د. ماريان جرجس
2019 من جريدة صوت الامة
يختلف فكر الدولة عن فكر الفرد في ترتيب الأولويات والرؤى، فالفرد لا يرى إلا موطئ قدميه، أما الدولة ومن يصنعون قراراتها يرون أبعد من ذلك، لذا شكلت ظاهرة الباعة الجائلين تحدٍ أمام الدولة المصرية مؤخرًا.
ظاهرة تفشت منذ عقود وتزداد كل يوم، ليس فقط لعشوائية عملية البيع والشراء الغير خاضعة لإشراف الدولة، بل لأن تلك الظاهرة جعلت من شوارعنا منافذ بيع لدول منتجة أخرى دون حتى رسوم جمركية !!.. وهنا الخطورة الأكبر التي تهدر قيمة المنتج المصري وتضر بالصناعة المصرية والاقتصاد الوطني.
البائع الجائل ما هو إلا مواطن يبحث عن قوت يومه واختار الطريق الأسهل والأسرع للرزق، لكنه لا يعلم المخاطر التي تقع على الدولة اثر ذلك، فعملية البيع والشراء التي تحدث دون ضرائب أو قيمة مضافة لا تحقق العدالة الاجتماعية بينه وبين البائع الذي يمتلك سجلا تجاريا ومحلا ويدفع الضرائب، حتى وإن كانت بضائع بسيطة أو منزلية، فهي غير خاضعة للمظلة الرقابية، وقد تكون غير مطابقة لمعايير السلامة والأمن والجودة اللازمة، خاصة وإن كانت بعض الأطعمة السريعة أو الحلوى التي يبتاعها طلاب المدارس من الباعة الجائلين أمام المدارس والتي قد تضر بصحتهم، فضلا عن قدرة الدول المصدرة لتلك المنتجات التلاعب بالذوق العام في الأسواق المصرية وطمس الهُوية المصرية، كما أن المواطن الذي يبتاع من البائع الجائل أي سلعة لن يحتمي بمظلة وقوانين حماية المستهلك.
أما عن العشوائية ، فحدث ولا حرج عن استغلال الأرصفة المخصصة للمشاة وإلقاء القمامة في أي مكان وزيادة حجم التلوث والضوضاء بشكل غير حضاري لا يليق ببلد سياحي مثل مصر، ومن هنا تتصدر هذه القضية قائمه التحديات التي تواجه الدولة المصرية، فالقضاء على تلك الظاهرة لن يكون بالجور على حق هؤلاء الباعة في العمل لكن بتقنين أوضاعهم، أمّا بالأسواق الحضرية أو بمنحهم فرص عمل في المصانع والمشروعات الصغيرة واستغلالهم كسواعد في الصناعة المصرية.
وبالفعل تقدم مجلس النواب بمشروع قانون في أكتوبر 2019 ينظم عمل الباعة الجائلين، وبالفعل تم تطوير أسواق حضرية ضمن خطة الدولة لتطوير الأسواق العشوائية بقيمه 457 مليون جنية في الاسماعلية ودمياط والوادي الجديد وبورسعيد، والتي تم افتتاح سوق السمك الجديد بها وهو خير مثال لتطوير الأسواق العشوائية والذي يضمن السلامة وجودة المنتج للمستهلك والربح للمستأجر أو البائع.
إن الأسواق الحضرية من شأنها أن تشجع المنتج المصري وتتحكم في آليات السوق ومعايير الجودة وتطويع الذوق العام وتمنع أي عملية شراء أو بيع غير خاضعة لإشراف الدولة أو أي اقتصاد موازٍ، تحقق الاكتفاء الذاتي للأسواق المحلية وتمكنّا من التصدير أيضَا.
إن سيادة الدولة وحوكمة الشارع المصري ليس جورًا على حق أحد في السعي وراء الرزق ولكنها إرساء مصلحة الدولة على مصلحة الفرد حتى لا تتحول شوارعنا إلى فوضى واقتصادنا إلى ركام.
++++++++++++++
يقول ماركس: "إن تاريخ الصناعة هو كتاب مفتوح لقدرات الإنسان".. لم يعُد هناك سبيلا للنهوض بالأمم سوى الصناعة التي من شأنها أن تعدل ذلك الميزان التجاري وتزيد من الصادرات وتقلل من الواردات.
وبعد نجاح خطوات الإصلاح الاقتصادي، بدأت الدولة المصرية تسير بخطى وثّابة على طريق الصناعة، لكن كعادة التجارب المصرية الناجحة، تبدأ مصر خطواتها على طريق الصناعة بشكل متميز وفريد، يتميّز بجذب الاستثمارات العربية والأوروبية، متجهة إلى إنشاء مصانع الاسمنت والحديد والصلب وهى الصناعة المرتبطة بسياسة الأسواق المصرية الحالية الحريصة على إقامة مشروعات قومية كبرى وعقارات وأبراج شاهقة الارتفاع، ولا سيما تلك اللهجة الراقية التي تقدم بها الدولة المصرية افتتاح تلك المصانع ممتنة لكل من بذل المجهودات في العقود السابقة لوضع الرؤى، التي تنفذها الدولة المصرية الآن، لكن بإيقاع أسرع وهو استكمال وليس الهدم والبناء من جديد، مما يضيف إلى الوعي المؤسسي نضجًا سياسيا.
أما عن مقومات الصناعة والواضحة في رؤية الدولة المصرية اليوم هي، الحفاظ على المواد الخام وحظر بيعها غير مصنعة، وهو القرار الذي شدد عليه الرئيس عبد الفتاح السيسى، منعًا لإهدار الموارد، الميكنة وإزالة العراقيل البيروقراطية والتي من شأنها أن تسرع ذلك الإيقاع أكثر وأكثر وتيسر كل خطوات صناعة المنتج المصري.
أما المقوم الأهم والذي هو ركيزة أساسية في أي صناعة؛ البحث العلمي، الأبحاث العلمية الدقيقة والمستمرة والحديثة هي العامل الوحيد الذي يستطيع أن يُدخل إلى الصناعات المختلفة الأساليب الحديثة في التصنيع والأساليب التي تستطيع أن تقلل من تكلفة تصنيع المنتج المصري، وتُضيف له الجودة والتمييز، بل وأن تجعله منتجًا صديقًا للبيئة وصديقًا للإنسان بتصنيعه طبقا لمعايير الجودة والسلامة، ومن ثمّ يستطيع المنتج المصري أن ينافس في الأسواق الإفريقية والإقليمية والأوروبية.
لذا، يكون الاهتمام بالبحث العلمي وإعادة هيكلته وإبعاده عن سيطرة العامل البشري والأهواء الشخصية ووضع الأبحاث العلمية ذات أولوية في الصدارة، مثل تلك التي ترتبط بسياسات الأسواق المصرية واحتياجاتها، أصبح أمرا هاما جدًا، كما أن البحث العلمي من شأنه وضع أسس ومعايير وآليات للحفاظ على الموارد البشرية وعدم إهدارها سواء بالبيروقراطية أو بسوء التوظيف أو بعدم تسكين الكفاءات في الأماكن المناسبة، فاستنزاف المورد البشرى بكل العراقيل البسيطة التي قد لا ندرك تأثيرها على تلك الموارد العقلية أو السواعد البشرية قادرة على إهدار المورد الأساسي في عالم الصناعة.
إن نجاح الصناعة المصرية اليوم بات صمام الأمان الذي يستطيع الحفاظ على برنامج الإصلاح الاقتصادي التي شرفت مصر على الانتهاء منه، والحفاظ على التنمية المستدامة والارتقاء بحياة المواطنين وتغيير تلك الثقافة التي رسخت في المجتمع المصري وهى التجارة فقط وليس الإنتاج، ذلك السلوك الاستهلاكي الذي قد يودى بمجتمعنا، حتى أصبح البائع الجائل مندوبًا للمنتجات الواردة الصينية وغيرها وكأننا أصبحنا منافذ بيع لمنتجات دول أخرى وهذا الأمر مفروض تمامًا في دولة قررت البقاء وأن تكون في مصاف الدول
فلسفة الدعم
الوصول إلى الفئات الأكثر احتياجًا، الفئات التي في حاجة حقيقية لتلك السلع ولذلك القدر من الدعم، هو التحدي الحقيقي في إصلاح منظومة الدعم، ويرجع ذلك لعدم وجود قاعدة بيانات واضحة لكل التعداد السكاني المصري، يأتي التحدي الثاني والأخطر في إصلاح تلك المنظومة هو التمدد المستمر للسكان بل الانفجار السكاني الذي يثقل كاهل تلك المنظومة ، فلنا أن نتخيل رقعة أرض تتمدد وتتسع باستمرار والمظلة التي تحميها ثابتة .
++++++++++++
كى لا أكون لأجئًا فى بلادى
أن اللجوء حالة من الغٌربة والانفصال عن الوطن ليس فقط بالمسافات ولكن أيضًا بانقطاع تلك الصلة الآمنة التى تربط المواطن بالوطن، ففى سوريا مثلا، تفتت الشعب بين لاجئ خارج البلاد على السواحل الغربية ومواطن سُلب منه الوطن وحل الدمار بكل ما حوله.
اغتيال الأوطان أو "آليات تدمير الدول "
فى سن صغيرة، بتشويه كل أوجه الانتماء والتقزيم من كل قيمة وطنية ومظهر وطنى والتقليل منه فى نظر الطفل والتمييز بين الأطفال بالدين والعرق واللون، وبهذا تٌقدم أجيالا للمجتمع تعادى الوطن والبشرية بأكملها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق