يقف الشيخ على المنبر بجلبابه الأبيض ولحيته الكثيفة وعينيه الجاحظتين، رافعا يده إلى السماء داعيا «اللهم اشفى مرضانا ومرضى المسلمين»، فيما يردد المصلون وراءه فى خشوع امين
ففى مثل هذه المساجد يولد إرهابيون صغار سرعان ما يكبرون ويقتلون بتطرفهم وجهلهم أبرياء
ربما يرى البعض دعاء «اللهم اشفى مرضى المسلمين» باعتباره شيئا عاديا لا يستحق الانتباه، وربما يراه البعض الآخر نوعا من المغالاة لدى شريحة ليست قليلة من الشعب المصرى، لكنه فى حقيقة الأمر دليل يكشف بوضوح عن مدى انحدار وتدنى الخطاب الدينى الذى يرفع خطباؤه وشيوخه ليل نهار لافتة «مصر بلد الإسلام الوسطى المستنير»، ولا أعرف أى وسطية واستنارة فى مثل هذه الأدعية العنصرية، التى لا تعترف بحق الآخر فى الحياة، وتنظر لأصحاب الديانات الأخرى نظرة دونية، خاصة أنه لا يمكن فصل مثل هذه الأدعية عن فتاوى بعض شيوخ السلفية بتحريم تهنئة المسيحيين بأعيادهم
من قال إننا كمسلمين فقط نستحق الحياة، وأننا أولى بالشفاء من المرض وليذهب أصحاب بقية، الديانات إلى الجحيم، خاصة أن مثل هذه القناعات ضد جوهر الإسلام، وضد ما جاء فى القرآن الكريم «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِى الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ» (سورة يونس)، والمثير للدهشة أننا ندعو بالشفاء للمسلمين فقط بينما نوابغ الطب فى العالم والعلماء الذين يقدمون كل يوم دواء جديدا لكل داء من غير المسلمين، مع استثناءات قليلة بالتأكيد، فهل أغلقت شركات الأدوية فى أوروبا وأمريكا أبوابها أمام المسلمين، بالتأكيد لا، فمثل هذه العنصرية البغيضة بكل آسف تجد رواجا فى بلاد العرب، بسبب خطاب دينى يسيطر عليه الجهل وتطل من بين سطوره الكراهية، وتكون النتيجة فى النهاية ضحايا أبرياء يدفعون حياتهم ثمنا لذنب لم يرتكبوه سواء فى المنيا بجنوب مصر أو2016 نيس بجنوب فرنسا.
يتحمل الخطاب الدينى مسؤولية سقوط ضحايا كل يوم، ومن المنتظر أن يسقط آخرون طالما ظل شيوخ الفتنة يبثون أفكارهم المسمومة فى عقول الشباب، لذلك أصبح من الضرورى البحث عن خطاب دينى مختلف، يحترم الديانات الأخرى ويعترف بحق أصحابها فى بناء دور العبادة الخاصة بهم.
فى النهاية أتوجه بالدعاء إلى رب هذا الكون، إلى الواحد الآحد بأن يشفى كل مرضى هذا الكون على اختلاف دياناتهم، وأن يشفى شيوخ التطرف من أمراضهم النفسية وأن تتطهر قلوبهم السوداء، وأن تختفى الفاشية الدينية من حياتنا ويسود الحب
والتسامح.. آمين يا رب العالمين.
لأن ذلك يزرع الأحقاد تجاه الآخرين
بالعدل والقسطاس
لماذا يكتفى بعض خطباء المساجد بالدعاء على اليهود والنصارى ولا يدعون أبدًا على الهندوس والبوذيين؟. أنا فى الحقيقة لست منحازًا لليهود والمسيحيين، ولا أنا راغب فى محق الهندوس واستئصال شأفة البوذيين، لكنى أحب الإنصاف، لهذا يزعجنى أن يكون خطاب الكراهية غير متوازن. من العدل توزيع اللعنات بالتساوى واستمطارها على رؤوس جميع الكفار بالقسط والميزان، فبهذا تستقيم الأمور وتخلو من التحيز والحيف!.
سحر الجعار 2020/10
ثورة 30 يونيو قامت ضد الفاشية الدينية، ولا ننتبه إلى أن الفاشية الدينية هى «مناخ ثقافى» تغذيه منظومة تكفيرية تصادر حرية الفكر والتعبير فى المقام الأول، وتعمل بشكل ممنهج لاغتيال العقل المصرى بفتاوى تحرض على قتل أفراد الجيش والشرطة، وهدم الكنائس واستحلال أموال وأعراض المسيحيين، وتحاصر المرأة فى هيئة شعبية «للنهى عن المنكر» كانت نتيجتها المباشرة تزايد معدل «التحرش الجنسى».. هذا المناخ الذى حذّر منه السيد الرئيس «عبدالفتاح السيسى» أكثر من مرة، وطالب المثقفين مع الدعاة ورجال الدين بما سماه «ثورة دينية» ضد الخطاب الدينى المفخخ بكل آليات هدم الدولة المدنية.
«الفكر الداعشى» يجد نفسه فجأة فى مواجهة دعاوى الحسبة وكتائب «اغتيال الشخصية»، ورغم ذلك يستمر تيار التنوير الإصلاحى فى أداء مهمته، تحت تهديد المادة «98» من قانون العقوبات، المسماة «ازدراء الأديان» والتى أصبحت مشنقة معلقه لاصطياد المفكرين والمجتهدين، رغم أن «السادات» وضعها فى القانون بعدما استخدمت الجماعة الإسلامية منابر المساجد للإساءة إلى المسيحيين، لكن المادة «98» تحولت إلى «زنزانة للعقل ومعتقل للمفكرين» وهو وضع غريب لا وجود له فى المجتمعات العربية والإسلامية!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق