الأربعاء، 5 فبراير 2020

المستقبل بين حقائق العقل وأوهام القوة

قد يبدو الحال فى ليبيا وسوريا واليمن والعراق مأساويًا، مقارنة بالمحيط العربى الآخر الذى لا يعيش الدم والرماد والنار.. قد تبدو المقارنة لصالح بلدان عربية أخرى، استطاعت أن تحفظ على شعوبها قدرًا من ظاهر الأمن، دون النظر إلى حقيقة اتزان المجتمع أو تململه خلف قناع الاستقرار الزائف.

قد يتندر البعض على مستقبل بلداننا المنكوبة.. وأى مصير أسود ينتظرها بين التقسيم والاحتلال المقنع أو السافر..
قد يشكك البعض - بحزن مصطنع - عن كونها ذهبت إلى غير رجعة..
وقد يرى البعض أنه لم يبق لنا إلا الأسى والدعاء.. الأسى على حالها وشعوبها.. والدعاء أن يجنبنا الله 
حمم براكينها.. وبألا يطالنا الشر الذى طالها..

يتندر ذلك البعض ويأسى مستدعيًا - بلسان حاله - مقولات من تراثنا السياسى العربى، من نوع «مظلمة ظلوم خير من فتنة تدوم».. أو يذهب أبعد ليؤسس شرعية للظلم من التراث الفقهى بمقولات كـ«ستون سنة من إمام جائر أصلح من ليلة واحدة بلا سلطان»..!

مقولات لم تعد حكرًا على ألسنة المتأسلمين.. تُستدعى أكثر فى أداء سلطوى عملى منغم، يكاد يقصر خيارات الشعوب لمستقبلها بين الفوضى المُضيعة أو السُلطة الغشوم..

وكأن مجتمع الحرية المسؤولة فى ظل حكم رشيد، ليس بديلًا واردًا فى أدبيات منطقتنا المنكوبة..!
ولكن الحقيقة وبقليل من النظر.. أن كل خطر محدق بتلك البلدان الشقيقة لا يختلف فى جوهره عما يطل برأسه على مستقبل الوطن العربى برمته.. ما لم نوغل برفق فى مسار العقل وحقائقه، وما لم نبرأ لمستقبلنا من كل أوهام القوة..!
ولنتخذ من «ليبيا» الشقيقة مثالًا ومحنتها كبيرة..
ليبيا هاجس لن يغيب، لأنها كما ذكرنا فى مقال سابق هى عمقنا الاستراتيجى الغربى المباشر.. هى أمننا القومى دون أى تأويل.. هى ببساطة مصر الممتدة غربًا.. وللقارئ أن يعى أن كل ما يخشاه على مصر القلب عليه أن يخشاه على أطرافها.
يترقب الجميع بِوَجَل المصير الذى سيحل بليبيا الشقيقة.. تقسيم مقنع لدويلات..؟! أم تقسيم سافر لدولتين..؟! أم حرب على الأرض حتى يحقق كل من اللاعبين الدوليين وطره..؟!
يترقب الجميع بِوَجَل أيضًا بعضًا من أبناء ليبيا وهم يتخبطون فى ظل هذه الدولة أو تلك، يتلمسون ما يظنونه حلًا.
أما الحقيقة - التى لا تزيّد فيها - أنه لن تكون ليبيا الواحدة الواعدة المتزنة إلا بأبناء ليبيا ذاتهم..
بهؤلاء المحتربين دائمًا.. الواعين حينا والحالمين حينا والمخربين حينًا..!
بهؤلاء ذاتهم ممن تتجلى فى أفكارهم وممارساتهم - كما فينا جميعًا - جاهلية سياسية واجتماعية وفكرية وكأنها تحتاج إلى أنبياء ليصلحونها لا إلى مواطنين عدول عقلاء..!


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق