الأحد، 14 فبراير 2021

قصة الاقتصاد المصري

 أهمية كتاب "قصة الاقتصاد المصري" للمفكر الاقتصادي المصري "جلال أمين"، الذي حمل على عاتقه في هذا الكتاب تفكيك شعار النظام الاقتصادي العالمي الذي يقول: "لا تنمية بدون قروض ربوية"، مُتجاهلا كل المؤتمرات والخطب البليغة ومئات الكتب والأبحاث التي تُقرِّر أهمية القروض في عملية التنمية الاقتصادية في عصرنا.

وخلال 120 صفحة فقط، يسرد أمين قصة تطوُّر النظام الاقتصادي في مصر منذ عهد الوالي "محمد علي" وحتى الرئيس الأسبق "محمد حسني مبارك"، عبر تتبُّع مصادر تمويل التنمية الاقتصادية في مصر، فقد اختار أمين أن يجعل طرحه شديد التركيز، فيتناول تاريخ الاقتصاد المصري بطريقة مَسحية لا تدعوه للتورُّط في كثير من تفاصيل الاقتصاد المُعقَّدة، مع الحرص على تقديم صورة مُبسَّطة وكاملة لخط تطوُّر الاقتصاد المصري مقترنا بالتغيرات السياسية الداخلية والتغيرات العالمية والدولية، التي يُقرِّر في النهاية أن لها التأثير الأكبر على الاقتصاد المصري طوال 200 عام.

فمنذ قيام النظام الاقتصادي الرأسمالي العالمي، أصبحت القروض مصيدة سياسية خطيرة في أيدي الدول الكبرى، وعبرها تقع الدول في أسر الديون، التي تتحكّم من خلالها الدول الدائنة في سياسة الدول المَدينة.

فرسم أمين قصة الاقتصاد المصري، عبر سرد قصة وقوع مصر المتكرر في تلك المصيدة، خلال دورتين تاريخيتين، وقعت مصر خلال الدورة الأولى تحت الاحتلال الإنجليزي بسبب تراكم الديون وعجز الخزانة المصرية عن السداد، وانتهت الدورة الثانية بقيام ثورة يناير 2011 بعدما دفع إرث ديون الرئيس محمد أنور السادات ومن بعده مبارك إلى انهيار الاقتصاد المصري، والآن تدخل مصر في خضم دورة جديدة تغرق خلالها في الديون.

مصيدة الديون التي تُحاصر اقتصاد الدولة لا يتحكم فيها "مدى حاجة الدولة إلى الاقتراض، أو مدى رعونة الحاكم أو حكمته في إدارة شؤون البلاد، وإنما أيضا مدى استعداد الدول لإقراضك، ومدى تلهُّفهم إلى توريطك في الديون، وهنا نرى انطباق القاعدة التي كثيرا ما نصادفها في عالم الاقتصاد:

"العرض يخلق الطلب"، ومعنى ذلك أن تورُّطك في الديون لا يتوقف فقط على مدى حاجتك إليها، وإنما يتوقف أيضا على مدى حاجة غيرك إلى إقراضك". لذلك سنجد أن الدولة المصرية تورّطت في أكبر ديونها خلال عصور الرخاء وليس عصور الحاجة، وتعرّضت لأشد إذلال وتغيير قسري في سياساتها في عصور الشدة عندما تراكمت عليها الديون، والأغرب أن خروج مصر من أزماتها الاقتصادية واستقرار نظامها الاقتصادي يكون مؤشرا على تغيير سياسي كبير. لكن قبل أن نشرح هذه المعادلة المعقدة، هل يوجد تنمية بدون قروض حقا؟

المناهج المدرسية في مصر "مؤسس مصر الحديثة"، إلا أن المؤلف يُقرِّر أن هذا التشخيص لتجربة محمد علي يُشير فقط إلى نصف الحقيقة.

إذ يحكي جلال أمين أن مصر تحت حكم محمد علي شهدت اندماجا في الاقتصاد العالمي بدرجة لم تعرفها طوال قرون طويلة سابقة، وكانت أقل اعتمادا على النفس بكثير مما كانت عليه طوال الحكم العثماني على الأقل، فقد أصبحت صادرات مصر من القطن هي المصدر الأساسي للدخل القومي وإيرادات الحكومة.

فلم يكن الاقتصاد المصري إذن "مستقلا" عن الاقتصاد الرأسمالي في عهد محمد علي، "لا بمقياس ضآلة دور التجارة الخارجية، ولا بمقياس تنوع أسواق التصدير والاستيراد، ولا بمقياس الاعتماد على الخبرة والمهارات المحلية". فمن أين إذن يأتي الحديث عن "التنمية المستقلة" في عهد محمد علي؟ يُجيب أمين أن اعتبار تجربة محمد علي تجربة تنموية مستقلة يصح من ثلاثة وجوه:

فالعبرة في الاستقلال -كما يقول أمين- "ليست بمدى استغناء الدولة عن التجارة الخارجية، أو عن علاقتها الاقتصادية بالعالم الخارجي، وإنما بمدى ما تتمتع به من قوة المساومة في علاقاتها الخارجية. وتأتي التبعية حينما تضعف قدرة الدولة على المساومة بحيث لا يكون لديها أية وسيلة لدفع الخطر عنها إذا أرادت دولة أخرى إخضاعها والتحكُّم في إرادتها، وهذا هو ما نجح محمد علي في تجنُّبه".


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق