الجمعة، 12 فبراير 2021

الإصلاح القضائي السعودي

 أولهما: شمولية الشريعة الإسلامية وصلاحيتها لكل زمانٍ ومكان وقابليتها للتطور ومعالجتها للنوازل والمستجدات المتغيرة. وثانيهما: أن المملكة العربية السعودية جادة في تنفيذ سياساتها الإصلاحية، التي تتخطى النواحي الاقتصادية والاجتماعية، لتشمل النواحي القضائية العدلية من خلال تطوير البيئة النظامية والتشريعية، بشكلٍ يُكسبها الاستدامة والمرونة والفاعلية، وفي نفس الوقت يضمن تنفيذ رؤية المملكة التنموية وخططها المرسومة.

 قرار مجلس القضاء الذي ألغى الحكم بالشبهة، وكذلك إلغاء عقوبة الجلد في القضايا التعزيرية، ولا شك أن هذه الخطوات تُمثل تحولاً إيجابياً ونوعياً في مسيرة وتوجه القضاء السعودي.

الإصلاحات القانونية

العشوائية القانونية السابقة سوف تغيب ليحل محلها نظام قضائي واضح، يكفل أن تتوفر أسس للأحكام، كما يكفل أن تتوفر ضمانات لمن يقع تحت طائلة القانون.

 أهم دوافع الإصلاح القضائي، لا يتعلق بالقضايا الجنائية التقليدية، فهذه مما لا يثير الكثير من اللغط، وإنما ما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان والرأي والحريات العامة والمساواة والمرأة.

التعري جزء من “حرية الرأي” في مونتريال. ولكنه ليس كذلك في جدة! ولا حتى في أي مدينة عربية أخرى.

يندفع ولي العهد السعودي في إصلاحاته، بمقدار هائل من الشجاعة. وذلك إلى درجة تبرر الخوف منها عليه. ولكنه يقطع شوطا بعد آخر، مطمئنا إلى أن الإصلاح بات ضروريا، ويتعين على دولة، هي الآن من بين أكبر 20 اقتصادا في العالم، أن يمضي بها قدما. جانب من ذلك يعود إلى أنه من جيل مختلف. قريب تماما من جيل لُجين الهذلول، الناشطة التي أطلق سراحها أخيرا.

لُجين الهذلول عادت من كندا لكي تدافع عن المساواة وعن حقوق المرأة في المملكة، فوقعت ضحية نظام قضائي لم يألف “قضايا” من ذلك النوع الذي يهدد “القيم” و”التقاليد”، ولا أساس قانونيا لها أصلا. فدفعت ثمن المنطقة الرمادية بين مفهوم للحق يقيم وزنا للتقاليد والقيم الاجتماعية، ومفهوم آخر له يقيم وزنا للحقوق الفردية.

العراقيات، على سبيل المثال، كن يدافعن عن حقهن في السفور، من قبل 80 عاما، وفزن به، من قبل أن تنقلب الآية عندما حدثت الردة التي لحقت بتولي الميليشيات التابعة لإيران السلطة في العراق عقب غزو العام 2003.

الغرب انتقائي بقيمه. يكيل بمكيالين، ويعتبر ثقافته هي القاعدة. وهذه مشكلة لكل مثقف يتعين أن يتفحص موطئ قدميه، قبل أن تنزلق بمكيال، وتنتهي بالآخر.

الإصلاح في تونس، لا يمكن أن يكون هو نفسه الإصلاح في السعودية. المثقف، إذا شاء أن يتصرف كمثقف فعلا، لا يستطيع أن يوازي بين تاريخين اجتماعيين مختلفين إلى ذلك الحد. فكيف بالتوازي مع الغرب نفسه؟

من حق المرأة أن تمارس التعري وترتدي ما تختاره من لباس. فاللباس مهما كشف عن مفاتن الجسد حق مشروع في الغرب، والنساء يتمتعن بحماية القانون، طالما لا يسئن بممارسة حريتهن إلى الآخرين.

النظر إلى القضايا العامة، من مستوى إدارة الدولة، ليس كمثل النظر إليها من مستوى المرأة التي تريد أن تقود سيارة، أو أن تسافر من دون رقيب.

إنها حقوق بسيطة في الواقع. ويتعين كسبها، ولكن من داخل السياق الاجتماعي، وليس بإملائها من سياق آخر. وهي ما أن تتحول إلى مناسبة للصيد في الماء العكر على مستوى العلاقات بين الدول، فإن تلك الحقوق لا تعود هي نفسها. سوف تصبح موضوعا آخر، لا علاقة له بالحقوق الفردية أصلا، وإنما بالتدخلات في الشؤون الداخلية لبلد آخر.

جاستن ترودو، وهو من جيل محمد بن سلمان أيضا، لا يفهم تلك الشؤون الداخلية أصلا. لا يفهم أسسها ولا موجباتها ولا تاريخها ولا ثقافتها ولا ما تمليه على الحاكم طوعا أو قسرا.

ما يعنيه، هو أن يتعالى علينا بمفاهيمه الخاصة للحريات الفردية. وما يقصده هو أن يندفع لكي يمارس ضغوطا سياسية لأغراض تجارية، أو أن يندفع لإضعاف موقف البلد من بعض قضاياه الاستراتيجية الأخرى.

تتعرض السعودية لتهديد متواصل من ميليشيات إيران في اليمن. تتعرض أيضا لتهديد متواصل من التيار الديني المتشدد، الذي يتواطأ ضمنا مع فلول جماعة الإخوان. كما أنها تتعرض لتهديد مباشر من إيران. وما كان ضرب منشآت أرامكو إلا دليلا واحدا عليه.

الانتماء لوطن، يستدعي أن تقف لجين نفسها لتقول لترودو، “لا تخلط حابلا بنابل. قضيتي شيء، والنيل من السعودية شيء آخر”

منذ متى كانت حقوق المسلمين مهمة للغرب؟

*



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق