أنك منعزل عن المجتمع وتعيش في عالمك الخاص، ويُطلِق عليها البعض –تخفيفًا- «دوائر»: دائرة العمل ودائرة الأسرة ودائرة الأصدقاء… إلخ، ويمكن لأي شخص أن يخلق فقاعته ويعيش فيها ليرى من خلالها ما يدور في المجتمع واثقًا في أنه محمي تمامًا داخل فقاعته أو هكذا يظن أو يرجو.
مرونة مصطلح الفقاعة تجعله يتوافق مع جميع الممارسات؛ إذ يُستخدم سياسيًا بأن تحيط نفسك بآراء وتوجهات وأيديولوجيات تتوافق مع توجهاتك وقناعاتك، بحيث لا ترغب في الاستماع إلى الآراء أو الأدلة المخالفة، والفقاعة الثقافية تشير إلى السياق الاجتماعي الثقافي الذي عادة ما نغمر فيه أنفسنا، والهويات الاجتماعية التي نحملها، ومختلف وسائل الإعلام الدينية والاجتماعية والسياسية والقانونية التي نستند إليها، ويُستخدم بيئيًا كاستراتيجية لمواجهة التغيرات المناخية، وصحيًا بأن تخلق فقاعة آمنة تعيش فيها محميًا من الفيروسات والعدوى، واجتماعيًا بمعنى توفير احتياجاتك الأساسية بحيث لا تعتمد في توفيرها على شخص سواك، وتقنيًا بأن تحمي نفسك من الاختراق والقرصنة، وغير ذلك الكثير، اختر الممارسة وستجد فيها فقاعة ما.
وجهٌ آخر من وجوه الفقاعات هو «الأقليات»، وكذلك المغتربين الذين يعيشون غالبًا في جماعات منغلقة على نفسها (فقاعات)، فيتفاعلون فقط مع من يشاركونهم في جنسيتهم أو لغتهم، وهو ما يخلق واقعًا معقدًا داخل فقاعاتهم وخارجها، ويزداد تعقيدًا في بعض الأماكن التي يتجاوز عدد المغتربين فيها السكان المحليين، فبحسب أحد تقارير BBC، في دبي يُشكِّل إجمالي السكان الأجانب حوالي 88% من المقيمين في الإمارة، وفي قطر تبلغ النسبة 76%، ويبلغ التعقيد ذروته في المجتمعات التي لا تقبل اختلاط الوافدين، ففي السعودية قال 61% من الوافدين الأجانب إنهم يجدون صعوبة في تكوين صداقات محلية، وفي الكويت، وصف 31% منهم عملية تكوين الصداقات المحلية بأنها «صعبة للغاية».
++++++++++++
فقاعات الأصول.. أي حل؟
ربما يكون علماء الاقتصاد اقتربوا من تحديد أسباب فقاعات الأصول، غير أن كيفية تفجيرها قبل أن يكبر حجمها كثيراً يظل مشكلة صعبة جداً. دراسة الفقاعات اكتسبت طابعاً ملحاً ومستعجلا على نحو مطرد خلال العقود الأربعة الماضية، بعد أن أضحت الانهيارات أكثر قوة وأشد ضرراً. فقد كان انهيار الأسهم عام 1987 بمثابة نداء تنبيه بالنسبة لمن كانوا يعتقدون أن الأسواق قادرة على الاشتغال بشكل فعال بمفردها، ولم يكن ثمة سبب بديهي يجعل مستثمرين عقلانيين يخلصون فجأة إلى أن قيمة شركات أميركية باتت أقل بـ 23? من اليوم السابق. فقاعة قطاع التكنولوجيا كانت أكثر إثارة للقلق، لأن الكثير من المراقبين كانوا قد حذّروا من فقاعة سنواتٍ قبل الانهيار، بلا طائل. والشيء نفسه حدث مع فقاعة قطاع العقارات، على أن الفرق الوحيد هو أنه عندما انفجرت هذه الفقاعة، جرّت معها الاقتصادَ الحقيقي، مثلما يحدث عندما تكون انخفاضات أسعار الأصول مصحوبة بارتفاع كبير في مستوى الدَّين.
الباحثون طوّروا مجموعة واسعة ومتنوعة من النظريات حول سبب ارتفاع أسعار الأصول فجأة وانهيارها فجأة. والواقع أن صعوبة تحديد أسباب الفقاعات جعلت من الصعب رسم سياسات لتجنبها. غير أنه في الآونة الأخيرة، أخذ عدد متزايد من علماء الاقتصاد يركزون اهتمامهم على فكرة «التوقعات الاستنباطية». فبغض النظر عن الأسباب، فإن المستثمرين يقررون أحياناً أن اتجاهاً حديثاً لعوائد جيدة يمثّل نوعاً من الاتجاهات الهيكلية العميقة.
خطورة الفقاعة
ترى الطبيبة النفسانية «ليندا سبادين»، أن الفقاعة أمر غاية في السوء؛ إذ لا تخلق حياة كاملة، كما أن سهولة تكوينها من أوجه السوء فيها، فربما تبدأ في التكوين من أسئلة بسيطة: لماذا يتعين عليّ القيام بذلك؟ لماذا لا يتوافق الآخرون مع طريقتي؟ هل الأفضل أن أصنع عالمًا خاصًا (فقاعة) تحيطني بمن يشبهونني؟ وبمرور الوقت يصبح الأمر مملًا ومصطنعًا، والتعمق فيه يكشف سوءه؛ فداخل أعماق فقاعتك أنت لا تقبل الخلاف والاختلاف، مهما كنت ديمقراطيًا على السطح، كما أنها تخلق تحيزًا إدراكيًا، واستنتاجات غير كاملة.
تبدأ خطورة الفقاعات عندما نحبها؛ لأنها تشبهنا وتشعرنا بقدرتنا على ترتيب ورسم خطواتنا؛ فنحن من نختار ماهيتها، حتى وإن أخطأنا فإنها تمثلنا بأخطائنا، كما تمنحنا الاستقرار؛ لأنها أسهل وأكثر راحة وأمانًا، أو هذا ما نؤمن به، كما أنها تتسع وتضيق برغبتنا، ويمكن أن نجعلها تشمل العالم الذي نريده، حتى تصبح كبيرة بما يكفي لتُشعرنا -كذبًا- بأنها لم تعد محدودة، لذا قد تكون الفقاعة خدعة نفسية نخلقها أو مجرد انعكاس لأفكارنا وتصوراتنا ورغبتنا في عيش الحياة بطريقة خاصة تعطينا الفرادة والتميز وسط الآخرين، كما أن اعتقادنا بقدرتنا على توسيع الفقاعة هو مجرد حالة انتشاء زائفة؛ فنحن لا نوسع فقاعاتنا بقدر ما نضيّق العالم الخارجي من حولنا، حتى إذا انفجرت الفقاعة لم نجد عالمًا يحتوينا؛ ففقاعاتنا محدودة بخيالنا وبالطبع خيالنا لا يشمل العالم كله، لذا فالعالم يضيق وليست الفقاعة هي التي تتسع.
وبالرغم من خطورة ما سبق فإن أخطر ما في الفقاعات وجهان؛ الأول، أنها تحيط بنا وتتشكل لا إراديًا، دون تدخل منا، بل قد تتكون على هامش الوظيفة أو السكن أو المستوى التعليمي، فتلقائيًا نحيط أنفسنا بأشخاص يتصرفون ويفكرون مثلنا، ونسمي ذلك توافقًا، نبحث عنه في الأصدقاء والجيران وزملاء العمل وحتى بين الأقارب؛ حتى لا نشعر بشذوذ مجتمعي، فيبدو لنا العيش في الفقاعات وكأنه الوضع الطبيعي للبشر، ويزيد خطر ذلك خدعة نفسية، حين يصاحب خروجنا من فقاعتنا شعور بعدم الراحة والتكيف، لا يزول إلا بالعودة إلى الفقاعة.
أما الوجه الآخر، فهو الاعتقاد بأننا داخل فقاعاتنا نحقق أفضل مستوى معيشة، ونوفر أنسب الخيارات، لكن في الحقيقة نحن لا ننمو من خلال إحاطة أنفسنا بأشخاص وأفكار تشبهنا ولا ترينا الجانب الآخر من العالم خارج الفقاعة، لا تكتمل حياتنا وعقولنا بوجودنا في غرفة فارغة أو الاستماع لصدى أصواتنا.
اقترحت الدراسة خمسة أمثلة للفقاعات: طفرة السكك الحديدية البريطانية في أربعينيات القرن التاسع عشر، ومشروع الجينوم البشري، وازدهار الإنترنت في أواخر التسعينيات، واستنساخ الحيوانات، وبرنامج أبولو الأمريكي، وقد أيدت الدراسة مثل تلك الفقاعات، واعتبرتها تطورًا مفيدًا للمجتمع؛ لأنها تسمح باستكشاف مجالات استثنائية، فهي بمثابة «شر ضروري لتعزيز موقفنا الجماعي تجاه الخطر، وكسر جمود المجتمع الناتج عن ميله نحو تجنب المخاطر، ولذا فإن غياب علم النفس الفقاعي من شأنه أن يؤدي إلى الركود»، ودعمت الدراسة ذلك بما أحدثه المشروع من تقدم تكنولوجي هائل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق