محاولةُ تطبيق أفكار جديدة بواسطة رجال يعتنقون أفكارا قديمة هي مضيعة للجهد والوقت.
كنتُ أومن
ببلد يخص الجميع، يضم الجميع، مهما كان جنسهم أوعرقهم أودينهم أوعقيدتهم
يرى الأصوليون أنّ العلمانية تسعى لإقامة دنيا بلا دين
الإهتمام بشئون العالم الدنيوى.
مراد وهبة فى كتابيه (جرثومة التخلف)، (ملاك الحقيقة المطلقة) وكتاب الأسس الفلسفية للعلمانية للمفكراللبنانى عادل ضاهر
«لقد شاهدنا التطرف والدوجمائية فى التفكير لدى الجماعات الأصولية الدينية، بل وشاهدناه فى مذاهب فكرية عديدة، مثل الماركسية، أليس من الممكن أن تتحول العلمانية إلى نزعة دوجمائية متطرفة على غرار الأصوليات الدينية فيكون لدينا علمانية معتدلة وعلمانية متشددة، مثلما هو الحال فى كل النزعات الفكرية؟ أليس اليمين المتطرف المنتشر فى الغرب العلمانى ضربًا من العلمانية المتطرفة؟ وإذا كان ذلك كذلك أليس هذا دليلًا على إخفاق العلمانية فى تخليص المجتمع من شرور الفكر الأصولى المتطرف؟
وكثيرًا ما يرد هذا السؤال فى أذهان الكثيرين، وبالأخص حينما تحدث اعتداءات عنصرية من اليمين المتطرف على العرب المقيمين فى أوروبا أو أمريكا. ولئن كان هذا السؤال يشير فى الواقع إلى تيارات فكرية عديدة نسبت نفسها للعلمانية، فهو ينطوى على تناقض حاد. ولتوضيح ذلك لنتصور مثلًا أن حربًا نشبت بين طائفتين وسبب الخلاف بينهما يرجع إلى تناقض ادعاءات كل منهما مع ادعاءات الأخرى. إذ ترى كل منهما أن ادعاءاتها تطابق وحدها الحقيقة على إطلاقها وأن ادعاءات الأخرى زيف وبهتان. الطائفتان المتناحرتان لا تقبلان وسطًا، فكل منهما ترى نفسها مالكة للحقيقة كلها وترى فى ما تدعيه الأخرى كفرًا وهرطقة يستوجب محاربتها، فكيف يكون الخلاص من هذا الصراع بين الاثنين؟
يقول الدكتور مراد وهبة فى كتابه المشهور «ملاك الحقيقة المطلقة»: «إن العقل الناقد هو الوحيد القادر على كشف جذور الوهم. فإذا كنا نعيش على أوهام، فمعنى ذلك غياب العقل الناقد، وبالتالى لا تستطيع أن تتحاور مع من يختلف معك. ومن هنا ينشأ الصراع. وحقيقة هذا الصراع أنه صراع بين مطلقات، بينما الصراع ينبغى أن يكون فى إطار ما هو نسبى. وما هو نسبى لا يمكن أن تنشأ عنه حروب لأن إقرار النسبى هو إقرار الحق فى الاختلاف». ومعنى ذلك فى مثالنا السابق لو أن كلًا من الطائفتين المتحاربتين قد سلمت بأن ما تدافع عنه يمثل وجهًا من الحقيقة وأن ما تنادى به الأخرى يمكن أن يمثل وجهًا آخر لها تأسيسًا على أن العقل الإنسانى ليس فى إمكانه معرفة الحقيقة فى صورتها المطلقة، فهذا معناه إقرار كل منهما بمبدأ مهم وهو أن العقل الإنسانى لا يمكنه أن يدعى لنفسه بأنه قد أدرك كل الحقيقة على إطلاقها وأن كل قول بغيرها باطل، كما يعنى أيضًا إقرار كل منهما للأخرى بحقها فى الاختلاف ومن ثم يكون من المشروع أن ينشأ الحوار والتفاهم بينهما. ومن هذا المثال يتكشف لنا بسهولة التناقض الذى يكمن فى السؤال المطروح حول إمكانية تحول العلمانية إلى علمانية متطرفة. إذ أجاب الدكتور مراد على سائله قائلا: «هناك تناقض فى عبارة (علمانية متطرفة) بين كلمة (علمانية) وكلمة (متطرفة)، لأن العلمانية تقوم على إعمال العقل الناقد وإدراكه بعجزه عن معرفة الحقيقة بشكل مطلق، وهذا معناه أن الإنسان لو توهم بعقله أنه قد امتلك المعرفة المطلقة، وهذا هو مضمون الدوجمائية والأصولية يكون بذلك قد ارتد تمامًا عن المسار العلمانى وسقط مرة أخرى فى هوّة الفكر الأصولى أو الدوجمائى. ومن ثم لا محل للحديث عن علمانية متطرفة، لأنها فى حكم العدم».
ولعل هذا ما يكشف لنا لماذا كانت أغلب المؤتمرات التى تنعقد تحت عنوان «حوار الثقافات» بمثابة خطب رنانة تحلق فى آفاق التجريد وتتزين بالعبارات الإنشائية التى تتحدث عن الاتفاق فى القيم الإنسانية المجردة وتتحاشى الاعتراف للآخر بحقه فى الاختلاف، إذ تنكر عليه أى معرفة بالحقيقة.
ماذا كان تأثير الروح العلمانية اليونانية على الإنسان الأوروبى في عصر النهضة؟
الرأى الشائع تاريخياً أن ثمة تغيراً جذرياً في الثقافة الغربية في الفترة من 1500 إلى 1700، أي في الفترة التي قيل عنها إنها عصر النهضة، أو بالأدق عصر إحياء العلمانية اليونانية، إذ بفضلها تأسس علم جديد عن الكون استناداً إلى النظريات العلمية لكوبرنيكس وجاليليو وكبلر ونيوتن.
لماذا ترفض السلطة الدينية القول بنظرية دوران الأرض إلى حد اتهام أصحابها بالزندقة والهرطقة؟ لأنه إذا لم تكن الأرض مركزاً للكون فإن الإنسان لن يكون مركزاً للكون، وإذا لم يكن الإنسان مركزاً للكون فإنه لن يكون قادراً على امتلاك الحقيقة المطلقة، وإذا لم يكن قادراً على أن يكون كذلك فتفكيره نسبى بالضرورة. بيد أن هذه النسبية وهم لأن الحقيقة إما أن تكون مطلقة أو لا تكون حقيقة على الإطلاق، ومن ثم فليس من حق الإنسان الادعاء بإمكان اقتناص الحقيقة أيا كانت.
العلمانية، إذن، هي نتيجة حتمية لإنكار مركزية الأرض. ويترتب على ذلك أن مَنْ ينكر العلمانية فإنه يقف ضد دوران الأرض ويقف مع ملكية الحقيقة المطلقة. ومن هنا يكون سكان كوكب الأرض علمانيين بالضرورة.
**********************
تشويه العلمانية
الانتماء إلى العالم دون الانتماء إلى الدين أو العلم
وكما كان تشويه لفظ علمانية في معناها فقيل إنه لفظ مستعار من الحضارة الأوروبية، أما الحضارة الاسلامية فلا شأن لها به لأن مؤسسها وهو الإسلام هو دين ودنيا. ومعنى ذلك أن تكون لدينا حضارتان إحداهما أوروبية والأخرى إسلامية. وحاصل الأمر، في رأيى، أن الحضارة واحدة مع تعدد الثقافات، وبالتالى تكون لدينا حضارة واحدة، ويقاس الفارق بين الثقافات بمدى قربها من الحضارة أو بعدها عنها.
وقيل كذلك في تشويه معناها إنها تفضى إلى الإلحاد. وبسبب هذا التشويه قُتل فرج فودة في 8 يونيو 1992، وأيد الشيخ محمد الغزالى مشروعية قتله. وأُنقذ نجيب محفوظ من محاولة قتله في 14 أكتوبر 1994. وقد حدثت هذه المحاولة استناداً إلى فتوى من الشيخ محمد الغزالى والشيخ عبدالحميد كشك والشيخ عمر عبدالرحمن بسبب روايته «أولاد حارتنا».
تحول العلمانية من أن تكون مجرد اجتهادات مبعثرة إلى تيار فكرى يكون منهجاً وأسلوباً للحياة على مستوى الفرد والمجتمع والوطن. وكان الدافع إلى هذا التأسيس هو الدعوة إلى تأسيس الديمقراطية في مصر، ذلك أن تأسيس الديمقراطية لا يستقيم إلا مع الدعوة إلى تأسيس العلمانية لأنه «لا ديمقراطية بلا علمانية». وكانت هذه العبارة هي شعار الندوة.
«العلمانية والحقيقة المطلقة» وكانت القضية المحورية «إشكالية الحقيقة» وهى إشكالية مردودة إلى مصطلح «النسبى»
الوارد في تعريفى للعلمانية بأنها «التفكير في النسبى بما هو نسبى وليس بما هو مطلق».
بحكم التناقض الحاد بينهما. فأن تكون أصولياً يلزمك بالضرورة أن تكون معادياً للعلمانية، وذلك بحسب تعريفى كلاً من الأصولية والعلمانية، إذ الأولى تعنى «التفكير فى النسبى بما هو مطلق وليس بما هو نسبى» أما الثانية فتعنى «التفكير قى النسبى بما هو نسبى وليس بما هو مطلق». وفى سياق هذا التناقض الحاد أصدرت كتاباً فى عام 1995 تحت عنوان «الأصولية والعلمانية»
هل النسبية تخص الحقيقة أم تخص المعرفة؟
فإذا كانت تخص الحقيقة فالقول بأن الحقيقة نسبية قول ينطوى على تناقض لأن الرأى الشائع أن الحقيقة مطلقة لأنها إذا لم تكن كذلك فتكون نسبية. بيد أن الحقيقة النسبية تنطوى على تناقض، إذ هي معرضة ذات يوم لأن تكون كاذبة، وبالتالى لا تكون حقيقة. إذن النسبية تخص المعرفة.
*****************
تركت تراثاً يدور حول ما يحدث في الكون في سياق ألفاظ طبيعية خالية من أي عنصر أسطورى، ومن هنا نشأ علم الطبيعة أو بالأدق علم الإنسان لأن الطبيعة في ذلك التراث كانت تعنى دراسة الإنسان في بيئته الطبيعية. ومن هنا أيضاً قال بروتاغوراس: «الإنسان مقياس الأشياء جميعاً. ولم يكن قوله استثناءً، فمن كانوا قبله كان هذا القول قولهم، ولهذا قيل عنهم إنهم الطبيعيون الأوائل الذين أسسوا مدرسة فلسفية أسموها» مدرسة ملطية. وقد نشأت هذه المدرسة في مواجهة مدرسة أخرى اسمها مدرسة هزيود تتبنى الفكر الأسطورى
الحكمة عند هذه المدرسة تعنى المعرفة دون أن تعنى الحقيقة لأن الحقيقة مجهولة على اعتبار أنه ليس في الإمكان قنصها بالعقل. ومن هنا ركز السوفسطائيون على التفكير المنطقى ومرونة التصورات. ومن شأن المرونة أن تمتنع معها التصورات المطلقة ومن ثم فإنها تسمح بالتصورات النسبية، ومع النسبية تولد العلمانية بحكم أنها التفكير في النسبى بما هو نسبى وليس بما هو مطلق. ومن حيث هي كذلك تكون هي المتحكمة في مسار الحضارة الإنسانية. ولا أدل على ذلك من أن عصر النهضة في أوروبا لم يكن ممكناً من غير كوبرنيكس الذي أعلن أن الأرض ليست ثابتة لأنها تدور حول الشمس. وعدم الثبات يعنى التغير ومع التغير النسبية ومع النسبية العلمانية. وفى القرن التاسع عشر قال انجلز: «نحن مضطرون في الفلسفة كما في المجالات الأخرى إلى العودة مرة أخرى إلى منجزات تلك الجماعة الصغيرة اليونانية التي بفضل مواهبها أصبح لها مكانة في تاريخ التطور الإنسانى لا تباريها أي جماعة أخرى».
تطور الحضارة الإنسانية محكوم بالعلمانية بحكم الضرورة. ومن ثم فليس لأحد القدرة على مقاومة هذه الضرورة. أما إذا جرؤ وقاومها فمصيره الخروج من الحضارة. وقد حدثت هذه الجرأة في ممارسة هذه المقاومة في القرن العشرين تحت مسمى «الأصوليات الدينية» التي تتوهم أن العلمانية رجس من عمل الشيطان. ومن هنا كفرت هذه الأصوليات كل مَنْ يعاديها بل وقتلته. وإذا كان الإرهاب هو محصلة التكفير والقتل فيلزم من ذلك القول بأنه إذا أصبح الإرهاب كوكبياً فإن الحضارة تصاب بحالة فوضى تهدد كيان الدول كما تهدد كيان الأمم. وإذا كان ذلك كذلك فكيف إذن يقال إن العلمانية مولودة بحكم الضرورة في حين أنها مهددة بالزوال؟
الجواب عندى أن الضرورة تفرض ذاتها، وإذا حدث نتوء يكون من شأنه إحداث خلل في الضرورة فمصير النتوء زواله بحكم أنه حادث هامشى.
***********
الاجتهاد والتجديد في الفكر العلماني
نقد الفكر العلماني وتلمس عوامل الضعف والقوة فيه من الامور المهمة جدا لمنع تحول العلمانية الى قالب جامد وايقونات مقدسة وخطوط حمراء يمنع الاقتراب منها ، كما يمكن عن طريق فهمها تجاوز حالة التعارض والتضاد والصراع ومعاداة الدين ، لانها بكل بساطة ليست ايدلوجية ولا دينا بديلا عن الاديان القائمة ، انها منهج عمل .
مشكلة كبرى تواجه شعوبنا هي اننا اصبحنا نجتر افكارا ماضوية اكل الدهر عليها وشرب ، ونجاهد لغرض الرجوع الى العصر الذهبي ، وتلك مهمة عسيرة فلا يمكن اعادة عقارب الساعة الى الوراء .
كما ان المثقف لم يبذل جهدا كبيرا لتطوير الافكار التي طرحتها الثقافة الاوربية لكي تتناسب مع واقع بلداننا ، ولم يترجمها عمليا فظلت مفصولة عن واقع الطبقات الفقيرة فلم يتفاعلوا معها وبقت اجنبية عن تلك البلدان ،
وكان لغياب المثقف الوسيط أثرا كبيرا في لعب هذا الدور الخلاق ، مما ادى الى ضلوع الفقيه الديني بمهمة الحديث وتفسير الواقع وتحريك الناس حسب مصلحته وفهمه .
.ولغرض الوصول الى ثورة ثقافية لابد من وجود طلائع نشطة تفهم الواقع وتضع اصابعها على ابرز المشاكل وتساهم في نقدها وبيان الطريق السليم لتجاوزها ، ولايؤدي هذا العمل الفردي الى نتائج طموحة ما لم يتوج بمظلة ثقافية ( مؤسسة ثقافية ، جمعيات متخصصة ... ) تثير انتباه الناس من خلال تقديم خطاب بديل عن الخطاب الديني ، خطاب يقترب اكثر من لناس ويوضح همومها ويخلق الوعي باسباب تخلفها وشروط التخلص من تلك الاسباب .
ضعف المفكر العربي وعدم ديناميكيته وحالات الخوف والكسل ، ولو اضفنا اليها ندرة المثقف الوسيط وانعدام الواعظ العقلاني الذي يستطيع مواجهة الجمهور لطرح الفكر والسياسة باساليب مبسطة يفهمها الناس .. كل ذلك ساهم في حالة القصور الثقافي الذي سمح لظهور الحالة الدينية لملئ الفراغ .
ضرورة ابعاد فكرة التقديس عن الفكر العلماني ، وضرورة نقد الدين من داخله ومن خارجه ، وايجاد الطرق اللازمة للتحدث مع الشباب وطلاب المدارس للاهتمام بالشأن العام .
*************************************
العلمانية.. والحقيقة المطلقة
كوبر نيكوس العالِم البولندى فى القرن السادس عشر أن الأرض ليست مركز الوجود
فالحقائق التى كنا نعتقدها لم تعد مطلقة. بل غدت أولًا وأخيرًا حقيقة نسبية. والباقى كله اجتهادات. اجتهادات فى التفسير. اجتهادات فى ترجمة المعانى.
لكن من أخطر الذين شذوا عن هذه القاعدة. وادّعى أن لديه الحقيقة المطلقة بكمالها وتمامها هو ابن تيمية
جماعة الإخوان روجت للوهابية. بتعاليم ابن تيمية. من الطبيعى أن تكون على خلاف تام مع العلمانية. فالنسبية لديها رجس من عمل الشيطان. ولا سيما أنهم يعتقدون امتلاك الحقيقة المطلقة.
الفيلسوف الألمانى كانط وصف المتعصب بأنه «الذى يظن أن لديه الحقيقة المطلقة. الذى يشتهى انتصار عقيدته على عقيدة الآخرين. وهو الذى يشتهى- عند اللزوم- الاستعانة بالعنف لتدمير عقيدة هؤلاء».
المتعصب غالبًا أصولى. سواء كان مسلمًا أو مسيحيًا أو يهوديًا.
ابن تيمية باختصار وجد حقيقته المطلقة فى النص. ظاهر النص هو ما يعنى أتباعه. لذلك تجاهلوا تطور الدنيا وتطور المعلومات. وانكشاف حقائق جديدة كل يوم. رفض تطويع النص ليكون رمزيًا.
الشيخ عبدالعزيز بن باز. من كبار العلماء فى السعودية. أصر على أن الأرض مسطحة. إلى أن فاجأهم أمير من العائلة المالكة السعودية فى رحلته إلى القمر. رأى بعينيه الأرض كروية. هنا فقط غيّر «ابن باز» مقولته التى استمر فيها حتى تاريخ هذه الرحلة عام 1985.
********************************
البطالة
«التفكير فى النسبى بما هو نسبى وليس بما هو مطلق»، عندما أوجزه فى عبارة أن العلمانية هى التفكير فى الواقع والقدرة على التعامل مع الواقع فى إطار عناصر الوجود الموضوعى دون تراتيل أو تعاويز
ممارسة الجماهير للتفكير العلمانى فى قضايا الحياة الاجتماعية اليومية والتى تنعكس انعكاسًا مباشرًا على أحوالهم المعيشية وترتبط ارتباطًا مباشرًا بالأوضاع الاقتصادية والسياسية فى مرحلة التحول الديمقراطى الذى تمر به مصر
غلبة التراث الثقافى المحكوم بالمحرمات الثقافية والاجتماعية القاتلة للإبداع والتى تجرم التفكير الناقد.
التناقض بين إمكانيات الفرد المحدودة ومتطلبات سوق العمل اللامحدودة، وإذا زدنا هذا التناقض إيضاحا، قلنا إنه يكمن فى المفارقة بين الذهنية التقليدية الرافضة للتغيير التى اكتسبها الشباب المصرى عبر التنشئة فى الأسرة، ودعمها نظام التعليم القائم على التلقين ونظام السوق الكوكبى الذى يشترط مرونة التفكير والقدرة على النقد والإبداع من أجل طرح الحلول الجديدة للإشكالية القائمة. أما الوسائط اللازمة لممارسة تلك الشروط، والتى لا يمتلكها الشباب عندنا فهى اللغة الإنجليزية والإمكانيات اللامحدودة للإنترنت، والتى تشترط الإبداع من أجل توظيف تلك الإمكانيات لتغيير الواقع.
فهل يدرك أن الحل فى يده هو وليس فى يد أى قوى أخرى، سواء كانت الحكومة أو قوى غيبية؟.
غلب الظن أن الجواب بالنفى. ولكن ما الذى يمنع الشباب من إدراك أن حل مشكلة البطالة فى يده وليس فى يد أحد غيره؟
فى تقديرى أن السبب يكمن فى الأوهام المهيمنة على عقل الشباب، والتى تحول بينه وبين تغيير واقعه، أى واقع البطالة، ونوجز هذه الأوهام فى أربعة: الوهم الأول: الاعتقاد فى ضرورة توفير العمل الملائم من قبل الدولة للشباب الحاصل على مؤهل جماعى أو متوسط، وذلك بتعيينه فور تخرجه فى وظيفة مكتبية يتقاضى عنها أجرًا شهريًا قابلا للزيادة مع الترقى الوظيفى، الوهم الثانى: الاعتقاد بأن حامل الشهادة الجامعية ينبغى ألا يتنازل عن هيبته بأن يلجأ إلى عمل يدوى هو فى نظره دون مستواه، الوهم الثالث: أن الشهادة الجامعية والوظيفة المكتبية تؤهلانه للزواج وتكوين الأسرة وتضمن له الاستقرار المادى، الوهم الرابع: الاعتقاد بأن الشهادة الجامعية تؤهله لسوق العمل، وبناء عليه فإن العمل هو الذى ينبغى أن يسعى إليه وليس هو الذى يسعى إلى العمل، والسؤال الآن: كيف يتحرر الشباب من هذه الأوهام، وهل العلمانية كمنهج تفكير قادرة على معونته فى التحرر؟.
إن تحرر الإنسان من الأوهام يشترط أولا الكشف عن جذور تلك الأوهام، وهى تكمن فى نسق القيم الذى يفرزه التراث الثقافى الذى يموج بالمحرمات. ومن شأن هذا النسق الارتقاء بالمعتقدات الاجتماعية إلى مستوى المطلق، بحيث يتجمد تفكير الفرد عند لحظة معينة، بما يجعله غير واعٍ بما يدور حوله من تغير، وهذا النوع من التفكير على الضد من العلمانية لأنه يتناول المسائل النسبية المتغيرة، باعتبارها مطلقة وثابتة، فهو إذن التفكير فى النسبى بما هو مطلق وليس بما هو نسبى، ومن شأن التفكير العلمانى أن يرد ما هو نسبى إلى أصوله الاجتماعية والثقافية، وينزع عنه النظرة المطلقة التى تعوق تفكير الشباب وتقلص قدراته على مواجهة واقع البطالة وتغييره.
فإذا تناولنا الوهم الأول، أى الاعتقاد بأن الدولة مسؤولة مسؤولية مطلقة عن توفير فرص العمل فالتحرر منه يكمن فى الوعى بأنه فى إطار ظاهرة الكوكبية فإن دور الدولة يتقلص ويزداد تقلصًا، مفسحًا المجال للمبادرات الفكرية التى تشترط الإبداع بما ينطوى عليه من فكر غير تقليدى من جهة وامتلاك مهارات مهنية يشترطها سوق العمل من جهة أخرى، وحيث إن التعليم فى بلادنا لا يوفر للشباب أيا من هذه المواصفات فإن النتيجة المنطقية أن يلفظ سوق العمل هؤلاء الشباب، ولكى يتجاوز الشباب هذا العائق ينبغى عليه أن يعيد تثقيف نفسه بحيث يتقن المهارات المطلوبة فى سوق العمل.
أما الوهم الثانى: أى الاعتقاد بأن العمل اليدوى متدن ويحط من شأن الشباب اجتماعيا، فهو وهم قاتل للطموح الذى يستلزم من أجل تحقيقه اقتحام مجالات متعددة ومتنوعة من العمل، دون التميز بين ما هو عقلى وما هو يدوى ودون إقحام أى قيمة اجتماعية أو طبقية فى نوع العمل، بل يكون المعيار هو مدى قدرة نوع العمل على تحقيق الطموح، فعلى الشباب إذن تحديد طموحه أولا ثم السعى إلى تحقيقه، وهذا يشترط القدرة على تكوين رؤية مستقبلية.
الوهم الثالث أو الاعتقاد بأن الوظيفة أو الميرى تضمن الأمان الاجتماعى والاقتصادى، فهو قائم على تصور أن الوظيفة، أيا كان نوعها، تتسم بالثبات وعدم التغيير، وهذا التصور سمة أساسية من سمات الذهنية الإطلاقية والتفكير اللاعلمانى الذى يحول كل ما هو نسبى ومتغير بطبيعته إلى ثابت ومطلق، مغفلًا الواقع الذى يشير إلى أن سوق العمل تشترط المرونة بمعنى القدرة على التنقل من عمل إلى آخر والتحول من مهنة إلى أخرى بما يتمشى مع متطلبات التغيير الدائم فى سوق العمل.
أما الوهم الرابع، أى الاعتقاد فى القيمة المطلقة للشهادة الجامعية بمعنى أنها تجعل الشباب يمتلك المعرفة الفائقة التى تجعل سوق العمل تسعى إليه، فهذا الوهم من إفراز العقلية الإطلاقية، أما فى إطار العقلية العلمانية فتصبح الشهادة الجامعية، إذا كانت لا تمنحه القدرات والمهارات والمعرفة المطلوبة فى سوق العمل، بلا قيمة، وعلى الشباب إعادة تأهيل نفسه بنفسه مما يتطلب جهدًا كبيرًا ومثابرة، وقبل كل هذا يتطلب إصرارًا قويًا وإيمانًا راسخًا بقدراته على تحقيق طموحه، مسترشدا فى ذلك بالرؤية المستقبلية التى كونها لنفسه بنفسه.
ويبقى السؤال المهم: من الذى يقود حركة تحرير عقل الشباب من أوهام البطالة؟ أتوجه بهذا السؤال إلى قيادات الأحزاب الصاعدة، وأخص بالذكر حزب مستقبل وطن وحزب تحيا مصر.. وأرجو أن أتلقى جوابًا.
**************************************
العلمانية والجماهير والتحول الديمقراطى
لفظ العلمانية قد تم الترويج له من قبل تيار الأصولية الإسلامية، المنتشر في جميع المجتمعات الإسلامية، وفى المجتمع العربى على وجه الخصوص، باعتباره مضادا للدين ومرادفا للإلحاد، وأن الغاية منه هو
القضاء على الأديان عامة والإسلام بالأخص، أما العامل الثانى الذي أدى إلى الالتباس فيكمن في أن مفهوم العلمانية قد تحدد مباشرة تحديدا سياسيا في مقولة فصل الدين عن الدولة. وحقيقة الأمر أن العلمانية-
بفتح العين لا بكسرها كما هو شائع- مشتقة من علم «بفتح العين وتسكين اللام» أي العالم. وبناء عليه فالعلمانية في جوهرها لا علاقة لها بالسياسة ولا بالمجتمع ولكن بالعالم وما يشتمل عليه من كائنات
وظواهر هي بطبيعتها نسبية متغيرة، لأنها تستمد طبيعتها من طبيعة
العالم الذي نحيا فيه، ومن الأرض التي نسكنها وندور معها. واستنادا
إلى الأصل اللغوى للفظ العلمانية وما ينطوى عليه من معانى النسبية
والتغير صك الفيلسوف مراد وهبة تعريفا غير مسبوق للعلمانية هو على
النحو التالى: «العلمانية» هي التفكير في النسبى بما هو نسبى وليس
بما هو مطلق، وفى تقديرى أن هذا التعريف من شأنه أن يزيل الالتباس
العالق بمفهوم العلمانية، حيث إنه ينقل العلمانية من المجالين السياسى
والدينى إلى المجال المعرفى، أي مجال العقل الإنسانى في تناوله لكل ما
يواجهه من قضايا ومشكلات.
كيف تساعد العلمانية الجماهير على مواجهة مشكلاتها الحياتية، وكيف تمكنها من إيجاد الحلول المناسبة لتلك المشكلات دون الاعتماد على الآخر، أيا كان هذا الآخر؟.
إشكالية العلاقة بين الفكر المطلق والفكر النسبى عندما ترتبط بالعقل العام، أي عقل الجماهير فيما يرتبط بأسلوب إدراك الواقع وفهمه والتفكير فيه كما تمارسه الجماهير.
فإنسان الجماهير- أو رجل الشارع على حد التعبير الشائع في أي نظام اجتماعى- لديه طموح أن يوحد بين كل ما لديه من معارف في فكرة واحدة، وهذه الفكرة الواحدة هي فكرة مطلقة، أي غير قابلة للتغيير، ومن شأن هذه الفكرة المطلقة أن توقع الإنسان في وهم امتلاك الحقيقة المطلقة- على حد تعبير مراد وهبة في كتابه «ملاك الحقيقة المطلقة». وهذا الوهم يوقع إنسان الجماهير في الجمود ويعوق تطوره الفكرى والاجتماعى، ويتميز تفكير إنسان الجماهير المصرى بأنه نقيض التفكير العلمانى، بمعنى تحويل كل نسبى بطبيعته إلى فكرة مطلقة، وذلك بحكم نزوع إنسان الجماهير نحو توحيد معارفه في كل مطلق مما يعفيه من مشقة تغيير الواقع ويجعله مكتفيا بوهم التغيير الذي هو في حقيقة الأمر
الثبات والجمهور.
وهذا النوع من التفكير في حالة إنسان الجماهير
في مصر مردود إلى التفكير الأسطورى الخرافى المرتبط بعصر الزراعة، الذي مازال مهيمنا على الثقافة الشعبية المصرية ولم يتجاوزها إلى
التفكير العقلانى الذي يميز عصر ما بعد الزراعة، أي عصر
وتستند الثقافة الشعبية، أو بالأدق ثقافة الجماهير، إلى نسق قيمى يجسد التوحيد المطلق لمعارف وخبرات الجماهير، وأهم ما يميز هذا النسق القيمى هو حكم الأسطورة الذي من شأنه الحفاظ على الثبات ومنع التغيير والتطور.
وقد تلاحم هذا النسق القيمى الشعبى الأسطورى مع الفكر الدينى اللاعقلانى والمضاد للفكر الدينى العقلانى، حيث تسعى الجماهير طواعية إلى من يروجون لهذا الفكر ويتخذونهم أوصياء على فكرهم وعلى حياتهم. ومن شأن هذا الاستسلام الجماهيرى القضاء على العقل العام، مما يفضى إلى استحالة وصول المجتمع إلى التنوير الذي تشترط وجود عقل عام متنور.
وهذا يقودنا إلى الإجابة عن السؤال بشأن حاجة الجماهير للعلمانية، فالعلمانية باعتبارها منهجا للتفكير فيما هو نسبى، أي في قضايا ومشكلات الحياة اليومية للجماهير، ضرورة ولازمة لتمكين الجماهير من الاستخدام المستقل للعقل بجرأة ودون الاعتماد على وصاية أحد من أجل إيجاد الحلول للمشكلات المزمنة، وفى مقدمتها مشكلات الفقر والبطالة وتزايد السكان. وإذا كانت الجماهير في حاجة إلى العلمانية فالسؤال هو: من الذي يقوم بتوعية الجماهير بالعلمانية وبحاجتهم إليها؟!. وقد تكون الإجابة المباشرة هي النخبة، بيد أن علاقة النخبة بالعلمانية تنطوى على تناقض في حاجة على دراسة وتحليل، فالنخبة مازالت قريبة من فكر الجماهير، والدليل على ذلك ما مارسته الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدنى في الماضى- ومازالت تمارسه- في علاقتها بالجماهير، فهذه العلاقة محكومة بالجماهير، أو بالأدق بفكر الجماهير الأسطورى بدعوى تلبية احتياجات الجماهير. ومن شأن هذه العلاقة تجاهل الحاجة الأساسية، وهى توليد العقل العام المتنور من خلال حث الجماهير على ممارسة التفكير العقلانى، أو بالأدق التفكير العلمانى، وتجاوز الفكر
الأسطورى.
********************************************************
العلمانية والجماهير والتحول الديمقراطى
لفظ العلمانية قد تم الترويج له من قبل تيار الأصولية الإسلامية، المنتشر في جميع المجتمعات الإسلامية، وفى المجتمع العربى على وجه الخصوص، باعتباره مضادا للدين ومرادفا للإلحاد، وأن الغاية منه هو
القضاء على الأديان عامة والإسلام بالأخص، أما العامل الثانى الذي أدى إلى الالتباس فيكمن في أن مفهوم العلمانية قد تحدد مباشرة تحديدا سياسيا في مقولة فصل الدين عن الدولة. وحقيقة الأمر أن العلمانية-
بفتح العين لا بكسرها كما هو شائع- مشتقة من علم «بفتح العين وتسكين اللام» أي العالم. وبناء عليه فالعلمانية في جوهرها لا علاقة لها بالسياسة ولا بالمجتمع ولكن بالعالم وما يشتمل عليه من كائنات
وظواهر هي بطبيعتها نسبية متغيرة، لأنها تستمد طبيعتها من طبيعة
العالم الذي نحيا فيه، ومن الأرض التي نسكنها وندور معها. واستنادا
إلى الأصل اللغوى للفظ العلمانية وما ينطوى عليه من معانى النسبية
والتغير صك الفيلسوف مراد وهبة تعريفا غير مسبوق للعلمانية هو على
النحو التالى: «العلمانية» هي التفكير في النسبى بما هو نسبى وليس
بما هو مطلق، وفى تقديرى أن هذا التعريف من شأنه أن يزيل الالتباس
العالق بمفهوم العلمانية، حيث إنه ينقل العلمانية من المجالين السياسى
والدينى إلى المجال المعرفى، أي مجال العقل الإنسانى في تناوله لكل ما
يواجهه من قضايا ومشكلات.
كيف تساعد العلمانية الجماهير على مواجهة مشكلاتها الحياتية، وكيف تمكنها من إيجاد الحلول المناسبة لتلك المشكلات دون الاعتماد على الآخر، أيا كان هذا الآخر؟.
إشكالية العلاقة بين الفكر المطلق والفكر النسبى عندما ترتبط بالعقل العام، أي عقل الجماهير فيما يرتبط بأسلوب إدراك الواقع وفهمه والتفكير فيه كما تمارسه الجماهير.
فإنسان الجماهير- أو رجل الشارع على حد التعبير الشائع في أي نظام اجتماعى- لديه طموح أن يوحد بين كل ما لديه من معارف في فكرة واحدة، وهذه الفكرة الواحدة هي فكرة مطلقة، أي غير قابلة للتغيير، ومن شأن هذه الفكرة المطلقة أن توقع الإنسان في وهم امتلاك الحقيقة المطلقة- على حد تعبير مراد وهبة في كتابه «ملاك الحقيقة المطلقة». وهذا الوهم يوقع إنسان الجماهير في الجمود ويعوق تطوره الفكرى والاجتماعى، ويتميز تفكير إنسان الجماهير المصرى بأنه نقيض التفكير العلمانى، بمعنى تحويل كل نسبى بطبيعته إلى فكرة مطلقة، وذلك بحكم نزوع إنسان الجماهير نحو توحيد معارفه في كل مطلق مما يعفيه من مشقة تغيير الواقع ويجعله مكتفيا بوهم التغيير الذي هو في حقيقة الأمر
الثبات والجمهور.
وهذا النوع من التفكير في حالة إنسان الجماهير
في مصر مردود إلى التفكير الأسطورى الخرافى المرتبط بعصر الزراعة، الذي مازال مهيمنا على الثقافة الشعبية المصرية ولم يتجاوزها إلى
التفكير العقلانى الذي يميز عصر ما بعد الزراعة، أي عصر
وتستند الثقافة الشعبية، أو بالأدق ثقافة الجماهير، إلى نسق قيمى يجسد التوحيد المطلق لمعارف وخبرات الجماهير، وأهم ما يميز هذا النسق القيمى هو حكم الأسطورة الذي من شأنه الحفاظ على الثبات ومنع التغيير والتطور.
وقد تلاحم هذا النسق القيمى الشعبى الأسطورى مع الفكر الدينى اللاعقلانى والمضاد للفكر الدينى العقلانى، حيث تسعى الجماهير طواعية إلى من يروجون لهذا الفكر ويتخذونهم أوصياء على فكرهم وعلى حياتهم. ومن شأن هذا الاستسلام الجماهيرى القضاء على العقل العام، مما يفضى إلى استحالة وصول المجتمع إلى التنوير الذي تشترط وجود عقل عام متنور.
وهذا يقودنا إلى الإجابة عن السؤال بشأن حاجة الجماهير للعلمانية، فالعلمانية باعتبارها منهجا للتفكير فيما هو نسبى، أي في قضايا ومشكلات الحياة اليومية للجماهير، ضرورة ولازمة لتمكين الجماهير من الاستخدام المستقل للعقل بجرأة ودون الاعتماد على وصاية أحد من أجل إيجاد الحلول للمشكلات المزمنة، وفى مقدمتها مشكلات الفقر والبطالة وتزايد السكان. وإذا كانت الجماهير في حاجة إلى العلمانية فالسؤال هو: من الذي يقوم بتوعية الجماهير بالعلمانية وبحاجتهم إليها؟!. وقد تكون الإجابة المباشرة هي النخبة، بيد أن علاقة النخبة بالعلمانية تنطوى على تناقض في حاجة على دراسة وتحليل، فالنخبة مازالت قريبة من فكر الجماهير، والدليل على ذلك ما مارسته الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدنى في الماضى- ومازالت تمارسه- في علاقتها بالجماهير، فهذه العلاقة محكومة بالجماهير، أو بالأدق بفكر الجماهير الأسطورى بدعوى تلبية احتياجات الجماهير. ومن شأن هذه العلاقة تجاهل الحاجة الأساسية، وهى توليد العقل العام المتنور من خلال حث الجماهير على ممارسة التفكير العقلانى، أو بالأدق التفكير العلمانى، وتجاوز الفكر
الأسطورى.
********************************************************
العلمانية والجماهير والتحول الديمقراطى
من اهم المقالات
************************************
الحداثة برؤية علمانية (15)
الحداثة فى قاموس أكسفورد الإنجليزى تعنى المناهج الجديدة والاعتقاد فى العلم، والتخطيط، واشتهاء التماثل، والنظام، والتوازن، والثقة فى التقدم بلا حدود.
بيكون والفيلسوف الفرنسى ديكارت. وضع بيكون منطقاً جديداً لتكوين عقل جديد يتطهر مما علق به من أصنام يسميها «أصنام العقل»
وهى أربعة أنواع:
«أصنام القبيلة» وهى ناشئة عن طبيعة الإنسان من حيث إن الانسان ميال بطبعه إلى تعميم بعض الحالات دون الالتفات إلى الحالات المعارضة لها. و«أصنام الكهف»، وهى ناشئة عن أن كل فرد يحيا فى كهف خاص به ومنه ينظر إلى العالم.
و« أصنام السوق»، وهى ناشئة عن ألفاظ موضوعة لأشياء غير موجودة، أو لأشياء غامضة أو متناقضة.
و« أصنام المسرح»، وهى الآتية مما تتخذه النظريات المتوارثة من نفوذ جارف. وبعد أن يتطهر العقل من هذه الأصنام يتجه إلى الاستعانة بالمنهج الاستقرائى الذى يستند إلى التجربة. أما ديكارت فقد أسس منهجاً جديداً يستند إلى التزام العقل بالأفكار الواضحة المتميزة، وإلى الشك فى كل المعارف الإنسانية باستثناء الشك نفسه.
ولما كان الشك تفكيراً فأنا أفكر، ولما كان التفكير وجوداً فأنا موجود. وهكذا انتهى ديكارت إلى حقيقة مؤكدة واضحة ومتميزة وهى «أنا أفكر إذن أنا موجود».
وهى تعنى أن الإنسان كائن مستقل ومحدد لذاته.
وجاء بعد بيكون وديكارت منظَرون لما انتهى إليه كل من هذين الفيلسوفين مع تباين وجهات النظر ابتداء من جون لوك حتى كانط. وهؤلاء جميعاً كانوا على وعى بالحداثة. بيد أن الحداثة لم تتصدر قضايا الفكر الفلسفى إلا فى نهاية القرن الثامن عشر حيث أثار هيجل قضية الحداثة على أنها قضية فلسفية.
ومن هذه الزاوية يمكن القول بأن هيجل هو أول فيلسوف يبلور مفهوماً واضحاً عن الحداثة. ولهذا ينبغى البداية بهذا الفيلسوف إذا أردنا فهم العلاقة الحميمة بين الحداثة والعلمانية، أو بالأدق فهم الحداثة برؤية علمانية.
فقد تصور هيجل أن مركزية الوعى الذاتى هى المحدد للتفلسف فى العصر الحديث، وأن هذا الوعى لا يخضع فى تطوره للصدفة، بل للقانون. يقول: لا بد منذ البداية أن يكون لدينا اعتقاد عقلانى بأن الصدفة لا تتحكم فى المسائل الإنسانية. فمهمة الفلسفة تكمن فى وعيها بأن ظهورها محكوم بالروح المطلق طالما أن هذا الظهور تاريخى وسبب ذلك مردود إلى العلاقة العضوية بين المطلق والتاريخ، استناداً إلى منطق جديد هو المنطق اليالكتيكى الذى يستند إلى مبدأ التناقض وليس إلى مبدأ عدم التناقض الذى كان أساسا منطق أرسطو. وفى ضوء هذا المعنى للحداثة تأسست جماعة من الفلاسفة المؤمنين برئاسة الفيلسوفين الفرنسيين- الفريد لوزى، وإدوارد لوروا- غايتها قبول تعاليم الكنيسة، أيا كان تأويلها الذى تفرضه، شريطة أن تنفصل الكنيسة عن الدولة، وينفصل الايمان عن العقل. بيد أن هذا اللون من الحداثة قد أدانه بعنف البابا بيوس العاشر فى عام 1907. وإثر هذه الإدانة أصيب المثقفون الكاثوليك بالهلع، وذاع تيار ينشد تجنب المجاهرة بفصل الكنيسة عن الدولة خشية أن يفضى إلى الاتهام بالهرطقة.
+++++++++++++++++++++++++++++++++++++++
التقدم برؤية علمانية (16
زالت النظرة إلى المستقبل باعتباره محكومًا بالحياة الأخرى. فقد كان الهم بالآخرة هو المهيمن على أهل الفكر إلى الحد الذى يعتبر فيه الماضى هو الجاذب لمن يريد البحث عن العصر الذهبى للبشرية. وظل هذا الهم مهيمنًا حتى نهاية القرن السابع عشر. ومع بداية القرن الثامن عشر بدأ الهم بالمستقبل. والفضل فى ذلك مردود إلى تورجو وكوندورسيه ثم انضم إليهما سان سيمون وكونت.
ثمة أجوبة ثلاثة: الجواب الأول أن الأولوية للحاضر أو بالأدق للآن الدائم. والجواب الثانى أن الأولوية للماضى، والجواب الثالث أن الأولوية للزمانية الأصيلة هى للمستقبل الذى يعنى أن الإمكان سابق على الواقع.
وفى رأيى أن الأولوية فى آنات الزمان ليست للماضى لأنه، فى أصله، مستقبل فات، ومعنى ذلك أن الماضى مسلوب من سمته الأساسية وهى أنه كان مستقبلاً وأنه لم يعد كذلك. كما أن الأولوية ليست للحاضر لأنه وهم. فالحاضر نهاية ماض وبداية مستقبل. يبقى إذن أن تكون الأولوية للمستقبل، ثم تكون خبرتنا عن الزمان هى خبرتنا عن المستقبل وليس عن الحاضر أو الماضى.
والسؤال إذن:
كيف تكون لنا خبرة بما لم يحدث بعد؟
يبدو أن ثمة تناقضاً فى صياغة هذا السؤال. فالرأى الشائع أن الخبرة مكتسبة من أحداث ماضية أو حاضرة ولكنها ليست مكتسبة من أحداث فى المستقبل لم تقع بعد. فهل من سبيل إلى رفع هذا التناقض؟ الرفع ممكن إذا ارتأينا أن قدرة العقل على تكوين رؤى مستقبلية الواحدة بعد الأخرى من شأنها أن تحدث تراكماً يكون معادلاً للخبرة. واللغة تسهم فى اكتساب الخبرات المشتقة من المستقبل. فالطفل يكتسب ألفاظاً لها علاقة بالمستقبل فيما بين ثمانية عشر شهراً وثلاثين شهراً، ومن ثم يصبح المستقبل سابقاً على الحاضر أو الماضى. ومع تطور الطفل تزداد عباراته المتصلة بالمستقبل وتقل عباراته المتصلة بالماضى.
+++++++++++++++++++++++++++++
العلمانية: مفتاح الديمقراطية في المجتمعات المسلمة
العلمانية موجودة حتى يتمكن الجميع من ممارسة دينهم بحرية.
كبلد مسلم، لماذا ينبغي أن نكون في وضع نتراجع فيه عن الدين؟ نحن بلد مسلم. لذلك يجب أن يكون لدينا دستور ديني.
توفر العلمانية إطار لمجتمع ديمقراطي، يتساوى فيه الجميع، بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية أو السياسية، الجميع مواطنين لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات.
ما زال الكثيرون يعتقدون بأنّ العلمانية – وعلى غرار الاشتراكية أو الليبرالية – هي مصطلح معقد تحتاج إلى قراءة كتب كثيرة عنها لتفهمه على أكمل وجه. وفي الحقيقة، هذه غير صحيح، فالعلمانية ليست أيديولوجية -كالاشتراكية على سيبل المثال- ولا حتى منظومة فكرية أو شبه فكرية، العلمانية ببساطة مبدئ بسيط للغاية يمكن حصره في ثلاثة إلى أربعة كلمات: «فصل الدين عن الدولة» -هذا هو مبدئ العلمانية الوحيد، بيد أن هذا المبدئ البسيط يترتب عليه نتائج متعددة أهمّها:
حرية التدين من عدمه ( الحرية الدينية)
تعامل الدولة مع مواطنيها بشكل متساوي مهما كان دينهم ( أو مذهبهم )، وبعبارة أخرى، حياد الدولة دينياً.
علاج الأعراض الجانبية للديمقراطية
ونظرًا لفصل الدين عن الدولة الذي يجعل الدولة غير قادرة على الانحياز لصف الأغلبية، توفر العلمانية الحماية لهذه الأقليات، مثل الأقليات الدينية ( أو المذهبية)، السياسية والعرقية والخ…
عقلنة القانون
الدولة العلمانية تخلت عن الدين كمعيار لسن القوانين، فلابد من معيار آخر لتستند عليه الدولة، وهذا المعيار هو العقل (المرشد بالعلم والعاطفة واحترام كرامة الإنسان)، والعقل لا يقبل الظلم، ولا يقبل أن تظلم الأغلبية السياسية الأقلية السياسية، فالأقلية اليوم أكثرية غدًا، فهل يحق لها في تلك الحالة تهميش حقوق الأقلية؟ بالطبع لا.
كما أن عقلنة القانون ( أي جعل العقل معيار لسن القوانين)، لا يعني بالضرورة عدم الأخذ برأي الدين في بعض المسائل، شريطة أن لا يخالف النقل العقل. فلا يمكننا أخذ أي شيء من النقل فقط لأنه من الدين دون اخضاعه للاستقصاء الحرّ، وهو ما دعا له ابن رشد، الذي يصنفه الغرب على أنه هو من زرع بذرة العلمانية في عقول مفكريهم، حيث يرى ابن رشد بأن الاحتكام يكون للعقل بدعوة واجبة من الدين نفسه.
المساواة في الحصول على الخدامات العامة
ما يحق للمسلم السني دخول المدرسة ودراسة الإسلام السني في المدارس، يحق أيضاً للمسلم الشيعي ذات الشيء، وكذلك بالنسبة لغير المسلم. فإما أن يكون الدين مادة اختيارية،
العلمانية لا تعني الإلحاد
هدف الدولة هو توفير الأمن والخدامات لشعبها لا إجبار الناس على اعتناق دين (أو مذهب) الأغلبية الحاكمة، فلو كانت العلمانية تعني الإلحاد، لحاولت دول أوروبا العلمانية فرض الإلحاد على الجميع بالقوة.
توفر العلمانية ببساطة اطار لمجتمع ديمقراطي، للملحدين مصلحة واضحة في دعم العلمانية، لكنّ العلمانية نفسها لا تسعى للطعن في عقائد أي دين أو معتقد بعينه.
العلمانية تحمي حرية التعبير
الدولة العلمانية هو ضمان حقيقي لإعطاء الجميع نفس المساحة من حرية التعبير عن معتقداتهم علناً، وكذلك الذين يشككون في هذه المعتقدات. وفي الديمقراطية، يجب أن تكون جميع المعتقدات والأفكار مفتوحة للنقاش، الناس لهم حقوق؛ الأفكار لا.
هل العلمانية دعوة للانحلال الأخلاقي وإباحة الفاحشة؟
في حقيقة الأمر، هذا السؤال لا يمكن الاجابة عليه بنعم أو لا، فمفهوم الفاحشة مفهوم ديني أخلاقي، والمفاهيم الدينية الأخلاقية تختلف من دين إلى آخر ومن شخص إلى آخر، بل قد تجد اختلاف في مفهوم الفاحشة في الدين الواحد.
العلمانية ببساطة لا تنظر للأمور من زاوية دين معين حفاظاً على حياد الدولة، فاعتناق نظرة دين (أو مذهب) معين للأمور الأخلاقية يعد انحياز لهذا الدين (أو المذهب)، فلذلك كرست العلمانية جهودها لخلق بيئة تعايش تحتضن الجميع وتقوم بالاهتمام بالأمور التي تخص التطوير والرفاه في هذه الحياة وتركت الأمور الأخلاقية الشخصية التي تقرر مصيرك في الحياة الأخرى مسألة شخصية للفرد.
++++++++++++++++++++
علمانية على هدي الرسول محمد
"فصل الدين عن الدولة" تعريفاً فجاً وأولياً. فالدولة مؤسسة مترامية الأطراف ويتبع إليها مؤسسات وأجهزة تقوم بأدوار اجتماعية وإنسانية وتعليمية لا ينبغي فصلها عن الدين. لا يضير العلمانية في شيء أن يكون في الدولة مؤسسة للأوقاف مثلاً ترعى شؤون المرافق الدينية أو أن يكون ثمة معاهد لتعليم القرآن مثلاً أو حتى أن تقوم الدولة بدور في بناء دور للعبادة يمارس فيها الناس طقوس عقائدهم. العلمانية هي تحرير المستوى السياسي من الدين، ليس بما هو إرث حضاري وإطار ثقافي ومعرفي..الخ بل بما هو موضوع قدسي إطلاقي. ولا يعني ذلك أن العلمانية تحارب الدين أو القداسات إلا في ذهن جاهل أو ذي غرض، ذلك أن تحرير السياسي من الدين بالمعنى المذكور لا يتضمن البتة تقييد حرية العبادة والمعتقدات ولا انتزاع الأمة من تاريخها وثقافتها وحضارتها وهويتها..الخ، (وسأفتح هنا قوساً طويلة نسبياً لأقول: كما لو أن هوية الأمة قشرة أو طلاء خارجياً يخشى زواله، إن من يعتقد ذلك إنما يستخف بهوية الأمة أكثر مما يحميها؛ أو كما لو أن الهوية جوهراً خالداً خارج التاريخ وليست عجينة تاريخية حية ومتجددة. ينبغي أن يرتاح العرب والمسلمون من هذا السهر المضني على حماية هوية تذوي من طول السهر على حمايتها، هوية لا تزدهر وتينع إلا حين ينهمك العرب والمسلمون في اجتراح وإبداع أفضل السبل المناسبة لحل ما يعترضهم من أزمات وقضايا متحررين تماماً من هم ووهم حماية هويتهم، فليهتموا بأمور حياتهم وستهتم الهوية بذاتها).
إن أي حديث عن العلمانية في المجتمع الإسلامي (أي المجتمع الذي يضم غالبية من المسلمين) يتدحرج بصورة عفوية ليستقر عند بداية الدعوة الإسلامية ونشأة نواة الدولة الإسلامية في المدينة المنورة بزعامة الرسول محمد. أليس الإسلام ديناً ودنيا؟ وهل يبقى الإسلام إسلاماً حين يقصى عن السياسة؟ ألم يكن الدين الإسلامي مغمساً بالسياسة منذ نعومة أظفاره فكيف نسلبه إياها اليوم؟
1. كما هو معروف كانت الجزيرة العربية في أواخر القرن السادس وأوائل القرن السابع الميلادي "تنتظر" نبياً، وكانت أفكار الأحناف بمثابة بشائر ودلالات لما سيأتي به النبي المنتظر، وكان من بين الأحناف كبار رجالات العرب من شعراء وزعماء ولكن أفكارهم ودعوتهم مع ذلك كانت تذروها الرياح كالرمال فتذهب هباء دون تأثير يذكر. الأمر الذي حدا بالرسول محمد أن يجعل لدعوته حاملاً ما كانت لتقوم لولاه، وهذا الحامل ما هو إلا السياسة. فقد عمد الرسول إلى الدعوة السرية التي كان يربط من خلالها المؤمنين بعلاقة جامعة "سياسية" تلزمهم "بأوامر" معينة فلا يتخطونها، كأمر الهجرة إلى الحبشة وعدم مواجهة المشركين رغم ما كانوا يلحقون بهم وبرسولهم من ضيم، وأمر الهجرة إلى يثرب..الخ. إذن إضافة البعد السياسي إلى البعد الإيماني هو بالضبط ما مكن الرسول من إنفاذ دعوته حيث فشل الآخرون. فكانت السياسة مجرد حاملة للدعوة الجديدة الغضة وليست جزءاً عضوياً منها بأي حال.
2. في عهد الرسول محمد كانت السياسة، بما تعنيه من تنظيم وانضباط يشد أبناء الدعوة إلى قيادة دنيوية واحدة، هي حاملة الدين الجديد وحاميته. ومن المفيد هنا التذكير بالحوار الشهير الذي دار بين الرسول محمد وأبي سفيان على أبواب مكة قبيل فتحها (السنة الثامنة للهجرة)، لإظهار مدى حرص الرسول آنئذ على إمساك "القيادة الدنيوية" إنفاذاً وصوناً للدعوة الطرية العود. والحوار كما تذكره الأخبار يجري كالتالي:
محمد: ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله؟
أبو سفيان: والله لقد ظننت أن لو كان مع الله إله غيره لقد أغنى شيئاً بعدُ.
محمد: ويحك يا أبا سفيان, ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله؟
أبو سفيان: أما والله هذه فإن في النفس منها حتى الآن شيئاً!
إذن لم يكن لدى أبي سفيان اعتراض على الشق الأول من الشهادتين (لا إله إلا الله) وهو بذلك يخرج من دائرة الإشراك التي يغفر الله كل شيء سواها، لكن الرسول يرى في قرن الشهادتين جسراً يوصل الدعوة إلى بر أمانها، لذلك لم يرض من أبي سفيان (ولا من غير أبي سفيان) أن يكسر هذا الجسر، ملحاً على الشق الثاني من الشهادة (محمد رسول الله) بما يتضمنه من إعلان الولاء "الدنيوي" وليس فقط الديني له. يمكن القول إذن أن السياسة في عهد الرسول محمد كانت السرير الذي بني عليه هيكل سفينة الدين، ولكن حين يكتمل الهيكل (أكملت لكم دينكم) يتعين على السفينة أن تنزلق كي تبحر في محيط لا حدود له، تاركة سريرها على البر حيث هو وإلى حيث ينتمي.
3. خلال حياة الرسول كانت العلاقة بين الدين والسياسة وثيقة بالفعل، وهذه هي الفترة التي يستند إليها كل من يقول بعدم انفصال الدين عن الدنيا في الإسلام. ولكن ميزة تلك الفترة التي لا يمكن أن تتكرر هي وجود متلقي الوحي (هذا ما يغفل عنه كثيرون)، وقد كان الرسول رغم كل ما يتمتع به من صفات استثنائية يقف أحياناً منتظراً الوحي ليتخذ قراره في أمر ما. فمن أين لنا اليوم برجل يحكم باسم الله دون وحي من الله ويلزم العباد بحكمه على أنه حكم الخالق. أليس في ذلك "افتئات على مقام النبوة واغتصاب لحقوق الله واستخفاف بعقول البشر"، على حد تعبير المستشار محمد سعيد العشماوي في كتابه (الإسلام السياسي) من إصدارات مؤسسة الانتشار العربي، بيروت-لبنان، الصفحة 83 من الطبعة الخامسة 2004. ومن لحظة وفاة الرسول اختلف الأمر على نحو جوهري. فقد انقطع الوحي، وأوكل المسلمون إلى أنفسهم، دون أن يُترك لهم في الشريعة أية نظرية في الحكم، ودون أن يعمد الرسول حتى إلى استخلاف أحد بعده، تاركاً المسلمين يقررون دنياهم بعد أن قرر لهم دينهم.
4. بانقطاع الوحي (وفاة الرسول الخاتم للرسل) انفك التلازم بين القيادة الدينية والقيادة الدنيوية بعد أن عبرت الدعوة على جسر التلازم هذا إلى شاطئ نجاحها وعمت شبه الجزيرة العربية، أو لنقل ذابت القيادة الدينية بعد وفاة الرسول في صفوف المسلمين وبرزت الخلافة كمنصب سياسي بالدرجة الأولى. لا فرق بين أبي بكر (خليفة رسول الله وليس خليفة الله كما درجت عادة ملوك بني أمية والعباس من بعد. وأبو بكر لا يمكن أن يخلف رسول الله في شأن الدين فقد اكتمل الدين وانقطع الوحي، وليس له أن يخلفه سوى في شؤون الدنيا "السياسة") وغيره من المسلمين إلا في كونه ولّي الخلافة عليهم: "ولّيت عليكم ولست بأفضلكم"، طالباً من المسلمين تقويمه إذا اعوج. جاعلاً الولاية لأمة المسلمين في القبول والرفض والتقويم. وعلى هذا المنوال جرى الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رجل الدولة الممتاز.
5. باب الدخول إلى الإسلام واسع ويسير ولا يتطلب من المرء سوى لفظ الشهادتين حتى يدخل دار السلام، ولكن ذلك يستدعي بالضرورة ولاءه للسلطة الزمنية (سلطة دولة المسلمين بزعامة الرسول) تعبيراً عن ولائه الروحي لله. وفي ذلك عملية تحويل جوهرية، فالولاء لله يشكل قاسماً مشتركاً للعرب بكل انتماءاتهم القبلية والعشائرية..الخ، ويتم ترجمة هذا الولاء المشترك في ولاء دنيوي لدولة الرسول، الأمر الذي قلب الولاءات في الجزيرة من أولوية الولاء للقبيلة على حساب الولاء المشترك للعرق العربي، إلى أولوية الولاء لدولة الرسول على حساب الولاءات الأدنى الأخرى. أي كان الانتماء العام (العربي) متنحياً سياسياً أمام الانتماء الجزئي (القبيلة)، فصار الانتماء الأعم (الإسلام) مسيطراً سياسياً على الانتماءات الجزئية. دون أن يعني ذلك أن الرسول دخل في تعارض أو مواجهة مع هذه الانتماءات الراسخة والقارة تاريخياً، أقصد الولاءات العشائرية والقبلية والدخول معها في حروب عبثية. ومعلوم أن الرسول كان يقبل أن تخاطبه القبائل قبل أن تسلم بانتمائه القبلي فيقولون له "يا أخا قريش". وأكثر من ذلك فقد بنا الرسول إستراتيجية الدعوة على حسابات تدخل في صلبها الانتماءات القبلية. وربما شكل ذلك أحد أسرار نجاح دعوته.
6. واليوم نحن بحاجة إلى تحويل معاكس بالشكل ومطابق بالجوهر. ففي حين شكل الانتماء إلى الدين الجديد القاسم المشترك للعرب (ما كان يقبل من العربي أقل من الإسلام) الذي وحدهم محافظاً على انتماءاتهم الفرعية غير الجامعة (قبلية وعشائرية) دون مس، يشكل الانتماء إلى الوطن (المواطنة) اليوم هذا القاسم الجامع الذي يتعين تكريسه فوق الانتماءات الفرعية غير الجامعة (الدينية والمذهبية)، دون المس بهذه الأخيرة. وسوى ذلك فإننا إنما نغلب التقسيم على الوحدة والانتماء الجزئي على العام في عمل يعاكس جوهرياً ما قام به الرسول محمد في دعوته.
ما يدفع باتجاه رفع راية العلمانية اليوم هو أنها تشكل سبيلاً لوحدة المجتمع وصيانة الانتماءات الغزيرة الأخرى التي تغنيه من جهة إضافة إلى كونها تفتح المجال السياسي لتداول وصراع عقلاني عام. ولا يتم رفع راية العلمانية تحدياً أو تحجيماً للدين وتنكراً للهوية والحضارة وما إلى ذلك من كلام ظاهره حرص على الدين وباطنه حرص على مكاسب قائمة أو مأمولة، ظاهره "ثقافي" وباطنه سياسي. مكاسب فردية أو حزبية أو فئوية ولو على حساب ضعضعة الانتماءات الجامعة المشتركة.
شباط 2014
2. في عهد الرسول محمد كانت السياسة، بما تعنيه من تنظيم وانضباط يشد أبناء الدعوة إلى قيادة دنيوية واحدة، هي حاملة الدين الجديد وحاميته. ومن المفيد هنا التذكير بالحوار الشهير الذي دار بين الرسول محمد وأبي سفيان على أبواب مكة قبيل فتحها (السنة الثامنة للهجرة)، لإظهار مدى حرص الرسول آنئذ على إمساك "القيادة الدنيوية" إنفاذاً وصوناً للدعوة الطرية العود. والحوار كما تذكره الأخبار يجري كالتالي:
محمد: ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله؟
أبو سفيان: والله لقد ظننت أن لو كان مع الله إله غيره لقد أغنى شيئاً بعدُ.
محمد: ويحك يا أبا سفيان, ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله؟
أبو سفيان: أما والله هذه فإن في النفس منها حتى الآن شيئاً!
إذن لم يكن لدى أبي سفيان اعتراض على الشق الأول من الشهادتين (لا إله إلا الله) وهو بذلك يخرج من دائرة الإشراك التي يغفر الله كل شيء سواها، لكن الرسول يرى في قرن الشهادتين جسراً يوصل الدعوة إلى بر أمانها، لذلك لم يرض من أبي سفيان (ولا من غير أبي سفيان) أن يكسر هذا الجسر، ملحاً على الشق الثاني من الشهادة (محمد رسول الله) بما يتضمنه من إعلان الولاء "الدنيوي" وليس فقط الديني له. يمكن القول إذن أن السياسة في عهد الرسول محمد كانت السرير الذي بني عليه هيكل سفينة الدين، ولكن حين يكتمل الهيكل (أكملت لكم دينكم) يتعين على السفينة أن تنزلق كي تبحر في محيط لا حدود له، تاركة سريرها على البر حيث هو وإلى حيث ينتمي.
3. خلال حياة الرسول كانت العلاقة بين الدين والسياسة وثيقة بالفعل، وهذه هي الفترة التي يستند إليها كل من يقول بعدم انفصال الدين عن الدنيا في الإسلام. ولكن ميزة تلك الفترة التي لا يمكن أن تتكرر هي وجود متلقي الوحي (هذا ما يغفل عنه كثيرون)، وقد كان الرسول رغم كل ما يتمتع به من صفات استثنائية يقف أحياناً منتظراً الوحي ليتخذ قراره في أمر ما. فمن أين لنا اليوم برجل يحكم باسم الله دون وحي من الله ويلزم العباد بحكمه على أنه حكم الخالق. أليس في ذلك "افتئات على مقام النبوة واغتصاب لحقوق الله واستخفاف بعقول البشر"، على حد تعبير المستشار محمد سعيد العشماوي في كتابه (الإسلام السياسي) من إصدارات مؤسسة الانتشار العربي، بيروت-لبنان، الصفحة 83 من الطبعة الخامسة 2004. ومن لحظة وفاة الرسول اختلف الأمر على نحو جوهري. فقد انقطع الوحي، وأوكل المسلمون إلى أنفسهم، دون أن يُترك لهم في الشريعة أية نظرية في الحكم، ودون أن يعمد الرسول حتى إلى استخلاف أحد بعده، تاركاً المسلمين يقررون دنياهم بعد أن قرر لهم دينهم.
4. بانقطاع الوحي (وفاة الرسول الخاتم للرسل) انفك التلازم بين القيادة الدينية والقيادة الدنيوية بعد أن عبرت الدعوة على جسر التلازم هذا إلى شاطئ نجاحها وعمت شبه الجزيرة العربية، أو لنقل ذابت القيادة الدينية بعد وفاة الرسول في صفوف المسلمين وبرزت الخلافة كمنصب سياسي بالدرجة الأولى. لا فرق بين أبي بكر (خليفة رسول الله وليس خليفة الله كما درجت عادة ملوك بني أمية والعباس من بعد. وأبو بكر لا يمكن أن يخلف رسول الله في شأن الدين فقد اكتمل الدين وانقطع الوحي، وليس له أن يخلفه سوى في شؤون الدنيا "السياسة") وغيره من المسلمين إلا في كونه ولّي الخلافة عليهم: "ولّيت عليكم ولست بأفضلكم"، طالباً من المسلمين تقويمه إذا اعوج. جاعلاً الولاية لأمة المسلمين في القبول والرفض والتقويم. وعلى هذا المنوال جرى الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رجل الدولة الممتاز.
5. باب الدخول إلى الإسلام واسع ويسير ولا يتطلب من المرء سوى لفظ الشهادتين حتى يدخل دار السلام، ولكن ذلك يستدعي بالضرورة ولاءه للسلطة الزمنية (سلطة دولة المسلمين بزعامة الرسول) تعبيراً عن ولائه الروحي لله. وفي ذلك عملية تحويل جوهرية، فالولاء لله يشكل قاسماً مشتركاً للعرب بكل انتماءاتهم القبلية والعشائرية..الخ، ويتم ترجمة هذا الولاء المشترك في ولاء دنيوي لدولة الرسول، الأمر الذي قلب الولاءات في الجزيرة من أولوية الولاء للقبيلة على حساب الولاء المشترك للعرق العربي، إلى أولوية الولاء لدولة الرسول على حساب الولاءات الأدنى الأخرى. أي كان الانتماء العام (العربي) متنحياً سياسياً أمام الانتماء الجزئي (القبيلة)، فصار الانتماء الأعم (الإسلام) مسيطراً سياسياً على الانتماءات الجزئية. دون أن يعني ذلك أن الرسول دخل في تعارض أو مواجهة مع هذه الانتماءات الراسخة والقارة تاريخياً، أقصد الولاءات العشائرية والقبلية والدخول معها في حروب عبثية. ومعلوم أن الرسول كان يقبل أن تخاطبه القبائل قبل أن تسلم بانتمائه القبلي فيقولون له "يا أخا قريش". وأكثر من ذلك فقد بنا الرسول إستراتيجية الدعوة على حسابات تدخل في صلبها الانتماءات القبلية. وربما شكل ذلك أحد أسرار نجاح دعوته.
6. واليوم نحن بحاجة إلى تحويل معاكس بالشكل ومطابق بالجوهر. ففي حين شكل الانتماء إلى الدين الجديد القاسم المشترك للعرب (ما كان يقبل من العربي أقل من الإسلام) الذي وحدهم محافظاً على انتماءاتهم الفرعية غير الجامعة (قبلية وعشائرية) دون مس، يشكل الانتماء إلى الوطن (المواطنة) اليوم هذا القاسم الجامع الذي يتعين تكريسه فوق الانتماءات الفرعية غير الجامعة (الدينية والمذهبية)، دون المس بهذه الأخيرة. وسوى ذلك فإننا إنما نغلب التقسيم على الوحدة والانتماء الجزئي على العام في عمل يعاكس جوهرياً ما قام به الرسول محمد في دعوته.
ما يدفع باتجاه رفع راية العلمانية اليوم هو أنها تشكل سبيلاً لوحدة المجتمع وصيانة الانتماءات الغزيرة الأخرى التي تغنيه من جهة إضافة إلى كونها تفتح المجال السياسي لتداول وصراع عقلاني عام. ولا يتم رفع راية العلمانية تحدياً أو تحجيماً للدين وتنكراً للهوية والحضارة وما إلى ذلك من كلام ظاهره حرص على الدين وباطنه حرص على مكاسب قائمة أو مأمولة، ظاهره "ثقافي" وباطنه سياسي. مكاسب فردية أو حزبية أو فئوية ولو على حساب ضعضعة الانتماءات الجامعة المشتركة.
شباط 2014
++++++++++++++++++++++++++
علمانية المتطرفين!
لا يزال البعض يحارب «العلمانية» ويروّج لها باعتبارها ضد الدين
مراد وهبة: «ابن رشد حى فى الغرب.. وميت فى الشرق»، حى فى الغرب لأن جذور التنوير الأوروبى موجودة أساساً فى فلسفة ابن رشد، وميت فى الشرق الذى أهمل العقل فى مقابل الإيمان بالخرافات والخزعبلات..
إننا نباعد بين طرفين أحدهما «العقلانية» والثانى «الأصولية الدينية والتشدد الفكرى» الذى أصبح الغالب فى حياتنا.. أصوليات دينية (يهودية ومسيحية وإسلامية)، وأصوليات سياسية لا تقبل الاختلاف والتعددية وتلعب بالنار، من خلال التوظيف السياسى للدين، وأصوليات ثقافية تكرس للتكفير وترسّخ للمصادرة.. يتأرجح الفكر العربى عند د. مراد وهبة بين غالبية تتبع الغزالى وأقلية متأثرة بابن رشد، فضلاً عما يحتله ابن تيمية من مساحة لا بأس بها فى العقلية العربية، وهى مدرسة ترفض تماماً التأويل، وبالتبعية ترفض فهم النص الدينى على أساس البرهان العقلى، وما يترتب على ذلك من تشويه حقيقة الدين.. يتأكد مع مرور الوقت أن إعمال العقل فى النص الدينى للكشف عن المعنى الباطن للنص هو منهج لا يتعارض مع الفهم الحقيقى والعميق للنص الدينى، بعد أن حوّل البعض ما يُطرح للنقاش والاجتهاد على أرضية علمية إلى مواد تتناقض مع الدين، وهو افتراض متشدد ومتطرف ليس له أساس من الصحة.
«العلمانية» ليست ضد الدين، ولكنها تقوم على الفصل بين ما هو دينى وما هو سياسى، وترفض التوظيف السياسى للدين لأنه ينتهى بالتشكيك فيه، وترفض استغلال الدين للسياسة حتى لا نصنع أصوليات دينية متطرفة.
+++++++++++++++++++++
زنقة العلمانية فى تركيا (٢٣)
كانت العلمانية فى زنقة فى مصر فى زمن الناصرية كانت العلمانية كذلك فى تركيا.
+++++++++++++
حال العلمانية فى أوروبا (٢٦)
سقراط ثلاثة اتهامات: إنكار آلهة أثينا، والقول بآلهة جدد، وإفساد عقول الشباب بتنفيرهم من الديانة الموروثة. وأبى سقراط أن يستعطف المحلفين فى المحكمة بل قال لهم إنه أراد تنوير مواطنيه وهدايتهم بتعاليمه، ومع ذلك حكم المحلفون عليه بالإعدام، وذلك بتجرع السم. ومغزى هذا الإعدام منع نقد المطلق، لأن هذا النقد من شأنه تحويل المطلق إلى نسبى، وبالتالى يمكن تغييره.
ومن بعد سقراط حاول كل من أفلاطون وأرسطو تثبيت المطلق ورفعه فوق سلطان العقل، فارتأيا أن ثمة عالمين: عالم المثل وعالم المحسوسات، والله هو علة نموذجية تحتذى. ومن ثم انحاز أفلاطون إلى التفكير بالمطلق دون التفكير بالنسبى فوقف ضد الطبيعيين الأوائل وضد السوفسطائيين الذين يمثلهم بروتاغوراس، وامتنع عن الانزلاق نحو نقد المطلق على نحو ما ارتأى سقراط. ثم جاء أرسطو وألف علمًا يتناول قضايا مجاوزة لما فى الطبيعة. ووضع هذه القضايا فيما بعد تحت اسم «ما بعد الطبيعة» أو الفلسفة الأولى التى تعنى التفكير بالمطلق الذى يمتنع معه المساس بالنسبى.
وفى العصر الوسيط ازداد التوتر بين المطلق والنسبى، أو بالأدق بين الدين والفلسفة فوضع أوغسطين حدودًا للعقل حتى ينتفى التناقض بين الحقيقة اللاهوتية المطلقة والحقيقة الفلسفية النسبية، فارتأى أن الإيمان ليس له من وجود إلا فى العقل، وبعد ذلك تكون مهمة العقل فهم هذا الإيمان بحيث نقول «آمن كى تتعقل». وهكذا يجمع أوغسطين بين العقل والإيمان فى وحدة على الرغم من تمايزهما. وكما فعل بالعقل والإيمان فعل بالمدينتين الأرضية والسماوية. فالأولى خاضعة للثانية على الرغم من تباينهما. ومع ذلك فإن الأمور لم تستقم على نحو ما ارتأى أوغسطين، إذ نشبت حروب عنيفة فى القرن العاشر عندما غزا النورمانديون فرنسا وخربوا الأديرة والمدارس واستمر الاضطراب إلى منتصف القرن الحادى عشر.
+++++++++++++++++
الحاكمية والعلمانية (٣١)
فى جريدة «المصرى اليوم» بتاريخ ٧/١١/٢٠١٩ قرأت مقالاً عنوانه «حاكمية المواطن» لوزيرالثقافة السابق الكاتب والصحفى حلمى النمنم جديراً بأن يكون موضع حوار من أجل تأسيس ثقافة مغايرة لثقافة الإخوان المسلمين، وأن يدور هذا الحوار حول مصطلح «الحاكمية». إذ لدينا الآن نوعان من الحاكمية: حاكمية الله من وضع سيد قطب وحاكمية المواطن من وضع حلمى النمنم. والمصطلحان يتحركان فى سياق الحضارة الإسلامية، وعلينا أن نختار أحدهما ونقصى الآخر لأنهما فى حالة تناقض حاد. كيف؟
فى كتابه المعنون «معالم فى الطريق» يقول سيد قطب «يلزم أن تكون الحاكمية العليا لله معلنة، وأن يكون مصدر السلطات هو الله سبحانه لا الشعب ولا الحزب ولا أى من البشر، وأن يرجع إلى كتاب الله وسنة رسوله لمعرفة ما يريده الله.. وهنالك نصوص معينة هى التى تحدد ما شرع الله».
الحاكمية والعلمانية (٣١)
فى جريدة «المصرى اليوم» بتاريخ ٧/١١/٢٠١٩ قرأت مقالاً عنوانه «حاكمية المواطن» لوزيرالثقافة السابق الكاتب والصحفى حلمى النمنم جديراً بأن يكون موضع حوار من أجل تأسيس ثقافة مغايرة لثقافة الإخوان المسلمين، وأن يدور هذا الحوار حول مصطلح «الحاكمية». إذ لدينا الآن نوعان من الحاكمية: حاكمية الله من وضع سيد قطب وحاكمية المواطن من وضع حلمى النمنم. والمصطلحان يتحركان فى سياق الحضارة الإسلامية، وعلينا أن نختار أحدهما ونقصى الآخر لأنهما فى حالة تناقض حاد. كيف؟
فى كتابه المعنون «معالم فى الطريق» يقول سيد قطب «يلزم أن تكون الحاكمية العليا لله معلنة، وأن يكون مصدر السلطات هو الله سبحانه لا الشعب ولا الحزب ولا أى من البشر، وأن يرجع إلى كتاب الله وسنة رسوله لمعرفة ما يريده الله.. وهنالك نصوص معينة هى التى تحدد ما شرع الله».
وفى مقاله المعنون «حاكمية المواطن» يقول حلمى النمنم «إن مؤسسة الخلافة التى ترسخت مع الأمويين ثم العباسيين وصولاً إلى العثمانيين هى مؤسسة سياسية بشرية رسختها أسر حاكمة تشربت الكثير من تقاليدها من الدولة البيزنطية زمن الأمويين وليست من الدين فى شىء ويزعمون أنه الدين». ويترتب على ذلك أن تكون الحاكمية للمواطن.
والسؤال إذن:
مَنْ هو المواطن؟
فى حده الأدنى هو رجل الشارع وفى حده الأقصى هو المثقف ومنهما معًا تتألف السلطة السياسية وهى سلطة متغيرة بحكم التطور، ومن ثم فهى سلطة تتسم بأن أفكارها نسبية وليست مطلقة، أى أنها سلطة علمانية بحكم أن العلمانية هى التفكير فى النسبى بما هو نسبى وليس بما هو مطلق. وهذه هى حاكمية المواطن على حد تعبير حلمى النمنم، وهى نقيض حاكمية الله التى تنطوى على تناقض كامن فى أن هذه الحاكمية تستند إلى نصوص معينة هى التى تحدد ما شرع الله.
والسؤال إذن:
مَنْ الذى يحدد هذه النصوص؟ إنهم البشر. ومَنْ الذى يفسرها ويصوغها على هيئة قوانين؟ إنهم البشر. البشر إذن هم المشترك سواء كانت الحاكمية لله أم للمواطن.
والسؤال بعد ذلك:
مَنْ هم هؤلاء البشر؟
إن لهم عقولًا يلزم إعمالها فى أى نص كان. ويسمى ابن رشد هذه العملية، عملية إعمال العقل فى النص، بأنه تأويل. ثم يستطرد قائلًا: لا تكفير على التأويل ولا إجماع مع التأويل على حد تعبيره. وبلغة العصر نقول عن هذا التأويل إنه ذو سمة علمانية لأن التأويل متعدد ومع التعدد تكون النسبية ومع النسبية تكون العلمانية.. ومن هنا يكون البشر علمانيين بحكم كونهم بشرًا، وبالتالى تكون الحاكمية للمواطن.
ويبقى بعد ذلك تساؤل من اللازم إثارته:
كيف يمكن إحداث تراكم لتحويل العلمانية من فكرة متداولة إلى تيار من أجل تأسيس ثقافة جديدة لمجتمع جديد على حد تعبير الرئيس عبدالفتاح السيسى؟
الجواب عندى أن نقطة البداية لهذا التراكم تكمن فى كتاب الشيخ على عبدالرازق المعنون «الإسلام وأصول الحكم» والذى صدر فى عام ١٩٢٥ وأنكر فيه الخلافة الإسلامية فصودر الكتاب وحوكم مؤلفه. والمطلوب إعادة نشر هذا الكتاب بمقدمة لحلمى النمنم عنوانها هو عنوان مقاله «حاكمية المواطن».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق