب إذا حضرت الصلاة إلى شعاب مكة، فيصليان الصلوات فيها، فرآهما أبو طالب مرة وهما يصليان، فسأل الرسول عن هذه الصلاة التي يصليها، وقد كانت وفاة أبي طالب قبل الإسراء، ومن أخبار أخرى تفيد أن أول الناس إسلاما كانوا يصلون وذلك قبل الإسراء، ففي كل ذلك دلالة إذن على أن الأمر بالصلاة كان بمكة وقد كان قبل الإسراء.
ويخلص د. جواد علي من هذه الدراسة التي استخلصها من الروايات العديدة، بنتيجة هي أن الصلاة في الإسلام قد كملت وتمت واتخذت شكلها النهائي في المدينة. وأن في المدينة ظهرت صلوات لم يكن الأمر قد نزل بها في مكة، وذلك لتغير الظروف ولتبدل الأحوال ولانتشار الإسلام. فصار من الممكن تعبّد المسلمين علناً وجهاراً.
لماذا لا نرجع لاسلام المكي مرحلة الضعف بسبب الغرب ونعود لاسلام المدينه بعد ان نتفق ونجتمع قوة
******************************
تطوّرت الصلاة في الإسلام عبر عدة مراحل، وجرى تعديل شكلها مراراً. وزادت الصلوات بعد هجرة الرسول إلي المدينة واكتملت على النحو الذي يمارسه المسلمون اليوم، وأضحي بإمكانهم الجهر بصلواتهم، بعد مرحلة من التخفي والخشية من اضطهاد قريش لهم في مكة.
قبل الإسراء والمعراج لم تكن هنالك صلاة بالأساس مفروضة على الرسول أو أمته
لم يكلف الناس إلا بالتوحيد فقط، ثم فرض عليهم من الصلاة ما نزل في سورة المزمل"، أي ما كان يقوم به محمد فقط من صلوات قيام الليل والذي خففه بعد حين القرآن عنه بقيام نصف الليل. ولكن ثمة مَن يقطع بأن فرض الأمر بالصلاة وقع مباشرة مع لحظة نزول الوحي على محمد في غار حراء حيث كان ينقطع للعبادة قبل الإسلام
انتظمت صلاة الرسول في مكة على هذا النحو الذي تنقله كتب السير والروايات، بصلاة الركعتين، مرتين في اليوم، وهما صلاة الغداة في أول النهار وصلاة العشي وقت العصر، أو كما يحددها المقريزي في "إمتاع الأسماع"، صلاة قبل طلوع الشمس وأخرى قبل غروبها. وتنقل سيرة ابن هشام عن مقاتل بن سليمان أنه "فرض الله تعالى في أول الإسلام الصلاة ركعتين بالغداة والعشي". كانت "صلاة الركعتين" كما تصفها السيرة الحلبية هي الصلاة المفروضة في حياة زوجة الرسول خديجة حتى وفاتها قبل الهجرة. وبعد الهجرة، أقيمت صلوات لم يكن الأمر قد نزل بها في مكة. ففي المدينة بعد مجيء الرسول لها، تضاعفت الصلاة على المسلمين، فزيدت ركعتان عُرفت بصلاة الحضر.
عبد الله بهجت، الباحث في الدراسات الإسلامية وتحقيق النصوص في مؤسسة "مؤمنون بلا حدود"، إلى أن الصلاة عرجت عبر مراحل مختلفة مثل غيرها من أمور التشريع الإسلامي، فالحالة الإسلامية في مكة لما شهدته من عنف وعدم استقرار الدعوة، وقلة أتباعها واضطهاد من جانب قريش، لم تكن تساعد على حالة التأسيس التي كان يسعى لها النبي، فكان يبحث عن مجرد التزام يربط به المؤمنون الجدد بدينهم.
لصلاة في الديانات الأخرى
لم تكن الصلاة فكرة جديدة بل عرفها المجتمع المكي من خلال صلاته بالشعوب الأخرى. فكانت الصابئة إحدى الديانات المنتشرة آنذاك في ما بين النهرين، وورد ذكرها في القرآن، تصلي ثلاث صلوات، أولاها قبل طلوع الشمس بقليل، والثانية عند الظهر، والثالثة مع الغروب، وكانت صلواتهم ركوعاً وسجوداً كما ذكر الشهرستاني في كتابه الملل والنحل. وفي كتابه "قصة الحضارة"، يعقد المؤرخ الأميركي ويل ديورانت الصلة بين تحديد الصلوات الخمس وبين اتصال الرسول بالفرس الذي عرف عنهم الأمر نفسه فيقول: "وفي بداية الأمر كانت الخمس صلوات ركعتين، إلى أن هاجر محمد إلى المدينة، والسبب في أنه اختار خمس صلوات، هو اتصاله بالفرس في أثناء ترحاله في التجارة، وعرف منهم أن صلاتهم خمس مرات في اليوم". كما أن صلاة الضحى، إحدى الصلاتين اللتين فرضتا على المسلمين، خلال الفترة المكية، كان يصليها محمد في الكعبة دون أن تعترض عليها قريش. ويعلق جواد علي على هذا الأمر في كتابه "تاريخ الصلاة في الإسلام"، بأنه إذا لم يكن دليلاً على وجود صلاة الضحى عند الجاهليين، فهو إشارة إلى أن قريش كانت تعرفها وتركت الرسول يصليها، فلم تنكرها. ويُعدّ التهجد وقيام الليل وقضاؤه في الصلاة وتلاوة آيات من القرآن والدعاء، والذي كان يؤديه الرسول بعد الإسلام، وخففه بعد حين القرآن عنه، عبادة عرفتها الديانتان اليهودية والمسيحية. فقد جاء في المزامير: "في منتصف الليل أقوم لأحمدك على أحكام برك". وكان النبي داود يقضي نصف الليل في القراءة وترتيل أناشيد الرب وذكر اسم الله العظيم كما يوضح تاريخ اليعقوبي. وكان النبي يعتكف شهراً أو أقل وحده بغار حراء، بحسب السيرة، أسوة بغيره ممن عرفوا في مكة "بالحنيفية"، ممن انقطعوا عن عبادة الأصنام واعتناق أي دين من السائد حولهم. وتصف السيرة هؤلاء بأنهم مجموعة من الباحثين عن دين إبراهيم اعتزلوا الأوثان والميتة والذبائح الذي يُسفك دمها على الوثن، وقالوا نعبد رب إبراهيم، ومن بينهم ورقة بن نوفل. ولا ترد أخبار وصور واضحة عن شكل عباداتهم وصلاتهم
*****************************
هل الصلوات الخمس بدعة؟
الصلاة هي الشعيرة الرئيسية في كل الديانات المعروفة، من اليهودية والمسيحية والإسلام إلى البوذية والهندوسية وغيرها، وهي في جوهرها التوجه إلى الله في الدعاء كما هو مذكور في المعجم الوسيط في اللغة العربية.
ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز" الحج 40. وحسب تفسير الطبري فـ "الصوامع" هي مكان اعتكاف وعبادة الرهبان، و"البيع" هي الكنائس للنصارى، و"الصلوات" هي كنيس اليهود، و"مساجد" هي مكان صلاة المسلمين، وتوضح الآية أن هذه كلها بيوت الله.
تستخدم كلمة الصلاة اليوم إما للإشارة إلى مجرد الدعاء إلى الله في أي مكان وأي صيغة وفي سبيل أي غاية، أو للدلالة على الشكل الشعائري للصلوات الذي تطور مع الزمن في كافة الديانات حتى وصل إلى صورته الحالية.
تحولت الصلاة إلى فعل استعراضي أمام المجتمع، مثل محاولة ترك آثار للسجود على الجبين
فالصلاة اليهودية تؤدى ثلاث مرات في اليوم، صلاة عامة في الصباح والمساء وصلاة غير عامة العصر، ومن الممكن دمج صلاتي العصر والمساء في صلاة واحدة، تؤدى الصلاة وقوفا ويخفض المصلي طرفه للأرض خشوعا.
أما الدعوة للصلاة قديما فكانت عبر النداء بما يشبه الآذان. ويستخدم صوت البوق وهو عبارة عن قرن كبش في الأحياء اليهودية المتدينة للتنبيه ليوم السبت ولصلاة الصبح في بعض المناسبات. تؤدى الصلاة اليهودية بشكل منفرد أو جماعة، ونصاب الجماعة يتحقق بوجود عشرة أشخاص على الأقل. يقود الصلاة كبيرهم على طريقة الإمام حيث يتلو النصوص الدينية ويردد المصلون خلفه، وترتل النصوص التوراتية بما يشبه التجويد في الإسلام
أصبح من الممكن في هذه الأيام تأدية الصلاة بوضعية الجلوس ولم يعد من المطلوب خلع الأحذية كما كان الحال سابقا، وأصبح مسموحا جلوس الرجال مع النساء معا باستثناء الأرثوذكس الذين ما زالوا يفصلونهم عن بعض ويشترطون أن تغطي النساء شعرهن أثناء الصلاة، وكذلك من الممنوع أن توضع في المعابد اليهودية تماثيل أو صور إذ تنص الوصايا على "أن لا تضع لك صورا منحوته".
وفي المسيحية كذلك الصلاة نوعان، الفردية والجماعية؛ الأولى تحررت من كثير من الطقوس والشروط وباستطاعة المؤمن أن يؤديها في أي مكان وبأي طريقة، ولا تتطلب تحضيرات قبلها وليس لها وضعيات معينة للقيام بها ولا تشترط ترديد مقاطع محددة من الأدعية أو الكتاب المقدس كل مرة، اعتمادا على القناعة بأن الله ينظر لفكر الإنسان وقلبه وليس ظاهره، وأن الله يقبل صلاته إن كانت صادرة من القلب. كما نظرت المسيحية للصلاة كعلاقة خاصة بين المؤمن والله: "ومتى صليت فلا تكن كالمرائين فإنهم يحبون أن يصلوا قائمين في المجامع وفي زوايا الشوارع لكي يظهروا للناس، الحق أقول لكم إنهم قد استوفوا أجرهم وأما أنت فمتى صليت فادخل إلى مخدعك واغلق بابك وصل إلى أبيك الذي في الخفاء فأبوك الذي يرى في الخفاء يجازيك علانية، وحين تصلون لا تكرروا الكلام باطلا كالأمم فإنهم يظنون أنهم بكثرة كلامهم يستجاب لهم فلا تتشبهوا بهم لأن أباكم يعلم ما تحتاجون إليه قبل أن تسألوه" إنجيل متى.
ويمكن تأدية هذه الصلاة في كل وقت من النهار والليل أو قبل تناول الطعام. ومع أن الكتاب المقدس لا يحدد أوقاتا معينة للصلاة، ولكن في الماضي كان المؤمنون يصلون صباحا يعقبها ثلاث صلوات في الساعة الثالثة والسادسة والتاسعة التالية لصلاة الصباح، ثم صلاة عند الغروب وصلاة النوم عند بداية الليل وصلاة منتصف الليل. ومن الممكن أن تتضمن في طقوسها الركوع والسجود حسب رغبة من يؤديها.
أما اليوم فهذه الصلوات مفروضة فقط على رجال الدين المتفرغين للعبادة، واختيارية بالنسبة لبقية المسيحيين لأن أمور الحياة والعمل قد لا تسمح بالقيام بها. وهناك الصلاة الجهورية الجماعية التي تقام في بيوت العبادة مثل أيام الآحاد والأعياد الدينية، والتي تحدد الكنيسة وقتها حسب ما ترتئي. ويجلس المصلون الرجال والنساء خلالها على المقاعد ولا تتطلب هذه الصلوات ثيابا محددة أو إجراءات وشروطا معينة لتأديتها.
ذكرت الصلاة في القرآن قرابة المئة مرة للتأكيد على أهميتها كصلة بين المسلم والله؛ وهي تشير إلى مجموعة من المعاني حسب موضعها في الآية، أولها هو التوجه إلى الله بالدعاء، وتأتي في مواضع أخرى بمعنى تلاوة القرآن: "ولا تجهر بصلاتك" الإسراء 110. كما ذكرت في بعض الآيات بمعنى الثناء: "إن الله وملائكته يصلون على النبي" الأحزاب 56؛ وهناك المعنى المحدد لشعيرة إقامة الصلاة: "وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين"، هود 114، "أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا"، الإسراء 78.
وفي سورة النور آية 58 ذكرت صلاة الفجر وصلاة العشاء بالاسم ولم تذكر أي صلاة أخرى، باعتبار النهار هو وقت العمل: "وجعلنا النهار معاشا" النبأ 11. وهناك صلاة قيام الليل المذكورة في القرآن والمقصود فيها الرسول تحديدا: "إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من اللذين معك" المزمّل، ثم خففها الله عن الرسول ودعاه لقراءة ما تيسر من القرآن بديلا عنها: " علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرءوا ما تيسر من الْقرآن" المزمّل.
أما صلاة الجمعة فهي الصلاة الوحيدة المذكورة في القرآن والتي تقام خلال ساعات النهار: "يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون (9) فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون (10) وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضّوا إليها وتركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين (11)"، سورة الجمعة. وتوضح هذه الآية أن ترك العمل لتأدية الصلاة يتم استثنائيا في يوم الجمعة ولا يوجد أي إشارة لمثل ذلك في بقية أيام الأسبوع، وتدل الآية على صعوبة حصوله حتى في هذا اليوم نتيجة رغبة الناس بالتجارة واللهو.
خلال العقود الأخيرة سارت اليهودية والمسيحية باتجاه تعديل مظهر الشعائر الدينية بما يتماشى مع العصر
وهناك آيات في القرآن توضح أن الصلاة تتضمن الركوع والسجود، وأنها تشترط الوضوء: "إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين"، ويقول المقريزي في إمتاع الأسماع كان المسلمون يصلون مرتين في مكة قبل طلوع الشمس وبعد غروبها. وتقول سيرة ابن هشام عن مقاتل بن سليمان: "فرض الله تعالى في أول الإسلام الصلاة ركعتين بالغداة والعشي".
اليوم يصلي المسلمون خمس صلوات هي صلاة الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء، تتضمن 17 ركعة، تعتبر فرضا على كل مسلم، يضاف إليها 12 ركعة أخرى قبل وبعد هذه الصلوات تسمى السنن المؤكدة، وفوقها هناك 8 ركع أخريات تعتبر سننا غير مؤكدة، كذلك هناك صلوات أخرى مثل قيام الليل أو التراويح في رمضان وغيرها.
وهناك ترتيب دقيق ومحدد لما يقوله المصلي عند كل مرحلة من الصلاة مثل الفاتحة والتحيات والصلوات الإبراهيمية وكلام معين يقال عند الركوع والسجود والتسليم. وطوال العقود الماضية جرى اعتبار هذا الترتيب الحرفي هو شكل الصلاة الوحيد الذي يتقبله الله، باعتباره حسب ما يقولون قد انتقل من الرسول للصحابة للتابعين جيلا بعد جيل حتى اليوم، رغم أن القرآن لا يوجد فيه ما يدل على ذلك.
فالقرآن الذي يذكر فيه الوضوء بالتسلسل والتفصيل لا يوجد فيه إشارة إلا لصلاة في طرفي النهار وزلفى من الليل، ومن دون أي شرح لكيفية أدائها وعدد ركعات كل منها، وإذا أخذنا في الاعتبار منع الصحابة الأوائل من تدوين الحديث عن الرسول حتى لا تختلط بالقرآن، ندرك أن هذه الأمور قد دخلت الإسلام في مرحلة لاحقة على يد رجال الدين في العصور الوسطى.
خلال العقود الأخيرة سارت اليهودية والمسيحية باتجاه تعديل مظهر الشعائر الدينية بما يتماشى مع العصر من تخفيف عدد الصلوات والتساهل في شروطها ومحدداتها ولم يعد الركوع أو السجود شرطا لصحتها وتم التخلي عن التشدد في الملابس وأصبح بالإمكان الصلاة جلوسا على المقاعد.
وفي نفس الفترة زاد عدد الصلوات الإسلامية وأصبحت أكثر طولا وازداد التدقيق على الجزئيات الثانوية فيها، وأصبحت الصلاة في حالات كثيرة تكرارا آليا لكلمات وحركات لا يتم التمعن في معانيها والغاية منها، وانعكس هذا التشدد على مظهر وملابس الرجال والنساء باتجاه ما يعتقدون أنه مماثلا للعصور السالفة، من إرخاء الذقن وحف الشارب إلى الجلابية والعباءة. وتحولت الصلاة إلى فعل استعراضي أمام المجتمع، مثل محاولة ترك آثار للسجود على الجبين. وكل ذلك لم يكن موجودا قبل بضعة عقود فقط. زاد التركيز على المظاهر والقشور على حساب الجوهر ومقاصد الشريعة، ولكن محاولات إيقاف عجلة الزمن لن يكتب لها النجاح، ولذلك بدأت مؤخرا بعض المحاولات خصوصا عند المسلمين في الغرب لمناقشة بعض هذه المسلمات مثل السماح بالصلاة المختلطة بين الرجال والنساء أو حول إمامة المرأة في الصلاة، وغيرها من المواضيع التي كان التعرض لها صعبا قبل سنوات قليلة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق