الأربعاء، 10 أغسطس 2022

ما بعد النفط .. محركات النمو الاقتصادي المستقبلي

Jul 24, 2021 Dec 3, 2021

تعني صناعة المستقبل، في جوهرها، التخطيط لبناء اقتصادي قوي ومزدهر ومستدام، وبناء نموذج تنموي ناجح يعزز تنافسية الاقتصاد العالمية،
وقد ارتبطت التحولات البشرية الكبرى بالتطورات الاقتصادية في الأساس، فالانتقال من الحياة البدائية، القائمة على الرعي والتقاط الثمار، إلى نمط الإنتاج الزراعي كان إيذاناً ببدء البشرية أولى مراحل التطور الحضاري الإنساني، التي استمرت قروناً طويلة قبل أن تأتي الثورة الصناعية، التي انطلقت في القرن الثامن عشر، بدوراتها المختلفة (الثورات الصناعية الأولى والثانية والثالثة)، لتكمل مسيرة التطور الحضاري البشري، فيما تقف البشرية اليوم على أعتاب الثورة الصناعية الرابعة، التي يتوقع أن تشكل محور التطور الاقتصادي العالمي المستقبلي.

والحديث عن صناعة مستقبل دولة الإمارات العربية المتحدة، في نصف القرن المقبل، يدور في الأساس حول كيفيَّة الانتقال من مرحلة الاقتصاد القائم على النفط إلى مرحلة ما بعد النفط،

ويجعلها شريكة أساسية في صنع مستقبل الاقتصاد العالمي،

النفط محركاً رئيسياً للاقتصاد في نصف القرن الماضي
شكل النفط المحرك الأهم للاقتصادات الخليجية بشكل عام، والاقتصاد الإماراتي بشكل خاص، منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي، بما وفره من عائدات مالية ضخمة، استثمرتها دولة الإمارات العربية المتحدة بفاعلية وكفاءة في بناء دولة الاتحاد، وتحديث بنيتها التحتية، وإطلاق نموذجها التنموي الرائد إقليمياً وعالمياً، فخلال الخمسين عاماً الماضية هيمن النفط بصورة واضحة على مؤشرات الاقتصاد الوطني الإماراتي، كغيره من الاقتصادات الخليجية. ففي عام 1971، وهو العام نفسه الذي أسس فيه المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك)، أسهم القطاع النفطي بأكثر من 90% من الناتج المحلي الإجمالي للدولة، الذي وصل إلى 6.5 مليار درهم آنذاك، ووصلت صادرات النفط إلى 750 ألف برميل في اليوم الواحد، مدرَّةً على الدولة الفتيَّة إيرادات مالية ضخمة، أسهمت في نهضتها الاقتصادية والاجتماعية. وقد أدركت القيادة الرشيدة، حفظها الله، أهمية استغلال المداخيل المالية الضخمة لصناعة النفط في العمل على تطوير القطاعات الأخرى للاقتصاد، فتم إنشاء جهاز أبوظبي للاستثمار عام 1976، لاستثمار الفائض من مداخيل الدولة من صادرات النفط، وتنويع مصادر الإيرادات، وتقليل الاعتماد على النفط. وبرغم جهود دولة الإمارات في تطوير البنى التحتية، التي أسهمت في تطوير قطاعات أخرى من الاقتصاد، فإن الصناعة النفطية ظلت المحرك الأساسي للاقتصاد، إذ أسهمت بنسبة 79% من الناتج المحلي الإجمالي للدولة في عام 1980.
وعلى الرغم من الأهمية الكبيرة، التي لعبها النفط بصفته محركاً للاقتصاد الوطني في الخمسين عاماً الماضية، فقد انطوى الاعتماد المفرط عليه على إشكاليات اقتصادية وتنموية عدَّة، ولاسيما نتيجة التقلُّب الواضح في أسعار النفط العالمية لأسباب اقتصادية واستراتيجية وسياسية وحتى نفسية، وهو ما جعل الاقتصاد الوطني يعاني حالات عدم استقرار في بعض الأحيان، وخصوصاً في الفترات التي كانت تنهار فيها الأسعار، وهذا الأمر - إضافة إلى القناعة السياسية بأن النفط في النهاية هو مجرد سلعة آيلة للنضوب، أو أنه سيفقد قيمته لسبب أو لآخر (مثلما حدث مع الفحم على سبيل المثال) - دفع صانع القرار الوطني إلى البحث عن بدائل اقتصادية أخرى للنفط، والعمل على تنويع مصادر الدخل القومي حتى لا يظل الاقتصاد رهينة لتقلُّبات أسعار هذه السلعة الاستراتيجية، واستثمار عوائد النفط الخام في تسريع سياسة تنويع مصادر الدخل.

ومع الاعتراف بحقيقة نجاح سياسة التنويع الاقتصادي، التي انتهجتها الدولة في العقود الأخيرة، ونجاحها في توظيف عوائد النفط لبناء نموذج تنموي رائد إقليمياً وعالمياً، فإن النفط لا يزال يمثل العمود الفقري للاقتصاد الوطني، ولا تزال صادراته تُنتج الجزء الأكبر من الإيرادات الحكومية، وهي المسهم الرئيسي في الميزانيات الحكومية والناتج المحلي الإجمالي. فعلى سبيل المثال أسهم قطاع النفط بنسبة 22% من الناتج المحلي الإجمالي في دولة الإمارات العربية المتحدة عام 2017، وشكل 49% من مجموع قيمة الصادرات عام 2018. ومع الاعتراف بحقيقة أن اقتصاد الإمارات هو الأكثر تنوُّعاً في منطقة الخليج العربي (أسهم قطاع النفط بنسبة 43% من الناتج المحلي الإجمالي في المملكة العربية السعودية عام 2017، وشكل 66% من مجموع قيمة الصادرات عام 2018، وبلغت هذه النسب في سلطنة عُمان 36% و65% تباعاً، ونحو 55% و81% في الكويت)، فإن الحديث عن مرحلة ما بعد النفط، وعن البحث عن محركات جديدة للنمو الاقتصادي المستقبلي يظل عنصراً حاسماً في تحديد مستقبل دولة الإمارات.
محركات النمو الاقتصادي المستقبلي
انطلاقاً من مقولة إن المقدمات ترهن الخواتيم، يمكن القول بقدر كبير من الثقة إن مستقبل الاقتصاد العالمي في المدى المنظور سيرتكز في الأساس على ما يشهده العالم اليوم من ثورة معرفية وتكنولوجية غير مسبوقة، فالعالم يعيش إرهاصات الثورة الصناعية الرابعة، التي يُطلَق عليها اسم الثورة الرقمية، وأهم ملامحها: الطباعة ثلاثية الأبعاد، وإنترنت الأشياء، وتحليل البيانات الضخمة، والروبوتات، والحوسبة السحابية، والذكاء الاصطناعي، وغيرها من المظاهر والتجليات التي ظهرت إلى العلن. ومكمن التحدي الرئيسي هنا هو أن هذه التحولات، التي تشهدها البشرية اليوم في المجالات المعرفية والتكنولوجية، هي مجرد إرهاصات، إذ لا يعرف أحد إلى أين يمكن أن تصل الثورة المعرفية والتقنية، ذلك بأن المعرفة تتزايد وتتراكم بشكل غير مسبوق، وجوانب الإبداع والابتكار فيها لا تتوقف، وهو ما يجعل التنبؤ بمستقبل الاقتصاد العالمي أمراً في غاية الصعوبة، ويعقّد مهمة وضع الخطط اللازمة للتعامل مع مثل هذه التحولات العالمية.
وهذا بطبيعة الحال ليس مبرّراً للتقاعس، وإنما دعوة إلى بذل مزيد من الجهد والعمل الدؤوب لمواكبة هذه الثورة المعرفية والتكنولوجية التي يشهدها العالم اليوم، وتحقيق التقدم فيها، من خلال تعزيز الاستثمار في التكنولوجيا الحديثة بصفتها محركاً أساسياً للنمو الاقتصادي المستقبلي، فدور التكنولوجيا لا يقتصر على خلق مجالات عمل وقطاعات اقتصادية جديدة، وإنما يشمل تعزيز كفاءة استغلال الموارد المتاحة وإنتاجية العمل في القطاعات المختلفة القائمة بالفعل، من خلال تغذيتها بأحدث التقنيات التي تتماشى مع متغيرات الحياة وتحدياتها، فالتكنولوجيا، كما يصفها بعضهم، هي الطاقة المولّدة حالياً لكل قطاع، سواء كان موجوداً فعلياً أو مستحدثاً. كما يصف بعض المتخصصين اقتصاد البيانات الضخمة بأنه «النفط الجديد» الذي يمكن أن ينعش اقتصادات الدول في المستقبل، إذا أحسنت استغلال الفرص والإمكانيات الاقتصادية - التي تزخر بها هذه البيانات الضخمة، التي تشكل صلب استراتيجيات شركات التقنية العملاقة - في خلق قطاعات اقتصادية جديدة، فضلاً عن تطوير القائم منها. وإضافةً إلى ذلك، فإن تعزيز الاستثمار في تطبيقات الذكاء الاصطناعي من شأنه أن يعزّز القدرات الاقتصادية للدولة مستقبلاً، بما توفره هذه التطبيقات بمجالاتها المختلفة من فرص ضخمة لتطوير الاقتصادات المستقبلية وتعزيز تنافسيَّتها.
قيادتنا الرشيدة واعية بالتحولات
وما يجعلنا متفائلين هنا هو أن قيادتنا الرشيدة، حفظها الله، واعية لأهمية هذه التحولات، وأيضاً لديها العزيمة والإصرار على المشاركة الفاعلة فيها، من خلال رؤى استراتيجية وأطر مؤسسية واضحة، إذ أنشأت «مجلس الثورة الصناعية الرابعة»، و«مجلس علماء الإمارات»، و«وزارة الذكاء الاصطناعي»، و«جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي»، وأطلقت العديد من الاستراتيجيات الطموحة مثل «استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي»، و«استراتيجية الإمارات للثورة الصناعية الرابعة»، وغيرها الكثير من الاستراتيجيات والمبادرات.
ويتطلَّب تعزيز هذا التوجُّه إشراك القطاع الخاص والشركات المتوسطة والصغيرة والناشئة، بالإضافة إلى الجهات والأفراد المبتكرين، في جهود مواكبة الثورة المعرفية والتكنولوجية، وتطوير منظومة متكاملة لتشجيع الابتكار واستقطاب الموهوبين وأصحاب المشروعات في جميع المجالات، وخصوصاً في مجال الصناعة المعرفية، وتوجيه مزيد من الاهتمام والموارد إلى مؤسسات البحث العلمي، وخاصة في المجالات التكنولوجية، وهذه القضايا أيضاً تدركها قيادتنا الرشيدة، وتعمل عليها بشكل حثيث، وقد عبَّر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، عن هذا الأمر بوضوح قائلاً: «إننا نركز في جهودنا لصناعة مستقبل دولة الإمارات على رؤية استشرافية تتبنَّى التوجهات والتطورات العالمية، وتدعم العقول الشابة والمواهب الواعدة، وتشجّع الابتكارات الحديثة والأفكار الإبداعية، وتتبنى التكنولوجيات المتطورة. نريد أن تكون الإمارات الخيار الأول لشركات التكنولوجيا والمواهب المتخصصة بمجالات الذكاء الاصطناعي حول العالم. نريد أن تكون الإمارات من أفضل دول العالم في تطوير هذا القطاع المستقبلي والاستثمار في إمكانياته». وهذا التوجُّه الحكيم كفيل وحده بأن يحقق للإمارات ما تصبو إليه في المستقبل من اقتصاد قوي ومزدهر ومستدام.

اقتصادات الفضاء

وبالإضافة إلى هذه المجالات، فإن هناك مجالات أخرى يمكن أن تُشكل محركات مهمَّة للنمو الاقتصادي المستقبلي، بعضها حديث مثل تكنولوجيا الفضاء، أو ما يمكن أن نصفه باقتصادات الفضاء، التي تلعب دوراً متزايداً في ازدهار الاقتصادات الحديثة، وتنشيطها، بفضل الاستخدام المكثَّف لها، خاصةً الأقمار الاصطناعية في مجالات الملاحة الجوية والبحرية، والاتصالات، واستكشاف الموارد الأرضية، والاستشعار عن بعد، وإدارة الكوارث والأزمات، وحركة النقل، والتخطيط العمراني الحضري، وهو ما يجعل من كل هذه الأنشطة مُحركاً للنمو الاقتصادي، فضلاً عن توفير العديد من الوظائف في جميع مراحل الإنتاج الخاصة بالمعدات الفضائية.

قطاع السياحة والسفر
وكذلك من هذه المجالات، التي ستواصل دورها بصفتها محركةً للاقتصاد العالمي والوطني، قطاع السياحة والسفر، مع تأكيد أهمية التطوير المستمر للخدمات المقدمة إلى السائحين والتعرف إلى تفضيلاتهم من خلال التكنولوجيات الحديثة، وابتكار وسائل جديدة للترفيه تناسب مختلف الأعمار والفئات. وهناك أيضاً قطاع الطاقة، فالطاقة هي عصب الاقتصاد في كل زمان ومكان. ومن المهم هنا الإشارة إلى أمرين: الأول أن دولة الإمارات حريصة على المشاركة في الجهود العالمية لاستكشاف مصادر جديدة للطاقة، حتى تحافظ على دورها الرائد في أسواق الطاقة العالمية، وقطعت شوطاً مهماً في هذا المجال من خلال تركيزها على مصادر الطاقة المتجددة، واستثمارها في الطاقة النووية النظيفة. والثاني أن التقديرات تشير إلى أن النفط سيستمر ربما لخمسين سنة مقبلة، وهو ما يعني أننا أمام فرصة لتطوير هذا القطاع والاستفادة من عوائده المالية، فضلاً عن الاستثمار في الصناعات المرتبطة به، والتي لن تتأثر كثيراً بأي تغيُّرات يمكن أن تطرأ على النفط وأسعاره، فضلاً عمَّا تمثله هذه الصناعات من قيمة مضافة عالية. ومن ذلك أيضاً قطاع الصناعة، الذي يحتاج إلى تطوير كبير بحيث يتم التركيز على الصناعات المعرفية والتكنولوجية، وقطاع النقل والمواصلات والبنية التحية، وغير ذلك من قطاعات يمكن أن تلعب دوراً حاسماً في رسم مستقبل واعد جداً للاقتصاد الإماراتي.
 
* Feb 7, 2020

2035 ونهاية ثروات الخليج

هناك ولع لدى الاقتصاديين والمحللين بالأرقام، حتى عندما يتوقعون حدوث كارثة، فإنهم يختارون رقما مميزا للعام الذي ستقع فيه هذه الكارثة، ولهذا هناك سيناريوهات كثيرة تتنبـأ بوصول الطلب على النفط إلى ذروته في عام 2030 أو 2035 أو 2040. ومن النادر أن نرى عام 2037 أو 2031 في هذه السيناريوهات.
عموماً خرج صندوق النقد الدولي بدراسة جديدة يتوقع فيها نضوب الاحتياطيات المالية لدول الخليج في عام 2035، أي بعد 15 عاماً، بسبب تراجع المداخيل من النفط والغاز، وقلة وتيرة الإصلاحات الاقتصادية. وإذا كنت شخصا متشائما بطبعك وتحب سيناريو نهاية العالم فإن عناوين الأخبار يوم الأربعاء الماضي تقول إن بريطانيا قررت حظر مبيعات السيارات الجديدة التي تعمل بالبنزين والديزل ابتداءً من عام 2035، أي قبل خمس سنوات مما كان مخططا له. وبريطانيا ليست إلا دولة من الدول الأوروبية التي تسير في هذا الاتجاه لمكافحة التغير المناخي.
إذن ما هو موقف المواطن الخليجي الذي يقرأ كل هذه الأخبار؟ المواطن الخليجي العادي سوف يشعر بالقلق، ولكن هذا القلق لا يجب أن يكون مبالغا فيه إذ أن هذه السيناريوهات والتوجهات والسياسات لا تعني أن ما يتم تنبؤه سيقع بهذا الشكل السريع والمأساوي.
ودعونا نبدأ في شرح الأسباب وراء عدم اقتناعي بكل ما يقال من حولي. أولاً إن تقرير صندوق النقد الدولي مبني على نظريات ومعادلات اقتصادية (إيكونوميتركس) تتنبأ بسيناريوهات لتراجع الطلب على النفط ووصوله إلى الذروة عند 115 مليون برميل يومياً في 2041 ليبدأ بعدها الهبوط في الطلب، والذي يدعمه تراجع النمو السكاني العالمي من 1.1 في المائة في 2018 إلى 0.6 في المائة بحلول 2046. كل هذا لا بد أن ينعكس على نمو إجمالي الناتج المحلي للفرد، والذي سيهبط إلى 1.8 في المائة في المدى الطويل من 3.2 في المائة في العقد القادم.
وإذا نظرنا إلى تقرير الصندوق الذي يقع في 55 صفحة وإلى كل التحليلات التقنية فيه عن النفط، فإننا ننظر إلى تقرير نظري لأشخاص غير فنيين عندما يتعلق الأمر بالنفط. ولكن هذا لا يعني أننا نرفض هذا التقرير، ولكنه بالنسبة لي مجرد وجهة نظر أخرى تدعو إلى الأخذ بجدية والتفكير في هذه السيناريوهات، ولكن لا أستطيع الجزم بأن ما يذكره هذا التقرير أو غيره عن المستقبل سيقع لا محالة.
وإذا نظرنا إلى الحلول المقترحة، فإن الصندوق ليس لديه سوى حزمة معروفة من الحلول يقترحها لكل الدول في العالم منذ عقود، وقائمة على تحرير الاقتصاد ورفع مداخيل الدولة من الضرائب وتقليل الدعم الاجتماعي. كل هذه الحزم لا يعني بالضرورة أنها مناسبة لدول الخليج. وتظل المخاطر قائمة خصوصاً للدول الخليجية التي لم تتخذ إصلاحات كبيرة، ولا يبدو أنها سوف تتخذ إصلاحات كبيرة في الأعوام الخمسة القادمة. ولكن هناك دول قطعت شوطا كبيرا في رحلة التحول إلى اقتصاد غير نفطي، وهنا أشير إلى المملكة العربية السعودية تحديداً والتي اتخذت حزما كبيرة جداً من الإصلاحات الاقتصادية والتي قد تأخذ وقتاً طويلاً لتؤتي ثمارها نظراً لأن أي تحول اقتصادي يأخذ أعواماً عديدة.
أنا مؤمن أن السعودية على الطريق الصحيح حتى وإن كانت الإصلاحات سوف تأخذ وقتاً، والجميع يرى كيف أن النمو الاقتصادي عاد للتحسن والحركة التجارية تحسنت تدريجياً وميزانية الدولة في وضع جيد رغم تراجع المداخيل النفطية في السنوات الأخيرة. وأصبح الفساد محدوداً بشكل كبير بعد حملة مكافحة الفساد، وهناك ضبط واضح في الإنفاق.
كل هذا حدث مع تضحيات كثيرة وتغيرات كبيرة على المجتمع. وما يزيد تفاؤلي هو تحسن آلية العمل في القطاع العام ووجود معايير لقياس الأداء الحكومي. إلا أن هذا لا يعني أن المملكة وصلت إلى هدفها، ولا يزال العمل الذي تحتاجه جباراً خصوصاً أن القطاع الحكومي لا يزال مليئا بالحرس القديم الذي تعود على قلة الإنتاجية، ولكن كل هؤلاء مصيرهم الخروج من سوق العمل خلال خمس إلى 10 سنوات ليفسحوا المجال للشباب القادمين من الخارج بعد إكمال تعليمهم أو من القطاع الخاص. هؤلاء هم سر نجاح التجربة الاقتصادية السعودية في الأعوام القادمة، وإذا ما أضفنا إلى هذا السياسات الحكومية المتبعة حالياً فإن الوضع مشرق بالنسبة للاقتصاد.
أما مستقبل النفط السعودي، فسيعتمد بشكل كبير على التطور التقني في كيفية استخراجه ومعالجته وتطوير سبل أفضل لإطالة عمر الطلب عليه، وهو ما تعمل أرامكو عليه كذلك مع شركات السيارات العالمية أو من خلال البحث والتطوير لرفع معدلات الاستخلاص للحقول والمكامن. ويبقى الوضع بالنسبة لي غير واضح في باقي دول الخليج، إذ أن هناك دولا القطاع الخاص فيها متضخم ولا يوجد نمو خارج القطاع النفطي وكل عوامل الفشل الاقتصادي المستقبلي قائمة هناك، ولعل هذه الدول عليها العمل أكثر من غيرها والأخذ بتوصيات صندوق النقد الدولي أو غيرها من بيوت الاستشارة. إن القطاع غير النفطي الخليجي لا يزال غير متكامل، ولا توجد شراكات كبيرة بين دول الخليج في مشاريع غير نفطية، ولعل هذا أمر يجب التفكير فيه لخلق سوق خليجية قوية ومرنة.

*

المالية العامة وبناء اقتصاد متنوع

منذ عقود والعالم يتحدث عن مرحلة تحول الاقتصاد العالمي من النفط إلى مصادر جديدة للطاقة، ولم تتوقف التقارير عن محاولة تحديد نقطة وصول الطلب على النفط أو وصول الإنتاج إلى أعلى قمته. ولم يزل عديد منا يتذكر مقولات نهاية عصر النفط الرخيص، ومع ذلك فإن النفط لا يزال المصدر الأهم للطاقة والحضارة الإنسانية عموما، كما أن السعودية خصوصا، تسعى مع دول أخرى صديقة إلى إصلاح السوق النفطية كلما تعثرت، ولعل آخر تلك الجهود الناجحة، إنشاء مجموعة "أوبك +". ورغم المحاولات التي تسعى إليها بعض الدول للوصول إلى أعلى مستوى من كفاءة استخدام الطاقة، فإن تقارير عن مجلس الطاقة العالمي تؤكد أن نجاح هذه الجهود في توليد الكهرباء، يقابله ضعف في مجال التدفئة والنقل، كما أن أنظمة توليد الطاقة المتجددة لا تزال مكلفة نسبيا وغير موثوق بها، مقارنة بالأنظمة التقليدية للطاقة، وإذا أضفنا إلى ذلك التوقعات بشأن نمو حصة طلب صناعة البتروكيماويات من إنتاج النفط ليصل إلى 15 في المائة كنمو لازم للنمو في منتجات الطاقة المتجددة، فإن النفط سيبقى سيد الموقف ما بقي هناك بئر تضخ الذهب الأسود، ومع ذلك فإن حدوث صدمات في العرض والطلب، لا تزال توجد تقلبات وانعكاسات على مالية واقتصاد الدول المصدرة، وتفرز نقاشا في أروقة المؤسسات الدولية، كصندوق النقد.

*Dec 3, 2021
"الارتفاع الذي نشهده الآن في أسعار السلع والطاقة يمثل تحديات جديدة لقطاع الطاقة المتجددة، لكن ارتفاع أسعار الوقود الأحفوري يجعل مصادر الطاقة المتجددة أكثر تنافسية".

قدرة إنتاج الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة في عام 2026 ستعادل إجمالي طاقة إنتاج الكهرباء العالمية من الوقود الأحفوري والطاقة النووية مجتمعين.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق