تشير المجانية في مصر إلى مرحلة سياسية سابقة عرف فيها نظام الحكم بتوجهاته الاشتراكية، ويعني الإلغاء أن البلاد قررت المضي قدما في الطريق الليبرالي إلى مدى واسع.
ولا يخفي طارق شوقي وزير التربية والتعليم، في كل مناسبة، تذمره من المجانية ويرى أنها وضعت في سياقات ماضوية لا تناسب الوضع الراهن، على مستوى أعداد الطلاب أو إمكانية الدولة.
ويتربع أولاد الأسر البسيطة والكادحة على قمة التفوق الدراسي. فكان بينهم ابن البواب والمزارع وبائعة الخضار، الذين التحقوا بكليات الصفوف الأولى، مثل الطب والصيدلة والاقتصاد. وتعتقد هذه الشريحة أن تحريك المصروفات بما يفوق إمكانياتهم، يعني أن الحكومة تضع أمامهم صعوبات بالغة في طريق استكمال تعليم أبنائهم.
الغلاء ليس مرتبطا بسلعة يمكن نسيان أمرها بمرور الوقت على وقع المشكلات الحياتية، بل يتعلق بمصير أسر اعتادت وضع تعليم أبنائها في صدارة أولوياتها.
الشعور السائد يبدو مقتصرا على وجود اتجاه من بعض دوائر صناعة القرار لإبعاد الطبقة المهمشة اجتماعيا، مقابل تصعيد الرأسماليين.
هناك من يريد فسخ العلاقة بين النظام الحاكم والطبقات الفقيرة، والتي تعد الظهير الشعبي له، ما يفتح الطريق لتوترات مجتمعية.
وسبق هذا القرار إصدار قرار لا يقل إثارة للجدل وهو هدم مئات الآلاف من المباني المقامة في مناطق زراعية ما لم يدفع أصحابها غرامات، وتواجه الحكومة اليوم حالة غضب متزايدة جراء هذا القرار الذي لم يراع، بحسب القاطنين، أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية الهشة.
وأصبح التعليم في مصر للمقتدرين ماديا فقط، في ظل إهمال المدارس الحكومية والغلاء الكبير في مصروفاتها، مقابل التوسع في المدارس الاستثمارية.
إن الحكومة لم تدرك بعد، أنها عندما ترفع أسعار المصروفات الدراسية لأرقام فلكية بالنسبة للبسطاء، تغامر بضرب استثمارهم الوحيد في الحياة.
ويرى مراقبون، أن الخطورة تكمن في إخفاق الكثير من الأسر في الوفاء بالتزامات التعليم، ما يدفعها إلى فصل أولادها عن الدراسة، وفي ظل وجود أكثر من مليون و500 ألف طفل خارج المدارس لظروف اقتصادية، فإن نسبة الأمية سترتفع بالتأكيد.
أعداد المنتقلين من التعليم العام إلى الأزهر تزايدت مؤخرا، في ظل الاستقلالية المالية للمؤسسة الدينية، ورفضها التعاطي مع قرارات الحكومة برفع منسوب المصروفات، والتمسك بمنظومة تعليمية قديمة، غير التي يتم تطبيقها في المدارس، ما يضع أعباء ثقيلة على تكريس مدنية الدولة.
أصبح التعليم الديني البديل أمام أبناء الشريحة المهمشة، وهي معضلة أخرى تواجهها الحكومة التي تجاهد لتحجيم الهيمنة الدينية على المجتمع.
مشروع الحداثة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق