21 نوفمبر 2014
عادة ما يقصد بالاقتصاد الريعى البلدان التى تعتمد فى القسم الأعظم من دخلها على موارد تأتى من خارج الاقتصاد كالمعونات الأجنبية أو تحويلات العاملين أو العوائد المتصلة بالموقع كقناة السويس فى مصر، أو على الموارد الطبيعية كالنفط والغاز الطبيعى، والتى لا يشارك فى إنتاجها وتصديرها للخارج سوى عدد يسير للغاية من العاملين بالاقتصاد كحالة الصناعات الاستخراجية، والخلاصة فإن الاقتصاد الريعى يعتمد على موارد لا يسهم فى إنتاجها بدرجة أو بأخرى، ما يجعل الغالب من السكان معتمدا على تلقى نصيبهم من الريع الخارجى كما هو الحال فى أغلب اقتصادات الخليج العربى، والتى تعتمد بشكل أساسى على تصدير الطاقة، وتضطلع الدولة بتحصيل الإيرادات من التصدير كى تقوم بإعادة توزيعها على السكان من خلال خدمات عامة مجانية ووظائف حكومية وإعانات اجتماعية.
درج الكثير من الاقتصاديين ورجال الفكر والسياسة فى العقود الماضية على اعتبار الاقتصاد المصرى ريعيا بدرجة كبيرة، وخاصة مع ارتفاع أسعار النفط فى ١٩٧٣ وما تلاها من تزايد الاعتماد على صادرات البترول وعوائد قناة السويس والمعونات العربية والأجنبية علاوة على تحويلات العاملين بالخارج، والتى ترتبط هى الأخرى بأسعار النفط كون الخليج العربى وليبيا أكبر مراكز للعمالة المصرية بالخارج، وإن تغير الوضع مؤخرا مع بروز دور المصريين فى أستراليا وأمريكا الشمالية. وقد كان الاقتصاد المصرى بالفعل يبدى العديد من ملامح الاعتماد على الريع الخارجى فى السبعينيات والثمانينيات، ولكن الأمور بدأت فى التغير منذ التسعينيات بانخفاض الأهمية النسبية للريع سواء كجزء
من الناتج المحلى أو من إيراد الدولة، فهل يمكن اعتبار الاقتصاد المصرى ريعيا اليوم؟
إن الإجابة المختصرة على السؤال أعلاه تكون بلا إذ إن نصيب قطاع البترول والغاز الطبيعى مضافا إليه عوائد قناة السويس فى الفترة بين ١٩٩٠ و٢٠١٢ لم يتجاوز ١١٪ من إجمالى الناتج المحلى، وهو ما يعنى بشكل جلى أن القسم الأكبر من الناتج المحلى فى مصر يأتى من قطاعات إنتاجية زراعية أو صناعية أو خدمية كالسياحة والاتصالات والخدمات العامة والمرافق، وينسحب الأمر نفسه على نصيب المعونات الأجنبية من الناتج المحلى، والذى انخفض من نحو ٥٪ فى ١٩٩٤ إلى ما هو دون ١٪ من الناتج المحلى فى ٢٠٠٠، ولم يتغير كثيرا باستثناء السنة المالية الأخيرة التى شهدت تدفقا غير مسبوق، وغير مرشح للاستمرار على كل ومن ثم لا يقاس عليه، للمساعدات الخليجية. ومع التوسع فى تعريف الموارد الريعية بضم تحويلات العاملين بالخارج فإن متوسط نصيب جميع أشكال الريع من مبيعات النفط وعوائد قناة السويس مع تحويلات العاملين فى الفترة بين ١٩٩٠ و٢٠٠٦ لا يتجاوز ١٨.٤٪ طبقا لبيانات المركزى المصرى، وهى نسبة لا تكفى بحال لوصم الاقتصاد المصرى بالريعية.
ويقودنا هذا إلى لب الإشكال وهو عجز السياسات العامة فى مصر فى العقود الثلاثة الماضية عن إكساب القطاعات غير الريعية تنافسية سواء فى تصدير السلع والخدمات أو فى جذب رءوس الأموال الأجنبية ما جعل مصر فى وضعية شديدة الغرابة وهى الاعتماد المتزايد فى علاقتها بالعالم الخارجى على موارد ريعية متناقصة سواء بصورة مطلقة مع تحول مصر لبلد مستورد ضاف للنفط فى ٢٠٠٦ وللطاقة فى ٢٠١٢، أو بصورة نسبية كثبات نصيب قناة السويس من الناتج المحلى وإيراد الدولة طيلة العقد الماضى، وجعل التوسع فى القطاعات الاقتصادية غير الريعية ضعيف الإنتاجية وهامشى بدرجة كبيرة خاصة فى قطاع الخدمات. ومن هنا كان تحدى الخروج من هذه الريعية غير المتكافئة Asymmetrical Rentierism هو التحدى الرئيسى الذى يواجه التنمية الاقتصادية والاجتماعية فى مصر.
++++++++++++++++++++
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق