الخميس، 30 سبتمبر 2021

زواج المسيار **********

يطلق زواج المسيار في اللغة العربية على الزيارة السريعة، أو الزوار الذين لا يطيلون البقاء عند من يزورونهم، وهو عند الفقهاء المعاصرين: زواج المسيار شرعي مكتمل الأركان والشروط، لكنه يأخذ واحدًا من شكلين: إسقاط النفقة والمسكن على الزوج، أو وجوب النفقة والمسكن، وإسقاط العدل في المبيت بين الزوجتين، بحيث تتنازل الزوجة عن مساواتها للزوجة الأخرى في المبيت.

وأكد الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق، أن زواج المسيار الذي يستوفي الأركان والشروط الشرعية مباح شرعًا، ولا يحمل أي لون من امتهان كرامة المرأة أو الرجل.

وقال «جمعة» إن مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر أجاز زواج المسيار طالما فيه شهود وإشهار وولي، والمرأة وافقت على ذلك برضاها، فهذا الزواج صحيح وتترتب عليه كل آثار الزواج الشرعي فيما عدا ما تنازلت عنه الزوجة.

 زواج المسيار بصورته وشروطه الشرعية ليس فيه أي امتهان للمرأة أو الرجل أو خرق لحقوق الإنسان، بل يظهر من خلاله مدى سعة الشرع الشريف وقدرته على تلبية احتياجات النفس البشرية بحسب تنوع واختلاف الأحوال والأشخاص والأمكنة والأزمنة، وذلك من خلال حلول شرعية تمنع الوقوع في حرج نفسي أو محرم شرعي أو مساءلة اجتماعية، وبما يوضح مرونة الفقه الإسلامي وقدرته على مواجهة التغيرات الاجتماعية ووضع الحلول المناسبة لها".

على الرغم من ذلك فإن للحاكم أن يمنع زواج المسيار إذا كان في منعه مصلحة وفي استمراره مفسدة تهدد الأمن الاجتماعي، كانصراف الناس إليه وترك الصورة الأصلية المثالية للزواج، أو إذا ترتبت عليه أضرارٌ اجتماعية، وذلك إعمالًا للقاعدة الشرعية المقررة في هذا الباب والتي تنص على أنه «للحاكم أن يقيد المباح».

حكم تنازل الزوجة عن حقها في المبيت
ورأى أنه يجوز للمرأة أن تتنازل عن حقها في المبيت، مستدلًا بأن أم المؤمنين سودة بنت زمعة - رضي الله عنها - قد تنازلت عن ليلتها لعائشة، كما يرى أنه يجوز أن تتنازل عن مهرها أو نفقتها لأن الله يقول: «وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا» [النساء: 4]، مؤكدًا أنه للمرأة أن ترجع فيما تنازلت عنه في أي وقت.

عرف الدكتور أحمد ممدوح، مدير إدارة الأبحاث الشرعية وأمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، زواج المسيار بأن يتفق الطرفان على الزواج بالتراضى وباكتمال شروط عقد الزواج، ولكن تعفى الزوجة زوجها من النفقة والمبيت لأن الرجل يكون من بلد والمرأة من بلد أخرى.

يحق الرجوع في الاتفاق:
واعتبر «ممدوح»، أن هذه الصورة من الزواج مشروعة ولا شيء فيها، منوهًا بأن المرأة لها أن ترجع فى هذا الاتفاق وتطلب منه النفقة والمبيت، لأن هذه الحقوق متجددة والاتفاق عليها ليس اتفاقًا أبديًا.

*
ويعزو العلماء السعوديون أسباب انتشار هذا النوع من الزواج إلى ارتفاع نسبة العنوسة، وانصراف الشباب عن الزواج، وغلاء المهور، وتكاليف الزواج، وكثرة الطلاق، وتكرار السفر لبلدان أخرى، ما يؤدّي إلى انتشار هذه الزيجات؛ والهدف منها حفظ النفس من المحرّمات، وتلجأ بعض العوائل إليه لحماية بناتها من العلاقات المحرّمة.
ويأتي أيضاً من باب رغبة بعض الرجال في التنوّع والمتعة المباحة، دون التأثير على بيته الأول وأولاده، ويكون أحياناً بشكل سرّي لكيلا يفسد العشرة بين الزوج وزوجته الأولى.

وتؤكّد أن نسبة نجاح هذا النوع من الزيجات لا تتجاوز 20% من مجموع العقود التي تنفّذ في المحاكم، في حين أن معظم زيجات المسيار الناجحة تتحوّل إلى عادية يعلَن عنها من الطرفين أو تنتهي ولا يُكتب لها الاستمرار، بحسب ما ذكرت في وقت سابق صحيفة “الوطن” السعودية نقلاً عن مصادر خاصة.
*

اسعد عبدالله عبد علي: ويسألونك عن زواج المتعة

الحاجة البشرية للجنس طبيعية جدا, وعمل الاسلام عبر تشريعه لحفظ كرامة الرجل والمرأة, وتوفير بدائل فمن لم يوفق للزواج الدائم كان له الحل بالزواج المؤقت.

  • ركيزة زواج المتعة

الآية 24 من سورة النساء (( فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن )), فالمسلمين على اختلاف مذاهبهم فسروا هذه الآية بان الاستمتاع هو نكاح المتعة, وبينوا انما شرع الزواج المؤقت كي يلبي حاجات الرجال والنساء ممن لا يستطيعون الزواج الدائم, فالكبت يسبب مشاكل نفسية كبيرة, والانطلاق نحو الحرام مشكلة وخطيئة اكبر, فالآية الكريمة لم تنسخ والحكم استمر الى منتصف عهد الخليفة الثاني, فهل ينسخ الحكم الالهي فقط لإرادة الخليفة الثاني منعه!

وهل يمكن لأي شخص مهما علا شأنه ان يحرم تشريع نص عليه القران والرسول الاعظم؟ واطالب كل من يحرم زواج المتعة ماذا تفعلون بهذه الآية الصريحة, هل تدركون انكم بتحريمكم لزواج المتعة تخالفون النص القرآني الصريح! وتأخذون بمقابله راي صحابي حرمه لأسباب مجهولة؟!

والسؤال هنا لو جاء شخص عالي المقام واعلن انه يمنع الصلاة او الحج هل تطيعوه؟ وتخالفون النص القرآني الذي يشرع الصلاة والحج, ام تلتزمون بالنص القرآني.

المحصلة من يؤمن بالقران عليه ان يؤمن به كله, فلا يبطل اية قرآنية فقط لاجتهاد شخص ما.

  • زواج المتعة حل لازمة

يمكن اعتبار زواج المتعة علاج مهم وناجح وطبيعي لفئة الشباب, امام المغريات والمؤثرات, خصوصا هو في مرحلة الاندفاع الشبابي, وعدم اكتمال الوعي, فمن النافع جدا لهم زواج المتعة للاستقرار والتكامل, وما نشاهده اليوم من جرائم الاغتصاب, او انتشار ظاهرة اللواط, وشيوع الامراض النفسية, وازدياد حالات الانتحار, كلها حالات تظهر في فئة المراهقين والشباب, وهي انعكاس لحالة عدم الاشباع والاحتياج للأخر, فيعتبر زواج المتعة العلاج الاكمل والحل.


حل مناسب للواتي تعداهن سن الزواج, او المطلقات والارامل, ممن لم يجدن زواج دائم, فللحفاظ على كرامتهن امام الحاجة الجنسية الطبيعية في كل انسان, كان زواج المتعة, فجاء هذا الزواج لإشباع الرغبات بطريقة شرعية, فلا يمكن كبت جماح الرغبة بل هو تدمير للذات, فهو زواج لكل صاحب رغبة لحفظه من المنزلقات ولكي يستقر نفسيا.


اولا: يجب على الدولة ان تنظم هذا الزواج بحيث يكون قانونيا, لحفظ الحقوق, مثل ولادة الاطفال, وحماية للمرأة والرجل, لكن ان يترك الامر هكذا فيعتبر خطيئة كبرى تلاحق اهل القرار في العراق.

ثانيا: على النخبة الدينية ان تعيد النظر في اراء السلف, فيرفع كل ما خالف القران, فالذي يتطابق مع القران يسري وما يخالف القران يضرب في عرض الحائط.


* Jun 8, 2020

زواج المسيار يبيح للسعوديين تعدد الزيجات دون ضغوط إعالة أسرة ثانية


إضفاء شرعية على المسيار بفتوى دينية رسمية أكسبه رواجا رغم معارضيه.
المسيار طريق وسطي بين الزواج التقليدي وحياة العزوبية

ساهمت مسألة إضفاء شرعية على زواج المسيار بفتوى دينية رسمية أصدرها مفتي السعودية في أواسط التسعينات في رواجه بشكل لافت، وسانده في ذلك بعض أعضاء هيئة كبار العلماء في البلاد. ويقبل البعض من النساء على زواج المسيار هروبا من العنوسة وتعتبره أخريات فرصة لبداية جديدة إذا كن مطلقات أو أرامل، بينما يجد فيه الرجال فرصة لتعدد الزيجات دون ضغوط إعالة أسرة ثانية.

الرياض  – ينتشر المسيار وهو زواج بلا قيود تقليدية ويتم غالبا في السر بوتيرة متسارعة في المجتمع السعودي رغم معارضة البعض، وخصوصا لدى الرجال غير القادرين على تحمل التكاليف الباهظة لحفلات الزفاف.

علاقة مؤقتة تتنازل فيها الزوجة عن بعض الحقوق التقليدية في الزواج مثل السكن مع الزوج وتحمّله للمصاريف، مسموح بها قانونيا منذ عقود في المملكة المحافظة.

 زواج المسيار يُنظر إليه على أنهّ “طريق وسطي” بين الزواج التقليدي وحياة العزوبية، ما يبيح للرجال تعدد الزيجات دون ضغوط إعالة أسرة ثانية.

رغم احتمال تعرضهن للإساءة يروق المسيار للبعض من النساء الساعيات إلى تفادي التوقعات الذكورية من الزواج التقليدي، وكذلك الرجال غير المتزوجين الذين يسعون للحصول على غطاء ديني لعلاقاتهم الجنسية التي يحظرها الإسلام خارج إطار الزواج.

موظف حكومي سعودي أربعيني في علاقة مسيار مع أرملة سعودية ثلاثينية منذ أكثر من سنتين إنّ “زواج المسيار يقدّم لي الراحة والحرية والرفقة وهو أيضا حلال”.

صرّح صيدلي مصري في الرياض لفرانس برس أنّ زواج “المسيار أرخص. ليس هناك مهر أو التزامات”.

“الابتعاد عن زوجتي أمر صعب”، مضيفًا أنّه كان يبحث عن زواج مسيار من خلال وسطاء الزواج “الخطبة” على تطبيق إنستغرام وهم يتقاضون ما يصل إلى 5000 ريال (1333 دولارا)
مثل هذه الزيجات غالبا ما تكون قصيرة الأجل وينتهي معظمها بالطلاق خلال فترة تتراوح ما بين 14 و60 يوما، حسب ما ذكرت صحيفة الوطن السعودية في العام 2018 نقلا عن مصادر في وزارة العدل.

لكنّ كثيرين يشكّكون في شرعية زيجات سرية من هذا النوع لتعارضها في نظرهم مع المبادئ الأساسية للزواج في الإسلام، والذي يتطلب إشهارا بين الناس.

وفي العام 2019  شدد عضو هيئة كبار العلماء في السعودية عبدالله المنيع على أن زواج المسيار صحيح إذا اشتمل على شروط الزواج وأركانه وعلى انتفاء موانعه.

هذا الزواج أو الإعراض عنه “لا علاقة له بالجبن أو الخوف”. وأكد أن زواج المسيار “تصرف شخصي راجع للمتصرف نفسه”، موضحا أن أحكام الزواج كلها ثابتة في المسيار.

انتشار زواج المسيار أخيرا إلى عدم رغبة الرجال في تحمل المسؤولية الكاملة عن تعدد الزوجات، وهو أمر يسمح به الإسلام بشرط معاملة الزوجات على قدم المساواة.

 تصاعد وتيرة العنوسة في صفوف النساء بسبب انصراف الشباب عن الزواج لغلاء المهور وتكاليف الزواج ، أو بسبب كثرة الطلاق ، في انتشار زواج المسيار بعدد من الدول العربية فلمثل هذه الأحوال ترضى المرأة بأن تكون زوجة ثانية أو ثالثة وتتنازل عن بعض حقوقها .

*
Jul 5, 2021

ما بين زواج المسيار (أهل السنة) والمتعة (أهل الشيعة) ثم العرفى وأخيرا (زواج الوقت المستقطع) وما يطلق عليه، حسب الموضة «البارت تايم.. وسلفينى زوجك ليلة فى الأسبوع»، ضاعت الرأس، واتلخبطت الأمور والمفاهيم بين الشرعى وغير الشرعى، والجائز وغير الجائز، والإباحة والبطلان، نتيجة الاختلاف بين المذاهب الإسلامية، وعدم وجود رأى واضح، قاطع، ومحدد بين علماء ورجال الدين أنفسهم، فريق مؤيد وآخر معارض، وثالث يوافق بشروط، وإذا تحدث معظمهم، تجده يمسك العصا من المنتصف، لا هو يجيز ولا هو يحرم، ولم تعد الفتاة المصرية أو السيدة العربية بشكل عام، تدرى ماذا تفعل، لو فاتها قطار العمر وأصبحت عانسا؟! أوتحولت من أرملة إلى متسولة تلف « كعب داير» على أعتاب الجمعيات أو تنتظر ما تجود به أيادى بعض الأقارب والمحسنين!.

 لو تمعنا كثيرا فى أرقام وأحوال المطلقات والأرامل العوانس، ولو دققنا فى أسباب ودوافع الكثير من الجرائم، سنجد أبطالها من ضحايا الطلاق، (زوجة كانت أو ابنة أو ابنًا) لم يجدوا بيتا مستقرا، ولا أمًّا توفرت لها مقومات الحياة الاسرية والزوجية الهادئة.



الأحد، 26 سبتمبر 2021

العالم الإسلامي الأسود . هوس الغرب الجنوني بالإسلام منذ 11 سبتمر سيل كتب وأفلام ومسلسلات

بات “المسلم” في نظر الآخر هو المسؤول عن هجمات الحادي عشر من أيلول(سبتمبر) وعن مشكلات الاندماج واضطهاد النساء وكراهية المثليين جنسيًا ومعاداة السامية في أوروبا، وحتى في فترة تفشي فيروس كورونا بات مسؤلًا عن تعثُّر مكافحة الجائحة. وهو تفكير يرى في المسلمين -وحتى يرى في العلمانيين منهم- أناسًا معتنقين ديانة تمنع الديمقراطية والمساواة والفردية وتفرض هيمنتها الشاملة على حياة الفرد.

الغضب من الإسلام ووصفه بالانعزال ووسم أتباعه بالانتحاريين ووصفه بالدين السيِّئ وبأنه يشجع على الموت.

ملاحم مكافحة الإرهاب مثل فيلم الإثارة “سيريانا” (من إخراج ستيفن جاجان 2006) النفط فوق الجميع عمرو واكد الارهابي أو فيلم “كتلة أكاذيب” (من إخراج ريدلي سكوت 2008)، يتيه كلٌّ من جورج كلوني وليوناردو دي كابريو في متاهة من أجهزة الاستخبارات والميليشيات والقتلة وذوي المحسوبات.

عمل مسلسل “الوطن” على زيادة حالة الريبة والشكّ إلى حدّ جنون العظمة، من خلال ثمانية مواسم ناجحة عرضت خطر الاختراق الجهادي لأميركا كنتيجة منطقية لتواطؤ إسلامي شبه عالمي. وفي هذا العمل، جعلت كراهية الولايات المتَّحدة الأميركية حزب الله الشيعي يرتبط بتنظيم القاعدة السنِّي على نحو غريب تمامًا عن الواقع. وكانت الفكرة الثابتة منذ فترة طويلة هي أنَّ انتقاد السياسة الأميركية يقود إلى إنتاج إرهابيين مستقبليين.

مسلسل “إنديانا جونز” أو الجوهرة السينمائية الطاعنة في القِدَم “الشيخ” من العام 1921 بالاشتراك مع الممثِّل الإيطالي رودولف فالنتينو، لكن على أي حال كان ما يزال يوجد في هذه الأعمال بعضُ البهجة والفرح بجمال الألوان الشرقية أو حتى بعض الحس الفنّي. لكن الآن صار المسلم هو صورة شرير الشاشة السينمائية المترسخة في هوليوود كخليفة للشرير “الروسي” – أو حتى خليفة الشرير “الألماني” الأسبق. ويبقى أن ننتظر لنرى إن كان “الآسيوي” سيحل محل المسلم في المستقبل.

النظر إلى الإسلام وكأنه قدَر محتوم غريب وخطير

 

القوة الدينية الناعمة لتأييد “استبدادهم” ********

 الجهود السعودية والإماراتية لتعريف الإسلام “المعتدل” على أنه أكثر ليبرالية من الناحية الاجتماعية مع الخضوع لحاكم استبدادي هي محاولة لضمان بقاء النظام وتعزيز التطلعات لقيادة العالم الإسلامي بقدر ما هي محاولة لدرء التحديات المتجذرة في التنوع فروع التيار الديني المحافظ.

 تدعو إلى الطاعة المطلقة للحاكم وتنزل رجال الدين إلى مرتبة رجال الدين الحاكم.

سمحت الإمارات العربية المتحدة في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي للأزواج غير المتزوجين بالمعاشرة ، وخففت القيود المفروضة على تعاطي الكحول ، وجرمت “جرائم الشرف” ، وهي عادة قبلية منتقدة على نطاق واسع تسمح لقريب ذكر بقتل امرأة متهمة بإهانة عائلتها.

تتنافس السعودية والإمارات في العالم الإسلامي مع المذاهب الإسلامية التركية والإيرانية التي تغلب عليها القومية.

 اعتدال دول الخليج في الممارسات الدينية بدلاً من الدين والفقه الإسلامي يواجه تحديًا من قبل بعض المذاهب الوهابية ، التفسير المحافظ للغاية للإسلام الذي تأسست على أساسه المملكة العربية السعودية.

انكسرت الوهابية إلى ثلاث مجموعات عريضة منذ أوائل التسعينيات : يسار طور خطاب الحقوق المدنية ، ومركز يشغل مناصب رسمية في الدولة (يُطلق عليه اسم” علماء السلطان “أو رجال دين الحاكم) الذي أبدى بعض المقاومة.

اليمين الوهابي المتعاطف مع الخطاب الجهادي للقاعدة وتركيزه على مسائل السياسة الخارجية

تركيا وإيران تشكلان خطرًا جيوسياسيًا ، فإن الحكم الملكي الأوتوقراطي مهدد بشكل أساسي من خلال التحدي الديني الذي يمثله ما يسميه السيد هاموند اليسار الوهابي واليمين الوهابي بالإضافة إلى نهضة العلماء الإندونيسي ،  اللاعب الوحيد من غير الدول في المعركة لروح الإسلام ، التي تدعو إلى إصلاح الفقه الإسلامي وتؤيده دون قيد أو شرط وفق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

الاعتقالات التي جرت في السنوات الأخيرة من العلماء والدعاة السعوديين مثل  سفر الحوالي وسلمان العودة ،  سليمان الدويش، ،  و حسن المالكي توحي بقدر القمع.

 إصلاحات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ترقى إلى “تشويه سمعة الوهابية وليس التخلص منها”.

منذ أن تولى ولي العهد منصبه ، قلص بشكل جذري من  استثمار عشرات المليارات من الدولارات  في نشر التيار الديني المحافظ في جميع أنحاء العالم ، وأكثرها فاعلية في باكستان وأفغانستان.

كما سعى بن سلمان إلى تحقيق التوازن بين الوهابية والقومية السعودية المتطرفة وإزالة الحواف الاجتماعية القاسية لتفسير المملكة المتشدد للدين. أدى إخضاع رجال الدين ، وسجن أتباع اليسار الوهابي واليمين المتطرف ، إلى وضع حد لاتفاق تقاسم السلطة الذي دام 73 عامًا بين عائلة آل سعود الحاكمة ورجال الدين.

لقد تبنى اليسار مفاهيم النظام الدستوري بدلاً من الملكية المطلقة ، ودعا إلى التحرر السياسي والحقوق المدنية ، وفي بعض الحالات أيد الثورات العربية الشعبية عام 2011 التي أطاحت بأربعة مستبدين عرب.

يمكن أن ينضم إلى اليسار الوهابي في تحدي الأنظمة الملكية الخليجية المحافظة ، وفي نفس الوقت ، أن يتحداه من قبل نهضة العلماء بمجرد أن توسع المجموعة أنشطتها لاستهداف القاعدة الشعبية في العالم الإسلامي خارج إندونيسيا ، الدولة الأكثر اكتظاظًا بالسكان ذات الأغلبية المسلمة بالإضافة إلى ديمقراطيتها الأولى. . في أول وصول لها إلى القواعد الشعبية في أماكن أخرى ، من المتوقع أن تطلق نهضة العلماء موقعًا باللغة العربية قبل نهاية العام يستهدف العالم العربي.

 مفهوم نهضة العلماء للإسلام الإنساني الذي يتبنى مبادئ التسامح والتعددية والمساواة بين الجنسين والعلمانية وحقوق الإنسان على النحو المحدد في الإعلان العالمي يذهب إلى أبعد من المقترحات التي قدمها يسار السيد هاموند الوهابي ، وربما يكون من الأفضل وصفه بأنه أكثر ليبرالية وليس جناح يساري أيديولوجي لحركة محافظة متطرفة في الأساس.

يتناقض مفهوم الإسلام لدى الجماعة الإندونيسية بشكل صارخ مع المفهوم السعودي والإماراتي للاعتدال الديني الاستبدادي الذي لا يتضمن إصلاحًا دينيًا أو فقهيًا ولكنه يستخدم “ رجال دين الحاكم ” لإضفاء الشرعية الدينية على الحكم القمعي الذي يتم بموجبه الاحتجاجات والأحزاب السياسية وتقديم الالتماسات للحكومة. محظور والفكر مراقب.

لقد عززت الدولة الوسط الوهابي من خلال تحييد اليمين واليسار الوهابيين اللذين شكل كل منهما تهديدًا لسلطة الدولة وشرعيتها … أما ابتكارات الحقوق المدنية لليسار الوهابي المتمثلة في العودة ، فإن هذا الخطاب هو بالتحديد الذي قال السيد هاموند “الدولة تريد الإغلاق” ، في إشارة إلى رجل الدين المسجون.

 السجل الحافل لأنصار الاعتدال الديني الأوتوقراطي متقلب في أحسن الأحوال. في حين أن الإمارات العربية المتحدة أنشأت مجتمعاً متسامحاً دينياً إلى حد كبير ، فلا المملكة العربية السعودية ولا مصر ، التي ليس لديها ما يكفي لخوض معركة القوة الناعمة في العالم الإسلامي ولكنها تسعى إلى إظهار نفسها على أنها بطل التسامح الديني ، يمكن أن تقدم مطالبة مماثلة.

التقى الأمير محمد بقادة يهود وإنجيليين بحضور محمد العيسى رئيس رابطة العالم الإسلامي ، الذي طالما كان وسيلة رئيسية للترويج للمحافظة الدينية السعودية المتطرفة ، لا يفوت فرصة هذه الأيام للتعبير عن تضامنه مع الجماعات الدينية الأخرى. ومع ذلك ، لا يزال غير المسلمين ممنوعين في المملكة من العبادة علانية أو بناء دور العبادة الخاصة بهم.



السبت، 25 سبتمبر 2021

الجراحات الفاشلة للتجميل تشوه النجمات وتدفعهن إلى العزلة

 https://alarab.co.uk/%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B1%D8%A7%D8%AD%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%A7%D8%B4%D9%84%D8%A9-%D9%84%D9%84%D8%AA%D8%AC%D9%85%D9%8A%D9%84-%D8%AA%D8%B4%D9%88%D9%87-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%AC%D9%85%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D8%AA%D8%AF%D9%81%D8%B9%D9%87%D9%86-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B2%D9%84%D8%A9

هل كل جاهل شرير، وكل قارئ خيّر؟!، لا

 كثير من "الكتب" الصادرة مؤخرًا ستجد دعوة ملحة للجهل، ورغبة في تمرير الأفكار التي يرغب بسماعها "الجاهل

قامت مدرسة فرانكفورت على نقد المجتمع كي ينهض المجتمع، واستفادت من إرث كانط وهيغل وماركس وفرويد كي تصل لهدفها، فحدث أن أصبحت علامة بارزة ومنارة معرفية للتغيير الاجتماعي السلمي، بل وصل أثرها إلى أقطار العالم كله، لأن طريقتهم في التغيير استوعبت الجميع ولم تنفِ أحدًا، ومايحدث في خطاباتنا يوحي بالعنف اللفظي الذي لا يحتمل المختلف بل ينبذه ويقصيه، حتى أصبح العنف دليل غيرة على المعرفة وحبًا لها!

 الاختلاف بين العقل المعلوماتي الذي لا يعرف غير المعلومة التي تناسبه، ويظل يدافع عنها بتعصب، والعقل المعرفي الذي يعلم يقيناً أن المعرفة تتسع الجميع، وأنه مهما اجتهد في الوصول إليها فإنه سيبقى سائرًا إليها من دون أن يصل لآخرها،


التعامل مع ذوي الطباع الحادة

 الرد علي الغضب بهدوء 

عدم الضحك او اظهار اي رد فعل تدل علي عدم الاحترام 

لا داعي للرد علي المواقف بدفاعية 

فهم الاحتياج الخفي 


الأحكام المسبقة.. أعطاب فكريَّة

Jun 28, 2019

تمنعنا أحكامنا المسبقة من خير كثير، فقد تمنعنا من قراءة كتاب، أو اكتشاف ثقافة، أو سفر إلى مكان، أو تعرّف على إنسان. إنّها تمنعنا من فهم الآخر وتفهمّه، ومن ثمّ فهي تحرمنا من الوعي بالذات والرقيّ بها في مسالك الفهم والأنسنة والتعايش والسعادة.

نادراً ما ينتبه المرء، في زحمة الحياة، إلى أنّ كثيراً ممّا يصدره من أحكام على غيره هي أحكام غير مؤسّسة، تكتسي وجودها وشرعيّتها، في الغالب، من سلطة الجماعة وثقافتها التي تقدّمها إليه حقيقة جاهزة. وإذا حصل أن انتبه إلى غلوّ رأيه، تجده يسرع إلى البحث عن مسوّغات تبرّر إمعانه في حكمه. بل إنّه قد لا ينتبه إلى وجود هذه الظاهرة البشريّة أصلا، إلا عندما يكون موضوعا لها، إذ يدرك أنّ الأمر يتعلّق بآراء خاطئة، وغير مسنودة، يطلقها عليه الآخر بغير وجه حقّ. آنذاك فقط يحسّ بثقل الموضوع وخطورته؛ فإمّا أنّه يتعلّم الدرس بالتجربة الحيّة، فيعيد النظر في بعض مواقفه وتمثّلاته المسبقة، أو يتّخذ، موقفا أكثر تطرّفا، حسب استعداده ومزاجه النفسيّ والثقافيّ والظروف المحيطة به وبالجماعة التي يعيش في كنفها. فما طبيعة هذه الأحكام، وهل من سبيل إلى التحرّر منها أو التخفيف منها على الأقلّ.

ماهيّتها
يعني فعل «حكم»، في لسان العرب، قضى وفصل في أمور تخصّ الفرد أو غيره. والمسبق يعني، ببساطة، أنّ الحكم وليد انطباع أوّليّ أو تكرار لحكم عامّ موجود سلفا وغير مؤسّس. وعليه، فالأحكام المسبقة تنبني، بالأساس، على الجهل بالموضوع، جزئيّاً أو كليّاً، وعلى تعميم غير مشروع للجزء على الكلّ. بل إنّها قد تتضمّن نوعاً من التحامل (العنصريّ أو الجنسيّ أو الدينيّ أو غيره) والتنقيص من الآخر. غير أنّ الحكم المسبق قد يكون إيجابيّا أيضا، وقد يحمل على الذات كما على الآخر. وقد يكون نفعيّا، كما قد يكون فرديّاً أو جماعياً، بريئاً أو عدائيّاً، رمزيّاً أو ماديّاً. وأكثر من ذلك، فقد يكون غير منظّم، كما قد يكون منظّما في إطار أعراف وقوانين؛ وفي الحالة الأخيرة يكون أخطر لمكان ما تمنحه له المؤسّسة من قوّة على التنفيذ والانتشار، وما توفّره له من حماية.

ولا أحد يمكنه أن يزعم أنّه بمنأى عن هذه الأحكام! فهي تشكّل عند عامّة الناس عنصرا حيويّا، مثل الهواء والماء، وتتّخذ عند المثقّفين والسياسيّين أشكالا شتّى، تضفى عليها صبغة شرعيّة مثل «الرأي العامّ» والإجماع والتقاليد وغير ذلك. ولعلّ أهمّها ما قد يصدر عن مفكّرين وفلاسفة، رغم أنّهم أكثر حرصا أو ادّعاء أنّهم كذلك: فابن رشد الأندلسيّ في سياق التمثيل للبغض يقول، على سبيل المثال: «البربر يبغضوننا ونبغضهم»، ويصف إيمانويل كانت Kant الإنجليز بأسوأ النعوت؛ وكذلك يفعل بعض المستشرقين بالإنسان الشرقيّ وبعض الشرقيّين بالإنسان الغربيّ أو الإفريقيّ أو غيره. فالأحكام الجاهزة والانطباعات المزاجيّة والاجتماعيّة والثقافيّة والانفعالات السريعة هي العائق الأوّل في كلّ معرفة تروم الموضوعيّة. فليس بمقدور المرء، مهما ارتقى في المعرفة العلميّة، أن يتحرّر من جميع أحكامه المسبقة، الثقافيّة منها والمعرفيّة، فبعضها مغروس وثابت في طبعه، ومن ثمّ فإنّه يحتاج إلى بذل مجهود أكبر من أجل التخلّص منها؛ ولا يكفي العلم، بل يحتاج إلى خبرة وسفر ومعايشة الناس في محطّات وأمكنة وثقافات ولغات مختلفة.

فمهما ارتقى المرء، أو توهّم أنّه يرتقي، في مدارج العلم وتجربة الحياة، يظلّ مثقلاً بحقائقه الشعوريّة الفرديّة والجمعيّة «المطلقة»؛ وذلك لسبب بسيط هو أنّه لا يضعها، أو بعضها على الأقلّ، موضع فحص أو شكّ أصلاً. والأمثلة كثيرة وقريبة من أنوفنا؛ يكفي أن ينتبه أحدنا إلى أحكامه اليوميّة على الآخرين، فيجد كمّا هائلاً منها. فكم من أحكام خاطئة نصدرها، في بادئ الرأي، محكومين بخبراتنا «الصغيرة» وأمزجتنا «الكبيرة» و«حقائق» أهلنا وجماعتنا.

ضد العلم
تزداد الأحكام المسبقة على الآخرين عموميّة كلّما تباعدت الجغرافيات وتباينت الألسن والثقافات. فتجد بعض «العقلاء» منّا لا يتردّد في ذكر أسماء دول أو هويات بالاسم في سياق تقرير حقيقة من تلك الحقائق الشعوريّة الجمعيّة المطلقة؛ والبعض الآخر يتسرّع إلى القدح في الآخر المختلف بتهمة التعصّب والعنصريّة، دون أدنى تردّد أو حرص، متناسياً أنّ تلك الصفات نفسها هي التي تدفعه، هو الآخر، إلى تبنّي ذلك الموقف واعتماد ذلك الرأي، بعيداً عن أيّ قيمة أخلاقيّة أو دينيّة أو حجّة عقليّة أو حذر علميّ. ومن، يا ترى، يمارس الحذر العلميّ في حياته اليوميّة؟ 
يمارس الناس، في حياتهم الاجتماعيّة، كلّ أنواع الحذر، إلا الحذر العلميّ. والأمر قد ينطبق على العلماء أيضاً. ومن يتعجّب من ازدواجية خطابهم وسلوكهم، يتناسى، أوّلا، أنّ المجالين مختلفان؛ وثانياً، أنّ الأحكام المسبقة حاضرة في مجالات تخصّصهم أيضاً. وهذه قد يكون تأثيرها أخطر عندما تبتعد عن التحليل الموضوعيّ والموقف السليم؛ قد تؤدّي إلى آفات اجتماعيّة وصراعات قد تأتي على الأخضر واليابس.
غير أنّ كثيراً من الأحكام المسبقة تبقى أحكاماً عادية لا ضرر فيها، بل قد تتسامى أحيانا فتقدّم في شكل نكت؛ إذ يلاحظ في كلّ المجتمعات المتجاورة تبادل نكات تنقص فيها كلّ جماعة من الأخرى في نوع من حرب النكت، إلى درجة أنّ النكتة الواحدة قد تحكى بصيغتين مختلفتين أو أكثر لصالح هذه الجماعة أو تلك. ووراء كلّ هذا سبب واحد هو الجهل المزدوج بالذات والآخر من جهة، وتجاهل المشترك الإنسانيّ، والتركيز على الاختلافات التي يؤوّلها كلّ طرف لصالحه من جهة ثانية. فهل، يا ترى، هي ظاهرة طبيعيّة أم ثقافيّة؟
إنّنا، بالأحرى، أمام ظاهرة تجمع بين الطبيعة والثقافة في آنٍ واحد. فهي، أوّلاً، ظاهرة لا يخلو منها مجتمع، وتشمل مختلف فئاته وأفراده؛ وهي، ثانياً، تقوم على وهم عامّ، جمعيّ في الغالب، مكرَّس بوصفه حقيقة. والأمر لا يختلف فيه الإنسان العادي والمثقّف والعالم. 

الوهم المشترك
وهي غير الظنّ، وإن كانت تشترك مع الظنّ في الوهم، لأنّ الظنّ قد لا يكون مسبقا، لكنّهما لا يختلفان فيما عدا ذلك. ومن المؤكّد أنّها ليست معرفة عقليّة، لكن المشكلة أنّ هذه الأخيرة نفسها تقوم على الظنّ، حسّاً كان أو خيالاً. فمن الحسّ والخيال يستقي العقل مادّته، ولا يتعامل مع الخارج في غياب حساسية مسبقة أبداً. وبعبارة أخرى، لا حكم من دون «فكرة» مسبقة! 
ليست المسألة بسيطة إذاً، إنّ تاريخ نظرية المعرفة والمنطق كلّه ما هو إلا سعي إلى حلّ هذه المشكلة: كيف يمكن أن يكوّن الإنسان معرفة عقليّة موضوعيّة بالعالم حوله دون تأثير مسبق لحساسيته الإدراكيّة؟ ولأنّ هذه الأخيرة مشروطة بالطبيعة والثقافة معا، فإنّها تحول بينه ومسعاه إلى إدراك الأشياء حوله، كما هي في ذاتها لا كما تتبدّى له. فماذا يفعل الفلاسفة في كلّ مسارهم الفلسفيّ غير هذا!؟ ولعلّ أشهر مثال فلسفيّ على تعليق الحكم هو «شكّ» ديكارت Descartes وإيبوخي Epoché وهوسرل Husserl. 

ثنائية الجهل والعلم
إنّها ثنائية الجهل والعلم. كلّما ارتقى الإنسان في العلم كبر شعوره بالجهل، وكلّما ارتقى في الجهل كبر فيه وهم العلم على نحو رفيع من التناسب. وهذه هي المعادلة الصعبة؛ فالعلماء أكثر الناس شكّاً وترّدداً في أحكامهم، بينما الجهّال أكثر الناس قطعيّة وتقريريّة في أوهامهم. فهل من طريق وسط بين طرفي النقيض، بين أقصى ما يمكن أن يصله العالم في علمه، وأقصى ما يمكن أن يبلغه الجاهل في جهله؟ أليست حكمة الحياة تقتضي من المرء أن يعرف كيف يتعايش مع جهله، فيضفي عليه بعض توابل العلم، كما يتعايش العالِم مع شكّه وحيرته، فيضفي عليه/‏‏ها بعض توابل الإيمان؟ 
ولعلّ قدر الإنسان أن يعيش بأحكامه المسبقة ويتعايش معها، يحمل صخرتها نحو الجبل، وحتّى إذا ما كاد أن يصل إلى القمّة، تهوي إلى أسفل السفح. والمهمّ أن يحاول رفعها إلى الجبل من جديد. فهي ملازمة له ولنظرته إلى الأشياء والناس من حوله؛ لا يخلو منها مجتمع إنسانيّ، بل لا يخلو منها ذهن إنسان. إنّها جزء من طريقة رؤيتنا للعالم ومن توابل حياتنا الاجتماعيّة. صحيح، أنّها معرفة ظنّية، لكنّها ثقافيّة جمعيّة، إن صحّ التعبير. 

صحيح أيضا أنّ انتشار المعرفة وإمكانات السفر ووسائل التواصل ساهمت كلّها في كسر كثير من الحواجز الثقافيّة بين الناس. غير أنّ بعض الأحكام المسبقة، اليوم، صارت صناعة، وحرفة موجّهة. فبقدر مساهمة وسائل التواصل والتنقّل وانتشار المعرفة في التخفيف من الأحكام المسبقة، صارت تستعمل هذه الوسائل ذاتها في توجيه الرأي العامّ وعولمة أحكام جاهزة محلّية والتفنّن في نشرها على نطاق واسع؛ بل وتقديم تأويلات معيّنة لأحداث وحالات وتعميمها على جماعات ومناطق شاسعة في العالم.

وفي الجملة، «كُلّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ». إنّه شرط إنسانيّ قاهر أن تكون كلّ جماعة بما لديها فخورة وبما عند غيرها منتقصة! وهي القاعدة وعكسها استثناء. فاحترام الثقافات والنظرة العادلة إلى الآخرين وثقافتهم ولغاتهم أمر غير طبيعيّ؛ بل إنّ ذلك يقتضي تطوير القوانين وسنّ سياسات عامّة تمتح من هذه القيّم وتكرّسها محليّاً ووطنيّاً ودوليّاً. ولعلّ ذلك يحتاج، بالأحرى، إلى تربية وقيم أنتروبولوجيّة نكتسبها إمّا بالعلم والتدرّج في مراتبه، أو بالسفر والاحتكاك المباشر مع الآخرين.
فالسفر والقراءة الحيّة يمكن أن تساهم بقوّة في رفعنا من قاع أحكامنا المسبقة، وتحريرنا من شرطيّتنا الطبيعيّة والاجتماعيّة، إلى حدّ ما؛ لا برفضهما طبعاً، بل بفهمهما، ومن ثمّ فهم علاقتنا الأخويّة بالآخر وتفهّمه من جهة ما هو إنسان، يشبهنا في أصل الإنسانيّة ويختلف عنّا في فروع الطبيعة والثقافة. ولابدّ من غضّ الطرف عن الجانب الذي قد لا نحبّه فيه، لأنّ فينا بدورنا جوانب مماثلة، قد لا يحبّها فينا غيرنا أيضا؛ وهو الأمر الوحيد الذي يمكن أن يسمح بالتفاهم مع الآخر، وإلا فيكون الجهل والتجاهل والمنازعة. وقديما قال أفلاطون على لسان سقراط: «العلم فضيلة والجهل رذيلة».

حماية
الحكم المسبق قد يكون إيجابيّاً أيضاً، وقد يُحمل على الذات كما على الآخر. وقد يكون نفعيّاً، كما قد يكون فرديّاً أو جماعياً، بريئاً أو عدائيّاً، رمزيّاً أو ماديّاً. وأكثر من ذلك، فقد يكون غير منظّم، كما قد يكون منظّماً في إطار أعراف وقوانين، وفي الحالة الأخيرة يكون أخطر لما تمنحه له المؤسّسة من قوّة على التنفيذ والانتشار، وما توفّره له من حماية.

عقول جاهزة
الأحكام الجاهزة والانطباعات المزاجيّة والاجتماعيّة والثقافيّة والانفعالات السريعة هي العائق الأوّل في كلّ معرفة تروم الموضوعيّة. فليس بمقدور المرء، مهما ارتقى في المعرفة العلميّة، أن يتحرّر من جميع أحكامه المسبقة، الثقافيّة منها والمعرفيّة، فبعضها مغروس وثابت في طبعه، ومن ثمّ فإنّه يحتاج إلى بذل مجهود أكبر من أجل التخلّص منها، ولا يكفي العلم، بل يحتاج إلى خبرة وسفر ومعايشة الناس في محطّات وأمكنة وثقافات ولغات مختلفة.

من توابل الحياة
لعلّ قدر الإنسان أن يعيش بأحكامه المسبقة ويتعايش معها، يحمل صخرتها نحو الجبل، وحتّى إذا ما كاد أن يصل إلى القمّة، تهوي إلى أسفل السفح. والمهمّ أن يحاول رفعها إلى الجبل من جديد. فهي ملازمة له ولنظرته إلى الأشياء والناس من حوله، لا يخلو منها مجتمع إنسانيّ، بل لا يخلو منها ذهن إنسان. إنّها جزء من طريقة رؤيتنا للعالم ومن توابل حياتنا الاجتماعيّة. صحيح، أنّها معرفة ظنّية، لكنّها ثقافيّة جمعيّة، إن صحّ التعبير.

*******************************
تجلس مع مجموعة من الناس فتسمع نقداً حاداً لفلان بناء على ما قاله وتكلم به، وتقرأ كتاباً في نقد فلان، أو مقالة في التعقيب على الآخر، فتراجع ما ذكره ونقله، لتجد أن الأزمة في فكر الناقد لا في قول المنقود. ويزعجك ما يحمله الناقد من مؤهلات علمية خلت من الموضوعية النقدية التي حولت نقده من النقد العلمي الموضوعي إلى الشخصي السطحي، وتظل تتذكر قول الشاعر:
وكم من عائب قولاً صحيحاً
وآفته من الفهم السقيم
إن الفهم السقيم أضحى أزمة مجتمعية تعتمد على أنماط التفكير الهزيل، والفهم السطحي لكثير من الوقائع والأحداث، المنتج لكثير من الأحكام المغلوطة، لأن الاعتماد على ظواهر الأشياء والالتفات إلى أشكالها من دون النظر إلى معانيها ومدلولاتها وتاريخها وسياقها، سطحية في التفكير، وجمود في الفهم، ينتجان من قلة الزاد المعرفي وضيق الأفق، بحيث لا يتجاوز الإنسان مكانه ودائرته في التفكير، ولا يستطيع إدراك ما بَعُد كشعوره بما قَرُب.

كمثل من حذَّر من الصلاة، لأن الله سبحانه في كتابه يقول: (ولا تقربوا الصلاة)، وأباح الخمر لأن الله قال فيها: (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس) من دون أن ينقل النص كاملاً من غير اقتطاع، حاملاً أول الكلام على آخره بناء على تسلسله ووروده، مصدراً الحكم بناء على منهجية موضوعية لا دوافع شخصية، ولذا كان للنقد العلمي شرطان هما العلم، وسلامة القصد.

زرع التعصب والانحياز وقلة التأمل والاستعجال والرؤية النصفية والتصور المشوش «أزمة الفهم»، وصار ضحيتها مثقفو الناس - ويا للأسف - قبل عامتهم، وكبارهم قبل صغارهم، حتى إنك لتعطي كتاباً لفلان يقرؤه فيأبى أن يستفيد، لأنه كذا وكذا... ويحكم على الكتاب قبل قراءته بناء على حكم مسبق سمعه عنه، 

هي داؤنا نحن البشر، والمظهر هو أساس حكمنا على الناس
إن النفوس صناديق مغلقة وما يعلم ما بها إلا الله، فلنتقِ الله في ما تظنه أنفسنا «يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم».

*


الجمعة، 24 سبتمبر 2021

اسرائيل

Jan 6, 2020

"زلة لسان" حاول مداراتها بابتسامة.. نتنياهو تحدث عن تحويل بلاده لقوة نووية

تحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأحد عن تحويل بلاده إلى قوة نووية، في زلة لسان على ما يبدو أثناء اجتماع للحكومة، قبل أن يتدارك الخطأ بإيماءة خجولة وابتسامة تنم عن الحرج.
ويعتقد على نطاق واسع أن إسرائيل تمتلك ترسانة نووية، لكنها لم ترد قط بالنفي أو الإيجاب على ما إذا كانت تمتلك أسلحة نووية، إذ إنها تتبع منذ عقود سياسة التكتم بشأن القضية.
ووقع نتنياهو في الخطأ خلال الاجتماع الأسبوعي للحكومة، عندما كان يقرأ تصريحات معدة سلفا بالعبرية بخصوص صفقة مع اليونان وقبرص عن إنشاء خط بحري لأنابيب للغاز.
وقال "أهمية هذا المشروع هو أننا نحول إسرائيل إلى قوة نووية"، ثم تدارك الخطأ بسرعة مضيفا "قوة في مجال الطاقة"، ثم توقف نتنياهو عن الحديث لحظة وابتسم وواصل تصريحاته.
وسرعان ما انتشر هذا الخطأ على وسائل التواصل الاجتماعي.
وسيسعى نتنياهو جاهدا للبقاء على الساحة السياسية في انتخابات مقررة يوم 2 مارس/آذار، بعد انتخابات غير حاسمة في أبريل/نيسان وسبتمبر/أيلول. وفي نوفمبر/تشرين الثاني، وُجهت اتهامات بالفساد إلى نتنياهو لكنه ينفيها.
++++++++++++++++++++++++++

الغاز الإسرائيلي

موافقة البرلمان الأردني أمس على مشروع قانون يحظر استيراد الغاز الطبيعي من إسرائيل.. تزامنا مع الحملة المسمومة والمضللة التي تنظمها الآن «كتائب الإخوان الالكترونية» بمناسبة بدء ضخ الغاز الإسرائيلي الى مصر.. 

 يختلف الأمر بالنسبة لاتفاقية الغاز الطبيعي الموقعة بين مصر واسرائيل.. والتي تقضي بضخ الغاز الاسرائيلي الى مصر عبر خطوط أنابيب برية لتسييلة في المصانع المصرية التي لا تمتلك اسرائيل مصانع مثيلة لها.. ثم يعاد تصدير الغاز المسال الى دول أوروبا.. ولا يجري استخدامه داخل مصر.. لأن مصر أصبحت بالفعل تمتلك ما يكفيها من الغاز لأغراض الاستهلاك مع الاكتشافات الضخمة التي جرى استغلالها مؤخرا في مياه البحر المتوسط.

تذكرنا حملات التضليل والتشويش الحالية حول هذه القضية بما تم إبان الإعلان عن توقيع الاتفاق بين الطرفين المصري والاسرائيلي في أوائل العام قبل الماضي.. من محاولات لإثارة الفتنة بين البسطاء وزرع الشكوك في نفوسهم حول حقيقة الاكتشافات النفطية المصرية.. ورغم مبادرة وزارة البترول المصرية بإصدار بيان توضيحي حول هذه الصفقة.. وأنها تخص إحدى شركات القطاع الخاص.. ورغم التأكيد الرسمي أن هذا الغاز الاسرائيلي لن يتم استيراده لحساب الدولة المصرية.. ولن يدفع الشعب المصري مليمًا واحدًا ثمنًا له.. ولن يتم  توجيهه أصلا للاستهلاك المحلي..

على عكس مايشيعون ـ لن تكون خاسرة بأي حال من الأحوال جراء هذه الصفقة.. بل هي الرابحة من العائد المادي التي ستحصل عليه مصانعها مقابل تسييل الغاز وإعادة تصديره.. وهو ما سيضاف الى دخلها القومي كمورد مالي جديد..!!


*

صحيفة إسبانية: عبد الفتاح السيسي يحتمي بإسرائيل لبسط نفوذه في المنطقة العربية


دفاعه بقوة على سياسات الدولة اليهودية في المنطقة، وهي سياسات لا تحفز سوى الاستقرار الظاهر على المدى القصير، لأن السيسي ليس لديه بالأساس علاقات سياسية ودبلوماسية في الشرق الأوسط.

لدى السيسي مصلحة أساسية في الحفاظ على علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة وإسرائيل، القوتين المٌهيمنتين في منطقة الشرق الأوسط.



الخميس، 23 سبتمبر 2021

ثقافة جذب الجمهور بالإثارة

 أزمة الإعلام المصري أنه ورث ثقافة جذب الجمهور بالإثارة، مثل حوادث القتل والتحرش والانتحار والخرافة وتتبع أخبار المشاهير، ولم ينشغل بتقديم وجبات دسمة من التوعية، وعندما يُمنع من الإثارة والقضايا غير المهنية سيواجه مشكلة، لذلك من المُستبعد أن يلتزم بمعايير تمنع الفوضى فهو ليس مؤهلا للبديل المهني حتى الآن


الأربعاء، 22 سبتمبر 2021

اين هو الاسلام الصحيح ؟!

Sep 22, 2019

لقد انزل اللة الاسلام دينا نقيا خاتما فاعترضته ارادة الانسان و نزعاته البشرية المختلفة وحولته الى ملل ونحل وفهم وفهم مضاد ، وهكذا ضاع الاصل بين هذه الترسانة من الفروع والاجتهادات البشرية !
كثيرا ما نسمع في احاديث الشيوخ على الفضائيات عبارة : الاسلام الصحيح ، وهي تعطي انطباعا لدى سامعها بان هناك اسلام او اكثر غير صحيح ! ان تزاحم الاراء والتفاسير وسفه الفتاوى ومدارسها…الخ اوقعت الناس في حيص بيص ! فبات المسلم في شك دائم من امر دينه ، لايعرف هل هو في الاتجاه الصحيح ام لا ؟ فالكل يكفِّر الكل … اين هو اذن الاسلام الصحيح ؟ … من خلال البحث تبين ان هناك انواع من الاسلام : الاسلام الوسطي المعتدل ، الاسلام الاصولي المتشدد ، الاسلام الجهادي او الارهابي الذي يؤمن بالعنف طريقا للوصول الى الهدف ، و اخيرا وليس اخراً الاسلام السياسي ، فالاسلام الاول يقوده الازهر وهو اسلام السلطة او الاسلام الرسمي على مستوى الدولة ، ومهمة مشايخ الازهر هنا وبتوجيه منه كسبْ الناس وتوجيههم الى هذا النوع الوديع المسالم من الاسلام ، والتركيز على السور المكية المهادنه في الطرح والترديد والردح ، والتي تدعو الى التسامح وقبول الاخر من قبيل لكم دينكم ولي ديني … الخ . اما الثاني وهو الاسلام الاصولي المتشدد التكفيري الوهابي وله فضائياته وما اكثرها ! والتي تموَّل من البترو دولار وعلى راسها الثلاثي حسان و يعقوب و الحويني ، وهم الطبقة المنعمة والاكثر حظا في عدد الاتباع والتاثير لما يملكونه من قدرة على الاستحواذ على عقول جمهورهم من فارغي المحتوى ، وهم من المتعصبين ، المتزمتين في كل شئ بدءً من لباسهم و هيئآتهم وحتى طريقة كلامهم وطبعا طروحاتهم ،
 والاخير داعش وهذا لايحتاج الى تعريف فهو يكفر الكل ولو تطول يده رقاب الكل لقطعتها وشربت من دمها ! اما الاسلام السياسي فهو نوع من الاسلاميين المتأهبين دوما للقفز على الاحداث للوصول الى السلطة وعلى راسهم جماعة الاخوان المسلمين … وهكذا قُطِّع الاسلام الى اوصال بارادة بشرية ؟ طبعا كل واحد يعتبر اسلامه هو الاصح و يدعوا الاخرين اليه ، ليت الامر توقف عند ذلك بل تعداه الى التراشق بالتكفير ، ومن هنا تبدء الماساة . من المسؤول اذن عن هذه الاشكالية ؟ هل هو حديث الرسول مثلا : (ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة) ، ام كثرة المذاهب و الاجتهادات وتعصبها وكل مذهب يتصور امتلاكه الحقيقة المطلقة وبانه نائب عن الله في الارض والمذاهب الاخرى على خطأ ! وهذا الطرح لو تأملنا فيه نراه تجسيد عملي لحديث النبي او على الاقل اعطاهم الضوء الاخضر للوصول الى هذا الفهم . اين ما يسمى بالتدين الشعبي والمنتمين اليه من بسطاء الناس من كل هذه اللخبطة ؟ اليسوا هم المعنيون بالدرجة الاولى بالرسالة ؟ لماذا يتراطن المشايخ بلغة بعيدة عن محدودية فهم العوام من المسلمين ويتركونهم كالاطرش في الزفة ؟ كأنما الاسلام دين النخبة والمشايخ فقط ! ربما من اجل زيادة المعقد تعقيدا ! اكيد كل هذه المداخلات والتفرعات زادت ايضا من تعقيد مهمة من يدعون اصلاح الخطاب الديني فستتوزع جهودهم بين هذا الفهم وذاك ، فماذا سيصلحون وماذا يتركون ؟! الا توجد ضوابط شرعية توقف تدخل البشر في امر مقدس كهذا ؟ لقد توقف الاجتهاد منذ قرون فما الحاجة لكل من هب و دب في ان يفتي ويؤلف كتب ودراسات وبحوث وخطب ومحاضرات وهذا يصرخ في ذاك وذاك يرغي ويزبد ! لم كل هذا ؟ليزيدوا المشهد غموضا وتعقيدا ويحولون الدين الى احجية عصية على الفهم ؟! ياناس يابشر ، اتركوا الدين لله والحياة للجميع !!

*

جدل اليوم وكل يوم


حين يتناقش الناس في قضايا الإسلام اليوم (حتى في أمور العقائد والعبادات، بل حتى التاريخ) فإنه سرعان ما ينفتح عليهم مخزون القلق، الذي تحول إلى قلق على الدين وعلى الهوية الجمعية، مع أنَّه كان في الأصل مجرد انعكاس لأزمات سياسية، لا علاقة لها بالدين.


الثلاثاء، 21 سبتمبر 2021

ما بعد وباء كوفيد 19: أي عالم يمكن توقعه؟


May 1, 2020

سيتسم العالم بعد كوفيد-19 بتفاقم التفاوت بين الأثرياء والفقراء، وتعاظم اتجاهات الانكفاء داخل الحدود الوطنية، وتشديد الدول قبضتها على المجتمع، وترسيخ معالم نظام عالمي متعدد الأقطاب

مستقبل العالم الحديث والمؤسسات والأنظمة التي ترتكز إليها المنظومة الدولية. هذا وباء غير مسبوق، على الأقل من جهة وعي الإنسان والمجتمعات به. تعرف الذاكرة البشرية أوبئة أكثر شدة وضراوة، من طاعون منتصف القرن الرابع عشر إلى الإنفلونزا الإسبانية في 1918-1920. ولكن لا وسائل الاتصال، في حقب الأوبئة السابقة، كانت بالسرعة واللحظية التي تتسم بها اليوم، ولا توقعات الإنسان من دولته كانت بالمستوى التي هي عليها الآن. خلال أسابيع من انتشار فيروس كورونا 19 خارج الصين، بدأ عشرات، بل مئات الملايين من البشر يعيشون انتشار الوباء، ووقعه، وأثره الإنساني والاجتماعي والاقتصادي في معايشة ومعاينة واقعية ملموسة.

مع العاشر من أبريل/نيسان 2020، كان الوباء قد أصاب ما يزيد عن المليون ونصف المليون شخص (مع وجود إصابات أكثر بكثير من ذلك لم تُفحص بعد، ولم تُدرج بالتالي في الأرقام الرسمية)، قتل ما يزيد عن 100 ألف من المصابين، وعصف بالحياة الإنسانية كما لم تعصف بها رياح الحروب. وبالرغم من أن نصف الكرة الشمالي يبدو الأكثر تأثرًا حتى الآن، بلغ عدد الدول التي أعلنت عن وجود حالات مرضية ما يزيد عن 200 دولة. ثلث هذه الدول، على الأقل، أعلن منذ النصف الأول من مارس/آذار، دولة بعد الأخرى، عن إغلاق كامل، أو شبه كامل، للأنشطة الاجتماعية والاقتصادية، وعن تطبيق قواعد صارمة للابتعاد الاجتماعي، أملًا في محاصرة الوباء. مدن كبرى في شرق العالم وغربه، من إسطنبول، ولندن، وباريس، إلى نيويورك، كانت تعج بالحياة وترسم صورة عالم القرن الحادي والعشرين، تحولت إلى مدن شبه صامتة، مغلفة بالخوف والقلق وفقدان اليقين.

فأي عالم سيولد من بعد الوباء؟ يتساءل علماء السياسة والتاريخ والفلسفة والعلاقات الدولية، خلال الأسابيع القليلة الماضية. هل سيشهد العالم، والنظام الدولي، تغييرًا إلى الأفضل، أم أن البشرية ستعود إلى ما كانت عليه بعد انتهاء مخاوف الوباء؟ إلى أي حد يمكن للوباء أن يعيد تشكيل مؤسسة الدولة: علاقة الدولة بشعبها، وعلاقاتها ببعضها البعض؟ وما النمط الاقتصادي الذي يمكن أن يؤسِّس له الوباء، الذي لم يعد ثمة شك في أنه يجر العالم إلى كساد اقتصادي ثقيل الوطأة؟ ما مصير العلاقات العولمية التي أخذت في التجلي بصورة متسارعة منذ تسعينات القرن الماضي: أليس الوباء نفسه شاهدًا مأساويًّا على وحدة العالم والمساواة بين شعوبه؟

لسنا معًا ولسنا سواسية أمام الوباء


المؤكد، مثلًا، أن الصين تعرفت على أول حالة مرضية من الوباء في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الماضي (2019) (وليس في نهاية ديسمبر/كانون الأول، كما أعلن الصينيون). ولكن التعرف على حالة مرضية وعزل الميكروب المسبِّب لها لا يعني أن الميكروب لم يكن موجودًا بين البشر قبل ذلك، ربما لأشهر طويلة، بهذا القدر من الأعراض أو ذاك، أو حتى بدون أعراض. فمنذ متى انتقل الفيروس من الحيوان إلى الإنسان؟ ومتى اكتسب القدرة على الانتقال الوبائي من إنسان إلى آخر؟ الإجابة على هذا السؤال قد توفر معطيات ما لنسبة البشر الذين سبق أن أُصيبوا بالفيروس واكتسبوا مناعة ضده، سيما بعد أن أشارت عينة معتبرة ممن أُجري عليهم فحص المناعة في أيسلندا إلى أن خمسين بالمئة ممن فُحصوا يتمتعون بالفعل بمناعة ضد الفيروس، بدون أن تظهر عليهم الأعراض المعروفة للمرض.

يبدو أن المرض أكثر فتكًا بأبناء الطبقة العاملة والفقراء وأبناء الأقليات، أكثر منه بالنخب وأبناء الطبقات العليا. وهناك، في الوقت نفسه، دول لا تملك أية مؤسسات صحية فعالة، بأية صورة من الصور، ولا تستطيع تبني سياسات إنفاق واسع النطاق، ولا حتى بمستويات أقل بكثير من الدول الغنية. والمشكلة، بالطبع، أن قلة ممن يستطيع، قلة قليلة جدًّا، بادرت إلى مد يد العون لمن لا يستطيع.

الحقيقة، أن الأشهر القليلة الماضية من الوباء شهدت ارتفاع مستوى الأنانية والانكفاء القومي في أكثر تجلياته انغلاقًا. أغلب دول العالم المنتجة للأدوات والمواد الصحية والطبية، بما في ذلك الولايات المتحدة، أحد أكبر المنتجين، أوقفت الصادرات بدون تصريح حكومي. وفي حالات، قامت دولة ما بالسيطرة على شاحنات كانت في طريقها إلى دولة أخرى. وباستثناء بعض المساعدات التي منحتها الصين وتركيا وقطر ودول قليلة لعدد من الدول الأخرى، ليس ثمة دليل على قيام الدول الثرية بتقديم معونات ضرورية للدول الفقيرة. وحتى ضمن الاتحاد الأوروبي، المنظمة الإقليمية الأكثر فعالية ورفاهًا في العالم، تشتكي الدول الأكثر تأثرًا بالوباء، مثل إيطاليا وإسبانيا، من غياب وشائج التضامن بين دول الاتحاد، بينما تتصاعد الانتقادات من دول الشمال الأوروبي لشركائها في الجنوب، لضعف بنية الأخيرة المالية وتزايد المؤشرات على عجزها عن مواجهة الآثار الاقتصادية للوباء.

كساد عظيم وانحسار متزايد للاقتصاد النيوليبرالي


صندوق النقد والبنك الدوليين، أن الاقتصاد العالمي دخل بالفعل مرحلة من التراجع الاقتصادي، وأن تفاقم الأوضاع قد يجر العالم إلى كساد اقتصادي يفوق أزمة 2008/2009، وربما حتى كساد 1929 الشهير.

المؤكد، بخلاف أزمات 1929، و1987، و1998، و2009، أن تدهور الاقتصاد العالمي هذه المرة لم يولد في منطقة معينة من العالم، ولا بفعل عامل اقتصادي/مالي محدد. التدهور، هذه المرة، عالمي الطابع، يطول كافة الاقتصادات الكبرى، المتوسطة، والصغيرة. وطالما أن أحدًا لا يمكنه توقع مسيرة الوباء، وأثره على كل دولة على حدة، ولا كيفية محاصرته، فإن وقع الوباء الاقتصادي لم يزل محل جدل. ثمة من يقول: إن دولًا، مثل الصين، نجحت في محاصرة الوباء بصورة مبكرة، وهي في طريقها لاستعادة معدلات الإنتاج السابقة على انتشار الوباء؛ ودولًا، مثل السويد ودول نصف الكرة الجنوبي، التي تجنبت الإغلاق الكلي أو الجزئي؛ ستكون أقل تأثرًا بالأزمة الاقتصادية. ولكن الأرجح أن هذه الحسابات ليست صحيحة تمامًا.

المشكلة، أن الوباء أصاب العملية الاقتصادية على مستوى العالم بكافة مراحلها: الإنتاج، والتوزيع، والاستهلاك. كما أن التعقيد المتزايد في شبكة التوزيع والإمداد، التي يرتكز إليها الاقتصاد العالمي، تجعل بنية هذه الشبكة أكثر هشاشة. لجأت القوى الكبرى، سيما بعد نهاية الحرب الباردة، إلى هذا التعقيد باعتباره دافعًا للاعتماد المتبادل بين الدول ووسيلة فعالة لمنع الحرب، طالما أن قطاعات هائلة من السلع والمنتجات تقوم على مواد وقطع تُصنَّع في عديد من الدول وليس في دولة واحدة. ولكن، كلما ازداد تعقيد منظومة اقتصادية ما، أصبح من الصعب إصلاحها إن توقفت أو أصابها الخلل. وبتصاعد مستوى التوتر بين الاقتصادات الكبرى، فإن المتوقع أن تصبح عملية الإصلاح أكثر صعوبة.

عمومًا، وباستثناء المواد الطبية والصحية والصناعات الغذائية، فإن عودة عجلة الإنتاج في بلد ما لطبيعتها لا يعني الكثير، طالما أن وسائل النقل والتوزيع لا تعمل، وأن المستهلك أحجم عن الاستهلاك. ما يجعل التدهور الاقتصادي أكثر تفاقمًا، أن الوباء تسبب في تراجع غير مسبوق في قطاع الخدمات، من السياحة والنقل الجوي، والتعاملات المالية، إلى المقاهي والمطاعم.

ولم يكن غريبًا بالتالي أن تطلق نذر الأزمة الاقتصادية، وردود فعل دول الاقتصادات الكبرى عليها، جدلًا واسع النطاق حول مصير النمط الاقتصادي النيوليبرالي، الذي صعد بصورة حثيثة منذ الثمانينات ليتحول إلى الإطار المرجعي للسياسات الاقتصادية عبر العالم. وُلد النموذج النيوليبرالي من أوساط مجموعة من علماء الاقتصاد والسياسة والتاريخ والفلسفة، كانت تلتقي بصورة منتظمة منذ بداية الحرب الباردة، لتفكر في طرق مواجهة الخطر الشيوعي على العالم. ولكن لم تصبح سياسات حرية السوق، وتراجع دور الدولة، وخفض الإنفاق العام، واقعًا ملموسًا في الساحة الدولية إلا بعد أن تبنتها دول مثل الولايات المتحدة، تحت إدارة ريغان، والمملكة المتحدة، تحت حكومة تاتشر، وبينوشيه في تشيلي، وأوزال في تركيا. بانهيار الاتحاد السوفيتي والكتلة الشيوعية في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات، اكتسب النموذج النيوليبرالي جاذبية عالمية، ليصبح النمط الاقتصادي الأرثوذوكسي الجديد

الحقيقة، أن هيمنة النموذج النيوليبرالي على السياسات الاقتصادية لم يستمر طويلًا، سيما في الدول التي كانت أول من روَّج له. خلال أزمة 2008/2009، واجهت حكومة غوردون براون في بريطانيا الأزمة بحزمة إنفاق كبيرة وبخطوات لتأميم مؤسسات متعثرة والعودة إلى سياسات الاقتراض، معلية ما عُرف حينها بالكنزية الجديدة. ولمساعدة الاقتصاد الأميركي على الخروج من الركود الاقتصادي، تبنَّت إدارة أوباما سياسة التيسير الكمي (أي بكلمة أخرى: طباعة المزيد من أوراق النقد) وبرامج إنفاق هائلة لإصلاح البنية التحتية عبر الولايات المتحدة. وكذلك فعلت حكومة أردوغان الأخيرة وحكومتا داود أوغلو في تركيا. أما تشيلي، فكانت قد تخلت عن النمط النيوليبرالي منذ أزمة نهاية التسعينات.

بيد أن هذه المتغيرات في السياسات الاقتصادية لم تتصف بالاستدامة ولا هي شكَّلت موجة عالمية. حكومات المحافظين المتتالية في بريطانيا، عادت إلى النمط النيوليبرالي منذ 2010؛ كما عادت تركيا إلى تقليص الإنفاق العام بعد الضغوط التي تعرضت لها الليرة التركية في 2018. المؤكد الآن، وفي ضوء حزم الإنفاق والدعم المالي الهائلة التي أعلنت عنها بريطانيا، والولايات المتحدة، وألمانيا، وعدد من الدول الغربية والآسيوية الأخرى، وبدرجة أقل، تركيا، أن علامات استفهام كبيرة بدأت في الظهور حول مصير الاقتصاد النيوليبرالي.

خلال أشهر الأزمة القاسية، وضعت الشعوب ثقتها في الدولة لحمايتها من الخطر الداهم، وفي أغلب دول النموذج الليبرالي، ثمة مؤشرات متزايدة إلى أن الحكومات لن تعبأ كثيرًا بعد اليوم بتصاعد حجم الدَّيْن العام، وارتفاع معدلات التضخم، أو عجز الميزانية. ما يعزز من توقعات انحسار هيمنة النيوليبرالية الانكشاف الصارخ للخدمات العامة، والخدمات الصحية على وجه الخصوص، سيما في الدول الغربية الرئيسة، بفعل تقلص الإنفاق العام طوال عقود.

المشكلة، بالطبع، أن هناك تباينات واضحة في قدرات وطرق تعامل دول العالم المختلفة مع نذر الأزمة الاقتصادية. تستطيع الدول التي تملك احتياطيات مالية كبيرة، أو عملات ذات جاذبية دولية، أو بنية اقتصادية دينامية، مثل: الولايات المتحدة، وبريطانيا، ودول اليورو، والصين، واليابان، ودول النفط العربية، وتركيا، تحمل أعباء حزم الإنفاق الحكومي الكبيرة لمواجهة عواقب الوباء، والنهوض بالعملية الاقتصادية بعد انحساره، بما في ذلك تبني سياسة التيسير الكمي. بيد أن دولًا أخرى مثقلة بالديون أصلًا، أو ذات بنية اقتصادية هشة، مثل: مصر، ولبنان، ومعظم دول المغرب العربي، والعديد من الدول الإفريقية جنوب الصحراء، سيصعب عليها التوجه نحو المزيد من الاقتراض، أو طباعة المزيد من أوراق النقد ومواجهة معدلات تضخم متزايدة.

المشكلة الأكبر في حالة المجموعة الثانية من الدول أن الجدل حول مصير الاقتصاد النيوليبرالي يكاد يغيب كلية عن الساحة السياسية والأكاديمية، إما لأن طبقة رجال الأعمال في هذه الدول أصبحت شريكًا رئيسًا في نظام الحكم، أو لأن هذه الدول لا تتمتع بالحرية الفكرية والسياسية الضرورية لفتح النقاش حول تغيير جذري في النموذج السائد. في دول هذه المجموعة، سيكون وقع الأزمة الاقتصادية أفدح أثرًا وأطول زمنًا بالتأكيد. وليس من المستبعد في لحظة ما أن تشهد هذه الدول انفجارًا هائلًا لسؤال الشرعية السياسية.

يوتوبيا العولمة

ارتبطت فكرة العولمة من البداية بالنموذج الاقتصادي النيوليبرالي؛ ومثله، كانت ولادتها الأولى في أميركا وبريطانيا. حتى المصطلح نفسه وُجد أولًا في اللغة الإنجليزية، وكان على اللغات الأوروبية الأخرى إبداع اشتقاق لغوي جديد لترجمته. وكما الاقتصاد النيوليبرالي، وجدت فكرة العولمة رواجًا بعد انتصار الغرب في الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي في التسعينات، معززة بادعاءات نهاية التاريخ وحسم الصراع لصالح الليبرالية الغربية، والديمقراطية، وحرية الفرد. ما حملته العولمة، التي ظلت على الدوام مفهومًا أقرب إلى الغموض، من وعود، تتعلق أساسًا بحرية انتقال الأفراد والمال والبضائع والأفكار عبر العالم، وانحياز المجتمعات البشرية المطَّرد لصالح الثقافة الغربية بكافة أبعادها. ولكن هذه الوعود لم تتحقق بصورة منتظمة ودائمة، حتى من قبل الدول التي روَّجت لفكرة العولمة وأسست لمقولاتها الرئيسة؛ وهو ما أدى إلى تصاعد الشكوك حول ما إن كان المقصود بالعولمة، حقيقة، سيطرة الكتلة الغربية الأطلسية على مصائر المجتمع الإنساني، ماديًّا وثقافيًّا وروحيًّا.

بانتشار الوباء، انطلقت التوقعات بنهاية العولمة. أغلقت أغلب دول العالم حدودها، وضعت قيودًا متزايدة على حركة البشر والبضائع، سنَّت تشريعات مقيدة للحريات، تبنَّت سياسات مختلفة لمواجهة الوباء، وتبادلت الاتهامات حول المسؤولية عن بروز الفيروس أو انتشاره. الفيروس وحده من بات يتمتع بحرية الحركة الكاملة وتجاوز الحدود والقوانين والأنظمة. إن كان من الصحيح التوقع، كما هي تجارب الأزمات الكبرى من قبل، بأن نهاية الوباء أو انحساره لن تعني بالضرورة نهاية كافة الإجراءات الطارئة التي فرضها، فلابد أن العالم يشهد الآن بالفعل نهاية يوتوبيا العولمة والوعود التي بشرت بها. بيد أن المشكلة في جدل العولمة أنه لا يفرِّق بين مستويين أساسيين: الأول: يتعلق بالأدوات والوسائل التي عملت، ولم تزل تعمل، على تسارع معدلات النقل والاتصال والحركة، سواء للبشر، للمعاملات، أو للنصوص والفنون. والثاني: يتعلق بفكرة هيمنة تصور واحد للعالم على المجتمعات البشرية كافة، بغضِّ النظر عن المواريث والقيم والمعتقدات الخاصة بكل جماعة أو أمة. السوق بيحكم تجارة توحد البشر

في المستوى الأول، ليس ثمة ما يشير، بوجود الوباء أو غيابه، أن البشرية ستتخلى عن وسائط النقل الجوي والبري والبحري السريعة، التي تطورت بصورة مطردة، منذ دخول الآلة البخارية إلى وسائط النقل في منتصف القرن التاسع عشر. لن يتخلى العالم عن الإنترنت، والهاتف الذكي، وتطبيقات البنوك، ولا عن أمازون، رمز العولمة التجارية الأبرز. دولة ما لن تستطيع منع كتاب ما، طالما أن تحميل الكتاب على الإنترنت لا يحتاج سوى دقائق، ولا حظر خبر ما، طالما أن الأخبار، صحيحها وزائفها، تنتقل على الفيسبوك وتويتر بأقل قيود ممكنة. أما في المستوى الثاني، فإن التشققات في جدار العولمة لم تكن خافية منذ اليوم الأول لولادة الفكرة. رحبت أغلب دول العالم، بما في ذلك دول الاقتصادات الكبرى، بحركة المال والاستثمار، ولكنها رفضت القبول بحرية حركة البشر. حتى دول الاتحاد الأوروبي، التي مثَّلت التعبير الأكثر جاذبية لفرضيات حرية الحركة والانتقال، سرعان ما واجهت ردود فعل داخلية ملموسة على هجرة العمالة بين الدول، تصاعدت إلى أن صوَّتت بريطانيا في استفتاء 2016 لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي. وما أن تولت إدارة ترامب مقاليد البيت الأبيض، حتى بدأت سلسلة إجراءات للتخلي عن، أو إعادة النظر في عضوية منظمات حرية التجارة الإقليمية، وقواعد التجارة السابقة مع الصين ومع الشركاء الغربيين في نصف الكرة الغربي وفي أوروبا، وفرض قيود صارمة على الهجرة للولايات المتحدة.

ما قد ينجم عن الوباء هو إحداث المزيد من التشققات في أطروحة العولمة، وإعادة التوكيد على سلطة ومصالح الدولة القومية، وقيمها الخاصة بها، الاتجاه الذي أخذت بوادره في الظهور منذ سنوات قبل الوباء

علاقة الدولة بشعبها وببقية الدول


وُلد مفهوم سيادة الدولة بعد وستفاليا في 1648؛ ولكن الدولة لم تبدأ بالتحول إلى مؤسسة مركزية للسيطرة والتحكم إلا في النصف الثاني من القرن الثامن عشر. وقد شهد القرن التاسع عشر وبداية العشرين، نضوج مؤسسة الدولة وتحولها إلى وحدة النظام الدولي الأساسية، وتحولها، شيئًا فشيئًا، من أداة لتعظيم القوة والمقدرات إلى هدف بحد ذاته، وفي حالات إلى إله علماني بالغ السطوة.

في الدول الدستورية والديمقراطية، ذات البنية القانونية الصلبة، استُخدم التشريع لتعزيز قدرات الدولة التحكمية والتنظيمية والرقابية. وفي الدول الديكتاتورية، لم تكن ثمة حاجة للقانون أصلًا لتحقيق الأهداف ذاتها. وليس مثل فترات التأزم، والحرب، والتهديد، الحقيقي والمتصور، فرصة لإعادة توكيد سيطرة الدولة وتحكمها؛ نظرًا لتراجع مقاومة المجتمع أمام زحف الدولة وصعودها خلال هذه الفترات. وقد شهد العالم خلال القرن الماضي شيئًا من العلاقة الجدلية بين مستوى قوة مؤسسة الدولة وسيطرتها، من جهة، وبين فترات التأزم والحرب والتهديد، من جهة أخرى، عندما تصبح الدولة محل تطلع الشعب لحمايته من المخاطر.

واجب الدولة الأول هو حماية شعبها من الخطر؛ والمعتاد خلال فترات الأزمات أن تلجأ الدولة، وبرضى وقبول شعبي، في أغلب الأحيان، لاكتساب سلطات استثنائية. ولكن التجربة التاريخية تكشف أن نهاية فترات التأزم والحرب والتهديد لا تعني تخلي الدولة عن كافة السلطات الاستثنائية؛ بل تقوم دائمًا بالاحتفاظ ببعضها. وهكذا، تخرج مؤسسة الدولة من فترات الأزمة أكثر قوة وقدرة على السيطرة والتحكم؛ ويزداد، بالتالي، اعتماد الشعب عليها وتطلعه لقدراتها الحمائية في فترة التأزم والحرب والتهديد المقبلة.

ولا يوجد ثمة شك في أن بعضًا من السلطات التي منحتها مؤسسة الدولة لذاتها لمواجهة الوباء خلال الشهور القليلة الماضية، والأخرى التي يمكن أن تكتسبها إن طال أمد الوباء، سيجري التخلي عنها بعد نهاية الأزمة الصحية التي تطبق على معظم دول العالم. ولكن المؤكد أيضًا أنه لن يتم التخلي عنها كلية. إن معظم السلطات الرقابية التي اكتسبتها مؤسسة الدولة بعد ما عُرف بسنوات الحرب على الإرهاب، سيما في مجالات الانتقال والسفر والتعليم واستخدام التقنيات الحديثة، لم تزل سارية. في كلمات بالغة الدلالة، قال وزير الخارجية الألمانية السابق، الاشتراكي الديمقراطي، سيغمار غابرييل: "عملنا، طوال ثلاثين عامًا، على التقليل من شأن الدولة"، مشيرًا إلى أن الأجيال القادمة لن تكون بهذه السذاجة.

بيد أن الوباء يوفر فرصة أخرى لإعادة التوكيد على دور الدولة، ببعدها القومي الحصري، على المسرح الدولي. الحقيقة، أن الوباء حمل معه دلالات متناقضة على صعيد العلاقة بين الدول. فمن ناحية، كشف الوباء أن دولة واحدة، مهما بلغت من قوة وتمتعت بمقدرات، لا تستطيع مواجهة أزمة ذات طابع عالمي، بما في ذلك الأزمات الناشئة عن الأوبئة والتدهور المناخي وتوقف عجلة الاقتصاد العالمي. ومن ناحية أخرى، يعيد الوباء توكيد النزعة الصراعية للدولة القومية، واندفاعها لخوض منافسات غير أخلاقية وغير إنسانية، في كثير من الأحيان، للحصول على الأدوات والمواد الصحية والطبية الضرورية لمكافحة الوباء.

وبالرغم من الاتصالات التي وقعت بين قادة الدول الكبرى، بما في ذلك الاجتماع عن بُعد لقادة دول مجموعة العشرين، إلا أن الواضح أن مكافحة الوباء تجري على أساس قومي، وأن ليس ثمة أي مستوى من التنسيق الدولي، لا فيما يتعلق بالتعرف على العلاج الأفضل للمرض، تطوير لقاح ضد فيروس كوفيد-19، أو التوافق حول جملة الإجراءات الاقتصادية التي لابد أن تُتخذ على مستوى دولي لاحتواء العواقب المتوقعة للوباء. ومن المتوقع، بعد انحسار الوباء، أن تلجأ الدول إلى التوكيد على خيارات الاكتفاء الذاتي في الحاجات الضرورية للأمم، وأن تنحسر بالتالي مقولات الاعتماد المتبادل.

أسهمت نهاية الحرب الباردة، والتوسع المستمر في نطاق وعمل المنظمات الإقليمية، وبروز الشركات الهائلة العابرة للحدود (التي عُرفت خطأ بالشركات متعددة الجنسية)، وجاذبية خطاب العولمة، في ولادة اعتقاد بانحطاط الدولة القومية وتقلص أهميتها ودورها. ولكن السنوات العشر الأخيرة أظهرت أن المراهنة على تراجع الدولة القومية كانت متسرعة إلى حدٍّ كبير. وقد كشف صعود قوى اليمين القومي إلى السلطة في عدد من دول الاتحاد الأوروبي، والتراجع الحثيث في قوة وفعالية العديد من المنظمات الإقليمية، و فوز برنامج "أميركا أولًا" في انتخابات الرئاسة، أن حسابات تراجع الدولة القومية لم تكن صحيحة أصلًا. ولم تلبث التدافعات التجارية الحادة، بين دول الاقتصادات الكبرى، أن أظهرت الحجم الحقيقي للشركات العابرة للحدود، وأنها في النهاية شركات ذات أصول قومية، يصعب عليها التمرد على الدولة الأم وقرارها.

ما يصنعه الوباء هو التوكيد على اتجاه "عودة الدولة" إلى مسرح العلاقات الدولية، الذي انطلق بصورة حثيثة منذ عقد على الأقل.    

تحولات جيوسياسية حاسمة؟

 التراجع الأميركي وصعود الصين كقوة قائدة لنظام دولي جديد. إن أُخذت البيانات الصينية الرسمية على ظاهرها، يبدو أن الصين استطاعت التحكم في الوباء بصورة مبكرة، وبأقل خسائر ممكنة، بالرغم من أن أدلة متضافرة تشير إلى أنها منبع الوباء. اتخذت بكين إجراءات سريعة وقاسية لعزل المدن والمقاطعات، نقلت عشرات الآلاف من العاملين في القطاع الصحي، من منطقة إلى أخرى، للتعامل مع المرضى، وبادرت إلى تجربة العديد من الأدوية لتخفيف أعراض المرض.

بذلك، عادت معظم المقاطعات الصينية إلى الحياة الطبيعية، أو ما يقاربها، منذ الأسبوع الأول من أبريل/نيسان، وبخسائر إنسانية واقتصادية طفيفة، مقارنة بحجم البلاد وحجم اقتصادها. وبعد أن كانت تقارير الوباء الصيني تثير الرعب في أنحاء العالم الأخرى، بدأت الحكومة الصينية تبيع المعدات الصحية والطبية للدول الأخرى بمئات الملايين من الدولارات، وترسل المساعدات الرمزية لأصدقائها ولدول تعاني من الوباء. طبقًا لهذه الصورة، يتوقع أن تكون الصين أولى الدول الناهضة من أعباء الوباء الثقيلة؛ وبالنظر إلى أن الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية بين أكثر الدول تأثرًا بالوباء، اقتصاديًّا وإنسانيًّا، ليس من المستبعد أن تصبح أزمة كوفيد-19 العالمية المنعطف الحاسم لصعود الصين النهائي: الصعود الاقتصادي، ومن ثم العسكري والسياسي.
امريكا اعلام فقط لا تنتج شىء ليست كالصين حضارة تموت علي راي الفيلسوف الفرنسي كتاب الانحطاط 

الحقيقة، أن التوقعات بارتفاع الدخل القومي الصيني إلى ما يساوي، أو ربما يفوق قليلًا، الدخل القومي الأميركي مع نهاية العقد الثالث لهذا القرن، سبقت اندلاع الوباء. ما سيفعله الوباء، ربما، ليس سوى تسريع عجلة النمو المطرد للدخل القومي الصيني. ولكن حتى هذا لابد أن يكون محل شك. فالواقع أن معظم الدول التي طبقت سياسة الإغلاق، بما في ذلك تركيا، لم تغلق القطاع الصناعي الإنتاجي كلية، سوى المصانع التي لم يعد ثمة طلب ملح ٌّعلى إنتاجها، مثل صناعة السيارات. بمعنى، أن عودة الصين السريعة للحياة الطبيعية قد لا تحمل بحدِّ ذاتها تفوقًا فوق العادي عن منافسيها الغربيين. كما أن ضعف الطلب بصورة عالمية، والاضطراب الهائل في شبكات النقل والإمداد والاعتماد المتبادل بين الدول، يعني أن أعباء الوباء ستطول الجميع، سواء المنتجون أو الأقل إنتاجًا.

ولكن، حتى إن افتُرض أن الوباء سيسرِّع من عجلة الصعود الصيني الاقتصادي، فإن تحقق مستوى عال من الاكتفاء والرفاه يتطلب النظر إلى الدخل القومي للفرد، وليس مستوى الدخل القومي وحسب. مستوى الرفاه في دولة من مليون شخص، يبلغ دخلها القومي عشرة ملايين من الدولارات، ليس مثل ذلك الذي تتمتع به دولة أخرى بنصف مليون من السكان وبذات الدخل القومي.

الملاحظ، بالتأكيد، أن الولايات المتحدة أظهرت، منذ تولي إدارة ترامب مقاليد البيت الأبيض، انكفاء قوميًّا صارخًا، وتخليًا نسبيًّا عن دورها القيادي في العالم، بما في ذلك في التعامل مع أزمة الوباء. ولكن هذا الانكفاء قد لا يستمر طويلًا، بعد نهاية ولاية ترامب. الأهم، أنه وبغضِّ النظر عن سياسات الإدارة الأميركية، ثمة اتفاق بين دارسي صعود وانحدار القوى الكبرى حول حقيقة أن القوة الاقتصادية ليست المحدد الوحيد لوزن الدول وتأثيرها على المسرح الدولي. ثمة عشرات من وسائل التأثير الأخرى، مثل: اللغة، والموروث الديني والقيمي، والفنون والآداب، ونمط الحياة السياسية والاجتماعية، التي لابد من وضعها في الاعتبار. في كثير من هذه المجالات، لا يصعب على الصين المنافسة وحسب؛ بل ويستحيل أحيانًا عليها المنافسة.

سيشهد العالم في الشهور المقبلة، بالتأكيد، جدلًا، أخذ في الاحتدام منذ الآن، حول فعالية الدول المختلفة في التعامل مع الوباء، وما إن كان النجاح حالف الأنظمة الليبرالية، التي وقع أغلبها صريع انتشار المرض والموت، أو أنظمة التحكم المركزي، مثل الصين وسنغافورة؛ حيث العلاقة بين الدولة وشعبها أقرب إلى العلاقة بين القائد العسكري وجنوده، وكانت الأسرع في التحكم بالوباء وعواقبه. ولكن مثل هذا الجدل لا يتعلق بجانب واحد من أزمة كوفيد 19. دول، مثل كوريا الجنوبية وتايوان، التي نجحت هي الأخرى في التعامل سريعًا مع الوباء، تتحدث بفخر عن الصلة الوثيقة بين ديمقراطيتها ونجاح جهودها. كما أن ثمة من يطرح مقارنات أخرى حول تباين المصداقية بين الأنظمة الليبرالية الديمقراطية والأنظمة التحكمية السلطوية، وما تستدعيه المصداقية من الحرص على حياة البشر أو إهدارها.  

ما لا يجوز أن يكون محل شك أن لحظة القطب الواحد، عندما برزت الولايات المتحدة في التسعينات باعتبارها القوة الكبرى المتفردة في قرار العالم السياسي والاقتصادي، كانت أقصر بكثير من التوقعات. ومنذ أخذت الولايات المتحدة في الغرق في العراق وأفغانستان، في منتصف العقد الأول من القرن الحالي، وأخذت الصين في تسجيل معدلات نمو متصاعدة بصورة مطردة، وقامت روسيا بتدمير الآلة العسكرية الجورجية وفرض إرادتها على تبليسي، بدأ العالم في التحرك إلى مشهد متعدد القطبية.

خلال العقد القادم، قد يصبح هذا المشهد أكثر وضوحًا؛ حيث ستجد الولايات المتحدة في الصين منافسًا اقتصاديًّا يصعب كسره، وفي روسيا منافسًا عسكريًّا وسياسيًّا، وإن بصورة محدودة، وفي عدد من القوى الأصغر منافسًا إقليميًّا أكثر استقلالًا في قراره. ولكن ما يجب ألا يُغفل عنه أن الولايات المتحددة تتمتع بعناصر قوة متعددة وفريدة، ستساعدها في الحفاظ على موقع الدولة الأبرز والأكثر تأثيرًا بين عدد من المنافسين، ربما لأكثر من عقد مقبل من الزمن.

 ما بعد الوباء: عالم أقل تضامنًا وأشد ضراوة


كان لينين من قال يومًا: "ثمة عقود حيث لا يحدث شيء، وأسابيع حيث تحدث عقود". وليس ثمة شك في أن أسابيع الوباء الممتدة من نهاية يناير/كانون الثاني حتى الآن شهدت جملة من الوقائع المتداعية التي لم يشهد العالم لها مثيلًا ربما منذ الحرب العالمية الثانية. سيترك الوباء آثارًا متفاوتة على الحياة ذاتها، على الاقتصاد والاجتماع والصحة النفسية، كما على السياسة وأنماط الاجتماع السياسي والعلاقات الدولية. ولكن من المبالغة القول بأن عالم ما بعد الوباء سيختلف كلية عن عالم ما قبله.

المؤكد أن هناك اتجاهات سياسية واقتصادية ودولية كانت بدأت التحرك منذ سنوات، لن يفعل الوباء سوى تسريع وتيرتها؛ متغيرات مستجدة كلية سيولِّدها الوباء؛ وأنظمة وعلاقات وتوجهات لن تشهد أي تغير ملموس. إن العالم يواجه أزمة اقتصادية طاحنة، ستتجلى وطأتها بدرجات مختلفة من دولة لأخرى (وفي تناسب مع مقدرات الدولة السابقة على الوباء وليس مع ضراوته)، وقد تفضي إلى اضطرابات سياسة، هو أمر ليس محل جدل. ولكن المؤشرات على عودة الدولة، وتراجع دور الأنظمة الإقليمية وتواضع أهدافها، ومضي النظام الدولي نحو تعددية قطبية، كانت أخذت في البروز منذ سنوات على الأقل. من جهة أخرى، فالأرجح أن ارتفاع درجة المنافسة والتدافع، إقليميًّا ودوليًّا، سيستمر على ما هو عليه، وأن الآمال في أن يعمل الوباء على إعادة بناء العلاقات الدولية على أسس أكثر إنسانية وعدالة ستبقى مجرد تمنيات.

في حمأة الوباء، وما بدا وكأنه يجتاح الحدود والطبقات والمكونات الاجتماعية بلا تمييز، لم يكن مستغربًا أن يدفع الشعور المتسع بالفاجعة والفقدان البعض إلى توقع ولادة عالم أفضل من رحم المأساة. ولكن التجارب الإنسانية السابقة لا تؤسس بالضرورة لهذه التوقعات المتفائلة. ثمة من يرى من المؤرخين أن طاعون منتصف القرن الرابع عشر، دفع بقوة نحو نهاية النظام الإقطاعي وولادة العالم الحديث، ولكن الذاكرة الأقرب لأزمات العالم الكبرى توحي بعواقب مختلفة.

*


البنوك المركزية تتحرّك بحذر نحو مرحلة ما بعد الجائحة


الموعد الأنسب لرفع إجراءات الدعم الاقتصادي الضخمة التي فرضت العام الماضي لمنع “كساد كبير” ناجم عن أزمة كوفيد – 19.

لا مفر من سحب الدعم النقدي والمالي لكن السؤال الأهم هو: متى سيكون ذلك؟

منذ تفشي الجائحة العام الماضي دأب الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي) والبنك المركزي الأوروبي ونظراؤهما في اليابان وبريطانيا وغيرها على خفض معدّلات الفائدة وأطلقت برامج ضخمة لشراء الأصول لمنع وقوع كارثة اقتصادية.

ط عجلة الاقتصاد وخفض تكاليف الإقراض بالنسبة إلى الأفراد والأعمال التجارية والحكومات على حد السواء.

معارضو السياسات النقدية الفضفاضة بشكل كبير إلى أنها تتسبب بتعميق عدم المساواة عبر تضخيمها أسعار الأصول المالية ورفع أسعار العقارات.